كشف مغالطات اللادينين في طريقة نقدهم للإسلام (3)
المغالطة الثالثة: التخبط في كثير من اعتراضات المعترضين
من سمات الشبهات التخبط، فكل صاحب شبهة يعارض بشبهته صاحب شبهة آخر، مما يجعل الشبهات تهدم بعضها بعضا، مع عدم الاتفاق على معنى واحد وفهم واحد بل معان عدة لا تجتمع. فلسان حال شبهاتهم يقول:
أنا لا أصدق أن القرآن كلام الله، فقد نقله محمد عن ورقة بن نوفل.
لا.. بل هو منقول من الراهب بحيرا عندما رآه في أحد أسفاره..
لا .. بل القرآن منقول من التوراة.. بل من الإنجيل.. بل من الإغريق..
لا ..لا.. بل هو منقول من شعر أمية بن الصلت، لا بل من شعر امرئ القيس..
لا بل القرآن من عند الرسول فهو لم يكن أميا واخترعه بنفسه.. ولكن القرآن حرف ولم يثبت نقله، ووصلنا محرفا والدليل رواية كذا الأحادية المتهافتة..
الرسول شاعر وهو من كتب القرآن.. لا بل هو كاهن وساحر.. لا بل هو ناقل.. لا بل هو مجنون.. لا بل هو كاذب.. لا، ليس كاذبا ولكنه مريض نفسي وتلك هلاوس تُهيأ له..
لقد سهلوا علينا الرد ببلبلتهم هذه، فالأدلة لا تتضافر حول إثبات شيء معين، لهذا من غير محاولة نفي القول أن القرآن من ورقة فهناك آخرون شبهتهم معارضة وتقول أن القرآن من النجار وآخرون يناقضون كلاهما فلا القرآن من النجار ولا هو من ورقة بل من شعر الرسول وفراسته! إلخ... وحتى من غير محاولة نفي الجنون عن رسول الله فهناك آخرون يناقضونهم بشبهتهم وهي القول أنه كاذب ولا يمكن لإنسان أن يكون مجنونا وكاذبا في آن واحد! يعني ليس ثمة أدلة تتضافر على جنونه، أو على كذبه، يعني لا تفيدنا حقا، أهو كذاب؟ أم مجنون؟
هذا وبغض النظر عن كونها مجرد دعاوى لا أدلة سليمة عليها فهي لو كان أحدها صحيحا بينا لما كان هذا الجدل والبلبلة والتذبذب متقلبين بين الاتهامات المتعارضة، أعني أن أحدا لن يفهم بالنهاية أهو شاعر أم ناقل أم مجنون أم كاذب؟ (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ...) (اﻷنبياء 5)، ولو صحت تهمة واحدة منها بدليلها لسلمنا لها وأقررنا وغفرنا التخبط بين الاتهامات.
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (الحاقة 40 – 52)
(كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) (المدثر 16 – 26)
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ * قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (الذاريات 7 – 10)
"{إِنَّكُمْ} أيها المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم، {لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} منكم، من يقول ساحر، ومنكم من يقول كاهن، ومنكم من يقول: مجنون، إلى غير ذلك من الأقوال المختلفة، الدالة على حيرتهم وشكهم، وأن ما هم عليه باطل." (السعدي).
"إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ
والمقصود الكناية عن لازم الاختلاف وهو التردد في الاعتقاد، ويلزمُه بطلان قولهم وذلك مصبّ التأكيد بالقسم
والخرص: الظن الذي لا حجة لصاحبه على ظنه، فهو معرَّض للخطأ في ظنه ، وذلك كناية عن الضلال عمداً أو تساهلاً، فالخرّاصون هم أصحاب القول المختلف، فأفاد أن قولهم المختلف ناشىء عن خواطر لا دليل عليها. وقد تقدم في الأنعام (116) {إن يتّبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}" (ابن عاشور مع اختصار).
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا * انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) (اﻹسراء 47 – 48).
"قولهم: هو شاعر، هو كاهن، هو مجنون، هو ساحر، هو مسحور. وسميت أمثالاً باعتبار حالهم لأنهم تحيروا فيما يصفونه به للناس لئلا يعتقدوه نبيئاً، فجعلوا يتطلبون أشبه الأحوال بحاله في خيالهم فيلحقونه به، كمن يدرج فرداً غريباً في أشبه الأجناس به، كمن يقول في الزرافة: إنها مِن الأفراس أو من الإبل أو من البقر. وفُرع ضَلالُهم على ضرب أمثالهم لأن ما ضربوه من الأمثال كله باطل وضلال وقوة في الكفر. فالمراد تفريع ضلالهم الخاص ببطلان تلك الأمثال، أي فظهر ضلالهم في ذلك كقوله: {كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا} [القمر: 9]. ويجوز أن يراد بالضلال هنا أصل معناه، وهو الحيرة في الطريق وعدم الاهتداء، أي ضربوا لك أشباهاً كثيرة لأنهم تحيروا فيما يعتذرون به عن شأنك العظيم. وتفريع فلا يستطيعون سبيلاً} على {فضلوا} تفريع لتوغلهم في الحيرة على ضلالهم في ضرب تلك الأمثال. والسبيل: الطريق، واستطاعته استطاعة الظفر به، فيجوز أن يراد بالسبيل سبيل الهدى على الوجه الأول في تفسير الضلال، ويجوز أن يكون تمثيلاً لحال ضلالهم بحال الذي وقف في فيفاء لا يدري من أية جهة يسلك إلى المقصود، على الوجه الثاني في تفسير الضلال. والمعنى على هذا: أنهم تحيروا كيف يصفون حالك للناس لتوقعهم أن الناس يكذبونهم، فلذلك جعلوا ينتقلون في وصفه من صفة إلى صفة لاستشعارهم أن ما يصفونه به باطل لا يطابقه الواقع." (ابن عاشور).
الخلاصة: دليل واحد مبرهن سليم عن المعارضة خير من تخبط بين الاعتراضات وألف ادعاء ينقض كل واحد منهم الآخر.
فاطمة الداعور -رحمها الله-
لقراءة البحث كاملًا: اضغط هنا
جميع المغالطات:
مغالطات اللادينين 1: الحكم المتهافت بادعاء وجود الأخطاء أو التناقضات
مغالطات اللادينين 2: الاحتجاج بتفاسير خاطئة أو ظنية ومحاكمة الإسلام لها بدلًا من نص الآيات
مغالطات اللادينين 3: التخبط في كثير من اعتراضات المعترضين
مغالطات اللادينيين 4: الجهل بالمنهجية والمصدر المعرفي الـمُتحاكم إليه
مغالطات اللادينيين 5: مغالطة القفز الحكمي
مغالطات اللادينيين 6: نفي القضايا الكلية الكبرى بقضايا جزئية صغرى
مغالطات اللادينيين 7: مغالطة التعارض بين السبب الطبيعي والغيبي
مغالطات اللادينيين 8: النظرة السوداوية والكئيبة أو النظرة المادية الصرفة الخالية من أي معنى!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق