الخميس، 21 فبراير 2013

الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي للقرآن


تحفظ المعتدلين من العلميين:

وتحفظي على التوسع في الإعجاز العلمي يشاركني فيه بعض أساتذة العلوم الكبار، من المتخصصين في العلم، والملتزمين بالدين.

من ذلك ما قال أ. د. عبد الحافظ حلمي في بحثه [...]:

"وثم قضية أخرى خطيرة لابد من إثارتها، فلقد شاع وذاع بين كثير ممن يجمعون بين تفسير القرآن الكريم وقضايا العلوم الحديثة: مسارعتهم في كل موضع إلى القول بأن القرآن الكريم قد سبق العلم في هذا أو ذاك من تلك القضايا. وهذا منزلق خطير له محاذيره، فإنه غالبا ما يكون قولا جزافا غير مستند على أساس علمي أو تاريخي. فالأمر الذي يكون موضع التأويل لا يعدو في الغالب أن يكون إشارة لطيفة من القرآن الكريم لظاهرة كونية طبيعية – هذا إذا صح تخريج المؤوِّل ]بكسر الواو[ لمعناها – وليس من الصواب في شيء الزج بتلك الإشارة الكريمة إلى تحميلها فوق كل ما تحتمله، ووضعها موضع التسابق مع أي مبحث علمي مفصل. هذا فضلا عن أن المؤوِّل ]بكسر الواو[  يستحضر بعض فصول التاريخ العلمي الحديثة،  منذ ما سمي عصر النهضة وما بعده، غير ملتفت إلى أن المعارف البشرية كانت في عهد القرآن متضمنة ما اهتدت إليه الأمم الأولى في الحضارات السابقة. والكلام في السبق التاريخي يفتح بابا للجدل ليس من اليسير في كثير من الأحيان الانتهاء فيه برأي.



[حتى وإن تمّ الاستئناس بالعلوم في تفسير الآيات القرآنية فلا بد أن لا نقول أن هذا هو تفسير الآيات القاطع، فهذا حرام برأيي أن نجزم بأي تفسير تكون القضية فيه اجتهادات لا أكثر! بل المطلوب أن لا نجزم ولا نؤكد ولا نقول أن هذا هو التفسير الصحيح بل مجرد استئناس وربط للمعاني ومحاولة فهم الآيات علميا. حتى لا ينقلب الإيمان شكّـاً إذا ما اتضح أن التفسير خاطئٌ.] (فاطمة أم ثابت)

ولنتأمل – على سبيل القياس – المعارك الجدلية الكثيرة التي دارت حول تحديد ما حققه المسلمون في إبان نهضتهم الكبرى في عصر حضارتهم الذهبي، ومحاولة المكابرين رده كله أو جله إلى الإغريق.

فإذا جاز، مثلا، أن نشرح للناس ما وصل إليه العلم عن القوى التي تجذب الأجرام السماوية بعضها إلى بعض، ثم تحفظها متباعدة عن بعضها البعض دون أن تتداعى، وأن نقول: إن هذه القوى كأنها المعنية بالعمد التي لا نراها في قوله تعالى: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) ]الرعد: 2[، فإنه لا يجوز أن نقول إن القرآن الكريم قد سبق إلى ذكر قانون الجذب العام في الرياضة الفلكية النيوتونية.

كذلك إذا قرأنا قوله تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم . . .) ]الأنعام: 38[، جاز لنا أن نقول: "تنتظم الكائنات الحية في مجموعات يختص كل منها بصفات تكوينية ووظيفية وطبائع معينة. وفي الآية الكريمة تنبيه إلى تباين صور المخلوقات وطرائق معيشتها. فكما أن الإنسان نوع له خصائصه فكذلك سائر أنواع الأحياء. هذا ما يكشفه علم التصنيف كلما تعمق دراسة نوع منها". (المنتخب في تفسير القرآن الكريم، 1978: ص178(. ولكن لا يجوز أن نعلق قائلين بأن هذا يدل على أن القرآن الكريم قد سبق كارلوس لينيوس في وضع علم التصنيف. فالآية أولا ليس فيها تصنيف، لا وفقا لنظام لينيوس ولا غيره من المصنفين، ثم إن محاولات التصنيف ضاربة في التاريخ قبل لينيوس، وإن كان هو واضع أسس المنهاج الذي يتبعه البيولوجيون حتى وقتنا الحاضر.

ومن قبل هذا الذي قيل عن سبق القرآن الكريم إلى قوانين الجاذبية وعلم التصنيف: ما قيل أيضا عن انشطار الذرة، وارتياد الفضاء، وقصر المحور القطبي للأرض، في الأمثلة الثلاثة التي سبق ذكرها، وفي كثير غيرها مما يضيق المجال عن حصره وذكره. ولكن لعل الأعجب ما قرأت هو رأي كاتب فاضل من علماء الدين يقول: إن قوله تعالى: (وإذا العشار عطلت) من سورة التكوير (4) تنبؤ باختراع وسائل الانتقال الحديثة من سيارات وقطارات وطائرات واستخدامها بدلا من الإبل (والعشار من النوق ونحوها ما مضى على حملها عشرة أشهر) مع أن السياق كله في تعداد أحداثٍ من أحداث يوم القيامة، ومع بعد المعنى المذكور لأكثر من سبب!

إن القرآن الكريم كتاب منزل من خالق الكون العليم بأسراره ونواميسه، بل إنه سبحانه وتعالى هو مبدع هذه الأسرار، وفاطر تلك النواميس. فمن العبث أن نعقد سباقا لا محل ولا معنى له بين كتاب الله العزيز – تنزهت كلماته – وبين علوم البشر، فهي – حتى وإن بلغت في هذا الزمان شأوا عظيما – ليست إلا لمحات من علم الله الشامل الكامل.

إن الأقوال الواهية عن (السبق العلمي) للقرآن الكريم لن تقنع غير المؤمن بأن القرآن الكريم كتاب منزل من عند الله، وليس من قول محمد النبي الأمي، صلوات الله وسلامه عليه، فإننا إذا أردنا أن نقنع غير المؤمنين بهذا وجب علينا أن نلجأ إلى أسلوب أكثر إحكاما.

]...[

]...[ الصدق المطلق الذي يجده العلماء في القرآن الكريم هو مصداق لقوله تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) ]النساء: 82[. ويتضح مما يقوله الإمام البيضاوي: أن الاختلاف المشار إليه في الآية الكريمة ليس مقصورا على "تناقض المعنى وتفاوت النظم" – أي بين آيات القرآن نفسها – وإنما يشمل أيضا "مطابقة بعض أخباره المستقبلة للواقع دون بعض، وموافقة العقل لبعض أحكامه دون بعض".

]...[

وكتاب الله العزيز كله معجز، ويستطيع العلماء أن يتلمسوا دلائل إعجازه في شتى المجالات. فإذا كنا بصدد (إعجازه العلمي) تحتم علينا أن نتوخى الدقة التامة، فلا نفتعل مناسبة أن نتشبث بلفظ أو نحمله فوق كل ما يحتمل، أو نجهل أو نتجاهل حقائق التاريخ.

وينبغي أن يكون لنا في الأئمة السابقين أسوة حسنة حين نرى دقة مناهجهم  العلمية عندما تناولوا القرآن الكريم من نواحيه اللغوية والبلاغية والتشريعية.


يسوف القرضاوي، كيف نتعامل مع القرآن العظيم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: