الاثنين، 21 أبريل 2025

حقيقة المهدي المنتظر... ومن أين جاء؟


[السؤال] مشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مر الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويُسَمَّى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة بعده، وأن سيدنا عيسى - عليه السلام - ينزل من بعده؛ فيقتل الدجال أو ينزل معه... إلخ [...].


[الجواب] ليس في متن البخاري ذكر صريح للمهدي، ولكن وردت فيه أحاديث عند غيره منها ما حكموا بقوة إسناده، ولكن ابن خلدون عني بإعلالها وتضعيفها كلها. ومن استقصى جميع ما ورد في المهدي المنتظر من الأخبار والآثار، وعرف مواردها ومصادرها؛ يرى أنها كلها منقولة عن الشيعة، وذلك أنه لما استبد بنو أمية بأمر المسلمين وظلموا وجاروا وخرجوا بالحكومة الإسلامية عن وضعها الذي يهدي إليه القرآن وعليه استقام الخلفاء الراشدون، وهو المشاورة في الأمر، وفصل الأمور برأي أهل الحل والعقد من الأمة، حتى قال على المنبر -مَنْ يُعَد مِنْ خِيَارِهم- وهو عبد الملك بن مروان: (من قال لي: اتق الله ضربت عنقه) لما كان هذا، كان أشد الناس تألمًا له، وغَيْرَةً على المسلمين - آل بيت النبي عليه وعليهم السلام - وكانوا يرون أنهم أولى بالأمر، وأحق بإقامة العدل، فكان من تشيع لهم يؤلفون لهم عصبية دينية يقنعونها بأن سيقوم منهم قائم مبشر به يقيم العدل، ويؤيد الدين، ويزيل ما أحدث بنو مروان من الاستبداد والظلم، وعن هذا الاعتقاد صدرت تلك الروايات، والناظر في مجموعها يظهر له أنهم كانوا ينتظرون ذلك في القرن الثاني، ثم في الثالث، وكانوا يعينون أشخاصًا من خيار آل البيت يرجحون أن يكون كل منهم القائم المنتظر فلم يكن. وكان بعضهم يسأل من يعتقد أنه صاحب هذا الأمر فيجيبه ذاك بأجوبة مبهمة، ومنهم من كان يتنصل ويقول: إن الموعد ما جاء ولكنه اقترب، ومنهم من كان يضرب له أجلاً محدودًا، ولكن مرت السنون والقرون، ولم يكن ما توقعوا أن سيكون.

وقد جرت هذه العقيدة على المسلمين شقاءً طويلاً؛ إذ قام فيهم كثيرون بهذه الدعوى، وخرجوا على الحكام، فسفكت بذلك دماء غزيرة، [...] وفي الشيعة ظهرت هذه الفتنة - وبهم قامت - ثم تعدى شرها إلى غيرهم، ولا يزال الباقون منهم ومن سائر المسلمين ينتظرون ظهور المهدي، ونصر الإسلام به، فهم مستعدون بهذا الاعتقاد لفتنة أخرى، نسأل الله أن يقيهم شرها.

ومن الخذلان الذي ابتلي به المسلمون أن هذه العقيدة مبنية عندهم على القوة الغيبية، والتأييد السماوي؛ لذلك كانت سببًا في ضعف استعدادهم العسكري فصاروا أضعف الأمم بعد أن كانوا أقواها، وأشدهم ضعفًا أشدهم بهذه العقيدة تمسكًا وهم مسلمو الشيعة في إيران، فإن المسألة عندهم اعتقادية أما سائر المسلمين فالأمر عندهم أهون، فإن منكر المهدي عندهم لا يعد منكرًا لأصل من الدين. ولو كانوا يعتقدون أنه يقوم بالسنن الإلهية والأسباب الكونية لاستعدوا لظهوره بما استطاعوا من قوة، ولكان هذا الاعتقاد نافعًا لهم.

وجملة القول أننا لا نعتقد بهذا المهدي المنتظر، ونقول بضرر الاعتقاد به، ولو ظهر ونحن له منكرون لما ضره ذلك إذا كان مؤيدًا بالخوارق كما يقولون. [...].


محمد رشيد رضا، كتاب مجلة المنار، ص138


طالع أيضا:

حقيقة الدابة التي تكلم الناس - علامات يوم القيامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قل خيرًا أو اصمت: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)

| مقطع مرئي |