كشف مغالطات اللادينين في طريقة نقدهم للإسلام (2)
المغالطة الثانية:الاحتجاج بتفاسير خاطئة أو ظنية ومحاكمة الإسلام لها بدلًا من نص الآيات
يقصد بهذه الشبهة وضع استدلالات ونتائج فاسدة لفساد أو ظنية المقدمات المستدل بها، وذلك من خلال الالتجاء إلى التشبث بتفسير خاطئ أو فهم خاطئ للقرآن ومن ثم نسبة الخطأ إلى القرآن لا إلى الفهم. أو من خلال معاملة ما هو غير ثابت كمعاملة الثوابت!
مثال ذلك هو قول الله: (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) (التكوير 2)، والشبهة أن بعض كتب التفسير القديمة تفسر انكدار النجوم بمعنى أنها تناثرت من السماء وسقطت على الأرض، فيبدأ المغرضون بالضحك متمسكين بهذا التفسير وقائلين أن النجوم ضعف حجم الأرض بآلاف المرات فكيف تسقط عليها؟ والعجيب أن هذا المعنى ليس من منطوق الآية أصلا ولا من مفهومها فلمَ يصرون أن يُلزموا الآية به؟
في الحقيقة الآية لم تقل ذلك أبداً لا بالتلميح ولا بالتصريح وحتى لو تنزلنا في الخطاب وافترضنا أن الآية صرحت بهذا فلا يُستشكل الأمر، لأن الآية تتحدث عن يوم الآخرة وهو غيب لا نعرفه ولا ندركه بالحس وأما العلم التجريبي فهو لا يتحدث عن الظواهر الغيبية، لذا لا يستقيم في العقل أن نفترض التعارض بين شيئين أحدهما غيبي والآخر ليس غيبيا! لأن من شروط وقوع التعارض توارد الدليلين على محل واحد... ولكن بكل الحالات فالآية لم تقل ذلك، وأي مفسر فسر الآيات بحسب فهم ذلك العصر فالخطأ يعزى إليه وليس إلى االقرآن!
وكذلك أيضاً ذات الكلام نقوله على تشبتهم بالتفاسير التي تدعي أن الأرض منبسطة غير كروية بحجة قول الله أنه فرش الأرض ومهدها وهو أيضاً تمسك ببعض التفاسير -الشاذة- لا بما تصرح به الآيات.
وكذلك أيضاً التشبث ببعض الأفهام عن بعض المسلمين الذين يدعون أن أصل العلاقة الدائمة مع غير المسلمين هي قتالهم سواء آذونا أم لم يؤذونا وهذا ما لم يقله الإسلام وإن قاله بعض المسلمين أو المفسرين. ويتم تناسي الآيات التي تأمر بالقسط معهم حتى وإن أبغضناهم (انظر: المائدة 2 و8 والممتحنة 8-9)، أو الآيات التي تحث على السلم إذا ما جنح العدو للسلم (الأنفال61)، أو الآيات التي تأمر بالصفح والمغفرة معهم (الزخرف 89 والجاثية 14)، ولست هنا لأقرر شكل العلاقة بين المسلمين وغيرهم، إنما لأقرر أنهم يرتكزون على أفهام خاطئة ويتجاهلون أي آية وأي فهم آخر لدى المسلمين ومن ثم إطلاق الدعاوى أنه دين العنف! (وهذه الشبهة تدرج أيضا تحت مغالطة التعميم المتسرع والانتقاء اللاموضوعي من أدلة الباب الواحد).
بالإضافة إلى الاحتكام لأحاديث مختلف في صحتها أو ضعيفة ومن ثم الادعاء أنها من صميم الدين. وأيضا من ذلك البحث عن آراء شاذة أو قديمة غير مأخوذ بها ومحاكمة الدين كله لها وأنها هي أصل الدين! وتجاهل عن عمد أو عن جهل باقي الآراء التي لا تدعم فكرة ذلك الشخص الذي يهجم على الدين، وهذا تناقض وفقدان للأمانة، وجعل للقرآن عضين.
وأيضا يندرج في هذه المغالطة نقطة تناسي أو تجاهل السياق الذي تذكر فيه الآيات، فكثير من الملحدين يذكرون آية ويهجمون عليها ويثيرون الشبهات فترجع لسياقها فتجده لا يدل على المعنى المقول به عندهم. وكمثال من الآيات التي يستشهد بها الملاحدة: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ...) (البقرة 191)، مع التجاهل التام للسياق القائل: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (سورة البقرة 190 – 192). لم تم اقتطاع الآية دون أدنى اعتبار أو ذكر للسياق؟! ولو نظرنا لما قبلها نجد: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، وما بعدها يقول: (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وطبعا الكثير منهم لم يقرؤوا القرآن أصلا حتى يعرفوا ما قبلها وما بعدها وإنما قرأوا الآيات من المواقع الإلحادية وشكلت عندهم شبهات من غير فهم. وهذه مغالطة أن تحكم على دين بأكمله بسبب اقتطاع أحدهم للآيات اقتطاعا أخل الفهم. وذلك يشبه رجلا ادعى أن الصلاة تودي بمصليها إلى الويل محتجا بقول الله: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) (الماعون 4)، ولم يقرأ ما بعدها: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون 5-7).
ولسنا ننكر أنه وللأسف بعض المسلمين العجولين ساهموا بأفهامهم الخاطئة للدين بنشر صورة للإسلام تسهم في دعم الإلحاد، وذلك من خلال مثلا تبني ما يسمونه "إعجازات علمية" وتكون مبنية على جرف هار من المعلومات غير الدقيقة علميا مع ليّ متكلف لعنق الآيات، فيختلط على البعض فيظن أننا نبني إيماننا على أوهام علمية، أو من يكاد إيمانه يتمثل في وجود اسم الجلالة على حبة طماطم، أو من يصر من المسلمين أن الأرض مسطحة... إلخ. ولست بصدد نقاش خرافات المسلمين ولكنها وللأسف تعد عاملا مساعدا لفهم خاطئ عن الدين ومعرض للشبهات وساذج وقابل للانهيار...
الخلاصة: كن فطنا وتأكد من صحة الدليل الذي تستند إليه الشبهة، وأنه منسوب للدين حقا وليس فقط لأتباعه.
فاطمة الداعور -رحمها الله-
لقراءة البحث كاملًا: اضغط هنا
ملاحظة: هذا البحث الذي بين أيديكم هو آخر نسخة له
وصلتني من فاطمة رحمها الله، وأذكر أني أجريت بعض التعديلات الطفيفة عليه
وأرسلته لها، وأعتقد أنها قرأت تعديلاتي ووافقت عليها، لكني لا أذكر جيّدًا
فقد مرّ وقتٌ طويل وقد تخونني الذاكرة فسجلت هذه الملاحظة هنا للأمانة،
فقد وافتها المنية ولا أستطيع أن أعود لها فأسألها، مع العلم أننا كنا ننوي
نشر هذا البحث بصفحة عالم الأكاذيب في حياتها وباسمها وهي على علم بذلك،
لكن النشر تأجل وها أنا أنشره الآن بعد رحيلها ليستفيد منه الآخرون ويبقى
لها صدقة جارية بإذن الله.
جميع المغالطات:
مغالطات اللادينين 1: الحكم المتهافت بادعاء وجود الأخطاء أو التناقضات
مغالطات اللادينين 2: الاحتجاج بتفاسير خاطئة أو ظنية ومحاكمة الإسلام لها بدلًا من نص الآيات
مغالطات اللادينين 3: التخبط في كثير من اعتراضات المعترضين
مغالطات اللادينيين 4: الجهل بالمنهجية والمصدر المعرفي الـمُتحاكم إليه
مغالطات اللادينيين 5: مغالطة القفز الحكمي
مغالطات اللادينيين 6: نفي القضايا الكلية الكبرى بقضايا جزئية صغرى
مغالطات اللادينيين 7: مغالطة التعارض بين السبب الطبيعي والغيبي
مغالطات اللادينيين 8: النظرة السوداوية والكئيبة أو النظرة المادية الصرفة الخالية من أي معنى!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق