كشف مغالطات اللادينين في طريقة نقدهم للإسلام (7)
المغالطة السابعة: مغالطة التعارض بين السبب الطبيعي والغيبي
والله يقول أيضاً: (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (النحل 15). وبغض النظر عن أننا لازلنا نجهل كيفية العلاقة بين ميد الأرض والجبال، فالآيات كعادتها لا تسترسل في شرح ذلك جيولوجيا وإنما تذكره في معرض الإنعام والإتقان، وكذلك العلم التجريبي لم يكتشف الأمر بجلاء بعد، ولكن الشاهد من الآية أن الله قادر على أن يجعل الأرض لا تميد دون أي سبب مادي، ولكنه مع ذلك جعل لاستقرار الأرض أسبابا مادية وقوانين، ومنها استقرارها بالجبال.
ولكن البشر المستكشفون لنواميس الكون، ما إن يكتشفوا ناموسا حتى يطيروا به ويظنوه سببا أغناهم عن وجود الله مسبب الأسباب! ويا عجبي! هل إذا عرفنا كيف تصنع هذه الكعكة يلزم منه أن ننفي وجود صانع لها؟ هل القانون ينفي وجود مقنن؟
أيضا في الدعوات الإلحادية وصفحاتها لطالما ينصبون بكثرة التعارض بين شفاء الله والطب، ويتشدقون بتباهٍ بالعلم الذي يشفيهم وأنه أغناهم عن وهم الإله! إلخ. وذات الكلام يُرد به عليهم: أن الله هو من جعل الدواء سببا للشفاء، ولا تعارض بين أن يدعو مضطرٌ اللهَ بشفائه، ثم يذهب لطبيب فيشفي الله المريض بدواء الطبيب، أي أن الله أجاب دعاءه فشفاه من خلال قوانين الكون التي اعتدناها وليس من خلال شيء تعجيزي خارق للعادة. مع العلم أننا كمسلمين أمرنا باحترام سنن الله في الكون، ولا أحد منا يترك جسمه يتهالك دون علاج أو وقاية بحجة أن الله الشافي -مع أنه الشافي- ولا نشرب السم بحجة أن الضر بيد الله -مع أنه كذلك- ولكنا أمرنا بالأخذ بالأسباب، ونعرف أننا ضعفاء هزمنا لأننا لم نعد العدة ولم نأخذ بالأسباب.
أم موسى عليه السلام حين أراد الله أن ينجي ابنها أجرى ذلك بأسباب، تابوت يحمل موسى في اليم ويلقيه عند فرعون، وزوجة تهفو للطفل -كفطرة النساء وعادتهن- وتندفع بحنوها تقول أن لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا، ولم يجئ ذلك الطلب من فرعون الجبار بل من حنوها، ولم يجرِ الله إرادته بإحياء موسى عن طريق خرق القوانين رغم أنه قادر على أن يشل يد من تمتد لقتل موسى مثلا، أو أن يجعل السيف لا يقتل أبدا، أو غير ذلك، ولكنه أراد سبحانه أن يبقي موسى حيا بغير معجزة مادية خارقة للعادة. مجددا.. لا تعارض بين أن يجري الله إرادته وأن تكون من خلال ما نألفه من قوانين الكون.
ولا تعارض أيضا بين أن يعذب الله قوما فيزلزل بهم الأرض، وأن يكون للزلزال سبب طبيعي! واكتشافهم لأسباب الزلزال والتشدق أن سببه بات معروفا لا ينفي أن الله أجرى السبب هذا ليعذب (ولا ندعي حصر أسباب الزلازل بإرادة عذاب العصاة أبدا، ولا ندعي أن كل عاص سيعذب وتزلزل به الأرض مثلا، كلا، ولسنا نناقش إن كان العذاب سنة مطردة أم مختصة بالأمم السابقة، لسنا بمعرض الحديث عن متى وكيف ولماذا قد يعذب الله قوما، جل ما نقول أن سبب الزلزال الغيبي هو في علم الله لا علمنا، ونحن فقط ننفي ادعاءهم حول عدم إمكانية توارد السببين وتوافقهما -المادي والغيبي- رافضين افتراض التعارض بين أن يغضب الله على قوم فيعذبهم بقوانين الكون وسننه التي اكتشفناها). وأيضاً لا تعارض أن يعذب الله الشياطين -العالم الغيبي المجهول الغير خاضع للعلم- ومن خلال سبب طبيعي كالشهب. ثم أن العلم يجيب على سؤال كيف؟ كيف عذب الله الأقوام؟ من خلال الزلزال الذي حدث بكيفية كذا. ولكنه لا يجيب على سؤال لماذا؟ لماذا حصل الزلزال؟ هذا السؤال ليس للعلم بل هو غيبي.
خلاصة: أن تحفر حفرة لأخيك ثم تمشي فتسقط بها، سقوطك سببه المادي هو وجود الحفرة، ولكن ربما سببه الغيبي أيضاً أن جازاك الله على السيئة بسيئة مثلها. ربما لن تستطيع أن تثبت هذا فهو متعلق بعلم الله لا علمك، ولكنك أيضاً لن تستطيع نفيه مطلقا، والقول أن سبب السقوط هو الحفرة فحسب هو ادعاء يتطلب الدليل الغيبي!
فاطمة الداعور -رحمها الله-
لقراءة البحث كاملًا: اضغط هنا
ملاحظة: هذا البحث الذي بين أيديكم هو آخر نسخة له وصلتني من فاطمة رحمها الله، وأذكر أني أجريت بعض التعديلات الطفيفة عليه وأرسلته لها، وأعتقد أنها قرأت تعديلاتي ووافقت عليها، لكني لا أذكر جيّدًا فقد مرّ وقتٌ طويل وقد تخونني الذاكرة فسجلت هذه الملاحظة هنا للأمانة، فقد وافتها المنية ولا أستطيع أن أعود لها فأسألها، مع العلم أننا كنا ننوي نشر هذا البحث بصفحة عالم الأكاذيب في حياتها وباسمها وهي على علم بذلك، لكن النشر تأجل وها أنا أنشره الآن بعد رحيلها ليستفيد منه الآخرون ويبقى لها صدقة جارية بإذن الله.
جميع المغالطات:
مغالطات اللادينين 1: الحكم المتهافت بادعاء وجود الأخطاء أو التناقضات
مغالطات اللادينين 2: الاحتجاج بتفاسير خاطئة أو ظنية ومحاكمة الإسلام لها بدلًا من نص الآيات
مغالطات اللادينين 3: التخبط في كثير من اعتراضات المعترضين
مغالطات اللادينيين 4: الجهل بالمنهجية والمصدر المعرفي الـمُتحاكم إليه
مغالطات اللادينيين 5: مغالطة القفز الحكمي
مغالطات اللادينيين 6: نفي القضايا الكلية الكبرى بقضايا جزئية صغرى
مغالطات اللادينيين 7: مغالطة التعارض بين السبب الطبيعي والغيبي
مغالطات اللادينيين 8: النظرة السوداوية والكئيبة أو النظرة المادية الصرفة الخالية من أي معنى!
مغالطات اللادينيين 9: كثير من الضحك وقليل من المنطق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق