الاثنين، 30 مارس 2015

هل حديث غمس الذبابة في الإناء صحيح؟


يقولون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: 
"إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء"، وتنسب لهذا الحديث معجزات علمية مزيفة قمنا بتبيين كذبها في مقال سابق (اضغط هنا). أما هنا فنريد أن نسأل هل فعلًا قال رسولنا الكريم هذا الحديث؟ وإن كان قاله فعلًا فهل هو جزء من ديننا؟ وهل هو من تشريعاته؟ 

هذا الحديث روي في صحيح البخاري، لكن بالرغم من ذلك فهو يُعد من أحاديث الآحاد، وأحاديث الآحاد تعتبر ظنية لا قطعية، أي أنها تفيد الظن لا القطع. يقول محمد الغزالي (1): "سنن الآحاد عندنا تفيد الظن العلمي، إنها قرينة تستفاد منها الأحكام الفرعية فى ديننا، فإذا وجد الفقيه أو المحدث أن هناك قرينة أرجح منها، تركها إلى الدليل الأقوى دون غضاضة.

وتعريف الحديث الصحيح: "ألا تكون فيه علة قادحة"، فإذا بدت علة في "سنده" أو "متنه" تلاشت صحته، ولا حرج." انتهى كلامه.

وفي تراثنا أمثلة عديدة لعلماء أجلاء ردوا أحاديث الأحاد اعتمادًا على أدلة أخرى أقوى وأرسخ.

يقول محمد الغزالي (1) في هذا الحديث: "هب أن رجلاً قال: لا أستطيع قبول رواية "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء" أيكون من الكافرين؟ كلا!! فلم يقل أحد أن أركان الإسلام تضم الإيمان بالله واليوم الآخر وغمس الذباب في الشراب إذا سقط فيه!

وحديث الآحاد ليس مصدر عقيدة شرعية أو حكم قاطع، [...] وإن ثبت قطعاً أن الذباب مؤذ فى جميع الأحوال التى تعرض له ومن بينها الحالة المروية في الحديث رددته دون غضاضة.

وليس بقادح هذا في ديني ولا يقيني.

وقد روى "البخاري" أحاديث صحيحة السند لكن أئمة الفقه عملوا بغيرها لأدلة أقوى عندهم منها.. وأنا شخصياً متوقف فى هذا الحديث، لم أنته فيه إلى حكم حاسم، وعلى أية حال فهو لا يتعلق بسلوك خاص أو عام.." انتهى كلامه.

يقول محمد رشيد رضا (2): "وحديث الذباب المذكور غريب عن الرأي وعن التشريع جميعًا. أما التشريع في مثل هذا فإن تعلق بالنفع والضرر فمن قواعد الشرع العامة أن كل ضار قطعًا فهو محرم قطعًا، وكل ضار ظنًا فهو مكروه كراهة تحريمية أو تنزيهية على الأقل إن كان الظن ضعيفا. [وأما من ناحية الرأي] فإن ثبت بالتجربة القطعية أن الجناحين سواء في الضرر كما هو الغالب في النظر ثبتت معارضة الواقع القطعي لمتنه وهو ظني لأنه خبر واحد، فيحكم بعدم صحته إن لم يكن تأويله كما هو الظاهر. ولا خلاف في ترجيح القطعي على الظني من منقول ومعقول ومختلف كما بينه شيخ الإسلام في كتاب النقل والعقل.

هذا وإننا لم نر أحدًا من المسلمين ولم نقرأ عن أحد منهم العمل بهذا الحديث، فالظاهر أنهم عدوه مما لا دخل له في التشريع كغيره من الأحاديث المتعلقة بالمعالجات الطبية والأدوية. [...].

هذا وإن إخراج البخاري لهذا الحديث في جامعه لا يعصمه من التماس علة في رجاله تمس مناعة صحته، فإن مداره عنده على عبيد بن حنين مولى بني زريق انفرد به وليس له غيره، فهو ليس من أئمة الرواة المشهورين الذين تخضع الرقاب لعادلتهم وعلمهم وضبطهم كمالك عن نافع عن ابن عمر مثلا [...]. فإذا غلب على قلب مسلم أن رواية ابن حنين هذا غير صحيحة، وارتاب بغرابة موضوع حديث الذباب لا يكون قد ضيع من دينه شيئًا. [...]. وكل من ظهر له علة في رواية حديث، فلم يصدق رفعه لأجلها فهو معذور شرعًا، ولا يصح أن يقال في حقه أن مكذب لحديث كذا. كما أن من اعتقد أن حديث كذا صحيح وكذبه يصدق عليه أنه مكذب ويترتب عليه حكم التكذيب. [...].

هذا وإنني أعلم بالاختبار أيضا أن ذلك المسلم الغيور لم يطعن في صحة هذا الحديث كتابة إلا لعلمه بأن تصحيحه من المطاعن التي تنفر الناس عن الإسلام، وتكون سببا لردة بعض ضعفاء الإيمان، [...]. وما كلف الله مسلما أن يقرأ صحيح البخاري ويؤمن بكل ما فيه وإن لم يصح عنده أو اعتقد أنه ينافي أصول الإسلام." انتهى كلامه.

هذا والله أعلم.


(1) محمد الغزالي (قذائف الحق) ص 102-103

(2) فتاوى الإمام محمد رشيد رضا، ص2042-2045


طالع أيضًا:

هناك 3 تعليقات:

  1. دعك من الإعجاز العلمي وغيره وهل ننتظر الإعجاز للحكم على الحديث الصحيح؛ قد تخفى علينا الحكمة فلنتهم أنفسنا قبل رد الحديث ونتهم عجزنا وفهمنا وإليك المثل التالي يا سيدي الفاضل:
    أسرة بسيطة كعامة الأسر المصرية وقد تهيأوا لطعام موسمي لا يتكرركثيرا أثناء العام وقد امتلأ الإناء باللحم والمرق ويتأهبون لتناول ما حرموا منه طوال العام ثم يقع ذباب في الإناء ماذا يفعلون؟! ستقول الفقراء يضعون الذباب والأغنياء لا؟!!!!! لكن لو طبقنا حديث نبي الرحمة لما وجد الفقراء في أنفسهم شيئا حينما يطبقون الأمر كحديث وليس لأنهم كتب عليهم الأسوأ في كل أمر
    تحياتي

    ردحذف
    الردود
    1. من يريد تطبيق ما في الحديث فهو حر، وتصرفاته خياراته الشخصية.
      لكن نتمنى أن لا ندعي بأن هذه التصرفات من صميم الإسلام وبأنها دليل على الإيمان، ثم نلصق بها إعجازات علمية مزيفة.

      حذف
    2. بخصوص العائلة الفقيرة فرق بين أن ينزعوا الذبابة من طعامهم ويكملوا الأكل وبين أن يغمسوها فيه!!! شتان بين الأمرين

      حذف

قل خيرًا أو اصمت: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)

| مقطع مرئي |