الأربعاء، 1 أكتوبر 2025

قصة قتل بني قريظة... بين القرآن وحكايات المؤرخين!


من الأمور المثيرة للجدل والتي [يتم تناولها] باعتبارها مؤشراً على العنف الذي ترافق مع نشوء وانطلاق الإسلام وتجربة المسلمين التاريخية: قضية ما جرى على يهود بني قريظة، الذين تعرضوا بحسب ما تقول القصة لمقتلة عظيمة أدت إلى استئصالهم جميعاً وإبادتهم، وذلك بإمضاء وإشراف رسول الله (ص)!.

وعلينا أن نولي هذا الأمر أهمية خاصة وندرسه بشجاعة وموضوعية بعيداً عن الصخب العاطفي أو التهويل الإعلامي لنتحرى عن الحقيقة ونتبينّ ما جرى فعلاً، فهل فعلاً حصلت هذه المجزرة التي تفاخرت بعض المصادر الإسلامية التاريخية بالحديث عنها؟ [...].


بين حكاية القرآن وحكاية المؤرخين!

ولعل أهم المفارقات التي تواجه الباحث هو أنّ حكاية القرآن الكريم لهذه الحادثة لا تنسجم كثيراً مع الرواية التاريخية لمجريات القضية، وهذا ما يثير الشك والريبة في مدى دقة الرواية التاريخية، فإنّ قضية بني قريظة قد سجّلها القرآن الكريم وتحدّث عنها في آيتين أوجزتا ما جرى، وذلك في سياق حديثه عما جرى في وقعة الأحزاب، والآيتان هما قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًاً} [الأحزاب 26- 27].

ونزول هاتين الآيتين في قضية بني قريظة أمر [...] معروف ومشهور لدى المفسرين والمؤرخين [2].

 إنّ الآيتين الكريمتين المتقدمتين لم تتحدثا عن مجزرة وذبح بدم بارد تعرضت لها تلك الجماعة التي ظاهرت المشركين وناصرتهم، ولم تشرْ إلى نزولهم على حكم أحد، ومن ثمّ تعرضهم لعملية إبادة شاملة وحكم بإعدام كافة الذكور الذين نبت الشعر على عاناتهم، وسبي للأطفال والنساء.. وإنما تحدثت الآيتان عن نهاية لتلك الجماعة (بنو قريظة) وسيطرة المسلمين على أرضهم وأموالهم، أمّا مصيرهم - بحسب ما أشارت الآية الأولى - فلم يكن هو القتل العام والإبادة الشاملة بعد خضوعهم ونزولهم على حكم المسلمين، بل المستفاد من الآية الأولى أنّ قسماً منهم قد قتل، وقسماً آخر أسر، وهذه الآية وإن لم تحدد لنا طريقة القتل، وأنّه حصل أثناء المعركة أو أنه تمّت تصفيتهم بعد استسلامهم، لكن يمكن القول: إنّ مقابلة القتل للأسر توحي بأنّ الذين قتلوا لم يؤسروا، ما قد يرجح أنّهم قتلوا في معركة، ولو كان بنو قريظة كلهم قد نزلوا على حكم سعد، ومن ثمّ قتلوا بأجمعهم فلا معنى لهذا التقابل بين القتل والأسر في الآية.

 بعبارة أخرى: يستفاد من الآية أنّ القتل حدث بالموازاة مع الأسر، لا أنّه متفرِع عليه، كما تنص الرواية التاريخية، وعليه، فلا يمنع من أن تكون هناك معركة معيّنة قد نشبت مع بني قريظة وأسفرت عن قتل بعضهم وأسر آخرين، ولا تشير الآية إلى ما جرى مع الأسرى.

أضف إلى ذلك أنّ الأسر لا يكون إلا نتيجة معركة، بينما الرواية المشهورة تتحدث عما يشبه استسلام لبني قريظة ونزولهم على حكم سعد. وهذا النزول وما أعقبه من سبي الأطفال والنساء لا يعدّ أسراً، قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال-67].

ربما يقال: إنّ الآية تشي بأنّ القتل والأسر حصل بعد إنزالهم عن صياصيهم، فيكون مؤيدا لحصول الاستسلام دون قتال ثم حصول القتل والأسر. ولكن الظاهر أنّ إنزالهم من صياصيهم هو كناية عن هزيمتهم وتقهقر قوتهم والمتمثل والمتحقق بالقتل والأسر.

هذا ما يمكن فهمه من القرآن الكريم، ومن الطبيعي أنّ الرواية القرآنية هي الأدق والأصح، ولا يمكننا أن نثق بما يخالفها. [...].


إشكالات [...]

[...] الرواية المتداولة تنسب إلى المسلمين أنّهم قتلوا كل ذكر بالغ سواء قاتل أو لم يقاتل، وسواء كان شاباً محارباً أو شيخاً كبيراً أو فتى صغيراً ولو في أوائل البلوغ، وكانوا يعرفون البلوغ من خلال إنبات الشعر [19]، وثمّة أسئلة ترد هنا من قبيل:

- أنه إذا كان هناك مبرر لقتل الشباب المقاتلين فما المبرر لقتل الشيوخ؟! (والشيوخ كانوا حتماً موجودين، فنحن عندما نتحدث عن جماعة يكاد عدد رجالها الذين قتلوا يلامس الألف طبقاً لبعض الروايات فهذا يعني أن هذه الجماعة كان فيها العشرات من الشيوخ والمسنين) والحال أنّ الحرب في الإسلام لها قوانينها الأخلاقية ومن هذه القوانين تجنب قتل الشيوخ، [...]، أيعفى عن الشيخ في المعركة الضروس بعد تحقق النصر، ويقتل صبراً في حال قبل النزول على حكم المسلمين دون معركة راجياً العفو ومتأملاً الصفح؟!

- ومن قبيل أنه هل كل أولئك الفتية الذين نبت الشعر على عاناتهم للتو مشاركين في الحرب ونقض العهد وخيانة المسلمين والغدر بهم؟! إنّ هذا أمر مستبعد للغاية، ففي العادة لا يكون هؤلاء الفتية الذين راهقوا البلوغ أصحاب رأي ولا لديهم بأجمعهم استعداد لخوض الحرب فضلاً عن أن يكون لهم دور في نقض العهود أو المساهمة والمشاركة في الغدر والخيانة، وإنما يفعل ذلك بعض كبرائهم وساداتهم [...]، وعليه، فليس ثمّة مبرر إلا لقتل من اشترك في الخيانة والعدوان ونقض العهود فقط، وأمّا البقيّة ومنهم الشيوخ والعجزة والفتية الصغار فلا مبرر لقتلهم؟ ألا يعدّ قتلهم حينئذٍ ظلماً ومنافًياً لقاعدة العدل القرآنية: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [النجم 38]؟! وفي الحدّ الأدنى ألا يعدّ ذلك منافياً لأخلاقيات النبي الكريم (ص) التي عرف بها، وهو المشهور بالعفو والصفح عمّن أساء وظلم؟!

- [...] ثمّ إنّ ثمة تساؤلاً يفرض نفسه في المقام، وهو أنّه إذا كان الذين قتلوا من بني قريظة هم بالمئات، فإنّ العدد الذي يفترض أن يكون السبايا والأسرى الذين استعبدوا عدداً كبيراً يزيد على هؤلاء فأين بيعوا وأين ذهبوا...!؟ قد لا نجد جواباً مقنعاً على ذلك ما يبعث على مزيد من التشكيك في الحادثة، ويؤشر إلى المبالغات التي اكتنفتها.

[السؤال الآخر الذي يراودني: هو ماذا حل بجثث هؤلاء والتي تعد بالمئات؟ كيف تخلص المسلمون من هذا العدد الكبير من الجثث؟ وهل تم دفنهم وأين تم دفنهم؟ وماذا يقول السجل الأحفوري في هذا الأمر؟]

-وربما شكك البعض بالحادثة، من زاوية ما روي عن قتل الأسرى، وهو أمر مستغرب ومرفوض، ولا يعقل إقدام النبي (ص) عليه، لأنّ القرآن الكريم وضع قاعدة في التعامل مع الأسرى وهي المنّ أو الفداء، قال تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد 4].


[...] الرأي الأقرب: قتل من حزّب منهم

ولكنّ الإنصاف يدفعنا إلى القول: إنّ الملاحظات المتقدمة [...] لا توجب تكذيب الحادثة من أصلها، وإنما تبعث على التشكيك في تفاصيل تلك الرواية المشهورة، وتدفع إلى ترجيح ما ذكره بعض المؤرخين من أن سعد بن معاذ إنّما حكم أن "يقتل من حزّب منهم عليه.." [25]، ولم يقتلهم جميعاً، والذين حزبوا هم - بحسب العادة - رؤوس القوم وذوي الرأي والبأس فيهم، وليس كل الرجال الذين قيل: إنّ عددهم بلغ تسعمائة وقيل أقل من ذلك، يقول ابن إسحاق إنّ عددهم بلغ "ستمائة أو سبعمائة، والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة" [26]، ويذكر بعضهم أنّ عددهم كان أربعمائة [27]، وإنّ هذا التضارب الكبير حول عددهم هو عنصر آخر يثير الريبة، ولا يتسنى لنا فهمه إلا على أساس المبالغة التي تحصل في مثل هذه الحالات، حيث إننا نلحظ ميلاً ورغبة -لدى المنتصرين- بتعظيم الإنجازات من خلال الإكثار من أعداد قتلى عدوّهم أو تضخيم بطولاتهم. وهذا ما يؤكده لنا تاريخ الحروب في الماضي والحاضر، فالمبالغات فيها معروفة [...].

 ومما يشهد إلى أنّ عدد المقتولين لم يصل إلى المئات كما قيل، بل كان قليلاً ولعله لم يتجاوز المائة، أنّ رواية ابن إسحاق [29] تنصّ على أنّه بعد استسلام يهود بني قريظة ونزولهم على حكم سعد بن معاذ، أُخذوا وحُبسوا في دار بنت الحارث (وهي امرأة من بني النجّار)، وعليه [...] فهل يعقل أن تضمَ دار بنت الحارث هذا العدد الكبير من الرجال، ولا سيما بملاحظة بيوت ذلك الزمان؟! إنّ هذا أمر مستبعد للغاية.


حسين الخشن (بتصرف واختصار)

 ==

[2] جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج 21ص ،181، وتفسير القمي ج 2 ص 189، والسيرة النبوية ج 2 ص 725، 726.

[19] قال ابن إسحاق:" وكان رسول الله (ص) قد أمر بقتل من أنبت منهم". أنظر: السيرة النبوية ج 2 ص 721.

[25] الوفا695، وتبناه بعض العلماء المعاصرين، انظر: الصحيح من السيرة ج 12 ص 88.

[26] السيرة النبوية ج 2 ص 719.

[27] سنن الترمذي ج 3 ص 72.

[29] السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 719.

0 اقرأ المزيد »

لماذا العنكبوت أنثى في القرآن؟ حقيقة الإعجاز العلمي

0


من عجيب ما قرأته في حق قوله تعالى في سورة العنكبوت: (... كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ...) (العنكبوت 42)، أن استخدام كلمة "اتخذت" هكذا مؤنثة بإضافة تاء التأنيث عليها ليس عشوائيا بل فيه من الدقة والإعجاز لأن أنثى العنكبوت هي وحدها التي تبني البيت بينما الذكر لا يقوم ببناء البيت، وفعلا هذا هو ما أثبته العلم الحديث! ويبدو أن هذه المعلومة منتشرة بكثرة في صفحات الإنترنت المختلفة، فما مدى صحتها؟ 

أولًا نبدأ بالقاعدة العامة التي يجب أن يلتزمها كل عاقل وهي: عندما تقرأ جملا على سياق: "أثبت العلم الحديث"، "تقول الدراسات العلمية"، "اكتشف العلماء الغربيون"، مباشرة اسأل وتأكد وتثبت، أين هي هذه الدراسات؟ ما المصدر عليها؟ من هم هؤلاء العلماء... إلخ. لا تقبل بالكلام دون تحقق وتأكد، وإلا كنت في عداد السذج الذين يصدقون كل ما يمر بهم من أكاذيب وتفاهات.

بالبحث السريع في الموضوع وجدت أن هناك تقريبا 50 ألف نوع من العناكب اكتشفها العلماء (سبحان الله!)، وأغلب هذه الأنواع لا تنتج شبكات وإن كانوا جميعًا ينتجون خيوط الحرير نفسها سواء للتنقل أو غيره (1)، وليس صحيحا أن الذكور لا ينتجون شبكات بل هناك أنواع منها تنتج الشبكات لأسباب مختلفة، ووجدت هذا البحث يبحث في موضوع إنتاج بعض أنواع من ذكور العناكب لشبكاتهم (2)، ويبدو أن أغلب ذكور العنكبوت تتوقف عن إنتاج الشبكات حين تكبر لتترك شبكاتها بحثًا عن شريكة للتوالد (3). فها هو الأمر من الناحية العلمية يسقط.

أما من الناحية اللغوية فكلنا يعرف أن كلمة عنكبوت مؤنثة وهي لا يُقصد بها أنثى العنكبوت فحسب بل تشمل الذكور والإناث، فعند الحديث عن العنكبوت كل شخص عربي ذو لغة سليمة سيستخدم صيغة المؤنث وهو بذلك يقصد جنس العنكبوت ككل بذكوره وإناثه، وفي اللغة العربية كل أسماء الحيوانات والمخلوقات إما مذكر أو مؤنث وذلك لا علاقة له بالذكورة والأنوثة، فالنحلة مؤنثة، والنملة مؤنثة، والفراشة مؤنثة، وتستخدم هذه الكلمات للدلالة على جنس الحشرة ككل شاملا بذلك الذكور والإناث، بينما مثلا عندنا الصرصور والجندب أسماءهم مذكرة، فهذه قواعد لغوية لا علاقة لها بذكورة وأنوثة. فالآية تستخدم قواعد اللغة حين تتحدث عن العنكبوت بصيغة المؤنث ولا تهدف لتقرير حقيقة علمية من عدمه: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت 41).

وبهذا يتبين تهافت هذه المعجزة العلمية المزيفة وعدم صحتها لا لغويا ولا علميا.


المصادر:

(1) National Geographic: How spider silk is one of the most versatile materials on EarthByJason Bittel September 12, 2019

 

(2) Functional Web Built by Adult Male Bowl and Doily Spiders1985 The Journal of Arachnology 13:397


(3) Ever Wonder About Spider Webs?, Science World, Tue, Dec 9, 2014


طالع أيضا:

حقيقة الإعجاز العلمي في بيت العنكبوت

اقرأ المزيد »

الخميس، 4 سبتمبر 2025

هل الجبال تتحرك؟ حقيقة معجزة "وهي تمر مر السحاب"

0


الكثير من الناس يسوق آية (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (النمل 88) ليستدل على إعجاز علمي على حركة الصفائح الأرضية، أو على دوران الأرض. مع أن الرائي (وترى الجبال) لن يرى أبدا شيئا يدور حتى يكون منفصلا عنه، لا معه في الحركة. وأيضا مرّ السحاب السريع لا يتوافق أبدا لوصف حركة القارّات البطيئة جدا.

لذا الأيسر من هذا التكلّف كله، هو اعتبار الآية واقعة يوم القيامة، وهذا لسببين:

1- السياق الخاص بالآية

2- تفسير القرآن لنفسه في مواطن أخرى، أو السياق العام للقرآن

السياق الخاص: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً...)، واضح أنه يوم ينفخ في الصور ثم جاءت الآية بعدها عن الجزاء (فهم من فزع يومئذ آمنون).

- السياق العام في آيات أخرى: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّا) وسياق يوم القيامة واضح جدا.

وآية أخرى (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) يعني يوم القيامة.

(وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) ولا تُحشر الوحوش إلا يوم القيامة.

[يقول الشنقيطي (1): "جميع الآيات التي فيها حركة الجبال كلها في يوم القيامة؛ كقوله تعالى: يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا [ 52 \ 10 ]، وقوله تعالى: ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة [ 18 \ 47 ]، وقوله تعالى: وسيرت الجبال فكانت سرابا [ 78 \ 20 ]، وقوله تعالى: وإذا الجبال سيرت [ 81 \ 3 ] ." اهـ.]

وقد جاءت آيات بنسف الجبال وتلاشيها مثل: (وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ) (المرسلات 10)، ونتساءل عن الجمع؟ وآية (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا) تجيبنا عن الأمرين. فهي تُسيّر وتنسف وذلك يوم القيامة فقط.


بقلم حسن خالدي (بتصرف)


المراجع:

(1) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ج6، ص145

اقرأ المزيد »

السبت، 9 أغسطس 2025

حقيقة كحل الإثمد وفوائده

0


كحل إثمد حجازي أسود... الكحل النبوي... كحل عربي أصيل طبيعي لتجميل العيون وتقويتها... يعالج الالتهابات والإجهاد... ينظف العين ويحميها... يساعد الرموش على النمو ويعالج الصلع... كحل حجر أصلي بماء زمزم... وغيرها وغيرها من عناوين وادعاءات... 

من الشائع كثيرا في دولنا العربية الاكتحال بالكحل العربي التقليدي أو ما يسمى بكحل الإثمد، وتستخدمه النساء الكبيرات والصغيرات والمرضعات والحوامل، وهناك حتى من يكحل به عيون الأطفال والرضع! 

لكن ذات يوم لفت انتباهي تعليق فايسبوكي من شخص يحذر الناس من استخدام كحل الإثمد ومخاطره الصحية العظيمة، فقمت بالبحث عن الأمر فوجدت هذا الشخص محقًا ووجدت الدراسات العلمية التي تحذر منه والتي قام فيها الباحثون بفحص عينات الكحل المتوفرة في الأسواق ليجدوا فيها نسبًا غير سليمة من الملوثات المحظورة وأبرزها مادة الرصاص (4، 5، 6).

ولا يخفى على أحد مخاطر التسمم بالرصاص على الكبار فما بالك لو تم الاستخدام من قبل الأطفال أو النساء الحوامل فيؤدي ذلك لإنجاب أطفال مصابين بالتخلف العقلي أو تأخر في النمو أو حتى الموت لا قدر الله.

وللأسف يتم الترويج لاستخدام هذه الأكحال بادعاء أنها سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم (3) وأنه كان يكتحل ويحث على الاكتحال، وروي أنه قال: (إِنَّ خَيْرَ أَكْحَالِكُمُ الْإِثْمِدُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ)، لكن بحسب أهل العلم فإن ليس كل ما يمارسه الرسول صلى الله عليه وسلم من عادات تعارف عليها الناس في وقته يعتبر سنة وتشريعا يجب الاقتداء بها (1)، فالرسول ابن بيئته فلا يمنع أن يستخدم أو ينصح باستخدام ما هو شائع في وقته ويعتقده نافعًا لقومه، وقد فصلنا في هذا الأمر في مقالات عدة سابقة وضعنا بعضها في الهامش أسفله، واستخدام الكحل معروف من آلاف السنين ويستخدمه الناس للتجميل أو للعلاج وغيره وقد استخدمه فراعنة مصر وغيرهم (6)، وليس مختصا بالعرب وحدهم، فالأمر مجرد عادات تعارفت عليها الشعوب من قديم ولا يصح أن نعتبره تشريعا ودينا، هذا بفرض صحة نسبة الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أنه من أحاديث الآحاد التي هي ظنية النسبة للرسول لا قطعية.

الخلاصة: لا يصح أبدًا استخدام كحل الإثمد المتوفر في الأسواق بعد ثبوت ضرره على الصحة، وعلى الحكومات أن تسارع في توعية الناس وسحبه من السوق ومنع استخدامه خصوصا في حق الأطفال الذين لا ذنب لهم.

والله أعلم.


المراجع

(1) السنة تشريع وغير تشريع

(2) الطب النبوي حقيقة أم خرافة؟

(3) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب: كحل الإثمد ، تعريفه ، ومصدره ، وفوائده ، وضوابط استعماله للنساء والرجال

(4) Parry, C., & Eaton, J. (1991). Kohl: a lead-hazardous eye makeup from the Third World to the First World. Environmental Health Perspectives, 94, 121–123. https://doi.org/10.1289/ehp.94-1567936

(5) Filella, M., Martignier, A., & Turner, A. (2020). Kohl containing lead (and other toxic elements) is widely available in Europe. Environmental Research, 187, 109658. https://doi.org/10.1016/j.envres.2020.109658

(6) De Caluwé, J. (2009). Intoxication saturnine provoquée par l’usage prolongé de khôl, une cause sous-estimée dans les pays francophones. Journal Français D Ophtalmologie, 32(7), 459–463. https://doi.org/10.1016/j.jfo.2009.06.005

اقرأ المزيد »

الثلاثاء، 15 يوليو 2025

حقيقة مشاركة الشيطان الرجل في مباشرة زوجته

0


قال الله تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) (الإسراء 64). 

ما معنى هذه الآية؟ 

وما معنى مشاركة الشيطان للإنسان في الأموال والأولاد؟ 

ستجد من يقول لك أن الشيطان يشارك الرجل في مباشرة زوجته!! وأن من لا يسمي الله قبل المعاشرة الزوجية يشاركه الشيطان في أولاده!! فيأتي الولد من ماء الرجل وماء الشيطان!! لذا وجب توخي الحذر والتأكد من قول بسم الله قبل العلاقة... إلخ. 

فما صحة هذه الادعاءات؟ 

لا يوجد دليل لا من القرآن ولا من السنة لا الصحيحة ولا حتى الضعيفة والموضوعة على هذه التخريفات والخزعبلات الغريبة وإن كان قد قال بها بعض العلماء فالكلام مردود عليهم ما دام بدون دليل وبينة وحجة!


هل يمكن للجن أن يتزوجوا بالإنس أو أن يعاشروهم؟

يقول الشيخ محمد الغزالي (2): "لم يرد في الكتاب ولا سنة أن إنسيا تزوج بجنية أو جنيا تزوج بإنسية، بل الذي ورد في القرآن الكريم هو قوله تعالى: ((إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم)) 

فإذا كان الجنسان لا يتراءيان فكيف يتزوجان؟ ولماذا نتصور زواج فيلة بجرو؟ أو ثور بسمكة؟ هذه أجناس مختلفة فما يجمع بينهما؟!
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يجتمعان؟" اهـ.


ما معنى مشاركة الشيطان في الأولاد في آية الإسراء؟

يقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيرها (1): "الاستفزاز: الاستخفاف، والإجلاب بالخيل والرجل: تمثيل لتسلط الشيطان على من يغويه كما رجحه الإمام الرازي، وذكره من قبله من المفسرين وجهًا، وأما المشاركة في الأموال والأولاد فجماهير المفسرين على أن المراد بها الإغواء بالحمل على كسب الحرام والتصرف والإنفاق في الحرام، وهذه الكلية التي ذكرها البيضاوي وغيره تشمل كل الجزئيات التي ذكرها بعضهم وزيادة. والإغواء بالحمل على التوصل إلى الولد بالسبب المحرم، والإشراك فيه كتسميته بعبد العزى، والحمل على العقائد الباطلة والأفعال القبيحة والحرف الذميمة. هذا ما قالوه واعتمدوه، ويمكن اختصاره بأن يقال: إن المشاركة في الأولاد عبارة عن الإغواء في أمر اختيار المرأة والاتصال بها، وفي كيفية تربية الولد؛ فمن يختار فاسدة الأخلاق والأعراق افتتانًا بجمالها أو يتصل إليها بالحرام، ويهمل هو وإياها تربية ولده العقلية والنفسية حتى ينشأ ضالاًّ فاسقًا فإنما يفعل ذلك بوسوسة الشيطان وإغوائه ومشاركته إياه في هذا الأمر العظيم وهو أمر الولد من أحدهما الوسوسة بالإغواء ومن الآخر اتباع الشهوة وسوء الاختيار. فالآية مبينة لمجامع وساوس الشيطان وإغوائه، والأمر فيها للتكوين كقوله تعالى للشيء: كن؛ أي تعلق إرادته بكونه ووجوده. وحاصل المعنى أن الله خلق الشيطان وكوّنه على هذه الصفة وهي الوسوسة وتزيين القبيح الضار في هذه الأمور، وهي لا تبين حقيقة الشيطان، وهل هو داعية للشر في النفس تقوى وتضعف بحسب الاستعداد، أو هي داعية خارجية كما هو الظاهر. وما نقله الخازن وغيره عن ابن عباس غير صحيح ولا يعقل إلا بكون الشيطان من عالم الحس له أعضاء كأعضاء الإنسان، وهو مخالف لنص القرآن. ولو صح لكان كل من يترك التسمية يشاركه الشيطان، فتجد امرأته النار الذي وجدته تلك المرأة وهو ظاهر البطلان." اهـ.

وبهذا يتبين معنى الآية الكريمة وعدم صحة ما ينتشر بين الناس من خرافات أضيفت لها.



المراجع

(1) فتاوى الإمام محمد رشيد رضا، ص256-257

(2) كتاب: (الشيخ محمد الغزالي: حياة وآثار، شهادات ومواقف) لنصر الدّين لعرابة.


طالع أيضًا:

الجن والعفاريت: تبيين الخرافة من الحقيقة

اقرأ المزيد »

السبت، 5 يوليو 2025

ما صحة حديث السبع تمرات التي تقي من السم؟

0

 

حديث السبع تمرات الذي ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم ما مدى صحته؟ 

"روى البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة، لم يضره في ذلك اليوم سم، ولا سحر. وأخرج مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح، لم يضره سم حتى يمسي." (1)


نقطتان نطرحهما في خصوص هذا الحديث وأي حديث آخر على شاكلته:

1) تطرقنا من قبل لموقف عالم الأكاذيب في ما يخص الأحاديث التي تحتوي على نصائح طبية أو دنيوية في مقالات عدة، ننصح للعودة لها للتفصيل والإيضاح:

الطب النبوي حقيقة أم خرافة؟

السنة تشريع وغير تشريع

التَّمْيِيزُ بَيْنَ الوَسِيلَةِ المُتَغَيِّرَةِ وَالهَدَفِ الثَّابِتِ في الْحَدِيثِ الشريف

حقيقة التداوي ببول الإبل

وملخص الأمر أن الأحاديث الطبية النبوية تعتبر من نصائح ذلك العصر بما كان متعارفًا عليه في وقتهم، ولا تعتبر تشريعا ولا وحيا ولا يبنى عليها ديننا.


2) وتطرقنا من قبل لموضوع أحاديث الآحاد وقضية تعارضها مع الواقع والعلم والعقل، وموقف المسلم منها:

تعارض القطعيات كالعلوم والدين والعقل والدين

من علامات معرفة الحديث الموضوع

هل حديث غمس الذبابة في الإناء صحيح؟

ما كنا ولن نكون أتباع أوهام

وملخص الأمر أن حديث الآحاد من الظني لا القطعي، وأنه يترك إذا ثبت تناقضه مع الواقع والعلم والعقل لأنه ليس من أسس الدين ولا تُبنى عليه عقيدة المسلم.


بهاتين النقطتين نلخص الموقف الذي يجب تبنيه عند المرور على حديث السبع تمرات هذا، أو أي حديث يظهر منه التناقض مع العلم والعقل مثل حديث غمس الذبابة وحديث التداوي ببول الإبل وغيره. النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا ولا نقدح في تعاليمه، لكن ربما هذه ليست تعاليم رسولنا، فلو أصرينا على نسبة ما يخالف الطب والواقع له أسأنا لنبينا وديننا، وفتحنا الباب للمشككين والمغرضين.


طبعًا بعد هذا الكلام سيأتيك من يصدق أشد التصديق بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث وبأنه تشريع ملزم لنا، فيُدافع عنه كما يدافع عن ثوابت الدين وقطعياته، ويحاول أن يسوق لك الأدلة العلمية في فوائد التمر، أو يحاول تأويل الحديث بطريقة أو بأخرى، الحجة لديه دوما جاهزة كأن يقول لك أن العلاج لا يصلح إلا في حق من يؤمن به، أو أن الطب لم يكتشف بعد فوائد تمر العجوة... وبهذا المنطق لا يمكن إثبات شيء ولا نفي شيء (راجع المغالطات المنطقية ومغالطة الاحتكام إلى الجهل).

أما في أوساط العلماء فستجد أن منهم من أول الحديث وأخرجه عن ظاهره، كمن قال أن المقصود به نخل خاص لا يعرف الآن (2)، ومنهم من قال بأن الحديث لا يعني أن هذا من خواص التمر بل أن المقصود تمر معين فيه بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (2)، ومنهم من قال بأن ليس المقصود به كل أنواع السموم بل أنواعا بعينها (2)، وهكذا دواليك. وهذه التأويلات ليست موجودة في نص الحديث بل هي تخمينات بشرية بحتة، ففي الأخير تأويل الحديث بحصره في تمر أو نخل أو سم معين غير معروف أو شائع لا يختلف كثيرا عن تعطيل الحديث وعدم العمل به أو عدم قبوله من الناحية العملية الواقعية.


أختم الكلام بهذا الاقتباس لعمار الحريري (3): "أرى والله أعلم وحسما للخلاف، وقد جاء الحق وزهق الباطل، والحجة والدليل القطعي لمن يرى قطعية نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن يقول إن أحاديث الصحيحين قطعية أيضا، ويريد أن يثبت للمخالف صحة مذهبه، وخصوصا في هذا الحديث المتفق على صحته، وذا وضوح لا إشكال فيه، فألفاظه صريحة واضحة، لا تحتاج إلى تأويلات تعسفية كما فعل البعض، ولا يصح تخصيص التمر بنوع ما أو تأويل السم بالديدان كما فعل ابن القيم، علما ما ذكر من تأويلات تعسفية يرجع إليها في كتب الشروح، ولا دليل عليها إلا الخروج من مأزق الحديث، والأصل في الحديث العموم لأنه نكرة في سياق النفي كما يقول ابن حجر، وقال النووي يجب حمل الحديث على ظاهره.

أقول بناء على هذه المقدمات: أدعو كل من ادعى قطعية أحاديث الصحيحين يعمل لنا تجربة حية على الهواء مباشرة، يأكل تمرا كما يشاء، ومن أي نوع شاء، ثم يشرب كمية من السم القاتل بعدها، ليثبت للمشككين وأصحاب الظن صحة دعواه وصحة الحديث؟ ويحسم الخلاف في ذلك. ونرى النتيجة أمام أعيننا، وأنا أول من سأقر بصحة مذهبه إن بقي حيا، وسأعتذر عن ضلالي وبدعتي كما يزعمون.

أخيرا: من غشنا فليس منا" اهـ. نذكر هذا هنا على سبيل الجدل وإلا فلا نريد من أحد أن يقامر بحياته ويشرب سما ويؤذي نفسه أو يوديها للهلاك والعياذ بالله!! 


هذا والله أعلم.


المراجع:

(1) هل أكل سبع تمرات يوميا يقي الإنسان من جميع الأمراض؟ موقع إسلام ويب

(2) هل في التصبح بسبع تمرات وقاية من جميع أنواع السموم؟ موقع الإسلام سؤال وجواب

(3) نقلا عن تعليق له في الفايسبوك

اقرأ المزيد »

الخميس، 19 يونيو 2025

الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية وتوحيد المذاهب

0

هل أنت كمسلم تحتار بين المذاهب الفقهية المختلفة؟ بين الآراء والفتاوى؟ أيهم أتبع؟ أيهم على حق؟ لماذا كل هذا الاختلاف؟ تشعر بالحيرة والربما الضياع... إذن أنصحك بقراءة كتاب: "الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية وتوحيد المذاهب" لمحمد رشيد رضا.

يتحدث الكتاب عن نبذ التقليد، وينتقد الفكرة الشائعة بأن على الناس اتباع مذهب بعينه دون تفكير وتمحيص، وفيه دعوة للمسلم ألا يكون تابعا وأن يجتهد ويفهم ويقرأ دينه ويبحث في أدلة وحجج الفتاوى لا أن ينقاد بعمى.


أهم الأفكار التي استنتجتها من الكتاب، مع بعض الاقتباسات منه:

-المسلم العامي يجتهد في دينه ويبحث عن الدليل ولا يقلد شيخا أو مذهبا بعمى.

-باب الاجتهاد لا يمكن أن يغلق والمتأخرون يمكن أن يكون فهمهم أفضل وأرقى لأنهم يبنون على المتقدمين.

-فهم القرآن ليس متعسرا على الناس وأي شخص يتقن العربية يستطيع أن يفهم القرآن ولا نقول للناس تحتاجون لوسائط لفهم كتاب ربكم: "لو أن أكثر الناس يعجزون عن فهم الدين مما يبلغ الرسول من كتاب يكتب ويتلى، وسنة يعمل بها، لما كلفهم الله إياه." (1)

-اختلافات الآراء بين المذاهب المختلفة من الأمور الظنية وليست من أصول الدين، وعلى كل شخص أن يتبع ما ارتاح له قلبه دون تعصب، ولضمان وحدة المسلمين الأفضل اتباع مذهب الإمام حين الصلاة بدل تشتيت المسلمين والتفرق إن اختلفت المذاهب.

-أحاديث الآحاد هي أكبر سبب للاختلافات التي نراها بين المسلمين، وهي ظنية وليست ملزمة لعموم المسلمين وإن جهلوها لأنه حتى الصحابة اختلفوا فيها وكانوا يجهلون عمومها: "إنه يعلم من أدلة المذاهب أن جل الأحاديث التي يحتج بها أهل الرأي وعلى القياسيين من علماء الرواية هي من أحاديث الآحاد التي لم تكن مستفيضة في العصر الأول، أو نقل عن الصحابة والتابعين خلاف في موضوعها، فعلم بذلك أنها ليست من التشريع العام الذي جرى عليه عمل النبي وأصحابه، وليست مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الشاهد فيه الغائب، بل كانت مما يرد كثيرًا في استفتاء مستفت عرضت له المسألة، فسأل عنها، فأجيب: ولعله لو لم يسأل لكان في سعة من العمل باجتهاده فيها، ولكان خيرًا له وللناس، إذ لو كانت من مهمات الدين التي أراد الله تكليف عباده إياها لبينها لهم من غير سؤال، فإنه تعالى أعلم بما هو خير لهم." (2)

-أحكام الدين القطعية هي ما كانت بنفس درجة قطعية وصراحة تحريم الخمر، وما دون ذلك مما فيه مجال للاجتهاد لا يكلّف كل مؤمن بالأخذ به.

-الفقهاء الأوائل لم يلزموا الناس باتباع مذاهبهم، ولم يكونوا يعتبرون حكمهم حكم الله، بل هو رأي واجتهاد شخصي غير ملزم لأحد، واجتهاداتهم هذه هي استنباطات تبحث عن الاستحسان والمصالح على ضوء مبادئ القرآن والسنة وليست تشريعًا، بل أحيانا يخالفون الأحاديث إن رأو المصلحة في المخالفة: "والحق أن أكثر ما في كتب الفقه مسائل اجتهادية وآراء ظنية مستنبط بعضها من أقوال فقهائهم، أو من علل دقيقة من علل القياس ينكر مثلها أكثر علماء السلف الصالح، فهي تحترم كما يحترم ما يخالفها في المذاهب الأخر على سواء من باب احترام العلم واستقلال الرأي، وعدم جعل الخلاف ذريعة للعداوة والبغضاء في الأمة الواحدة المأمورة بالاتفاق والاعتصام.

ولكن لا يتخذ شيء منها من قواعد الإيمان، ولا يعد مخالفه كافرًا، ولا عاصيًا لله تعالى، سواء كان مستدلًا أو مقلدًا لغيره في مخالفتها، ولا يجعل ضعف شيء منها مطعنًا في أصل الشريعة كما يفعل ذلك بعض أعداء الإسلام، بل يستعان بمجموعها على التيسير على الناس." (4)

-وأخيرًا يدعو الكتاب لتوحيد المذاهب ونبذ الاختلاف وأن أصول الدين هي ما اتفق عليها أما الباقي فظن ولا يلزم أحد اتباعه: "ولا شيء من [الآراء المذهبية التي يتعصبون لها] بقطعي مجمع عليه، فمن مقتضى أصولهم كلهم وجوب ترك كل أسباب هذا التفرق والاختلاف، حتى قال الغزالي في "القسطاس المستقيم" بالاكتفاء بالعمل بالمجمع عليه، وعد المسائل الظنية المختلف فيها كأن لم تكن." (3)


الكتاب قيّم وفيه فائدة عظيمة، الشيء الذي لم يعجبني هو أسلوب طرح الأفكار على شكل نقاش أو سجال بين طرفين. لا أحب هذا الأسلوب وأفضل الأسلوب الإنشائي عليه.

آخر فصل (أو فصلين؟) من الكتاب كان رائعا تحدث فيه عن أحكام الطهارة والنجاسة من القرآن وأنه يكفي المسلم أن يكون نظيفا ويحرص على نظافته الشخصية والسلام بعيدا عن تعقيدات الفقهاء وأحكام الطهارة التي ألفت فيها المجلدات، وهذه كانت قناعتي من قبل. وتمنيت لو أفرد فصولا مثل ذلك لباقي الاختلافات والتعقيدات الفقهية. 

أختم كلامي بهذا الاقتباس الأخير: "إننا نهينا عن السؤال عما لم يبين لنا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) [المائدة: 101].

كل هذا كان قبل إكمال الدين، أفلا يكون بعد إكماله آكد وأولى؟ ولكننا لم نمتثل كل هذه الأوامر والنواهي، وأنشأنا نفرض مسائل، ونخترع لها أحكامًا، نستدل عليها بضروب من الآراء والأقيسة الخفية أو غير الخفية، وهي تتعلق بأمور العبادات التي لا مجال للعقل فيها، فوسعنا الدين بذلك، وجعلناه أضعاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوقعنا المسلمين في الحرج والعسر المنفيين بنص القرآن ولا حجة لنا في هذا إلا تقليد بعض الفقهاء الذين فرضتم علينا اتباع ما يقولون، وإن خالف صريحًا ما يقول الله ورسوله." (5)


الصفحات التي وردت فيها الاقتباسات التي اقتبسناها من الكتاب:

(1) ص78، (2) ص220، (3) ص215، (4) ص218، (5) ص80-81



طالع أيضا:

الأصل في المعاملات الإباحة وتحذير من التساهل في إطلاق التحريم

عن الإكثار من الأسئلة والفتاوى

ما هو الإجماع؟ وهل هو ممكن أم مستحيل؟

ما مدى صحة حديث الفرقة الناجية؟


اقرأ المزيد »

| مقطع مرئي |