فتحرير العقل أساس الإيمان المحترم، والعقيدة المقبولة.
وقلَّ في الناس من يُرزق العقل الحر، العقل الذي يتحرك فلا تثقله الموروثات الخاطئة...
أترى القطار السريع كيف يقطع المسافات البعيدة، وركابه جلوس في عرباته لا ينقلون قدما؟
كذلك التقليد الجامد، ينتقل بأصحابه إلى آراء ومذاهب ماكانوا ليعتنقوها لولا أنهم ولدوا فيها.
وإن هذا التقليد ليذهب بأصحابه بعيدا بعيدا، وهم في وعي أو في غيبوبة حتى يستقر بهم في نهايته العتيدة، فإذا هم يجددون ما خلفه الأسلاف من أخلاق ومعتقدات، ويتحمسون لها كأنها وليدة كسبهم العقلي وتفكيرهم الخاص:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) سورة البقرة 170
وضلال الأجيال الغفيرة، جاء من هذا الجمود.
الجمود الذي تتحجر به الألباب وتتبلد فيه العواطف.
وتتحول به الأناسي إلى عجماوات بُلْه، تنادَى فلا تلتفت ولا تكترث لأنها تضيق بما لم تألف، وتجحد ما لم تعرف:
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) سورة البقرة 171
إنَّ إيمان التقليد لا خير فيه عند علماء الإسلام.
والعقل البشري يجب عليه أن يجوب آفاق السموات والأرض، باحثا دارسا، لكي يعرف الله والعالم.
وإلا فهو غافل عن وظيفته الأولى.
وكل ما يتولد عن تحرير العقل من نتائج قريبة أو بعيدة.
وكل ما يؤدي إلى تحرير العقل من وسائل صعبة او ذلول.
فهو من أصول الإسلام ومراميه.
ص9-10
محمد الغزالي (ليس من الإسلام)
وقال أيضا في موضع آخر:
أحب أن أنبه إلى أن كل قصور في العلوم المدنية لا يزيد دارسي الدين إلا خبالا، إن الإسلام دين لا ترسخ قواعده ولا تنضج معارفه إلا في جو علمي واسع الآفاق، ولا أدري كيف يفهم عظمة القرآن الكريم رجل لم يدرس علوم الأرض والسماء وما بينهما.
إنني شعرت بخجل حين استبعد عالم ديني الوصول إلى القمر، وقال في التعليق على ما أذيع: إنه خبر أحاد! وشعرت بخجل أشد عندما ألف بعض المنسوبين إلى العلم الديني، بل البارزين فيه كتابا ينكر فيه دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس وساق آيات من الكتاب لم يفهمها ليدعم رأيه.
إن عقيدة التوحيد تضار حين يعرضها أولئك القاصرون! وهم معذورون لأنهم لم يعروفا من العلوم الكونية شيئا، وجل ما يحفظون مرويات تتضمن الغث والثمين، وتعرق سير الدعوة بل تلقي ظلمات على الفكر الديني كله.
والواقع أن تكوين العقل الديني لا يتم إذا كان في عزلة عن الاستبحار العمي الحديث وأهل الذكر لا تستقيم لهم فتوى إذا كانت معرفتهم بالحياة لا تعدو الأبجديات القديمة.
وأرى ضرورة تنظيم محاضرات فلكية وطبية وجغرافية وجيولوجية وفيزيائة وكيميائة. . إلخ على المشتغلين بالعلم الديني حتى بعد تخرجهم، فإن التخلف في هذا المضمار مصيبة.
محمد الغزالي، علل وأدوية
وقال أيضا في موضع آخر:
إن هذا التخلف [العلمي] إذا بقي فسوف تتلاشى عقائد الإيمان بالله واليوم الآخر، وينهزم التوحيد هزيمة نكراء.
وإننى لأصرح دون مواربة أن هذا التخلف جريمة دينية لا تقل نكرا عن جرائم الربا والزنا والفرار من الزحف وأكل مال اليتيم وغير ذلك من الكبائر التي ألفنا الترهيب منها.
بل لعلها أوخم وأشنع عقبى.
إن الجو الذي يحيا فيه قارئ القرآن يسع البر والرحب، والسماء والأرض، ويطلق الفكر سابحا في ملكوت لا نهاية له.
ويؤكد للإنسان أنه ملك يخدمه كل شيء فما الذي جعل الفكر الديني يعيش في قوقعة؟
إنني أحس فزعا كبيرا عندما أرى بعض المتصدرين في العلوم الدينية –هكذا يوصفون- يماري في دوران الأرض أو ينكر وصول الإنسان إلى القمر! لماذا؟
لأنه يعيش في مغارة سحيقة صنعها أشخاص قاصرون، لا يتصلون بحقيقة القرآن إلا كما يتصل القروي بعلوم الذرة.
[...] القرآن الكريم ينشد التسامي العقلي والخلقي معا.
ويشدد النكير على السقوط الفكري كما يشدد النكير على السقوط النفسي. أي أنه يحارب الخرافة بالقوة نفسها التي يحارب بها الرذيلة.
بل إن منابع الإيمان في نفس الإنسان تنبجس مع علم عميق محيط دارس للكون دراسة ملاحظة وتجربة واستقراء لا دراسة تخمين وظنون وخيال. . وإذا لم تنبعث نهضتنا من هذا الأصل فلن تكون نهضة إسلامية صحيحة.
إن هذا العلم بالمادة، بالفطرة التي فطر الله الكون عليها، بالسنن التي تحكم هذا الكون علوه وسفله، وطوله وعرضه، إن هذا العلم ينظم الإنسان مع الملائكة في الشهادة لله الكبير بالتوحيد والعدل.
نعم. . إن أولي العلم، والملأ الأعلى يؤكدون هذه الحقيقة التي شهد الله بها لنفسه فقال:
(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [سورة آل عمران: 18].
محمد الغزالي، كتاب علل وأدوية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق