الأربعاء، 22 يوليو 2015

كرامات الأولياء والصالحين... حقيقة أم خرافة؟




من أسباب انهيار الثقافة الإسلامية أن قانون السببية دَعِىّ مع المتصوفين فإن كل رجل طيب فيهم جعلوا خوارق العادات تحشو حياته، فهو يفتح الباب بغير مفتاح، ويطير في الجو بغير جناح، كل شيء سهل، كانت النتيجة أن البحر أصبح طحينة كما يقولون، ولم يبق في حياة البشرية شيء متماسك، ووُجد هذا في كتب الفقه، قرأت في الفقه المالكي، وفي الفقه الحنفي –مع أن أبا حنيفة ومالكا من أئمة الرأي وليسوا من أئمة الأثر- ومع ذلك قرأت كلاما لابد من رفضه، وما ينبغى أن يقال أبدا، ولا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذلك قول المالكية –في كتاب من حوالي ألف صفحة أعطتنيه حكومة قطر العام الماضي، وكما تعلمون الذي يصلي الظهر في مكة يصليه قبل الذين يصلونه في القاهرة بحوالي خمس وعشرين دقيقة ]...[ فيجيء سائل في الفقه المالكي ويقول: لو صلى الظهر في مكة ثم طار –كيف طار؟ وهذا الكلام من قرون– ووصل إلى المغرب فهل يصلي الظهر مرة أخرى لأنه وصل قبل وجوبه على أهل المغرب؟ هذا كلام سخيف، عيب، أسقط العقل الإسلامي في ميدان الاختراع والفيزياء والكيمياء وما إلى ذلك... كلام لا يليق.. الطامة التي يقولها الأحناف أن رجلا في المشرق تزوج امرأة في المغرب وولدت دون أن يتصل بها، كيف هذا؟ يقولون: هو ابنه فقد يكون من أهل الخطوة!! هذا الكلام عيب أن يقال، قانون السببية طحنه المتصوفون بكثير من خوارق العادات.. ويجيء رجل ببلاهة فيقول لك: هل تنكر خوارق العادات؟ هل تنكر كرامات الأولياء؟ وفرضنا جدلا أن رجلا أنكر هذا، ابن حزم أنكر هذا ودينه محفوظ، وغيره أقرّ بها إذا كانت مروية بسند صحيح ورفضها إذا كانت بغير سند صحيح، فالمسألة فرعية لا دخل لها في العقائد، ولا دخل لها في الكفر والإيمان


خطب الشيخ محمد الغزالي؛ في شئون الدين والحياة؛ إعداد قطب عبد المجيد قطب؛ مراجعة محمد عاشور؛ الجزء الثاني؛ ص144-145




وقد سلت في المسلمين لوثة شنعاء في نسبة الخوارق إلى الصالحين منهم، حتى كادت جمهرتهم تقرن بين علو المنزلة في الدين وخرق قوانين الأسباب والمسببات، وحتى جاء من المؤلفين في علم التوحيد من يقول:


وأثبتن للأوليا الكرامة     ومن نفاها فانبذن كلامه!!


وصلة هذا الإثبات بعلم التوحيد كصلته بعلم النحو أو علم الفلك!! أي أن حقيقة الدين بعيدة عن هذه البحوث، سواء انتهت بالسلب أو بالإيجاب.

والخوارق التي يتهامس بها المفتونون لأوليائهم هي تعبير سيئ عن رذائل الكسل والحمق التي تكمن في طواياهم، كما أن الأحلام الطائشة التي تعتري النائم تعبير عن الاضطراب الذي يملأ نفسه ويرهق أعصابه.

هذا فتح الباب الموصد من غير مفتاح، وهذا طار في الهواء بغير جناح، وهذا بال على الحجر فانقلب ذهبًا، وهذا اطلع الغيب واتخذ عن الرحمن عهدًا..!!

وأمثال هذه السخافات كثير.. وهي تدل على جهل بحقيقة الدين وحقيقة الدنيا، وتدل على أن مروجيها أضل عقولًا وقلوبًا من أن يعرفوا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه.

ما كان محمد صلى الله عليه وسلم رجل خيال يتيه في مذاهبه ثم يبني حياته ودعوته على الخرافة. بل كان رجل حقائق يبصر بعيدها كما يبصر قريبها. فإن أراد شيئًا هيأ له أسبابه وبذل في تهيئتها -على ضوء الواقع المر- أقصى ما في طاقته من حذر وجهد، وما فكر قط ولا فكر أحد من صحابته أن السماء تسعى له حيث يقعد، أو تنشط له حيث يكسل، أو تحتاط له حيث يفرط. ولم تكن خوارق العادات ونواقض الأسباب والمسببات أساسًا ولا طلاء في بناء رجل عظيم أو أمة عظيمة.


محمد الغزالي، فقه السيرة، ص39-ص41






الواقع أن الإسلام يحترم خصائص الأشياء٬ وما تؤدى إليه الملاحظات والتجارب من نتائج. وما يظن أنه مخالف لهذه الحقيقة٬ فهو من زيغ أناس خولطوا فى أفهامهم وأحكامهم. إن هؤلاء الزائغين حطموا قاعدة الأسباب والمسببات رغبة منهم فى إثبات كرامات للأولياء. ومرت على المسلمين أعصار كثرت فيها هذه الكرامات المفتعلة حتى وقر فى الأذهان أنه ليست هناك قوانين يحكم بها الكون٬ وأن رغبات أهل الإصلاح تجتاح ما أودع الله في العناصر من طباع وما بث فى العالم من قوى وأنظمة...!!

كان شيوع هذا التفكير لعنة على العلوم الطبيعية ووقفا لنمائها٬ بل بخسا لقيمتها. وزاد الطين بلة أن بعض المخلطين ألحق الاعتراف بهذه الكرامات... بعقائد الإسلام. فمن مارى فيها شكوا فى دينه!!

وهذا كله ضرب من السخف يجب محوه وتنظيف الفكر الإسلامي منه...

حقا أن القرآن الكريم تضمن طائفة من خوارق العادات مضافة إلى بعض الأخيار من عباد الله. ونحن نصدق ما أخبر الله به٬ ونعتقد أن رب العالمين يعلم من شئون خلقه ما لا نعلم٬ فإما أجرى بعض الحوادث وفق أسباب نجهلها. وإما خرق هذه العلائق العتيدة بين الأسباب والمسببات لحكم نجهلها. وسواء أكان هذا أو ذاك فإن ما يشذ عن قوانين الكون لا يصدق وقوعه ٬ ولا يكلف الناس بإقراره إذا أنبأنا به غير الله..

فمثلا٬ استنكرت مريم أن يجيئها ولد من غير مسيس بشر٬ لأن هذا خرق فى السنن الكونية. فإذا قال الله “قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون”.

فهل يفسر هذا الحادث المعجز بأنه يجوز أن يشيع بين الناس خرق القوانين الطبيعية ٬ وأن تزعم امرأة ما أنها رزقت ولدا على نحو ما رزقت مريم؟؟ 

إن الأساس هو تكذيب كل امرأة تزعم ذلك٬ ولولا أن الله أخبرنا بأنه خلق عيسى على هذا النحو ما صدقنا الخبر.. ومن ثم نحن نستنكر سيل الخوارق الذى اختلقه الناس لمن يسمونهم أولياء٬ ونرى الأصل استبعاد كل هذا ورده فى وجوه قائليه!! ثم إن الخطأ والصواب في هذه المسألة يشبه الخطأ والصواب في بعض قواعد الإملاء مثلا٬ لا علاقة له بكفر أو إيمان.. ألا ما أكثر الخرافات بيننا..!!


محمد الغزالي (المصدر)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قل خيرًا أو اصمت: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)

| مقطع مرئي |