الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

رأي المسيري في نظرية المؤامرة اليهودية


وثمة تبد آخر متطرف لنموذج العداء لليهود والهودية، وهو نظرية المؤامرة اليهودية.

وهو نموذج تفسيري يضع اليهود، كل اليهود، في سلة واحدة. ولذا فكل الظواهر اليهودية والصهيونية والإسرائيلية شيء واحد. ويتم اختزال الإسرائيلي في الصهويوني والصهيوني في اليهودي. لأن الجميع "يهود والسلام".

كما يتم اختزال اليهود (بل الواقع بأسره) في قوالب جاهزة وأنماط سابقة.

فاليهود –حسب تصور هؤلاء الكتاب- شخصيات مخربة هدامة دائما وأبدا. تتآمر بطبيعتها ضد كل ما هو خير ونبيل (فهذا –حسب تصورهم- مكون أساسي وثابت في طبيعة اليهود). وهم مسؤولون عن كل الشرور (أو على الأقل معظمها)، وسلوكهم هو تعبير عن مخطط جبار وضعه العقل اليهودي (أو حاخامات اليوهد) لتهريب الأخلاق وإفساد النفوس حتى تزداد كل شعوب العالم ضعفا ووهنا بينما يزداد اليهود قوة وبأسا، وذلك بهدف السيطرة على العالم.

والعالم كله –حسب هذا التصور- إن هو إلا رقعة شطرنج، وكل البشر إن هم إلا أحجار عليه يحركها اليهود بكل بساطة لإنجاز مخططهم، فهم أصحاب قوة خارقة لا تضاهيها قوة، ونفوذ كبير ليس مثله نفوذ. والتاريخ اليهودي بأسره إن هو إلا تعبير عن هذا النموذج الثابت، وهذه المؤامرة التي لا تتغير.


[...]

والصهيونية –في تصور التآمريين-ليست ظاهرة مرتبطة بحركيات التاريخ والفكر الغربي، وإنما هي مجرد تعبير عن هذا الشر الأزلي الكامن في النفس اليهودية، ذلك الشر الذي يتبدى في الغزو الصهيوني لفلسطين
[...]

وابتداء، يجب الإشارة إلى أن البعض يخلط بين المؤامرة والمخطط. فالمخطط هو خطة استراتيجية تعبر عن مصالح دولة ما أو مجموعة من الدول (كما يتصورها أصحابها). وهي تتبدى من خلال أنماط متكررة لها مسار يعبر عن منطق داخلي يمكن فهمه والتصدي له بمخطط مضاد، فأصحاب المخطط المعادي لنا بشر، ونحن بشر، والحرب يننا سجال، إلى أن ينصر الله من ينصره.

أما المؤامرة فهي خطة سرية وضعها في الظلام بضعة أفراد دوافعهم خسيسة شريرة، يحاولون قدر طاقتهم الحفاظ عليها طي الكتمان ويقومون على تنفيذها. ولأن المؤامرة ليست جزءا من نمط، فإنها لا تتبع مسارا مفهوما وليس لها قوانينها الداخلية الخاصة والخارجية العامة.

ويتصور أصحاب نموذج المؤامرة أن المؤامرة التي تحاك ضدهم موجودة في وثيقة بعينهاـ تتضمن كل أو معظم البنود. وبدلا من فهم الواقع وتحليله وتفكيكه وإعادة بنائه، تصبح مهمتنا هي ضرورة البحث عن مثل هذه الوثائق وأن ندرسها بعناية.

إن نموذج المؤامرة، كما لخصه أحدهم، نموذج قد يدعو لعدم الاستسلام، ولكن مقولاته تنطوي على دعوة لعدم الجهاد في الوقت نفسه، لأنه نموذج يؤدي إلى الشلل التام. كنت في إحدى الندوات أعرض وجهة نظري، فقام أحدهم وصرخ في بصوت عال: "إن حربنا مع اليهود إلى قيام الساعة". قالها بحماس شديدة جعلت الجمهور يصفق له بحماسة أشد. فانتظرت حتى انتهت الحماس والتصفيق وقلت لهم: إن هذا القول يعني أن قيام دولة إسرائيل جزء من مخطط إلهي، وأن انتصاراتها علينا "أمر مكتوب" علينا تقبله إلى أن تحين الساعة!

ويدلل التآمريون على وجود المؤامرة اليهودية بالإشارة إلى أن النبوءات الصهوينية قد تحققت كلها. ويشيرون إلى مذكرات هرتزل حيث تنبأ بتأسيس الدولة الصهيونية في غضون خمسين عامًا، وقد حدث بالفعل.

ولكن يمكن أن نطرح السؤال التالي: هل قام أحدهم بحساب عدد النبوءات التي أطلقها بثقة ولكنها خابت؟ وماقولهم في نبوءته بخصوص ألمانيا القوية التي ستأخذ اليهود تحت جناحيها، وتساعدهم في مشروعهم الصهيوني؟ ألم تأخذ ألمانيا اليهود تحت جناحيها بعد أقل من ثلاثين عاما من إطلاق النبوءة بمعنى مختلف تماما عما كان يقصد إليه هرتزل؟ وما قولهم عن نبوءات الصهاينة عن تدفق يهود العالم على الوطن القومي اليهودي حيث يتم صهرهم في بوتقة الصهر الصهيونية ليخرج منها العبراني الجديد؟ ألا يمكن القول بأن الأزمة الاستيطانية وأزمة الهوية التي يعاني منهما الكيان الصهيوني هما دليل ناصع على فشل النبوءات الصهيونية.

إن رفض نموذج المؤامرة يعني عدم تقبل الواقع السطحي كما هو، ورفض المقولات اللفظية الشائعة والصور النمطية السائدة والصيغ المسبقة الجاهزة. كما يعني عدم تقبل ادعاءات الصهاينة عن أنفسهم وإخضاعها للنقد والبحث والتمحيص
[...]

وإنكار المؤامرة لا يعني بأي حال إنكار أن أصحاب المخطط أو الاستراتيجية يبذلون قصاري جهدهم أن ينقذوه بأي طريقة
[...]. ولذا كثيرا ما نجدهم يلجأون إلى المؤامرات، وهذا ينطبق على أشياء ضخمة مثل تقسيم العالم العربي واستعمار فلسطين [...] وتآمر أصاحب المخططات يظهر أيضا في أشياء ليست بنفس الضخامة مثل محاولات الاغتيال السياسي والتجسس وتقديم رشاوي لبعض أعضاء النخب الثقافية والسياسية وتحريك الأقليات بهدف إثارة القلاقل ضد بعض النخب الحاكمة والضغط عليها.  [...]

 

عبد الوهاب المسيري: رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر 

هناك 5 تعليقات:

  1. ليست المشكلة فيما تفضلت به يا حضرة المدون ، بل حين يظهر شخص يقول عن نفسه إنه باحث ومفكر إسلامي مختص بشؤون اليهود بينما كتبه تطفح بألفاظ لطيفة بحق المرحوم عبد الوهاب المسيري وتعمم الخبث على اليهود أجمعين ، وفي نفس الوقت تخالف السنة النبوية في مسائل عدة منها مسألة الخلافة وتزكي أشخاصا لا نعلم باطنهم من ظاهرهم ... وفقك الله ورعاك

    ردحذف
  2. مقال رائع ولكن فقط لذوي العقول المتفتحة و المسلمين الفاهمين بحق.. وفقكم الله

    ردحذف
  3. السلام عليكم انا برايي الى متى نظل نحن المسلمين نمارس دور الضحية؟ كل اللي موجود فينا خير و غير المسلمين اشرار و مجرمين و بدليل انه معظم اللي نستعمله صناعة الاجانب و الصينيين الوثنيين الكفرة و مافيش عنا غير السخرية و التهكم بدلا من السيطرة و التحكم و التحطيم النفسي و التدمير المعنوي بدلا من الارشاد النفسي و التوجيه المعنوي و ماشاء الله تبارك الله نفتخر بالاسلاف و الماضي بشكل رجعي وعكسي مع انه الامم مفروض تتطور عشان تراكم المعرفة عبر الاجيال وصولا الى ما نحن فيه من تطور علمي هائل و نحن لا قدر الله ممكن نلاقي حالنا في البرية زي الحيوانات البرية و لا زلنا نفتخر بابن سينا و ابن رشد و ابن تيمية و غيرهم؟؟!!!

    ردحذف

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: