كشف مغالطات اللادينين في طريقة نقدهم للإسلام (9)
المغالطة التاسعة: كثير من الضحك وقليل من المنطق
كمؤمنة لا أومن على سبيل المثال بأزلية المادة ولكني وإن كنت أراها انحطاطا عقليا فلا أجد في نفسي ضرورة لإثبات ذلك من خلال شتم من يؤمن بها والسخرية به والتقهقه صبح مساء ورسمه برسوم ساذجة كما يفعلون! فعجبا لهم!
على سبيل المثال: أحد الفيديوهات الإلحادية كان بعنوان: تاريخ الأديان. ومن يرى العنوان سيحسبه دراسة تاريخية، وما إن تفتح الفيديو حتى ترى رجلا على مسرح ويتحدث بأسلوب تهكمي ويروي أن القصة تكمن في أن البشرية كان ينتصر فيها الظالم القوي على الضعيف ويسطو على وجبة عشائه، حتى فكر أحد الضعفاء بأن يقنع أحد الأقوياء الذين يغتصبون العشاء كل ليلة بأنه لو كف عن اغتصاب طعام الضعفاء فسيحصل على "كعك السماء" بعد أن يموت. فصرخ القوي فرحا: أحب كعك السماء.. وهكذا اقتنع، ثم تطورت الفكرة من جيل إلى جيل فصارت دينا. وهكذا هي قصة الأديان.. ويالها من قصة مؤثرة وتاريخية ومدروسة وعميقة وعقلانية!
وبغض النظر عن أن دعواه ساقطة كونه لا دليل عليها ولكنه لو أتى ووضع ذات التحليل من خلال جمع الأدلة التي يراها لكان بالأقل أكثر قبولا من الناحية العقلية والموضوعية، ولكنه اعتمد على السخرية والتهريج، وضحكات الجمهور أيضاً تزيد من حماسة الشعور بالاقتناع بالقصة، حيث أننا كبشر نتأثر بالرأي الجماهيري فيتسرب لنا من خلاله نوع من القناعة رغم أنه لا دليل سوى الاستهزاء! (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (الحجر 11).
ولو قرأتَ حديثهم عن الدين ستجده مرفقا بشكل كبير لجمل مثل (تخيل حجم السخف، يا لها من تفاهة، أتباع محمد البسطاء السذج)!! وهذه أيضا جملة أنقلها من موقع إلحادي إذ يقول الكاتب بها: "تقول أن محمد قال الجنين يكون مضغة وعلقة وبزقة ولزقة هو إعجاز؟؟ وهو أساساً وصف قمة في التفاهة" !! قل لي يا ملـحد: من أين أتت كلمتا بزقة ولزقة؟ متى قالهما محمد؟ ومن أي آية أو حديث استخرجتها؟ ألا ترد ردا منطقيا بدلا من سخريتك وبزقتك ولزقتك!
وأسلوب الاستهزاء في الرد ليس مذموما دوما وقد يُستخدم في الرد، ولكن الخساسة والانحطاط الفكري أن يكون الاستهزاء هو المعول والبديل عن العقل والمنطق وعن الإنصاف! وأن يحمل في طياته تلفيق الحقائق ويتكئ بشدة على التزوير والتشويه للدين، ويقع دوما بـ"مغالطة رجل القش" ولما كان هذا شأن أغلب استهزائهم حكمنا عليه أنه مما لا يُسمع له.
والمشكلة أن الاستهزاء بشاعته لا تقتصر على الجدل وعدم المنطقية والعقلانية في الجدل، بل إن نفسية المستهزئ تصير غريبة ويصعب عليها قبول الحق داخليا، إذ أنها لا تتلقى الحقائق بجد وتفكير، بل باستصغار واستخفاف وهزل. والقرآن يصف هذه الحالة بدقة: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) (اﻷنبياء 2 - 3)، وتفسير الآية: "ما من شيء ينزل من القرآن يتلى عليهم مجدِّدًا لهم التذكير، إلا كان سماعهم له سماع لعب واستهزاء. غافلة قلوبهم عن القرآن الكريم." (التفسير الميسر). فكيف لمن سماعه لعب واستهزاء أن يعقل؟
(يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (يس 30)، أفلا يعقلون؟
(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (اﻷنعام 32 - 33).
ولكي أكون منصفة ولا أقع بالتعميم المتسرع فلست أحصر كل الملحدين في هذا ولا أنسب كل دعاواهم للهمجية واللافكر، فقد يكون هناك ملاحدة عندهم رقي في الطرح والأخلاق، -رغم أن الأخلاق لا مسوغ لها في ظل العبثية واللاغاية من وجودنا، بل الأخلاق قد تتعارض مع المصالح الشخصية مثلا ومع الفكرة المادية القائلة أن البقاء للأقوى- ولكن مع هذا فهناك ملاحدة مهتمون بالأخلاق ويدعون إليها ويعزونها لمنطلقات أخرى لادينية، بالنهاية أنا أناقش الظاهرة كظاهرة منتشرة في الهجوم الهمجي لكثير منهم على ديننا ولست أناقشها من منطلق تقرير هل الملحد خلوق أم لا، وأيضا لست أنفي أن بعض المنتسبين للإسلام يستخدمون -للأسف- ذات الأساليب الهمجية، ولست أناقش هذا، إنما أهدف إلى التنبيه أنه قبل التأثر بالدعاوى الإلحادية ينبغي أن نفكك الدعوى هل هي فعلا شبهة حقيقية أم سخرية همجية لا أخلاقية مليئة بالمغالطات وخالية من المنطق؟
وبالطبع ما خلا من المنطق وامتلأ بالاستهزاء فينبغي أن لا نستمع إليه البتة: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) (النساء 140).
فاطمة الداعور -رحمها الله-
لقراءة البحث كاملًا: اضغط هنا
ملاحظة: هذا البحث الذي بين أيديكم هو آخر نسخة له وصلتني من فاطمة رحمها الله، وأذكر أني أجريت بعض التعديلات الطفيفة عليه وأرسلته لها، وأعتقد أنها قرأت تعديلاتي ووافقت عليها، لكني لا أذكر جيّدًا فقد مرّ وقتٌ طويل وقد تخونني الذاكرة فسجلت هذه الملاحظة هنا للأمانة، فقد وافتها المنية ولا أستطيع أن أعود لها فأسألها، مع العلم أننا كنا ننوي نشر هذا البحث بصفحة عالم الأكاذيب في حياتها وباسمها وهي على علم بذلك، لكن النشر تأجل وها أنا أنشره الآن بعد رحيلها ليستفيد منه الآخرون ويبقى لها صدقة جارية بإذن الله.
جميع المغالطات:
مغالطات اللادينين 1: الحكم المتهافت بادعاء وجود الأخطاء أو التناقضات
مغالطات اللادينين 2: الاحتجاج بتفاسير خاطئة أو ظنية ومحاكمة الإسلام لها بدلًا من نص الآيات
مغالطات اللادينين 3: التخبط في كثير من اعتراضات المعترضين
مغالطات اللادينيين 4: الجهل بالمنهجية والمصدر المعرفي الـمُتحاكم إليه
مغالطات اللادينيين 5: مغالطة القفز الحكمي
مغالطات اللادينيين 6: نفي القضايا الكلية الكبرى بقضايا جزئية صغرى
مغالطات اللادينيين 7: مغالطة التعارض بين السبب الطبيعي والغيبي
مغالطات اللادينيين 8: النظرة السوداوية والكئيبة أو النظرة المادية الصرفة الخالية من أي معنى!
مغالطات اللادينيين 9: كثير من الضحك وقليل من المنطق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق