يقول الله تعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا) (النازعات 30). فما معنى كلمة دحاها؟ وما صحة الادعاء بأن هناك إعجازا علميًا وإشارة من القرآن لكروية الأرض قبل أن يكتشف العلماء كرويتها بقرون؟ فما صحة هذا الإعجاز العلمي المزعوم؟
يحاول البعض أن يلِجَ من باب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، رغبة منه في إثبات أنّ القرآن هو المعجزة الربانية الحقّة.. لكنه يدخل دونما مفاتيح ولا مهارات أكاديمية تؤهله للبتّ في المسائل العلمية. فيأتي بالحقيقة العلمية ثم ّ يلبسها آية من الآيات وينشرها معتقدًا أنّه يخدم بهذا الإسلام.
منها القول بأنّ كلمة "دحاها" في الآية الكريمة من سورة النازعات، تعني أنّه (كوّرها) بشكل بيضة النعامة. فادعى صاحب هذا القول أنّ تلك الآية دليل على كروية الأرض قد جاء به القرآن.
إن رجعنا إلى ما فسره العلماء واللغويون حول هذه الآية، نجد مثلا أنّ ابن حيان يقول(1): ""دحاها" بسطها ومهدها للسكنى والاستقرار عليها."
وفي معجم مقاييس اللغة (1): "مادة دحو: الدال والحاء والواو أصل واحد يدل على بسط وتمهيد."
وتؤكد هذا المعنى آية أخرى من القرآن الكريم تقول (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه)..
يقول الشنقيطي في أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1): "وإذا جئنا إلى كتب اللغة نجدها كلها، تنص على أن الدحو: البسط، والرمي، والإزالة، والتمهيد، فالبسط والتمهيد والرمي بالحجر المستدير في الحفرة الصغيرة معان مشتركة، وكلها تفسر "دحاها" بمعنى بسطها ومهدها. وأن الأدحية مبيض النعام لا بيضه كما يقولون، وسمي بذلك; لأنها تدحوه بيدها لتبيض فيه، إذ لا عش لها." اهـ.
وجاء في تفسير المنار (2): "أن الدحو في أصل اللغة: دحرجة الأشياء القابلة للدحرجة كالجوز والكرى والحصا ورميها، ويسمون المطر الداحي؛ لأنه يدحو الحصا، وكذا اللاعب بالجوز، [...]. وقال الراغب في مفردات القرآن قال -تعالى-: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30] أي أزالها عن مقرها كقوله: {يوم ترجف الأرض والجبال} [المزمل: 14] وهو من قولهم دحا المطر الحصا... إلخ، ولكن فرقا بين دحو الأرض ودحرجتها من مكانها عند التكوين، ورجفها قبيل خرابها عند قيام الساعة. وقد يكون المراد به -والله أعلم- أنه دحاها عندما فتقها هي والسماوات من المادة الدخانية التي كانت رتقا، وفيه دلالة أو إشارة -على الأقل- إلى أنها كرة أو كالكرة في الاستدارة، وإلا يبعد أن يكون المراد بدحوها ودحرجتها حركتها بقدرته -تعالى - في فلكها {وكل في فلك يسبحون} [يس: 40] وهذا لا ينافي ما قيل من أن معناه بسطها أي وسعها ومد فيها، وأنه سطحها أي جعل لها سطحا واسعا يعيش عليه الناس وغيرهم، فمن جعل مسألة كرويتها وسطحها أمرين متعارضين يقول بكل منهما قوم يطعنون في الآخرين فقد ضيقوا من اللغة والدين واسعا بقلة بضاعتهم فيهما معا." اهـ.
فكما ترون كلمة دحاها تحمل أكثر من معنى، كأن تدل على تيسير الأرض وبسطها للإنسان فيعيش ويسترزق منها، وقد يكون في الأمر إشارة -غير مباشرة- لكرويتها كما جاء في تفسير المنار أعلاه... ولم أجد مصدرًا يعتد به يقول أن كلمة "دحاها" تعني كورها بشكل بيضة النعامة كما يدعون!
وليست هذه الآية الوحيدة في القرآن التي قد يمكن أن يفهم من معناها التلميح أو الإشارة لقضية كروية الأرض: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ)، يقول سيد قطب (في ظلال القرآن) تعليقًا على هذه الآية: "فالأرض الكروية تدور حول نفسها في مواجهة الشمس، فالجزء الذي يواجه الشمس من سطحها المكور يغمره الضوء ويكون نهاراً، ولكن هذا الجزء لا يثبت لأن الأرض تدور، وكلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان عليه النهار.
وهذا السطح مكور، فالنهار كان عليه مكورا، والليل يتبعه مكورا كذلك، وبعد فترة يبدأ النهار من الناحية الأخرى يتكور على الليل، وهكذا في حركة دائبة: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ. واللفظ يرسم الشكل ويحدد الوضع ويعين نوع طبيعة الأرض وحركتها، وكروية الأرض ودورانها يفسران هذا التعبير أدق من أي تفسير آخر لا يستصحب هذه النظرية." اهـ.
الخلاصة: الآية تحمل أكثر من معنى وارد، وليس فيها إعجاز علمي كما يزعمون، وأقصى ما يمكننا قوله هو أنها قد تحتوي على إشارة غير مباشرة لكروية الأرض، ثم إننا لا نقطع بأن هذا الفهم هو الصواب وحده أو المراد وحده، فكما رأينا الآية تحمل أكثر من معنى، وربما تكون كل تلك المعاني مقصودة فيفهمها كل شخص بحسب ما يعرفه.
ونحن نرى أنه حتى وإن تمّ الاستئناس بالعلوم في تفسير الآيات القرآنية فلا بد أن لا نقول أن هذا هو تفسير الآيات القاطع، فهذا الجزم لا يليق في حق القرآن لأن القضية قضية اجتهادات بشرية بحتة، بل المطلوب أن لا نجزم ولا نؤكد ولا نقول أن هذا هو التفسير الصحيح بل مجرد استئناس وربط للمعاني ومحاولة فهم الآيات علميا. حتى لا ينقلب الإيمان شكّـاً إذا ما اتضح أن التفسير خاطئٌ.
يقول عبد الحافظ حلمي (3): "فالأمر الذي يكون موضع التأويل لا يعدو في الغالب أن يكون إشارة لطيفة من القرآن الكريم لظاهرة كونية طبيعية –هذا إذا صح تخريج المؤوِّل [بكسر الواو] لمعناها– وليس من الصواب في شيء الزج بتلك الإشارة الكريمة إلى تحميلها فوق كل ما تحتمله، ووضعها موضع التسابق مع أي مبحث علمي مفصل." اهـ.
هذا والله أعلم.
فريق عالم الأكاذيب
المصادر:
(2) تفسير المنار، البقرة، 28-29
جميل
ردحذفهههههه هذا هو العجب العجاب ترك مفسرين القرون الخيرية الذين تبتت خيريتهم بالأحاديث الصحيحة ونتمسك بالمتأخرين
ردحذفهذا مصداقا لقول الحبيب المصطفى : (ستَأتي على الناسِ سُنونٌ خَدَّاعَةٌ يُصَدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصادِقُ ويؤتَمَنُ فيها الخائِنُ ويُخَوَّنُ فيها الأمينُ ويَنطِقُ فيها الرُّوَيبِضَةُ قيل وما الرُّوَيبِضَةُ قال السَّفِيهُ يتكَلَّمُ في أمر العامة)
قيل كلما دخل العلم لعقل السلفي اخرجه البخاري
ردحذفكنت شأمدحك ولكن بعد ما شفتك تنشر لسيد بطلت
ردحذفمذا تفسر الفصول الأربعة و الشروق و الغروب
ردحذفالدحية هي بيضه النعامة وليس اي بيضة اخري لذلك تسمي النعامة بنت ادحية. و د ح و نعم تدل على التمهيد وليس البسط. حتى في رقص العرب الدحية وهي دلالة ان الرقصة تشبه تمهيد الارض
ردحذفأخشى أن يصدق عليك حديث الرويبضة لأن هذا التفسير أثنى عليه ابن باز وابن عثيمين ومعصم علماء المملكة عدا ربيع المدخليانصحك بقراءة تفسير الآية ليس كمثله شيئ
ردحذف