‏إظهار الرسائل ذات التسميات خوارق العادة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خوارق العادة. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 22 مايو 2023

كيف يسرق الجن الذهب ليتزين به؟!

0


هل يسرق الجن ذهب الإنس ليتزين به؟!


ينتشر في بلادنا العربية والإسلامية شائعات تتعلق بالدين، وبخاصة ما يرتبط بعالم الغيب، ويكثر فيها أقوال الوعاظ، ممن لم يتوفروا على البحث العلمي، والتدقيق الشرعي، والناس في بلادنا تهوى وتتلقف الكلام الغامض، وبخاصة ما يتعلق بالجن والسحر والحسد، وكل ما له علاقة بعالم الغيب، ولذا يكثر في هذا المجال الكلام الخاطئ، ويقل فيه الكلام الصحيح، المستند على دليل شرعي.

داعية يروج لسرقة الجن ذهب الإنس:

منذ أيام قليلة، نشر موقع مصري خبرا يحذر فيه داعية مصري من أنواع الجن، وهوايتهم لسرقة ذهب الناس، فقال: (الجن يسرق الذهب من المنزل ليتزين به، ويمكن استرجاعه بالدعاء، لكن إذا كان جن (طيار) استعوض ربنا). إلى هنا ينتهي الخبر، وهو يحمل كما نرى أوهاما تتعلق بالدين، وتتعلق بدنيا الناس، وتتعلق بالقانون وسلامة وأمان المجتمع.

وكلها كما نرى عبارات لا دليل عليها، ولا منطق عقلي يدعمها، لا دليل من القرآن والسنة، حيث إن صاحب التصريح داعية، ولا منطق من الواقع يمكن أن يصدق مثل هذا الكلام، إلا في عالم الخرافة، وعالم التوهمات، وهو ما يمكن أن يسري ويشيع في بيئته فقط، ولأن الموضوع له علاقة بالشرع، بل هو بالأساس موضوع شرعي، ويكثر فيه أسئلة الناس بالعموم، حيث لو شاهدت برامج الفتوى في التلفزيون، أو الإذاعة، أو الفضائيات، أو الأسئلة التي توجه للمشايخ، ستجد نسبة غير قليلة تتعلق بالجن والسحر والحسد، ولأن الموضوع فيه إسهاب لا يتحمله المقال، سوف أركز فقط على ما ذكره هذا الداعية، لأنه كلام أحيانا يروج في بعض المناطق، وفي بعض جرائم السرقة.

سارقة تعللت بأن الجن يأمرها بالسرقة:

وأذكر أني حضرت منذ أكثر من عشرين عاما قضية تحكيم في الريف المصري، وكانت بعض النساء يتهمن امرأة سرقت ذهبا لهن، وكذلك اتهمت بسرقة أموال، وظلت المرأة المتهمة بالسرقة كلما ضيق عليها، تتصنع حالة من الإغماء، وتغير الوجه، وتغير الصوت، وتخشن صوتها، وكأن عفريتا من الجن ركبها، لتبرر ذلك بأنها مسيطر عليها، وهو الذي يسرق وليست هي، ولذا فهي ليست سارقة، بل مسكينة مريضة، عليهم أن يعالجوها، وأن يجلبوا لها شيخا، أو متخصصا في فك الأعمال والسحر، وصدق بعض السذج السيدة وأراد التعاطف معها.

مصدر الحديث عن عالم الغيب:

الجن والملائكة، والجنة والنار، والقبر، والموت، كل هذا وقضايا أخرى، تدخل تحت باب: عالم الغيب، وهو عالم أمرنا الله تعالى بالإيمان به، فقال تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب) البقرة: 3، ولكن هذا العالم لأنه اسمه الغيب، أي: ما يغيب عنا، فالإيمان به ركن من أركان الإيمان، لكنه مشروط في ذلك، بأن يكون مصدره هو عالم هذا الغيب، وعلام الغيوب وحده هو الله سبحانه وتعالى، ولذا لا نؤمن، ولا نعتقد إلا بما ثبت عن الله، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم في الحديث عن هذا العالم.

والآيات والأحاديث التي تحدثت عن عالم الجن، هي نصوص محدودة، وما يتعلق فيها بمدى التداخل في عالم الإنس، هي نصوص قليلة جدا، ولا تفيد دلالة صريحة في الأمر، ويحاول من يتكلم في هذا الموضوع أن يأتي بكل شاردة وواردة، وبكل ما هو مجازي في الحديث، ليسقطه على واقعنا، والحقيقة أن النصوص بينت أن عالم الجن عالم مستقل تماما عن عالم الإنس، لم يحدث التقاء بينهما إلا في مساحات محدودة، وكانت مع أنبياء في سياق واضح ومعلوم، لا يمكن تعميمه على كل بني البشر.

تسخير سليمان عليه السلام للجن:

وما ورد في القرآن الكريم من تسخير نبي الله سليمان للجن، فقد كان من باب الإعجاز، وليس من باب العموم، [...].

وقد جعل الله تعالى وفاة نبي الله سليمان دليلا قرآنيا وواقعيا واضحا على عدم قدرة الجن على معرفة الغيب، أو أخذ شيء من الإنس، كما يزعم البعض، فقد سخرهم نبي الله سليمان للعمل، وقد أدركته الوفاة، ولم يعلموا بذلك، إلا عندما أكلت دابة الأرض منسأته، ولذا قال تعالى: (وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ. يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ. فَلَمَّا قَضَيۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَوۡتَ مَا دَلَّهُمۡ عَلَىٰ مَوۡتِهِۦٓ إِلَّا دَآبَّةُ ٱلۡأَرۡضِ تَأۡكُلُ مِنسَأَتَهُۥۖ ‌فَلَمَّا ‌خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلۡجِنُّ أَن لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٱلۡغَيۡبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ) سبأ: 12-14.

ما ورد في تراثنا عن حياة الجن مع الإنس:

وربما استدل بعض من يذهب إلى أنه يمكن للجن فعل ذلك، ويمكنه فعل أشياء تدخل في حياة الإنسان، ويستدل بما ورد في تراثنا الفقهي من نقاش لبعض حالات تتعلق بالتقاء الجن والإنس، كزواج الإنس بالجن، سواء كان الزوج رجلا أو امرأة، كأن يتزوج إنسي جنية، أو جني إنسية، والمتأمل لهذه الآراء الفقهية، فسيجدها كانت من باب: الفقه الافتراضي.

فالمسلمون عندما كانت عندهم حضارة ممتدة، وخلافة وحكم يملك زمام أقطاب الدنيا، كان هناك لون من الترف الفكري والفقهي، فكانت تطرح مثل هذه الأسئلة، والتي ليس لها أساس من الواقع، وهي كلها أمور متخيلة، وليست واقعية، وليس معنى نقاش التراث الإسلامي لها، دلالة على أنها حقيقية، وإلا فإن الشعر والتاريخ والأدب تحدث عن: الغول، والغولة، ولا يوجد مخلوق اسمه الغول، وورد في شعر امرئ القيس وغيره كذلك، وقس على ذلك قضايا من هذا النوع.

جهل بالدين يؤدي إلى خلل النظام الجنائي:

فإذن لا يصح مثل هذا الكلام دينيا، ولا واقعيا، بل إن انتشار مثل هذه الأفكار المغلوطة يؤدي إلى خلل النظام الجنائي في المجتمع، فهو يفتح باب الجريمة على مصراعيه، حيث سيتعلل كل من يرتكب جريمة بأن من قام بها هو الجن، وأن من حرضه الجن.

وهو أيضا يفتح باب الإهمال من الشرطة ورجالها، فلو ذهب إنسان لعمل محضر بسرقة ذهب، فقال له ضابط المباحث: هذا للأسف ليس اختصاصنا بل اختصاص الجن، لأن السارق من الجن الذي يسرق الذهب، اذهب للشيخ فلان ليعمل لك حجابا لرده، ولو كان الجن طيارا، فهل معنى ذلك أن يذهب الشخص المسروق إلى كلية الطيران، أو إلى مطار القاهرة الدولي، ليبحث عن طيار ماهر يحسن معرفة هذا الجن الطيار؟

وماذا لو أتتنا امرأة وقد حملت من حرام، ولكي تبرر فعلتها، فقالت: إنني لم أزن، بل تزوجني جن غصبا عني، أو اغتصبني، وقاومت ولكني لم أستطع، وقد حملت منه؟ وهو باب لا يغلق في هذه المسألة، وليس له أصل، أو وجود حقيقي.

وماذا لو أن هذا الداعية نفسه، قام شخص بسرقة ذهب امرأته، وذهب للشرطة، فقالوا له: ربما يكون هذا جن طيار، أو جن من سارقي الذهب، هل سيقبل بهذا الرد؟ الحقيقة، أنه لن يقبل، وسيتهم السلطات بالتقصير.

فما ذكره هذا الداعية، أو ما يروج بين الناس في هذا الموضوع، كلام باطل، خرافة لا قيمة لها علميا ولا دينيا. [...].




اقرأ المزيد »

السبت، 6 نوفمبر 2021

حقيقة السحر بين الموروث والمنصوص

0

من الكتب المفيدة التي ننصح بقراءتها لكل مهتم في موضوع السحر والرأي الديني فيه: كتاب حقيقة السحر بين الموروث والمنصوص، لكاتبته رانيا رجب شعبان.

كتاب جيد، فيه بحث في حقيقة السحر حيث تطرح أدلة الجميع بين القائلين بوجود قوى خارقة وبين القائلين بأنه مجرد إيهامات أو تخيلات... وتناقشها جميعا بهدوء، وما أحوجنا أحيانا للنقاشات الهادئة الرزينة.

النتيجة التي تصل إليها هي أن السحر مجرد تخيلات لا تغير من حقيقة الأشياء (مثل سحر سحرة فرعون حيث يخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى)، وترفض أيضا القبول بأحاديث سحر الرسول صلى الله عليه وسلم وتضعفها.
 

طالع أيضًا:

اقرأ المزيد »

الخميس، 13 سبتمبر 2018

هل الإصابة بالعين حقيقة؟

5
انقسم المسلمون إلى قسمين:

1) قسم يقول بأن هناك تأثيرا لعين الحاسد على المحسود وهذا التأثير عبارة عن قوى غيبية خارقة

2) قسم يقول بأن الإصابة بالعين لا حقيقة لها، وأن الحسد شعور قلبي وأن شر الحاسد هو بأفعاله المكيدة


التعارض مع منطق الإسلام:

- نحن نرى أن مبدأ الإعتقاد بقوة العين وتأثيرها يتعارض مع منطق الإسلام القائم على البرهان والدليل والداعي إلى العلم وملاحظة الظواهر الطبيعية.



تأويل آيات الحسد:

- الآيات التي احتج بها الجمهور على تأثير العين تأويلها على خلاف الأظهر، فقوله تعالى {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم} لا دلالة في هذه الآية على الإصابة بالعين، وغاية ما تدل عليه، أن الذين كفروا لشدة غيظهم ينظرون إلى رسول الله نظرات ملؤها الحسد والحقد والغضب تكاد تزلقه أي تحرفه عن مساره والمقصود هنا موافقته على بعض ما يريدون، ويؤيد هذا قوله تعالى {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا. وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} (الإسراء، 74)، وبالجمع بين الآيتين يتضح المقصود من قوله تعالى {ليزلقونك بأبصارهم} ومثل هذا التعبير متعارف عليه ومألوف بين الناطقين بالعربية، ويراد به بيان حدة النظرة ولؤم صاحبها، دون أن يكون لها تأثير سلبي واقعاً، ونظيره ما يتردد على الألسنة في التعبير عن النظرة الحانقة بقولهم: “يكاد يأكلك بعينيه”.


طلب يعقوب من أولاده:
 
- طلب يعقوب النبي من أولاده أن لا يدخلوا من باب واحدة فلا يستطيع أحد أن يجزم أن القصد خوفه عليهم الإصابة بالعين، بل ربما كان قصده خوفه عليهم من سلطان أو عدو يراهم عصبة من الرجال بني أب واحد فيحسدهم أو يؤرقه جمعهم فيكيد لهم ويبغي لهم سوءا


أحاديث العين:

- الأحاديث الواردة في العين ينبغي تأويلها بالحسد، كقوله عليه الصلاة والسلام (العين حق) بمعنى أن الحسد حق، وهو كذلك. وقد عبّر عنه بالعين لأن العين سفير القلب، وغالبا ما يتكون الحسد بعد النظر، وكذلك فإنّ العين حق فيما تخبر عن حال صاحبها، ألا ترى الحاسد يعرف من عينيه والمحزون والخائف والكاذب والمتكبر والمسرور والمحب كل أولئك يعرفون من عيونهم، فالعين حق لا تكذب. إذن لا يمكن أن يكون في الحديث دلالة على تأثير العين في المعين، وإنما فيه دلالة على تكوُّن الحسد في قلب العائن، وظهور ذلك في عينيه.


منهج القرآن:

- جاء القرآن الكريم بالمنهج العلمي القائم على الملاحظة والدليل، وحارب كل أنواع الإيمان بالقوى الخفية التي تحد من طاقة الإنسان وفعاليته في إعمار هذا الكون، ولا يخفى على أحد منطق القرآن في بناء العقيلة السليمة البعيدة عن التوهم والشك في عباد الله، قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء، 36) وما من شيء يحصل في هذا الوجود مما يؤثر في حياتنا إلا كان منضبطا بسنن وقوانين ونواميس يمكن للإنسان ملاحظتها. وما كان من شر يأتي من عالم الخفاء إلا حذرنا الله تعالى منه كالتحذير من كيد الشيطان، ومع ذلك وصف كيد الشيطان بأنه كان ضعيفا، لأن تأثير الشيطان ليس ماديا إنما يقتصر على الوسوسة والإغراء والإغواء، بينما يهول القائلون بقدرة العائن على إحداث الضرر بالمعين، بمجرد النظر إليه حتى ليقولون: إن أكثر ما يدخل القبر بعد القدر العين.


الواقع المشاهد:

- الواقع المشاهد يثبت بالدليل الظاهر أنه لا تأثير للعين، بدليل دوام النعم على العباد، وقد احتج المثبتون لتأثيرها بحالات نادرة وشاذة ربما كانت الصدفة هي التي حكمت توافق النظرة مع حدوث المكروه للمعين، ونحن نحتج بالقاعدة العامة والسلوك المضطرد وهو تمتع أصحاب النعم بها رغم كثرة الناظرين لهم، ولو كانت الإصابة بالعين حقيقة لما دامت نعمة على عبد، ولانقرضت البشرية منذ زمن بعيد، فتجاوز القاعدة العامة إلى أحداث ميسورة غير منضبطة هو الخروج عن المنطق العلمي والإنجرار وراء روايات ضعيفة أو مؤولة وفوق ذلك معارضة لمنهج القرآن الكريم والسنة الصحيحة الداعية إلى إعمال العقل وعدم التسليم لما اعتقده الآباء وتناقلته الأجيال دون نظر أو تفكير. قال الله تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (يونس، 36) وهناك آيات كثيرة تنهى عن اتباع الظن، وخصوصا إذا تعارض الظن مع الحقائق المضطردة، فإثبات الإصابة بالعين بدليل وقوع حوادث متفرقة هو ظن لا يوجب الإثبات. أما بقاء النعم على أصحابها إلى ما شاء الله لها أن تكون دون أن يؤثر فيها العائنون والحاسدون هو القاعدة المضطردة المشاهدة التي ينبغي الركون إليها، ولا ينبغي إغماض العين عنها، والإستدلال بما كان ظنا لا يغني من الحق شيئا.


إذا حسد:

- قال تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} وقوله تعالى {إذا حسد} ليس جملة زائدة بلا معنى، وإنا لها محل يوضح متى ينبغي الإستعاذة من شر الحاسد، ولو سألنا متى ينبغي أن نستعيذ من شر الحاسد؟ فيكون الجواب: إذا حسد. وقد ذكر بعض المفسرين بأن المعنى إذا ظلم [14] وتعدى. وهذا معنى متعين ينبغي اعتماده.

منقول بتصرف كبير من:
http://www.hablullah.com/?p=1434
اقرأ المزيد »

الأربعاء، 12 سبتمبر 2018

تأملات في فيلم The Exorcism of Emily Rose

0
فلم The Exorcism of Emily Rose 2005 فلم استثنائي وأفضل ما أنتج في نظري حسب ما شاهدتُ في هذا النوع. (ستعرفون لماذا في السطور القادمة)


الفلم يبدأ بمحاكمة قسّ كان مسؤولا عن "إخراج الشيطان من فتاة يُظنّ أنها ملبوسة" بتهمة "الإهمال المؤدي للقتل". وتتخللها مشاهد مما وقع. وكان تمثيل الفتاة مثاليا.. في تعابير وجهها وصرخاتها...

قررت الشرطة استدعاء رجل قريب من الكنسية (كاثوليكي) في دور المدعي العام، يتّسم بالشراسة والصرامة (جلاخة). فكان الرجل الذي في الصورة، "مؤمن ولكن عقلاني وعلميّ" (أحببتُه حقيقة ههه)

- وقال شيئا ظريفا يوضح "الإشكالية": (سيدي (متوجها لأب الفتاة) أنت تقرأ الإنجيل صحيح؟ قال: نعم: قال: أنا أيضا، وهل تقرأ كتاب "الدليل التشخصي والإحصائي للأمراض النفسية DSM" قال: لا. ولم أبلغ بتعليمي ذلك المستوى...) 

* لماذا تميز الفلم عن غيره؟ لأسباب وإشارات في الفلم لمن التقطها:

- عائلة المريضة مؤمنة بشدة وقروية ( وتعلمون معنى أن تكون قروية هنا.. أي غير مثقفة)

- الماضي المرضي لإيميلي: كانت تأتيها نوبات صرع épilepsie وتشنجات

- عُرضت الأحداث بطريقة تؤيد من يصدق المس الشيطاني، وأيضا بطريقة تؤيد من لا يصدق ذلك! مثل أن تكون تخيلات الفتاة حتى ونحن نراها، عبارة عن توهمات خاصة بها ولا تقع حقيقة. (اضطرابات ذهانيّة)

- عرْضُ بعض السلوكيات التي يمكن تأويلها، مثل: أكل الحشرات، خبش الجدران. فهي لا تعني شيئا من حيث الدلالة على المسّ الشيطاني.

- غياب أحداث أو أعراض خارقة، مثل تغير لون عينيها، أو تحريك الأشياء، أو الطيران..عكس أفلام أخرى... فقط اتساع البؤبؤ mydriase الذي يمكن تفسيره بالحالة النفسية، ورفض الأكل، وتدهور الحالة الصحة وشكل البشرة...

- كلامها باللاتينية أو ذكرها لبعض الأسماء من الأساطير... يمكن تفسيره بدخولها لمدرسة دينية تُعلّم اللاتينية. أو تفسيره بأن فيها شيطانا "رومانيا" 

- تحدثها بصوتين في آن واحد... شيء يتدرب عليه بوذيو التيبت Tibet... أو أنّ شيطانا يتحدث داخلها 

- حالة الفزع التي كانت في الإسطبل.. وقت كانوا يصرعونها.. ففزعت الأحصنة وهاجت، وخرجت الجرذان هاربة، حتى يوحي ذلك بحضور "شيطاني".. إلا أن ذلك تزامن مع رعد وبرق ورياح ضجّت بها الأبواب

- أحاسيس من عمِل على القضية كالمُحامية (اللاأدرية agnostique) كانت مختلطة مع هلاوس سمعية قد تنتج عن التأثير والانخراط في كل ما قرأته عن الحالة وما سمعته من القسّ...

كل هذا ليترك المخرج القضية متعلّقة كما هي في الواقع باعتقادات كلا الطرفين. وقد نجح في ترك القرار للمشاهد.

والأهمّ من ذلك أنه نبّه على التزامن والارتباط بين الأحداث والأعراض المرضية التي يجهلها غير المتخصصين، وأنّه سبب لاعتقاد كثير من الناس بأن الشياطين تسكن الإنسان!

محاكمة ماتعة حقا.. وستزيدُ المتعة كلما كان المُشاهد مطلعا على بعض المفاهيم.

- ملاحظة: قرأت تعليقا يسب القسّ ويتهمه بالنصب والاحتيال، وهذا غباء، ومنطق يجعل من المخطئ شريرا بالضرورة، مع أن مصائبَ كبرى تكون عن حسن نية. أما الفلم فقد عكس صورة القس الصادق المحب للمريضة والمتفاني في قضيّته.

فمع هذا الصدق تصير القضية علمية أكثر منها أخلاقية. يعني "صدقه لم يشفع لجهله"! وأن صدق وإيمان وتقوى "الرقاة" شيء. وجهلهم بالأمراض والطب النفسي وعلم النفس شيء آخر. ولا يُعتمد عليهم في هذه القضايا من أجل إيمانهم وصدقهم فقط !!

حسن خالدي
اقرأ المزيد »

الجمعة، 18 أغسطس 2017

ما هي حقيقة السحر؟ (حسب سيد قطب)

0
ومن شر النفاثات في العقد.. والنفاثات في العقد: السواحر الساعيات بالأذى عن طريق خداع الحواس، وخداع الأعصاب، والإيحاء إلى النفوس والتأثير والمشاعر. وهن يعقدن العقد في نحو خيط أو منديل وينفثن فيها كتقليد من تقاليد السحر والإيحاء

والسحر لا يغير من طبيعة الأشياء; ولا ينشئ حقيقة جديدة لها. ولكنه يخيل للحواس والمشاعر بما يريده الساحر. وهذا هو السحر كما صوره القرآن الكريم في قصة موسى عليه السلام: سورة طه قالوا: يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى. قال: بل ألقوا. فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس في نفسه خيفة موسى. قلنا: لا تخف إنك أنت الأعلى. وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى... 

وهكذا لم تنقلب حبالهم وعصيهم حيات فعلا، ولكن خيل إلى الناس -وموسى معهم- أنها تسعى إلى حد أن أوجس في نفسه خيفة، حتى جاءه التثبيت. ثم انكشفت الحقيقة حين انقلبت عصا موسى بالفعل حية فلقفت الحبال والعصي المزورة المسحورة

وهذه هي طبيعة السحر كما ينبغي لنا أن نسلم بها. وهو بهذه الطبيعة يؤثر في الناس، وينشئ لهم مشاعر وفق إيحائه.. مشاعر تخيفهم وتؤذيهم وتوجههم الوجهة التي يريدها الساحر، وعند هذا الحد نقف في فهم طبيعة السحر والنفث في العقد.. وهي شر يستعاذ منه بالله، ويلجأ منه إلى حماه

سيد قطب - في ظلال القرآن
اقرأ المزيد »

ما مدى صحة الأحاديث التي تقول بأن الرسول سُحر؟ (سيد قطب)

6
وقد وردت روايات - بعضها صحيح ولكنه غير متواتر - أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم - في المدينة. . قيل أياما، وقيل أشهرا.. حتى كان يخيل إليه أنه يأتي النساء وهو لا يأتيهن في رواية، وحتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله في رواية، وأن السورتين [المعوذتين] نزلتا رقية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما استحضر السحر المقصود - كما أخبر في رؤياه - وقرأ السورتين انحلت العقد، وذهب عنه السوء

ولكن هذه الروايات تخالف أصل العصمة النبوية في الفعل والتبليغ، ولا تستقيم مع الاعتقاد بأن كل فعل من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - وكل قول من أقواله سنة وشريعة، كما أنها تصطدم بنفي القرآن عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه مسحور، وتكذيب المشركين فيما كانوا يدعونه من هذا الإفك. ومن ثم تستبعد هذه الروايات.. وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة. والمرجع هو القرآن. والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد. وهذه الروايات ليست من المتواتر. فضلا على أن نزول هاتين السورتين في مكة هو الراجح. مما يوهن أساس الروايات الأخرى

سيد قطب - في ظلال القرآن
اقرأ المزيد »

الأحد، 13 نوفمبر 2016

لماذا سكت القرآن عن السحر والحسد رغم أهميتهما وتأثيرهما؟

1

سؤال يطرح نفسه...


لو كان الحسد حقا عبارة عن قوى خارقة كما يؤمن الكثيـــر من عامة الناس... لو كانت هناك فعلا قوى خفية نجهل كنهها تؤثر فينا سببها الحسد...


السؤال: لماذا سكت القرآن عن هذا الأمر الخطير؟


لماذا لا نجد عشرات الآيات التي تحذرنا من هذه القوى الخطرة، وتأمرنا بستر نعم الله الظاهرة والباطنة خوفا من اختفائها بسبب قوى أقوى منا (وأما بنعمة ربك فحدث!)، وتأمرنا بالإكثار من الأذكار لا لشيء إلا من أجل الحماية من هذه القوى... نجد أن القرآن يتحدث عن أشياء كثيرة مؤذية للمؤمن ويحذر منها، لكنه سكت عن العين وعن التحذير من خطرها؟! فلماذا؟

والسؤال الآخر، حصلت مصائب كثيــــــــــــرة للمسلمين في وقت الرسالة، لكن القرآن دومًا ينسب تلك المصائب لأسباب ملموسة واقعية، ولم يذكر ولو لمرة كون أحد تلك المصائب سببها عين؟ أو حتى سحر أو أي قوى خارجية؟!

مع أن القرآن يذكر في كذا موقف تآمر الكفار والمشركين وأهل الكتاب، وحقدهم على الرسالة الجديدة، ومكرهم في الخفاء، لكنه لم يحذر ولو لمرة من عينهم القوية الحارقة... ولم يذكر ولو لمرة بأن مصيبة حصلت للمسلمين الأوائل سببها عين قوية من أحد الغيروين من الرسالة الجديدة!

وعندنا آية قوية في دلالاتها:

(وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ)

(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

فيها حسد لكن نتيجته غير ملموسة، لم ينزلق النبي صلى الله عليه وسلم رغم حسدهم! يعني حسدهم موجود لكن القرآن لا يقر بوجود أي قدرة فعلية لهذا الحسد.

والأغرب في هذه الآية أن الأمر يمر دون أن يأمر الله سبحانه وتعالى النبي بذكر معين حماية له من العين، أو يوصيه بوصية تقيه من شر هذا الحسد!

يمر الأمر وكأنه لا شيء...وكل ما يطلبه الله منا هو العفو والصفح! لا أكثر ولا أقل، لا يحذرنا من قوى حسدهم الخارقة، ولا يذكرنا بأذكار الصباح ولا المساء.
اقرأ المزيد »

الجمعة، 14 أغسطس 2015

كيف نفسر قصص السحر والشعوذة التي يحكيها الناس؟

4
وصلنا السؤال التالي:

 

رد عالم الأكاذيب:

التجارب الشخصية لا تعتبر دليلا على شيء، ونحن لسنا مطالبين بتفسير هذه الظواهر، بل هؤلاء الناس الذين يدعون حصولها مطالبون بالإتيان بالدليل! 

أي ادعاء مهما كان يحتاج لبرهان ودليل علمي، ولذلك لا يكفي الاستدلال بالقصص والتجارب الشخصية، على وزن "حصل لي كذا" و"سمعت" و"قيل لي" و"صديقتي حصل لها"، هذه الأمور لا تعتبر دليلًا.

أسباب رفض التجارب الشخصية كدليل:

1/ بسبب احتمالية الخطأ والنسيان والمبالغة والتهويل وغيرها من عوارض تطرأ على الإنسان فتقلل من مصداقية كلامه، وخصوصا وأننا نعرف جهل الناس الشديد بالعلم، وكيف أنهم يميلون لتفسير كل ما لا يفهمونه على أنه (سحر، خارقة، شعوذة، حسد... إلخ)، ولو عادوا لأهل العلم وطلبوا منهم دراسة الظاهرة عن قرب لاحتمل أن يجدوا لها تفسيرًا علميًا سليمًا.

مثلا كان الناس في الماضي يفسرون الكثير من المشاكل النفسية المُلاحظة على أنها تلبس جني، لكن العلم جاء وفسر الموضوع وعالجه بالعقاقير!... إلخ. ناهيك على أن العلم أصلا يتطور بشكل كبير، وما لا نفمهم اليوم، قد نفهمه غدًا بإذن الله... وعلينا كمسلمين أن توقف عن الحديث في أمور الغيب، وما لا نفهم تفسيره نسكت ونقول "الله أعلم"، فمن السذاجة والتقوِّل في علم الغيب عزوه لأمور خارقة.
 
لمثال عن أمر اعتقد الناس أنها خارقة ليتبين بعدها أن له تفسير علمي بسيط، طالع المقال التالي: صحة المقاطع أو الصور التي تزعم ظهور ملائكة فيها!

وأضيف أيضا بأن هناك أناس ادعوا بأنهم رأوا صحونًا طائرة بأم أعينهم، وهناك من ادعوا رؤية كائنات خرافية، وهناك من ادعوا حصول أمور خارقة لهم... إلخ... فهل نصدق كل هذه الدعاوى أم نطالب بالدليل؟ المنطق والعقل والعلم يطلب الدليل، يطلب الإثبات، يطلب البرهان... وإلا فلا نصدق دعاواهم.

2/ تصديق التجارب الشخصية دون المطالبة بدليل يفتح الباب على مصراعية للكذابين والدجالين والملفقين والمتوهمين (وإن كان بحسن نية)، ويصبح أي كان يستطيع أن يدعي أي ادعاء ويجري الناس وراءه مصدقين! مع أن الشعار الذي تعارف عليه البشر على مرّ الأزمان هو (البينة على من ادعى).

3/ الإنسان حين يؤمن بشيء ما فإنه لا إراديا سيعمل على إنجاح ذلك الشيء، المريض الذي يؤمن بأن سبب مرضه هو السحر، سيُشفى مباشرة لو أتيته بخيوط وعقد في بيته وأحرقتها مدعية بأني فككت عنه سحره! بالمقابل يمكنك جعل أي كان يمرض لو أقنعته بأنه مصاب بسحر أو عين! لأنه مؤمن من البداية فيؤثر إيمانه على حالته النفسية وبالتالي على جسده.
 
تأثير معتقدات المرء على حالته الصحية مثبت علميًا: وأنصح بمطالعة المقال التالي لمزيد من التفصيل: (اضغط هنا)


4/ تحصل الكثير من الأشياء بمحض الصدفة، بعض الناس يتطيرون بالقطط السوداء، ولو حصل لأحدهم أمر سيء بعد رؤية تلك القطة السوداء فإنه سيجعلها هي السبب وراء مصيبته! فهل نعتبر تجربته الشخصية هذه مع القطط دليلا على أن القطط تسبب سوء الحظ؟ كل ما في الأمر هو أن تلك المصيبة كانت مقدرة عليه من البداية سواء رأى قطة أم لا! وارتباط القطة بالحادث الذي حصل له لا يعني السببية. 


ولهذا لنفي احتمالية الصدفة، في الأوساط العلمية يقوم العلماء بتكرير التجربة عشرات وأحيانا مئات المرات ليتأكدوا من أن النتيجة ليس صدفة... في حالة مثال القطة: يجب أن نحسب جميع المرات التي التقى بها الناس بقطة سوداء ونرى إن احتوت تلك المرات جميعها على مصائب؟ ولا تكفي مرة واحدة حصلت فيها مصيبة كدليل، لأن تلك المصيبة قد تكون مجرد صدفة.

نفس الأمر بخصوص الشعوذة، قد تتحقق نبوءة المشعوذ فقط بمحظ الصدفة! وبالتالي لإثبات بأن ذلك المشعوذ حقًا يستطيع التنبؤ بالمستقبل يجب أن نسجل جميــــــــــع نبوءاته ونرى هل تتحقق جميعها؟ حيث لا تكفي نبوءة واحدة قد تكون تحققت صدفة كدليل! وفي الحقيقة لو قمنا بهذا لوجدنا بأن أغلب نبوءاته أصلا لا تتحقق، لكن الناس تنسى النبوءات التي لا تتحقق، وفقط تتذكر تلك النبوءات التي تحققت! بل سنجد بأنه أصلا في النبوءة الواحدة يتحقق فقط جزء منها لا كلها! لكن الناس تنسى كل ذلك وتتجاهله!

نفس الكلام يُقال في حق الحسد، الناس تتذكر فقط المرات التي أشاعوا فيها أمرًا يخصهم فحصل حادث أو مصيبة بعد ذلك وينسبوها للحسد، ولكنهم ينسون عشرات المرات التي لم يحصل لهم فيها شيء سيء.

5/ للأسف كما ذكرت يتذكر الناس فقط المرات التي ينجح فيها السحر أو الشعوذة (هذا رغم قلتها)... أما المرات الكثيــــــــــــــــــــــــرة التي يفشل فيها الأمر فإنهم يتجاهلونها أو يقللون من قيمتها بتعليلها بتفسيرات مختلفة، مثل: "أنت لا تؤمن بالسحر ولذلك لم تنجح التعويذة" أو "لم تقرأ التعويذة بالشكل المطلوب" أو "ساحر أقوى تدخل لإفشال الأمر"... وغيرها من طرق ملتوية يتهرب فيها المشعوذ من فشله!

ختامًا:

رغم أن العقلاء من البشر كانوا ومازالوا يطالبون بأدلة علمية قاطعة على هذه الأمور، إلا أنه للآن لم يأتِ أي شخص بذلك الدليل المنشود! هذا رغم أنه توجد جوائز بمبالغ قيمة لأي مشعوذ أو ساحر يقدم أدلة علمية على هذه الأمور!

فإن كانت هذه الأمور حقيقية حقًا، فيا أيها السحرة تقدموا للمختبرات العلمية وأثبتوها! نحن ننتظركم من سنين! فما الذي يمنعكم؟

كل ما نطلبه بسيط وهو: أن يتم إثبات الأمر بالطريقة العلمية التجريبية، وتُنشر نتائج البحث في مجلة علمية مرموقة ليراجعها علماء آخرون يقيمونها ويزنوها وينتقدوها وهكذا... وحتى في هذه الحالة تسمى الدراسة (أولية) وتحتاج لأن يكررها علماء آخرون فإن حصلوا على نتائج مماثلة ترسخ الأمر أكثر وزادت مصداقيته...

توضيح:

هذا المقال ليس إنكارًا للغيبيات المثبتة بديننا، فنحن نؤمن بالجن والملائكة والغيبيات المذكورة بالقرآن بنصوص صريحة محكمة، فنحن لا نرفض الغيبيات بل نرفض تفسيرات الناس لما يحصل في عالم المادة بتفسيرات غيبية لا دليل عليها! حيث أن هناك فرقا بين نصوص الشرع المحكمة التي لا ينكرها مسلم، وبين ما يخضع للتأويل واختلف في فهمهم قديمًا وحديثًا، مثل موضوع الجن والحسد والسحر.

قد يأتي شخص ويقول العلم ما زال قاصرًا وكثيرة هي الظواهر التي لا تفسير عليها، وأقول كون العلم قاصرًا عن إيجاد تفسير لظاهرة ما لا يعني وبشكل تلقائي بأنها ظاهرة خارقة سببها الجن أو السحر! بل يعني جهلنا كبشر والسكوت عن الخوض في تفسيرات دون علم: (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)، العلم يقول لا أعرف تفسير هذه الظاهرة، لكن لماذا أنتم تفسرونها على أنها جن؟ ما دليلكم؟ هل شاهدتم الجني بعينكم وهو يقوم بتلك الظاهرة؟! إنه مجرد تقول وافتراء لا دليل عليه سوى أوهام الناس!
اقرأ المزيد »

السحر الأسود... الشعوذة... العرافة... حقيقة أم خرافة؟

2

يُقسم السحر إلى نوعين:

سحر أبيض: وهو عبارة عن عروض سحرية وألعاب للخفة والتي تطورت لدرجة تفوق الخيال من طيران وقطع للناس وإخفاء حتى سيارة... إلخ

سحر أسود: وهو الذي يقوم به المشعوذون من تمائم وتسليط للجان والشياطين كما يدعون... إلخ

 
فما الفرق بينهما؟

الأبيض هو فن يعتمد على العلم والتكنلوجيا والفيزياء واللياقة البدنية، وهو عبارة عن خدع ماهرة كثيرًا ما تكون بصرية، وهي أمور يستطيع أن يكتشفها ويتعلمها أي شخص، وليس فيها أي خرق للعادة أو القوانين. وهناك من قال أن سحر سَحرة فرعون على هذه الشاكلة: (قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ) (66) سورة طه.

الأسود وهو الشعوذة، وهو ما يهمنا هنا، والذي أسميه أنا علم الخزعبلات، ويلاقي رواجًا كبيرًا وتصديقًا في الدول العربية خاصة، حيث نجد المشعوذ يستقبل الناس ويدعي بأنه قادر على حل جميع مشاكلهم، يزوج هذا، يطلق هذه، يجعل تلك تسيطر على زوجها... إلخ.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إن كانت لدى المشعوذ كل هذه القدرات العجيبة، فلماذا لا يبدأ بحل مشاكله أولًا؟ ولماذا نجد مشعوذًا يزوج بنات الناس وبنته عانس! وآخر يحل مشاكلهم الزوجية وقد هجرته زوجته التي هربت من البيت!

أليست نفسه أولى؟!

وتجد ذلك الذي يدعي بأنه يستطيع إخراج الكنوز مقابل مبلغ صغير يطلبه! وحين يذهب المغفلون بحثًا عن الكنز لا يجدون شيئًا، فيقول لهم: "لأن معنا شخص يكره الجني الذي يحمي الكنز!"، ثم يأخذ المال في مرَّة أخرى، وحين لا يجدون كنزهم المنشود يقول لهم: "لأنكم لم تحفروا والقمر بدر!"، وكل مرَّة هو في عذر جديد!

ولماذا لا يتساءل هؤلاء: لو كان هذا يعلم مكان الكنز حقًا فكيف يعطيني إياه مقابل دراهم معدودة وهو كنز الملايير؟! بل إن البعض قد يخرب بيته بالحفر والهدم وفي النهاية يقول له المشعوذ: "لقد نقل الحارس المارد الكنز لمكان آخر!!"

والمضحك في الموضوع أن الناس تتناقل القصص، وتدَّعي أن فلانًا قد وجد الكنز الذي دلَّ إليه، وحين تسأل أين هو كنزه المزعوم؟ يقال لك: "لقد خبأه ولم يخبر أحدًا!!" إذًا من أين سمعتَ أنت بهذا؟!

والكارثة أننا نجد من يسمون مثقفين وهم يؤمنون بهذه الخزعبلات، وتجد حياتهم مرتبطة بهذه الأوهام، ففيهم من يبحث عن الترقية، أو الكسب السريع، ومن يريد معرفة مستقبله... إلخ.

فإن كان المشعوذ حقًا قادرًا على رؤية المستقبل وجعل الناس تحصّل الكسب السريع، فلم لا يفعل ذلك لنفسه، بدل الترزق من الآخرين؟!

أخبرني أحدهم بأنهم كانوا يخدعون الناس ويتحايلون عليهم بخدع يعتمدون فيها على الحسابات والحظ، فإن جاء الحظ مواتيًا ونجح السحر كان بها، وإن لم ينجح يقول المشعوذ للضحية أنت لم تخلص النية ولهذا لم ينجح الأمر.

إن علينا محاربة هذا الدجل بتوعية الناس بأنه خداع وكذب ولعب على عقولهم، وليس بنشر الخرافات كما يفعل بعض الشيوخ حين يقولون بأنه حقيقة وواقع رغم أنه حرام! إنهم بهذا يقومون بعمل دعاية مجانية لهذا الدجل والكذب!

وبالرغم من أن قضية الشعوذة فيها اختلاف بين الشيوخ إلا أني أعالج الموضوع من جانب علمي تجريبي، حيث لم يثبت لي لحد الآن أن أي مشعوذ قادر على عمل شيء خارق، وأتحدى أي ساحر بأن يُرسل لي جيشه المزعوم.

أعلم أن الكثيرين سيعلقون بأني جاهل وبأني لم أرَ شيئا، وبأنهم رأوا السحر وقوة المشعوذ بأعينهم! وجوابي: بإمكاني أن أقوم بما يقوم به المشعوذ وأكثر، سأستحضر الجان، أقرأ ما في رأسك، أخبركَ بمستقبلكَ وبأشياء ستحصل لكَ وأنا أعلم بأنها تحصل لأغلب الناس، أشعل النار من لا شيء، سآتيك بكل الخدع لتصدقني، لكن تأكد بأنها خدع تعتمد على العلم والخفة ومعرفة بالنفس البشرية والخدع البصرية الماهرة لا بالجان الأحمر ولا حتى الأزرق! وهكذا أصبح في ظن المساكين مشعوذا وعرافا صادقا مهاب الجانب!

يخبرونك عن كتب السحر وما فيها من طلاسم لا معنى لها سوى إعطاء الكتاب نوعًا من الغموض، ويقولون لك كيف أنه يجب على الساحر أن يدوس المصحف ويكفر... وماذا عن الساحر الهندي الذي لا يعرف القرآن، هل يدوس على كتب البوذية والسيخ ليسيطر على الجان؟

لو قرأ هؤلاء كتب حقيقة السحر، وفنون خداع الناس لكان أنفع لهم.

مرَّة في إحدى القنوات الفضائية في مناظرة بين شخصين حول السحر، قال الشيخ: "بأن السحرة يمكنهم إرسال الجان لسرقة أموال الناس"، فقال الآخر: "لماذا لا يسرق بنوك سويسرا؟" فرد -ويا ليته لم يفعل-: "لأن أموالهم حرام"... إنني أطالب بالبحث عن هؤلاء السحرة لأن اقتصاد بلادنا يعاني من أزمات مالية، لنرسلهم لمسح الديون، فهل من معين؟ بل يا ليتهم حلوا لنا مشاكل البطالة والفقر، أو سلطوا أحد جانهم على مسؤولينا الفاسدين فيريحونا منهم! حتى الذهب الأسود (البترول) انتظرنا حتى جاء الغرب ليخبرنا بموقعه وهو يوجده لنا، لا مشعوذ ولا جني أتانا به!!

ونجد المشعوذ يقول لك بأن الجني يحب ديكًا أسود، أو خروفًا أسود، أو بخورًا معينًا ليقوم بالعمل، فإذا كان هذا الجني المسكين يشتهي ديكًا أسودًا فليقم بإحضاره بنفسه، أيهم أصعب؟ سرقة بنك أم جلب ديك أسود أو أحمر!

وحين تسأل المشعوذ: "لماذا لا تنفع نفسك وأنت تملك هذه القدرات؟" يقول: "هذه القوى الخارقة تسخر في خدمة الغير فقط!"، إنها مجرد أعذار واهية للضحك على الذقون لا أكثر.


بقلم صديق الصفحة ومحارب الخرافة؛ محمد فيلالي (بتصرف)


طالع أيضا:




اقرأ المزيد »

الأربعاء، 22 يوليو 2015

كرامات الأولياء والصالحين... حقيقة أم خرافة؟

0



من أسباب انهيار الثقافة الإسلامية أن قانون السببية دَعِىّ مع المتصوفين فإن كل رجل طيب فيهم جعلوا خوارق العادات تحشو حياته، فهو يفتح الباب بغير مفتاح، ويطير في الجو بغير جناح، كل شيء سهل، كانت النتيجة أن البحر أصبح طحينة كما يقولون، ولم يبق في حياة البشرية شيء متماسك، ووُجد هذا في كتب الفقه، قرأت في الفقه المالكي، وفي الفقه الحنفي –مع أن أبا حنيفة ومالكا من أئمة الرأي وليسوا من أئمة الأثر- ومع ذلك قرأت كلاما لابد من رفضه، وما ينبغى أن يقال أبدا، ولا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذلك قول المالكية –في كتاب من حوالي ألف صفحة أعطتنيه حكومة قطر العام الماضي، وكما تعلمون الذي يصلي الظهر في مكة يصليه قبل الذين يصلونه في القاهرة بحوالي خمس وعشرين دقيقة ]...[ فيجيء سائل في الفقه المالكي ويقول: لو صلى الظهر في مكة ثم طار –كيف طار؟ وهذا الكلام من قرون– ووصل إلى المغرب فهل يصلي الظهر مرة أخرى لأنه وصل قبل وجوبه على أهل المغرب؟ هذا كلام سخيف، عيب، أسقط العقل الإسلامي في ميدان الاختراع والفيزياء والكيمياء وما إلى ذلك... كلام لا يليق.. الطامة التي يقولها الأحناف أن رجلا في المشرق تزوج امرأة في المغرب وولدت دون أن يتصل بها، كيف هذا؟ يقولون: هو ابنه فقد يكون من أهل الخطوة!! هذا الكلام عيب أن يقال، قانون السببية طحنه المتصوفون بكثير من خوارق العادات.. ويجيء رجل ببلاهة فيقول لك: هل تنكر خوارق العادات؟ هل تنكر كرامات الأولياء؟ وفرضنا جدلا أن رجلا أنكر هذا، ابن حزم أنكر هذا ودينه محفوظ، وغيره أقرّ بها إذا كانت مروية بسند صحيح ورفضها إذا كانت بغير سند صحيح، فالمسألة فرعية لا دخل لها في العقائد، ولا دخل لها في الكفر والإيمان


خطب الشيخ محمد الغزالي؛ في شئون الدين والحياة؛ إعداد قطب عبد المجيد قطب؛ مراجعة محمد عاشور؛ الجزء الثاني؛ ص144-145




وقد سلت في المسلمين لوثة شنعاء في نسبة الخوارق إلى الصالحين منهم، حتى كادت جمهرتهم تقرن بين علو المنزلة في الدين وخرق قوانين الأسباب والمسببات، وحتى جاء من المؤلفين في علم التوحيد من يقول:


وأثبتن للأوليا الكرامة     ومن نفاها فانبذن كلامه!!


وصلة هذا الإثبات بعلم التوحيد كصلته بعلم النحو أو علم الفلك!! أي أن حقيقة الدين بعيدة عن هذه البحوث، سواء انتهت بالسلب أو بالإيجاب.

والخوارق التي يتهامس بها المفتونون لأوليائهم هي تعبير سيئ عن رذائل الكسل والحمق التي تكمن في طواياهم، كما أن الأحلام الطائشة التي تعتري النائم تعبير عن الاضطراب الذي يملأ نفسه ويرهق أعصابه.

هذا فتح الباب الموصد من غير مفتاح، وهذا طار في الهواء بغير جناح، وهذا بال على الحجر فانقلب ذهبًا، وهذا اطلع الغيب واتخذ عن الرحمن عهدًا..!!

وأمثال هذه السخافات كثير.. وهي تدل على جهل بحقيقة الدين وحقيقة الدنيا، وتدل على أن مروجيها أضل عقولًا وقلوبًا من أن يعرفوا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه.

ما كان محمد صلى الله عليه وسلم رجل خيال يتيه في مذاهبه ثم يبني حياته ودعوته على الخرافة. بل كان رجل حقائق يبصر بعيدها كما يبصر قريبها. فإن أراد شيئًا هيأ له أسبابه وبذل في تهيئتها -على ضوء الواقع المر- أقصى ما في طاقته من حذر وجهد، وما فكر قط ولا فكر أحد من صحابته أن السماء تسعى له حيث يقعد، أو تنشط له حيث يكسل، أو تحتاط له حيث يفرط. ولم تكن خوارق العادات ونواقض الأسباب والمسببات أساسًا ولا طلاء في بناء رجل عظيم أو أمة عظيمة.


محمد الغزالي، فقه السيرة، ص39-ص41






الواقع أن الإسلام يحترم خصائص الأشياء٬ وما تؤدى إليه الملاحظات والتجارب من نتائج. وما يظن أنه مخالف لهذه الحقيقة٬ فهو من زيغ أناس خولطوا فى أفهامهم وأحكامهم. إن هؤلاء الزائغين حطموا قاعدة الأسباب والمسببات رغبة منهم فى إثبات كرامات للأولياء. ومرت على المسلمين أعصار كثرت فيها هذه الكرامات المفتعلة حتى وقر فى الأذهان أنه ليست هناك قوانين يحكم بها الكون٬ وأن رغبات أهل الإصلاح تجتاح ما أودع الله في العناصر من طباع وما بث فى العالم من قوى وأنظمة...!!

كان شيوع هذا التفكير لعنة على العلوم الطبيعية ووقفا لنمائها٬ بل بخسا لقيمتها. وزاد الطين بلة أن بعض المخلطين ألحق الاعتراف بهذه الكرامات... بعقائد الإسلام. فمن مارى فيها شكوا فى دينه!!

وهذا كله ضرب من السخف يجب محوه وتنظيف الفكر الإسلامي منه...

حقا أن القرآن الكريم تضمن طائفة من خوارق العادات مضافة إلى بعض الأخيار من عباد الله. ونحن نصدق ما أخبر الله به٬ ونعتقد أن رب العالمين يعلم من شئون خلقه ما لا نعلم٬ فإما أجرى بعض الحوادث وفق أسباب نجهلها. وإما خرق هذه العلائق العتيدة بين الأسباب والمسببات لحكم نجهلها. وسواء أكان هذا أو ذاك فإن ما يشذ عن قوانين الكون لا يصدق وقوعه ٬ ولا يكلف الناس بإقراره إذا أنبأنا به غير الله..

فمثلا٬ استنكرت مريم أن يجيئها ولد من غير مسيس بشر٬ لأن هذا خرق فى السنن الكونية. فإذا قال الله “قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون”.

فهل يفسر هذا الحادث المعجز بأنه يجوز أن يشيع بين الناس خرق القوانين الطبيعية ٬ وأن تزعم امرأة ما أنها رزقت ولدا على نحو ما رزقت مريم؟؟ 

إن الأساس هو تكذيب كل امرأة تزعم ذلك٬ ولولا أن الله أخبرنا بأنه خلق عيسى على هذا النحو ما صدقنا الخبر.. ومن ثم نحن نستنكر سيل الخوارق الذى اختلقه الناس لمن يسمونهم أولياء٬ ونرى الأصل استبعاد كل هذا ورده فى وجوه قائليه!! ثم إن الخطأ والصواب في هذه المسألة يشبه الخطأ والصواب في بعض قواعد الإملاء مثلا٬ لا علاقة له بكفر أو إيمان.. ألا ما أكثر الخرافات بيننا..!!


محمد الغزالي (المصدر)
اقرأ المزيد »

الجمعة، 17 أكتوبر 2014

تعلم كيف يخدع المنجمون زبائنهم في عشر خطوات!

1
التنجيم و قراءة الطالع هما إحدى الفنون القديمة، وهما عبارة عن مزيج من التمثيل والتلاعب النفسي.

بينما يُعرف بعض الوسطاء بالغش ويقومون بذلك عن طريق الحصول على معلومات تخصّ الزبون في وقت مبكر قبل الالتقاء به، هذه الخطوات العشرة التي سنعرضها عليكم ستركز على ما يُعرف بـ "القراءة الباردة" أي قراءة شخصية الزبائن دون أي معرفة مسبقة عنهم.

في هذا المقال يجيب "مايكل شيرمر" على السؤال: "هل الكهانة حقيقة أم أنها مجرّد واجهة لتقنيات أعمق سنصفها لكم على شكل 10 خطوات؟"

ليس لدى شيرمر أي إشكالية بإقناع أيّ كان بأنه منجّم وذلك باتباع هذه الخطوات العشر والتي تسمح بإتقان عدة أنواع من القراءات: كالمسماة قراءة النخيل، قراءة بطاقات التارو، القراءات الفلكية وحتى التحدث مع الأرواح.

وفي الحقيقة بإمكانه تأدية دوره بشكل منطقي ومقنع جدّا...

من خِلال هذه الخطوات 10 سيظهر لنا كيف أن الأشخاص هم حقّا عرضة لمثل هذه التلاعبات النفسية الفعّالة.

الخطوة الأولى: لخبرة ودية ومريحة:

يقوم الدجال بإنشاء سلطته النفسية بدعائم مثل رسومات بيانية لها علاقة بالمهنة أو مكتبات مليئة بالكتب والمراجع.

مثلا يوفّر كرسيّين مريحين بينهما طاولة صغيرة مع سماط من الدانتيل... يضع شموعًا وسجادة لينة مع إضاءة ملوّنة ناعمة، وأيضا يضيف البخور الذي سيعطي للقراءة شعورًا "روحيًا".

الفكرة هي أنه يجب أن يحسّ الزبون أنه في مركز طقوس روحانية مهمة.


الخطوة الثانية: إبراز شخصية متعاطفة:

يضع المنجم عميله في مزاج يستقبل فيه المعلومة ويجعله متعاونا من خلال الشرح له أنّ القراءة هي جهد جماعيّ.

يستخدم صوتا ناعما، وسلوكا هادئا، وهيئة متعاطفة وتكون حركات جسده غير تصادمية: ابتسامة لطيفة، اتصال مستمر بالعينين مع إمالة الرأس إلى جانب واحد أثناء الاستماع.

يواجه الزبون وساقيه بجانب بعضيهما (لا الواحدة فوق الأخرى) وذراعيه مفتوحتان.

يسمي نفسه "وسيطا نفسيا"... ويشرح لهم أنّ "عملاءه" يزورونه من أجل عدّة أمور تثقل كاهلهم و"قلوبهم" (بما أنّ القلب هو العضو المفضل في روحانيات العصر الجديد)، وباعتباره وسيطا فوظيفته تستلزم استخدام موهبته الخاصة والمتمثلة في الحدس. ويشرح للزبون أنّ الجميع يمتلك هذه الهبة، ولكنه شخصيا طوّرها من خلال الممارسة.

ولجعل الأخطاء التي من ممكن أن ترتكب منطقيّة، يصرّح مباشرة ويقول: أنّه لا يمكن للوسطاء التنبؤ بالمستقبل بشكل مثالي: "على الرغم من أنه سيكون من الرائع لو كنت دقيقا مئة في المئة، إلاّ أنّه لا أحد مثالي. حتى مايكل جوردان أضاع الكثير من التسديدات!"


الخطوة الثالثة:

هناك سبعة أشياء يرغب الناس في الحديث عنها بشكل أكبر: الحب، الصحة، المال، الوظيفة، السفر، التعليم، والطموح.

يبق العراف في دائرة هذه المواضيع عن طريق طرح الكثير من الأسئلة، وجمع الكثير من البيانات عن كل فئة. وهذا سوف يساعده أيضا على أن يتذكر ما وصل له في القراءة.


الخطوة الرابعة:

البدء بطريقة قراءة "بارنوم" (القراءة الباردة) والتي تنفع للجميع:

كاستعمال بعض العبارات مثل:

1) يمكنك أن تكون شخصا مراعيا جدا وسريعا جدّا في إعانة الآخرين، ولكنك في بعض الأحيان... إذا كنت صادقا مع نفسك فستتعرف على حس الأنانية في نفسك. أود أن أقول إنه على العموم يمكن أن تكون من النوع الهادئ المنزوي نوعا ما، والذي يطمس شخصيته، لكن عندما تكون الظروف مواتية، يمكن أن تكون جزءا من المجموعة إذا رغبت في ذلك.

2) أحيانا تكون صادقا جدا في ما يخصّ مشاعرك وتكشف الكثير عن نفسك. أنت جيد في التفكير من خلال الأشياء وتحبّ أن ترى الأدلّة قبل أن تغيّر رأيك حول أي موضوع. عندما تجد نفسك في وضع جديد فأنت حذر جدا حتى تعرف جيّدا ما يحدث، ثم تبدأ في التصرّف بثقة.

3) ما أفهمه حاليا هو أنك شخص يمكن الوثوق به عموما. لست قديسا، لست مثاليا، ولكن دعنا نقول أنه عندما يكون الأمر مهما حقا أنت شخص يفهم أهمية أن يكون جديرا بالثقة. أنت تعرف كيف تكون صديقا جيدا.

4) أنت قادر على ضبط نفسك بحيث يبدو للغير أنك في وضع المسيطر، ولكن في الواقع تشعر أحيانا بعدم الأمان إلى حد ما. كنت ترغب أن تكون أكثر شعبية قليلا وأن تشعر بالراحة أكثر مما أنت فيه الآن فيما يخصّ علاقاتك الشخصية.

5) أنت حكيم في مواجهة العالم، حكمة اكتسبتها من خلال تجربة صعبة بدلا من التعلم من الكتب.

مثل هذه الجمل عامة جدًا وسيجد الأغلب إن لم يكن الكل أنها تنطبق عليه!


الخطوة الخامسة:

بعد البيانات العامة، يدخل في تفصيليات تنطبق على أغلب الناس عن طريق الإشارة لأشياء مثل:

مجوهرات تركها فرد متوفي من الأسرة، أدوية أو مستلزمات طبية منتهية الصلاحية، ألعاب وكتب وتذكارات من أيام الطفولة، ساعة لم تعد تعمل، آلات إلكترونية لم تعد تعمل... إلخ.

وأيضا خصوصيات الزبون نفسه:

حادث خلال مرحلة الطفولة له علاقة بالماء، رقم 2 في عنوان البيت، ندب على الركبة، زوج من أقراط الأذن فُقد إحداها، أشياء عشوائية مثل هذه لكنها غامضة وعامة حدّ أنها تنطبق على الكثير.


الخطوة السادسة:

استخراج المعلومات من الزبون عن طريق تمويه الأسئلة وجعلها تبدو كتصريحات مثل:

- هل يبدو هذا الأمر صائبا؟
- إذن لمن قد يشير هذا الأمر؟
- هل تتواصل مع هذا؟
- هل يعني هذا الأمر لك شيئا؟
- هل بإمكانك رؤية السبب الذي جعلني أصل لهذا الانطباع؟
- كيف يمكن أن يكون هذا الأمر ذا مغزى بالنسبة لك؟
- الآن... لماذا قد يحدث ذلك؟
- من فضلك؟
- نعم؟
- ما هو الشيء الذي يمكن أن يكون له صلة بهذا الأمر في حياتك؟
- هل تقول أن هذا هو الطريق الصحيح بالنسبة لك؟
- حسنا؟؟؟


الخطوة السابعة:

مناشدة سلطة "الحكمة القديمة" والأسرار الغامضة وذلك بإمطار القراءة بالمصطلحات الباطنية واللهجات الغريبة.

إيان رولاند يصف هذه التقنية "بلغة بليتز" ويقول أنها واحدة من التقنيات المفضلة لديه. فاستخدام المصطلحات الغامضة يجعل إمكانية تتبع عرض القارئ منطقيا مستحيلة، ويعزز فكرة أن القارئ هو شخصية مسيطرة تملك معرفة سرية. مناشدة الحكمة القديمة تعزز أيضا شعور الزبون بروحانية الطقوس والتي تشجع تعاونه ولا تتيح أي مجال للشكوك أو الاحتجاجات.

بعد ذلك يمكن للقارئ أن يستدرج العميل للحصول على معلومات متحجّجا أن "البطاقات" أو "النجوم" تشير إلى وجود عدّة احتمالات ثم يطلب من العميل- الذي سيكون مشتّـت التفكير بسبب المصطلحات الغريبة- أن يخبره بأي احتمال يناسب وضعه. رولاند يعرض كيفية فعل ذلك:

"مثير للاهتمام! أرى أنّنا حصلنا على ورقة "السيوف الخمسة"، ورقة مهمة عادة ما ترتبط مع التحدي والنضال في الشؤون التي تخصّ القلب. ما يدفعنا للفضول هو أنه بالتزامن مع ذلك قد كان لدينا أيضا ورقة "الناسك"، واحدة من أدنى بطاقات الثالوث، والتي ينظر إليها عادة أنّها تشير ليس فقط إلى العزلة وإنّما أيضا لإنجاز الأهداف الشخصية. وكأن البطاقات تقترح أنّ أهدافك الشخصية -حاليا- لها الأولوية على حياتك الرومانسية. أنا لا أعرف إن كان هذا الكلام يعني لك شيئا ... "

الخطوة الثامنة:

استخدام القليل من المعرفة العلمية من علم النفس أو علم الاجتماع لإغواء اهتمامات العميل.

يكون ذلك بالاستفادة من الكتيبات التي تتناول طرق العلاج والنصح والمشورة لمشاكل الناس.

مثلا هناك كتاب من أكثر الكتب مبيعا في السبعينات يدعى "ممرات" لغيل شيهي "Passages" Gail Sheehy. الكتاب يتحدث عن الأزمات المتوقعة التي يواجهها البالغون.

أيضا هناك الديموغرافيات التي تكشف اهتمامات فئة معينة من الناس من ناحية الجنس أو السن أو الفئة الاجتماعية.

أما مايكل شيرمر فاستخدم خمسة عوامل نموذجية للشخصية: الانفتاح على الخبرة، الانبساط، حس الضمير، اللطف، والعصبية، جنبا إلى جنب مع بحوث فرانك سولواي (Frank Sulloway) حول ديناميكيات الأسرة التي يمكن التنبؤ بها، ومن بين أمور أخرى، ترتيب الولادة لزبونه (البكر، ولد في منتصف، أو هو آخر العنقود)..


الخطوة التاسعة:

تملق الزبائن وإخبارهم بما يريدون سماعه:

"حياتك الرومانسية سوف تتّضح، و سيتم حل المشاكل المالية الخاصة بك، أنت عامل جاد، عادل ،مستقل وحكيم".

القراء المتطورون لا يتفوهون بهذه "التصريحات المجاملة" فقط بل ينسجون منها عرضا مفصلا يخفي طبيعتها المتلاعبة. فعليك أن تربطها بشيء محدّد في حياتهم الخاصة حتى يستوعبوا القراءة بشكل مذهل ودقيق، فمثل هذه التصريحات المعمّمة يمكن أن تنطبق على أيّ كان.

الناس لديهم ميل لتذكر الأمور الفعالة وينسون الهفوات الصغيرة، خصوصا إذا كانوا يتعاملون مع الكثير من المعلومات.


الخطوة العاشرة والأخيرة

الأعذار دائمًا جاهزة. وكل نتيجة يحولونها لصالحهم.

كما ذكر آنفا، يعترف العراف في البداية أنّه لست دقيقا بنسبة 100٪.

إذا أشار العميل إلى أنّ القارئ مخطئ في ما يخصّ معلومة معيّنة، فيمكن للقارئ أن يدّعي أنها شيء حدث في الماضي البعيد، وأن يلمّح بلطف أنّه خطأ الزبون إذا كان لا يتذكر. أو يمكن أن يشير إلى أن هذا شيء سيحدث في المستقبل.

ينقذ العراف تخمينه السيئ حول رسالة ما من أحد أفراد أسرته المتوفين بادعاء أنّ روح الشخص الراحل قد تغيّر قلبها (أو تفكيرها) وترغب لو أنّك تعرف ذلك.

إذا وقع العراف في مواقف محرجة أو عدم إحراز تقدم في القراءة يتحجج بأنّ الاتصالات الروحية بينه وبين العميل سيئة.

أو الأفضل من ذلك، يقوم بإلقاء اللوم على الزبون عن طريق اقتراح أنه بحاجة إلى بذل جهد أكبر


الهامش:

مصدرنا الأساسي لهذه المعلومات هو الكتاب الموسوعي "الحقائق الكاملة للقراءة الباردة" (The Full Facts Book of Cold Reading) لـ إيان رولاند (متاح في ianrowland.com). ما نصفه هنا ليس سوى عيّنات صغيرة لخلاصة شاملة لقارئ محترف والذي يمكن القول أنّه واحد من أفضل القراء في العالم.

أدرجنا أيضا معلومات من مقالات أخرى نشرت من طرف جمعية المتشكّكين (Skeptics Society) وأبرزها مقال "منجّم ليوم: كيف تعلّمت بطاقات التارو، قراءة النخيل، علم التنجيم، الوساطة الروحيّة خلال 24 ساعة" لـ مايكل شيرمر الذي كتبه بعد ظهوره كوسيط روحي بديل في برنامج بيل ناي (Bill Nye) ضمن السلسلة العلمية الموجهة للكبار "عين على ناي" سنة 2003 (www.michaelshermer.com/science-friction/excerpt/).



هذه الخطوات مُترجمة من مصدرها الأصلي:

http://www.skeptic.com/reading_room/learn-to-be-a-psychic-in-10-easy-lessons/

طالع أيضا:
اقرأ المزيد »

الخميس، 7 مارس 2013

التدين الفاسد ثغرة واسعة لنفاذ الخرافات والأباطيل

0

إن الفكر الذى نبحث فى نشأته فلا نجد له أصلا شريفا، إنما هو الخرص والتخمين والتقليد والجمود... وتدبر قول الله عز وجل يصف معالم الفكر الجاهلى... “وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون”.

إذا شهد الإنسان بعينيه شيئا فأخبر بما شهد فلا ملام عليه٬ لكن كيف يلقى أخبارا لم يشهدها؟

إن إلقاء القول على عواهنه من أول مظاهر الفكر الجاهلى. ومظهر ثان ينكشف لك من قول الله بعد ذلك: “وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون”.

الكذب والجهل والتخرص... هو خبء هذا الادعاء على الله. والله جل شأنه ما أرغمهم على شرك ولا أغراهم بافتراء!!

ثم يطرد النظم القرآنى كاشفا عن مظهر ثالث للتفكير الجاهلى إذ يتساءل: من أين لهم أن يقولوا ما قالوا ما دامت الدلائل الحسية تنقصهم؟ أنزل عليهم وحى؟ 

“أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون”

كلا. إن التقليد الأعمى!!

“بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون”

أخيرا تنتهى مجموعة الصفات التى تبرز فى التفكير الجاهلي بالوصف الأخير وهو الجمود وجحد الحق “وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون”

ولو ألقيت نظرة عجلى على الطريقة التى كون المسلمون بها أفكارهم عن الدين وعن الدنيا فى القرون الأخيرة لرأيت أساليب الجاهلية عادت إلى الأذهان فى ميدان العلوم الشرعية والكونية جميعا. الأهواء والأوهام التى لا عمد لها من عقل أو نقل هي التي تروج في كل ناحية٬ فلا جرم هان المسلمون وتخلفوا...

قلنا: إن النظر والتأمل والتفكير في الكون المادي هي مصادر اليقين التي لفتنا القرآن إليها. وهي خطة المنطق الحديث في بحثه عن الحقائق واستكشافه لقوى العالم وأسراره. إلا أن التدين الفاسد غمط هذا المنهج٬ وظلم السمع والبصر والفؤاد واشتغل بضروب من الفكر أحسن ما يوصف به أصحابها قول الله عز وجل: 

“ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون”

إن العلم المادي يتعرف على الخواص الكامنة فى الأشياء. ويتعرف على الروابط الأزلية الثابتة بين بعضها والبعض الآخر٬ ويدون ذلك فى قوانين مضبوطة خالدة... وخطواته القائمة على الحس الدقيق والعقل الواعي تؤسس يقينا يستحق كل احترام... ونحن ما عرفنا الله معرفة اليقين إلا بهذا المنهج من التفكير. 

المنهج الذي هدانا إليه القرآن وبصرنا بأسبابه فى الأرض والسماء.. فكيف شرد المسلمون عنه إبان انحطاطهم؟

وكيف شغلوا أنفسهم بما لا يرفع لهم عند الله منزلة٬ ولا يدعم لهم بين الناس مكانة؟؟ على حين عكف غيرهم على دراسة الكون٬ وإدمان الفكر فى ظاهره وباطنه حتى وصل بآلاته إلى القمر بينما الجماهير عندنا لا تزال آخذه بأذناب البقر...

الواقع أن الإسلام يحترم خصائص الأشياء٬ وما تؤدى إليه الملاحظات والتجارب من نتائج. وما يظن أنه مخالف لهذه الحقيقة٬ فهو من زيغ أناس خولطوا فى أفهامهم وأحكامهم. إن هؤلاء الزائغين حطموا قاعدة الأسباب والمسببات رغبة منهم فى إثبات كرامات للأولياء. ومرت على المسلمين أعصار كثرت فيها هذه الكرامات المفتعلة حتى وقر فى الأذهان أنه ليست هناك قوانين يحكم بها الكون٬ وأن رغبات أهل الإصلاح تجتاح ما أودع الله في العناصر من طباع وما بث فى العالم من قوى وأنظمة...!!

كان شيوع هذا التفكير لعنة على العلوم الطبيعية ووقفا لنمائها٬ بل بخسا لقيمتها. وزاد الطين بلة أن بعض المخلطين ألحق الاعتراف بهذه الكرامات... بعقائد الإسلام. فمن مارى فيها شكوا فى دينه!!

وهذا كله ضرب من السخف يجب محوه وتنظيف الفكر الإسلامي منه...

حقا أن القرآن الكريم تضمن طائفة من خوارق العادات مضافة إلى بعض الأخيار من عباد الله. ونحن نصدق ما أخبر الله به٬ ونعتقد أن رب العالمين يعلم من شئون خلقه ما لا نعلم٬ فإما أجرى بعض الحوادث وفق أسباب نجهلها. وإما خرق هذه العلائق العتيدة بين الأسباب والمسببات لحكم نجهلها. وسواء أكان هذا أو ذاك فإن ما يشذ عن قوانين الكون لا يصدق وقوعه ٬ ولا يكلف الناس بإقراره إذا أنبأنا به غير الله..

فمثلا٬ استنكرت مريم أن يجيئها ولد من غير مسيس بشر٬ لأن هذا خرق فى السنن الكونية. فإذا قال الله “قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون”.

فهل يفسر هذا الحادث المعجز بأنه يجوز أن يشيع بين الناس خرق القوانين الطبيعية ٬ وأن تزعم امرأة ما أنها رزقت ولدا على نحو ما رزقت مريم؟؟ 

إن الأساس هو تكذيب كل امرأة تزعم ذلك٬ ولولا أن الله أخبرنا بأنه خلق عيسى على هذا النحو ما صدقنا الخبر.. ومن ثم نحن نستنكر سيل الخوارق الذى اختلقه الناس لمن يسمونهم أولياء ٬ ونرى الأصل استبعاد كل هذا ورده فى وجوه قائليه!! ثم إن الخطأ والصواب في هذه المسألة يشبه الخطأ والصواب في بعض قواعد الإملاء مثلا٬ لا علاقة له بكفر أو إيمان.. ألا ما أكثر الخرافات بيننا..!!

وشيء آخر. لقد تحدث القرآن عن الجن حديثا محددا ومبينا.. ونحن نؤمن بصدق هذا الحديث٬ ونعرف أن الكون الرحب ليس حكرا على أبناء آدم.. لكن هل يسوغ أن يكون ذلك الحديث تكأة لألوف من الأساطير المفتراة تنتشر هنا وهناك٬ وتملأ أوهام الصغار والكبار بمشاعر لا أصل لها؟؟ 

والمضحك أن الاتصال بعالم الجن قد أضحى اليوم حرفة لقوم آخرين يعملون تحت عنوان ‘الاتصال بالأرواح‘ وتلقى أنبائها بشتى الوساطات. ونحن نتساءل عن جدوى هذا العبث؟ ثم نقول بحسم: إن العلم نوعان: علم خاص بالدين وسبيله الوحى الذى عرفناه عن الله بيقين٬ وعلم خاص بالدنيا وسبيله البحث المادى والجهد الإنسانى.

وهؤلاء الذين يشتغلون بالأرواح كما يزعمون٬ أو بالجن كما نرى نحن٬ يرجعون إلينا بأخبار ملفقة٬ لا مكان لتصديقها لا باسم العلم ولا باسم الدين...

إن التدين الفاسد يؤثر الخلط بين أمور مغيبة وأمور مشاهدة. لأن في هذا الجو ثغرة واسعة لنفاذ الخرافات والأباطيل. وقديما اشتغل اليهود بالسحر. والسحر جملة من المعارف البدائية الكونية مخلوط بشيء غير قليل من الخداع والخبث. ويستطيع المحتالون أن يخيلوا به على الأعين ٬ وأن يؤثروا به في السذج..!! والغريب أن ما اشتغل به اليهود إبان انحلال عقائدهم وفساد عبادتهم هو ما اشتغل به نفر من المسلمين فى العصور الأخيرة.

نفر جعلوا للحروف أعدادا وأسرارا٬ وللنجوم مطالع سعود ونحوس٬ وللخيوط المحلولة والمربوطة٬ والهمهمات الواضحة والغامضة٬ عواقب بالصحة والمرض والنجاح والسقوط... والجن طبعا من وراء هذا الدجل..

أهذا مسلك يباركه العلم؟

كلا!

أهذا مسلك يعرفه الدين؟

كلا!
 
إن دين الله ودنيا الناس فوق هذا الهذر..!!

لقد قصرنا فى ميدان العلوم المدنية تقصيرا شائنا. ولو أن رجلا أجنبيا قارن بين مرامي كتابنا وتصويره للأرض والسماء وما بينهما. وبين واقع حياتنا وتصورنا للأرض والسماء وما بينهما. لوجد البون بين الأمدين هو بعد المسافة بين الحق والخرافة. من أجل ذلك يجب أن نضاعف السير لتعويض ما فاتنا٬ وإدراك من سبقنا٬ فإن جهلنا بالحياة كان معصية الله٬ وإساءة لدينه. وكان إزراء بنا٬ وشقاء لحقنا بعده ما لحقنا من الأذى والعنت..


محمد الغزالي

http://www.alghazaly.org/index.php?id=104
اقرأ المزيد »

| مقطع مرئي |