السبت، 5 يوليو 2025

ما صحة حديث السبع تمرات التي تقي من السم؟

 

حديث السبع تمرات الذي ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم ما مدى صحته؟ 

"روى البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة، لم يضره في ذلك اليوم سم، ولا سحر. وأخرج مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح، لم يضره سم حتى يمسي." (1)


نقطتان نطرحهما في خصوص هذا الحديث وأي حديث آخر على شاكلته:

1) تطرقنا من قبل لموقف عالم الأكاذيب في ما يخص الأحاديث التي تحتوي على نصائح طبية أو دنيوية في مقالات عدة، ننصح للعودة لها للتفصيل والإيضاح:

الطب النبوي حقيقة أم خرافة؟

السنة تشريع وغير تشريع

التَّمْيِيزُ بَيْنَ الوَسِيلَةِ المُتَغَيِّرَةِ وَالهَدَفِ الثَّابِتِ في الْحَدِيثِ الشريف

حقيقة التداوي ببول الإبل

وملخص الأمر أن الأحاديث الطبية النبوية تعتبر من نصائح ذلك العصر بما كان متعارفًا عليه في وقتهم، ولا تعتبر تشريعا ولا وحيا ولا يبنى عليها ديننا.


2) وتطرقنا من قبل لموضوع أحاديث الآحاد وقضية تعارضها مع الواقع والعلم والعقل، وموقف المسلم منها:

تعارض القطعيات كالعلوم والدين والعقل والدين

من علامات معرفة الحديث الموضوع

هل حديث غمس الذبابة في الإناء صحيح؟

ما كنا ولن نكون أتباع أوهام

وملخص الأمر أن حديث الآحاد من الظني لا القطعي، وأنه يترك إذا ثبت تناقضه مع الواقع والعلم والعقل لأنه ليس من أسس الدين ولا تُبنى عليه عقيدة المسلم.


بهاتين النقطتين نلخص الموقف الذي يجب تبنيه عند المرور على حديث السبع تمرات هذا، أو أي حديث يظهر منه التناقض مع العلم والعقل مثل حديث غمس الذبابة وحديث التداوي ببول الإبل وغيره. النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا ولا نقدح في تعاليمه، لكن ربما هذه ليست تعاليم رسولنا، فلو أصرينا على نسبة ما يخالف الطب والواقع له أسأنا لنبينا وديننا، وفتحنا الباب للمشككين والمغرضين.


طبعًا بعد هذا الكلام سيأتيك من يصدق أشد التصديق بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث وبأنه تشريع ملزم لنا، فيُدافع عنه كما يدافع عن ثوابت الدين وقطعياته، ويحاول أن يسوق لك الأدلة العلمية في فوائد التمر، أو يحاول تأويل الحديث بطريقة أو بأخرى، الحجة لديه دوما جاهزة كأن يقول لك أن العلاج لا يصلح إلا في حق من يؤمن به، أو أن الطب لم يكتشف بعد فوائد تمر العجوة... وبهذا المنطق لا يمكن إثبات شيء ولا نفي شيء (راجع المغالطات المنطقية ومغالطة الاحتكام إلى الجهل).

أما في أوساط العلماء فستجد أن منهم من أول الحديث وأخرجه عن ظاهره، كمن قال أن المقصود به نخل خاص لا يعرف الآن (2)، ومنهم من قال بأن الحديث لا يعني أن هذا من خواص التمر بل أن المقصود تمر معين فيه بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (2)، ومنهم من قال بأن ليس المقصود به كل أنواع السموم بل أنواعا بعينها (2)، وهكذا دواليك. وهذه التأويلات ليست موجودة في نص الحديث بل هي تخمينات بشرية بحتة، ففي الأخير تأويل الحديث بحصره في تمر أو نخل أو سم معين غير معروف أو شائع لا يختلف كثيرا عن تعطيل الحديث وعدم العمل به أو عدم قبوله من الناحية العملية الواقعية.


أختم الكلام بهذا الاقتباس لعمار الحريري (3): "أرى والله أعلم وحسما للخلاف، وقد جاء الحق وزهق الباطل، والحجة والدليل القطعي لمن يرى قطعية نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن يقول إن أحاديث الصحيحين قطعية أيضا، ويريد أن يثبت للمخالف صحة مذهبه، وخصوصا في هذا الحديث المتفق على صحته، وذا وضوح لا إشكال فيه، فألفاظه صريحة واضحة، لا تحتاج إلى تأويلات تعسفية كما فعل البعض، ولا يصح تخصيص التمر بنوع ما أو تأويل السم بالديدان كما فعل ابن القيم، علما ما ذكر من تأويلات تعسفية يرجع إليها في كتب الشروح، ولا دليل عليها إلا الخروج من مأزق الحديث، والأصل في الحديث العموم لأنه نكرة في سياق النفي كما يقول ابن حجر، وقال النووي يجب حمل الحديث على ظاهره.

أقول بناء على هذه المقدمات: أدعو كل من ادعى قطعية أحاديث الصحيحين يعمل لنا تجربة حية على الهواء مباشرة، يأكل تمرا كما يشاء، ومن أي نوع شاء، ثم يشرب كمية من السم القاتل بعدها، ليثبت للمشككين وأصحاب الظن صحة دعواه وصحة الحديث؟ ويحسم الخلاف في ذلك. ونرى النتيجة أمام أعيننا، وأنا أول من سأقر بصحة مذهبه إن بقي حيا، وسأعتذر عن ضلالي وبدعتي كما يزعمون.

أخيرا: من غشنا فليس منا" اهـ. نذكر هذا هنا على سبيل الجدل وإلا فلا نريد من أحد أن يقامر بحياته ويشرب سما ويؤذي نفسه أو يوديها للهلاك والعياذ بالله!! 


هذا والله أعلم.


المراجع:

(1) هل أكل سبع تمرات يوميا يقي الإنسان من جميع الأمراض؟ موقع إسلام ويب

(2) هل في التصبح بسبع تمرات وقاية من جميع أنواع السموم؟ موقع الإسلام سؤال وجواب

(3) نقلا عن تعليق له في الفايسبوك

0 اقرأ المزيد »

الخميس، 19 يونيو 2025

الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية وتوحيد المذاهب

0

هل أنت كمسلم تحتار بين المذاهب الفقهية المختلفة؟ بين الآراء والفتاوى؟ أيهم أتبع؟ أيهم على حق؟ لماذا كل هذا الاختلاف؟ تشعر بالحيرة والربما الضياع... إذن أنصحك بقراءة كتاب: "الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية وتوحيد المذاهب" لمحمد رشيد رضا.

يتحدث الكتاب عن نبذ التقليد، وينتقد الفكرة الشائعة بأن على الناس اتباع مذهب بعينه دون تفكير وتمحيص، وفيه دعوة للمسلم ألا يكون تابعا وأن يجتهد ويفهم ويقرأ دينه ويبحث في أدلة وحجج الفتاوى لا أن ينقاد بعمى.


أهم الأفكار التي استنتجتها من الكتاب، مع بعض الاقتباسات منه:

-المسلم العامي يجتهد في دينه ويبحث عن الدليل ولا يقلد شيخا أو مذهبا بعمى.

-باب الاجتهاد لا يمكن أن يغلق والمتأخرون يمكن أن يكون فهمهم أفضل وأرقى لأنهم يبنون على المتقدمين.

-فهم القرآن ليس متعسرا على الناس وأي شخص يتقن العربية يستطيع أن يفهم القرآن ولا نقول للناس تحتاجون لوسائط لفهم كتاب ربكم: "لو أن أكثر الناس يعجزون عن فهم الدين مما يبلغ الرسول من كتاب يكتب ويتلى، وسنة يعمل بها، لما كلفهم الله إياه." (1)

-اختلافات الآراء بين المذاهب المختلفة من الأمور الظنية وليست من أصول الدين، وعلى كل شخص أن يتبع ما ارتاح له قلبه دون تعصب، ولضمان وحدة المسلمين الأفضل اتباع مذهب الإمام حين الصلاة بدل تشتيت المسلمين والتفرق إن اختلفت المذاهب.

-أحاديث الآحاد هي أكبر سبب للاختلافات التي نراها بين المسلمين، وهي ظنية وليست ملزمة لعموم المسلمين وإن جهلوها لأنه حتى الصحابة اختلفوا فيها وكانوا يجهلون عمومها: "إنه يعلم من أدلة المذاهب أن جل الأحاديث التي يحتج بها أهل الرأي وعلى القياسيين من علماء الرواية هي من أحاديث الآحاد التي لم تكن مستفيضة في العصر الأول، أو نقل عن الصحابة والتابعين خلاف في موضوعها، فعلم بذلك أنها ليست من التشريع العام الذي جرى عليه عمل النبي وأصحابه، وليست مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الشاهد فيه الغائب، بل كانت مما يرد كثيرًا في استفتاء مستفت عرضت له المسألة، فسأل عنها، فأجيب: ولعله لو لم يسأل لكان في سعة من العمل باجتهاده فيها، ولكان خيرًا له وللناس، إذ لو كانت من مهمات الدين التي أراد الله تكليف عباده إياها لبينها لهم من غير سؤال، فإنه تعالى أعلم بما هو خير لهم." (2)

-أحكام الدين القطعية هي ما كانت بنفس درجة قطعية وصراحة تحريم الخمر، وما دون ذلك مما فيه مجال للاجتهاد لا يكلّف كل مؤمن بالأخذ به.

-الفقهاء الأوائل لم يلزموا الناس باتباع مذاهبهم، ولم يكونوا يعتبرون حكمهم حكم الله، بل هو رأي واجتهاد شخصي غير ملزم لأحد، واجتهاداتهم هذه هي استنباطات تبحث عن الاستحسان والمصالح على ضوء مبادئ القرآن والسنة وليست تشريعًا، بل أحيانا يخالفون الأحاديث إن رأو المصلحة في المخالفة: "والحق أن أكثر ما في كتب الفقه مسائل اجتهادية وآراء ظنية مستنبط بعضها من أقوال فقهائهم، أو من علل دقيقة من علل القياس ينكر مثلها أكثر علماء السلف الصالح، فهي تحترم كما يحترم ما يخالفها في المذاهب الأخر على سواء من باب احترام العلم واستقلال الرأي، وعدم جعل الخلاف ذريعة للعداوة والبغضاء في الأمة الواحدة المأمورة بالاتفاق والاعتصام.

ولكن لا يتخذ شيء منها من قواعد الإيمان، ولا يعد مخالفه كافرًا، ولا عاصيًا لله تعالى، سواء كان مستدلًا أو مقلدًا لغيره في مخالفتها، ولا يجعل ضعف شيء منها مطعنًا في أصل الشريعة كما يفعل ذلك بعض أعداء الإسلام، بل يستعان بمجموعها على التيسير على الناس." (4)

-وأخيرًا يدعو الكتاب لتوحيد المذاهب ونبذ الاختلاف وأن أصول الدين هي ما اتفق عليها أما الباقي فظن ولا يلزم أحد اتباعه: "ولا شيء من [الآراء المذهبية التي يتعصبون لها] بقطعي مجمع عليه، فمن مقتضى أصولهم كلهم وجوب ترك كل أسباب هذا التفرق والاختلاف، حتى قال الغزالي في "القسطاس المستقيم" بالاكتفاء بالعمل بالمجمع عليه، وعد المسائل الظنية المختلف فيها كأن لم تكن." (3)


الكتاب قيّم وفيه فائدة عظيمة، الشيء الذي لم يعجبني هو أسلوب طرح الأفكار على شكل نقاش أو سجال بين طرفين. لا أحب هذا الأسلوب وأفضل الأسلوب الإنشائي عليه.

آخر فصل (أو فصلين؟) من الكتاب كان رائعا تحدث فيه عن أحكام الطهارة والنجاسة من القرآن وأنه يكفي المسلم أن يكون نظيفا ويحرص على نظافته الشخصية والسلام بعيدا عن تعقيدات الفقهاء وأحكام الطهارة التي ألفت فيها المجلدات، وهذه كانت قناعتي من قبل. وتمنيت لو أفرد فصولا مثل ذلك لباقي الاختلافات والتعقيدات الفقهية. 

أختم كلامي بهذا الاقتباس الأخير: "إننا نهينا عن السؤال عما لم يبين لنا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) [المائدة: 101].

كل هذا كان قبل إكمال الدين، أفلا يكون بعد إكماله آكد وأولى؟ ولكننا لم نمتثل كل هذه الأوامر والنواهي، وأنشأنا نفرض مسائل، ونخترع لها أحكامًا، نستدل عليها بضروب من الآراء والأقيسة الخفية أو غير الخفية، وهي تتعلق بأمور العبادات التي لا مجال للعقل فيها، فوسعنا الدين بذلك، وجعلناه أضعاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوقعنا المسلمين في الحرج والعسر المنفيين بنص القرآن ولا حجة لنا في هذا إلا تقليد بعض الفقهاء الذين فرضتم علينا اتباع ما يقولون، وإن خالف صريحًا ما يقول الله ورسوله." (5)


الصفحات التي وردت فيها الاقتباسات التي اقتبسناها من الكتاب:

(1) ص78، (2) ص220، (3) ص215، (4) ص218، (5) ص80-81



طالع أيضا:

الأصل في المعاملات الإباحة وتحذير من التساهل في إطلاق التحريم

عن الإكثار من الأسئلة والفتاوى

ما هو الإجماع؟ وهل هو ممكن أم مستحيل؟

ما مدى صحة حديث الفرقة الناجية؟


اقرأ المزيد »

الثلاثاء، 20 مايو 2025

ما هو الإجماع؟ وهل هو ممكن أم مستحيل؟

2

 

الإجماع... وثبوت العقيدة

آراء العلماء في الإجماع:

[...] لا أكاد أعرف شيئًا اشتهر بين الناس أنه أصل من أصول التشريع في الإسلام، ثم تناولته الآراء واختلفت فيه المذاهب من جميع جهاته، كهذا الأصل الذي يسمونه "الإجماع" فقد اختلفوا في حقيقته: منهم من رأى أنه "اتفاق جميع المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي"، ومنهم من رأى أنه "اتفاق أكثر المجتهدين فحسب" ومنهم من ذهب "إلى أنه اتفاق طائفة معينة فلا يعد اتفاق غيرها إجماعًا".

ثم اختلف هؤلاء في هذه الطائفة من هي؟ فقيل (الصحابة) وقيل (أهل المدينة) وقيل (أهل البيت) وقيل (الشيخان: أبو بكر وعمر) وقيل (الأئمة الأربعة) إلخ.

واختلف الذين قالوا بالجميع: هل الإجماع بهذا المعنى ممكن متصور الوقوع، أو هو غير ممكن لأن الاجتهاد ليس له مقياس بارز متفق عليه بين العلماء، ولأن المجتهدين غير محصورين في بلد واحد أو إقليم واحد؟

واختلف الذي قالوا بإمكانه وتصور وقوعه: هل يمكن معرفته والاطلاع عليه أولا؟ وممن روى عنه المنع الإمام أحمد رضي الله عنه إذ يقول في إحدى روايتين عنه: من ادعى وجود الإجماع فهو كاذب.

واختلف الذي قالوا بإمكان معرفته والاطلاع عليه: هل هو حجة شرعية فيجب العمل به على كل مسلم أو ليس حجة شرعية فلا يجب العمل به؟.

واختلف الذي قالوا إنه حجة شرعية: هل ثبتت حجته بدليل قطعي يكفر منكره، أو بدليل ظني فلا يكفر؟ وهل يشترط في وجوب العمل به أن ينقل إلينا بالتواتر أو يكفي أن ينقل ولو بالآحاد؟ وهل يشترط أن يبلغ المجمعون عدد التواتر أو لا يشترط؟ وهل يشترط أن يصرح الجميع بالحكم مشافهة أو كتابة، أو لا يشترط فيكفي تصريح بعضهم وسماع الباقين مع سكوتهم؟... إلخ.

وكما اختلفوا في حقيقته وحجيته اختلفوا فيما يكون فيه من أحكام: فقال قوم: إنه حجة في العلميات والعمليات جميعًا، وقال غيرهم: إنه حجة في العمليات فقط. ومن ذلك كله يتبين أن حجية الإجماع في ذاتها غير معلومة بدليل قطعي فضلا عن أن يكون الحكم الذي يثبت به معلومًا بدليل قطعي فيكفر منكره.


شيوع حكاية الإجماع في المسائل الخلافية:

ولعل اختلاف العلماء في الإجماع على هذا النحو يفسر لنا ظاهرة منتشرة في كتب القوم وهي حكاية الإجماع في كثير من المسائل التي ثبت أنها محل خلاف بين العلماء، وذلك من جهة أن كل من حكى الإجماع في مسألة هي محل خلاف قد بنى حكايته على ما يفهمه هو أو يفهمه إمامه أو الطائفة التي ينتمي إليها في معنى الإجماع وما يكفي لتحققه.

وعلى الرغم من ظهور السبب في تلك الظاهرة فقد تأثر بها كثير من المتأخرين فخضعوا لها، وتوسعوا فيها تأييدًا لآرائهم في المسائل الخلافية: فتجدهم في علم الفروع يحكمون الإجماع على إلزام الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، وعلى تحريم لحم الخيل، وعلى حل أكل الضب، وغير ذلك. وتجدهم في علم أصول الأحكام يحكون الإجماع على العمل بخبر الواحد، وعلى تقديم الإجماع على النص عند التعارض، وعلى العمل بالقياس. وتجدهم في علم الكلام يحكون الإجماع على رؤية الله بالأبصار، وعلى ظهور المهدي، والدجال، ونزول عيسى، وما إلى ذلك من المسائل العلمية والعملية التي ثبت فيها الخلاف، ولم تكن محل قطع وإجماع.

وقد كان في وسعهم أن يقيدوا ذلك الإجماع الطائفي أو المذهبي، ولكنهم قصدوا أن يرسلوا كلمة الإجماع ليسجلوا على المخالف لوازمها الشائعة بين الناس: من مخالفة سبيل المؤمنين، ومشاقة الله ورسوله، وخرق اتفاق الأمة، إلى غير ذلك مما يتحرجه المسلم ويخشى أن يعرف به عند العامة. وكثيرًا ما تراهم يردفون حكايتهم للإجماع بقولهم (ولا عبرة بمخالفة الشيعة والخوارج) أو (بمخالفة المعتزلة والجهمية) ونحو ذلك مما يخيفون به، وبهذا امتنع كثير من العلماء عن إبداء رأيهم في كثير من المسائل التي هي محل خلاف ظنًا بسمعتهم الدينية، فوقف العلم، وحرمت العقول لذة البحث، وحيل بين الأمة وما ينفعها في حياتها العملية والعلمية.

[...]

الإجماع عند المحققين:

وقد كشف جهابذة العلماء عن حقيقة الإجماع التي تسمو عن الخلاف والتي هي حجة ملزمة عند الجميع؛ قال الشافعي: "ولست أقول، ولا واحد من أهل العلم: هذا مجمع عليه، إلا لما لا تلقى عالمًا أبدًا إلا قاله لك، وحكاه عمن قبله، كالظهر أربع ركعات وكتحريم الخمر وما أشبه هذا). وقال ابن حزم: (وصفة الإجماع هو ما تُيقن أنه لا خلاف فيه بين أحد من علماء الإسلام، ونعلم ذلك من حيث علمنا الأخبار التي لا يتخالج فيها شك مثل أن المسلمين خرجوا من الحجاز واليمن ففتحوا العراق وخراسان ومصر والشام، وأن بني أمية ملكوا دهرًا طويلا ثم ملك بنو العباس، وأنه كانت موقعة صفين والحرة وسائر ذلك مما يعلم بيقين وضرورة).

ولا يخفى أن معنى ما ذكره الشافعي وابن حزم أن الإجماع لا يكون إلا فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، وفيما كان طريق العلم به هو التواتر الذي يفيد قطعية الورود وانتفاء الريب، فهذا هو الإجماع الذي تتم به الحجة ولا يصح أن يخالف، ولا ريب أن العمل في مثل هذا لا يكون عملا بالإجماع من حيث هو إجماع؛ وإنما هو عمل بما تلقته الكافة عن الكافة، مما لا شبهة في ثبوته من صاحب الشرع، وأن الإجماع فيه لم يكن إلا أثرًا من آثار الثبوت على هذا الوجه، فلا يكون مصدرًا له ولا أصلا في ثبوته.

ومن هنا قرر العلماء أن منكر حجية الإجماع لا يكفر، في حين أنهم حكموا بالكفر على من أنكر المجمع عليه.

هذا وقد رأى بعض الباحثين أن الإجماع الذي كان يرجع إليه، ويجري على الألسنة في الصدر الأول حيث لا نص هو إجماع بمعنى آخر غير هذا الإجماع الذي اصطلح عليه الأصوليون واشتهر بين الناس أنه حجة شرعية، واعتمدت عليه عصور التقليد في سد باب الاجتهاد، وعصور التعصب في الرمي بالتضليل والتفسيق والخروج عن سبيل المؤمنين.

***

نعود بعد هذا فنقول: إن الذي ذهبوا إلى حجية الإجماع لم يتفقوا على شيء يحتج به سوى الأحكام الشرعية العملية، أما الحسيات المستقلة من أشراط الساعة وأمور الآخرة فقد قالوا: (إن الإجماع عليها لا يعتبر من حيث هو إجماع لأن المجمعين لا يعلمون الغيب، بل يعتبر من حيث هو منقول عمن يطلعه الله على الغيب، فهو راجع إلى الإخبارات فيأخذ حكمهما، وليس من الإجماع المخصوص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم لأن الحسي المستقبل لا مدخل للاجتهاد فيه، فإن ورد به نص فهو ثابت به ولا احتياج إلى الإجماع، وإن لم يرد به نص فلا مساغ للاجتهاد فيه) وعلى هذا تخضع جميع الأخبار التي تتحدث عن أشراط الساعة ومن بينها نزول عيسى إلى مبدأ القطعية والظنية في الورود والدلالة، [...].


الإسلام عقيدة وشريعة، الشيخ محمود شلتوت، ص66-70


اقرأ المزيد »

السبت، 10 مايو 2025

حقيقة العالم العراقي الذي قلب الموازين بعلاج ثوري لمرض التوحد

0


الادعاء:
مقطع فيديو للعربية يدعون فيه أن عالما عراقيا اكتشف علاج التوحد

حقيقة الادعاء: عنوان مضلل


نص الادعاء الأصلي:


الرد المفصل على الادعاء:


انتشر على الإنترنت خبر العالم العراقي (عادل الصالحي) الذي اكتشف "علاجا ثوريا" للتوحد حسب عنوان مقطع نشرته العربية بصفحتها على اليوتيوب، فما حقيقة الأمر؟ وما صحة هذه الادعاءات؟


أولا: هذا الخبر ليس أمرًا هينا ولا بسيطا، فلو تم اكتشاف علاج للتوحد كما يزعم الفيديو لكانت كل القنوات والجرائد والمواقع الأجنبية تتحدث عن الموضوع، لكن بالرغم من ذلك لم أجد أي ذكر له في مواقع الأخبار الأجنبية، فعلينا أن نسأل لماذا تكتمت وسائل الإعلام الأمريكية على الخبر ولم تذكره رغم أهميته؟ ولماذا تذكره فقط المواقع العربية؟ 


ثانيًا: في الفيديو لا يقدم الباحث أي دليل على أن العلاج الذي يقول أنه ابتكره فعّال، تسجيل براءة اختراع لا يعني بالضرورة أن هذا الدواء المزعوم فعّال وناجح بل يعني أنها فكرة لم يسبقه أحد عليها، وتسجيل منتج ما هدفه حفظ حقوق المخترع ولا يعتبر دليلا على فعالية العلاج (1).


المذيعة في المقطع تقول أن نسب نجاح هذا العلاج تصل إلى 86%، هذا رغم أنهم يقولون أنهم لم ينتقلوا بعد إلى مرحلة التجارب السريرية، فكيف عرفوا نسبة نجاح هذا العلاج دون القيام بتجارب سريرية؟ عدم قيامهم بالتجارب السريرية بعد يعني أن هذا العلاج المزعوم لم تتم اختبار فعاليته من عدمها على البشر بعد.


مع العلم أني وجدت أن هذا الدكتور لديه ثلاث أوراق بحثية قام بنشرها، والورقة البحثية التي يذكرونها في المقطع تبحث في الارتباط بين فصيلة الدم والتوحد، ونتيجتها هي أن الأشخاص ذو فصيلة AB + هم الأقل عرضة للإصابة بالتوحد (2)، ولا تتحدث عن اكتشاف علاج التوحد.


ثالثا: استغربت جدا أن يذكر هذا الدكتور أنه بحلول 2030 سيصبح جميع المواليد مصابين بالتوحد، وهذا ادعاء خطير وغريب، ولم أجد أي دليل عليه.


رابعا: أريد أن أنوه إلى أن التوحد لا يعتبر مرضًا بالمعنى الشائع بل هو اضطراب عصبي، ولا يوجد دواء يتعاطاه الشخص فيختفي التوحد عنده (5، 6)، وبدل العلاج التركيز هو تطوير المهارات وتحسين السلوكيات... إلخ. حيث أن الطفل الذي يولد وعنده توحد يبقى كذلك ولا يصبح فجأة بدون توحد، لكن يستطيع الطفل أن يكتسب مهارات أو ينمي قدراته وقد تخف عنده بعض الأعراض مع الوقت.


أخيرا لا أعرف ما هدف قناة العربية من نشر مثل هذه الأخبار دون تأكد وتثبت، وأعتقد أن ما حصل هو أن هذا الباحث لديه فكرة لتطبيق علاج محتمل قد يساعد المصابين بالتوحد، وقام بتسجيل فكرته كبراءة اختراع لكي لا تسرق منه ريثما يبحث ويختبر صحة فكرته من عدمها ويقوم بالتجارب السريرية على البشر (والتي قد تأخذ ربما عشر سنين أو أكثر لإتمامها)، لكن لسبب ما تم نشر الأمر بطريقة مضللة تدعي أنه تم اكتشاف علاج للتوحد رغم أن الأمر لم يمر بالمرحلة السريرية بعد، ما يؤكد استنتاجنا هذا ما وجدناه في موقع أخبار العراق (7) حيث كتبوا ما ترجمته: "ويؤكد الدكتور الصالحي بشدة أن هذا هو مفهوم ما قبل سريري حاليًا يعتمد على فرضية علمية، وليس علاجًا معتمدًا أو متاحًا، ولم يتم اختباره على البشر بعد."


ما يحزنني هو قراءة تعليقات الآباء والأمهات المتلهفة على مقطع الفيديو، يسألون أين هذا العلاج؟ وكيف نحصل عليه؟ ومتى تخرج نتائج التجارب؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.



شكرا للدكتورة شغاف بكور لمساعدتها في صياغة هذا الرد.



المصادر:

(1) Patent Public Search Basic (PPUBS Basic)، FAQ

(2) Al-Salihy, A. a. S. (2025). Correlations between blood group and Rh factor in families and autism spectrum disorder: A comprehensive analysis. Scientific Reports, 15(1). https://doi.org/10.1038/s41598-025-97313-8

(3) Al-Salihy, A. a. S. (2024). Longitudinal trends and correlation between autism spectrum disorder prevalence and sperm quality parameters (2000–2024): a comprehensive statistical analysis. Frontiers in Reproductive Health, 6. https://doi.org/10.3389/frph.2024.1438049

(4) Al-Salihy, A. a. S. (2025a). Female reproductive health trends and autism spectrum disorder prevalence between 2000 and 2024. Scientific Reports, 15(1). https://doi.org/10.1038/s41598-025-89979-x

(5) Medication Treatment for Autism، NIH

(6) Treatment and Intervention for Autism Spectrum Disorder، CDC، May 16, 2024

(7) Iraqi researcher files US patent for novel immune-based Autism ، ، May 5, 2025treatment approach، Iraqi News، Jawad Al-Samarraie

 

اقرأ المزيد »

الاثنين، 5 مايو 2025

حقيقة الأنمي الياباني بعنوان "غزة تغير العالم"

0


الادعاء: اليابان تنتج أنمي باسم "غزة تغير العالم"


حقيقة الادعاء: العنوان مضلل


الرد المفصل على الادعاء:

انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع قصير بعنوان "منتج أنمي ياباني باسم غزة تغير العالم"، وفيه نرى مشهد رسوم متحركة تصور أرواح الشهداء تشكل أضواء تطير في السماء، ثم تشكل تلك الأضواء قبة ضوئية تغطي سماء غزة وتحميها من الصواريخ الإسرائيلية التي تقع عليها. فما صحة هذا الأمر؟ وهل صحيح أن اليابان قد أنتجت أنيمي أو كرتون عن غزة؟


بالبحث تبين أن مقطع الأنيمي تم اقتطاعه من فيديو نشرته مؤسسة الدعوة باليابان (Japan Dahwa Foundation)، والفيديو تم نشره قبل 9 سنين (تحديدا بتاريخ 27 يونيو 2015)، فهو ليس جديدا وليس يتحدث عن أحداث حرب غزة الحالية، وكان الهدف من المقطع هو الدعوة لجمع التبرعات لبناء مسجد في شوزوكا (Shizuoka) باليابان، المقطع مدته 2:25 دقيقة على اليوتيوب وتم اختتامه بالرسالة التالية التي ترجمناها لكم:


"لن ينتهي الظلم العالمي إلا إذا اتحدنا جميعًا وأعدنا بناء أمتنا لبنة لبنة، ساعدونا في وضع لبنة واحدة في شيزوكا باليابان. ساعدونا على نشر معنى الإسلام الحقيقي، تبرعك سيساهم في بناء أساس الإسلام باليابان، جزاكم الله على دعمكم."


وبهذا يتبين أن المقطع ليس مسلسل أنمي مكون من حلقات كما قد يتوهم البعض، بل عبارة عن مقطع دعائي صغير بهدف جمع التبرعات لبناء مسجد، لكن من نشروه بوسائل التواصل الاجتماعي لم يضعوا الأجزاء الخاصة بالمسجد من المقطع وأعادوا نشره دون توضيح هدفه ومصدره.


إضافة: نبهتني الأخت رؤى الخطيب -مشكورة- إلى أن "مؤسسة الدعوة باليابان" قد قامت بإعادة نشر هذا المقطع عام 2023 بعنوان "SAVE GAZA" أي أنقذوا غزة بهدف التوعية بما يحصل بغزة، وغيروا الكلمات التي بنهاية المقطع الأصلي ووضعوا كلمات أخرى لا تذكر المسجد وجمع التبرعات... إلخ. أما المقطع المنتشر بوسائل التواصل الاجتماعي فيستخدم نفس نهاية المقطع الأصلي بدون الجزئية التي تذكر المسجد.



المصادر:

(1) GAZA changing the world، Japan Dahwa Foundation، Jun 27, 2015، Youtube

(2) SAVE GAZA. Japan Dahwa Foundation/静岡ムスリム協会، Facebook

اقرأ المزيد »

الاثنين، 21 أبريل 2025

حقيقة المهدي المنتظر... ومن أين جاء؟

0


[السؤال] مشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مر الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويُسَمَّى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة بعده، وأن سيدنا عيسى - عليه السلام - ينزل من بعده؛ فيقتل الدجال أو ينزل معه... إلخ [...].


[الجواب] ليس في متن البخاري ذكر صريح للمهدي، ولكن وردت فيه أحاديث عند غيره منها ما حكموا بقوة إسناده، ولكن ابن خلدون عني بإعلالها وتضعيفها كلها. ومن استقصى جميع ما ورد في المهدي المنتظر من الأخبار والآثار، وعرف مواردها ومصادرها؛ يرى أنها كلها منقولة عن الشيعة، وذلك أنه لما استبد بنو أمية بأمر المسلمين وظلموا وجاروا وخرجوا بالحكومة الإسلامية عن وضعها الذي يهدي إليه القرآن وعليه استقام الخلفاء الراشدون، وهو المشاورة في الأمر، وفصل الأمور برأي أهل الحل والعقد من الأمة، حتى قال على المنبر -مَنْ يُعَد مِنْ خِيَارِهم- وهو عبد الملك بن مروان: (من قال لي: اتق الله ضربت عنقه) لما كان هذا، كان أشد الناس تألمًا له، وغَيْرَةً على المسلمين - آل بيت النبي عليه وعليهم السلام - وكانوا يرون أنهم أولى بالأمر، وأحق بإقامة العدل، فكان من تشيع لهم يؤلفون لهم عصبية دينية يقنعونها بأن سيقوم منهم قائم مبشر به يقيم العدل، ويؤيد الدين، ويزيل ما أحدث بنو مروان من الاستبداد والظلم، وعن هذا الاعتقاد صدرت تلك الروايات، والناظر في مجموعها يظهر له أنهم كانوا ينتظرون ذلك في القرن الثاني، ثم في الثالث، وكانوا يعينون أشخاصًا من خيار آل البيت يرجحون أن يكون كل منهم القائم المنتظر فلم يكن. وكان بعضهم يسأل من يعتقد أنه صاحب هذا الأمر فيجيبه ذاك بأجوبة مبهمة، ومنهم من كان يتنصل ويقول: إن الموعد ما جاء ولكنه اقترب، ومنهم من كان يضرب له أجلاً محدودًا، ولكن مرت السنون والقرون، ولم يكن ما توقعوا أن سيكون.

وقد جرت هذه العقيدة على المسلمين شقاءً طويلاً؛ إذ قام فيهم كثيرون بهذه الدعوى، وخرجوا على الحكام، فسفكت بذلك دماء غزيرة، [...] وفي الشيعة ظهرت هذه الفتنة - وبهم قامت - ثم تعدى شرها إلى غيرهم، ولا يزال الباقون منهم ومن سائر المسلمين ينتظرون ظهور المهدي، ونصر الإسلام به، فهم مستعدون بهذا الاعتقاد لفتنة أخرى، نسأل الله أن يقيهم شرها.

ومن الخذلان الذي ابتلي به المسلمون أن هذه العقيدة مبنية عندهم على القوة الغيبية، والتأييد السماوي؛ لذلك كانت سببًا في ضعف استعدادهم العسكري فصاروا أضعف الأمم بعد أن كانوا أقواها، وأشدهم ضعفًا أشدهم بهذه العقيدة تمسكًا وهم مسلمو الشيعة في إيران، فإن المسألة عندهم اعتقادية أما سائر المسلمين فالأمر عندهم أهون، فإن منكر المهدي عندهم لا يعد منكرًا لأصل من الدين. ولو كانوا يعتقدون أنه يقوم بالسنن الإلهية والأسباب الكونية لاستعدوا لظهوره بما استطاعوا من قوة، ولكان هذا الاعتقاد نافعًا لهم.

وجملة القول أننا لا نعتقد بهذا المهدي المنتظر، ونقول بضرر الاعتقاد به، ولو ظهر ونحن له منكرون لما ضره ذلك إذا كان مؤيدًا بالخوارق كما يقولون. [...].


محمد رشيد رضا، كتاب مجلة المنار، ص138


طالع أيضا:

حقيقة الدابة التي تكلم الناس - علامات يوم القيامة

اقرأ المزيد »

السبت، 19 أبريل 2025

ما هي العلاقة بين حفظ القرآن والخرف والزهايمر وفقدان الذاكرة؟

0

 
لستُ أدري من أين جاء كثيرٌ من الدّعاة بأنَّ حفظ القرآن الكريم يحمي الإنسان من ‏الخرفِ في آخر عمره؟!‏

ولستُ أدري على أيّ أساسٍ بنوا قناعات النّاس بأنّ من يحفظ القرآن الكريم أو ‏يواظب عليه فإنّه لا يمكن أن يصاب بالزهايمر ولا يفقدُ ذاكرته أو عقله في آخر ‏عمره؟!!‏

حفظُ القرآن الكريم وتلاوته من العبادات العظيمة وهو علاج للأمراض السلوكيّة ‏والفكريّة والأخلاقيّة وهو البلسم الشّافي للعقل والرّوح، لكنّ حفظه أو تلاوته لا تضمن  ‏للإنسان الوقاية من الأمراض الفيزيولوجيّة ومنها الخرف والزهايمر وفقدان الذّاكرة.‏

والإصابة بالزّهايمر وفقدان الذّاكرة والخرف أمراضٌ لا علاقة لها بالصّلاح وعدمه، فهذه ‏الأمراض يصاب بها الصّالحون وغير الصّالحين والمؤمنون وغير المؤمنين والعلماء الكبار ‏وعامّة النّاس.‏

إساءةٌ كبيرةٌ للقرآن الكريم كما أنّها إساءةٌ كبيرةٌ للمرضى بهذه الأمراض أن يتمّ ترسيخ ‏هذه الأفكار لتغدو قناعات يُبنى عليها الحكم على النّاس وإطلاق تقييمات عليهم ‏بالإيمان وعدمه بناء على أمراضهم!‏


محمد خير موسى، نقلا عن صفحته بالفايسبوك






ماذا عن بعض الدراسات العلمية التي توحي بأن الحفظ والقراءة يقيان من الزهايمر؟ وألا ينطبق هذا على قراءة القرآن وحفظه وتعلمه؟

هذه الأمور التي يتحدث عنها المختصون للحماية من الزهايمر، هي أمور قد تقي من الإصابة ولكنها لا تعني بالضرورة أن كل من يفعلها لن يصاب بهذا المرض إطلاقًا. يعني جائز أن يكون هناك شخص يعمل كل هذه الأمور معا وأمور أخرى أيضا تم ربطها بالحماية بالخرف ومع ذلك يصاب بالخرف... مثلما نقول الدخان يزيد من احتمالية التعرض لسرطان الرئة لكن لا يعني أن كل مدخن سيصاب بذلك السرطان.

الأمر الآخر هو أن كثرة التعلم وكثرة القراءة (وعموما كثرة استخدام العقل وتنشيطه وتعلم مهارات جديدة إلخ) توجد أدلة تقول بأنها أمور قد تقي من الخرف نعم، لكن ذلك ليس خاصًا بالقرآن، فيستطيع الإنسان أن يحفظ أي كتاب آخر ويتعلمه سواء كان كتاب دين آخر أو كتاب دنيا، أو أن يحفظ الأغاني ويرددها، وقد تكون هذه الأغاني سيئة أو مخلة... لكن النتيجة ستكون واحدة، فالأمر ليس مختصا بالقرآن وحده.

لذلك من الواجب التنبيه والتوضيح أن كثرة التعلم والاطلاع والقراءة وغيرها من أنشطة تحفز المخ هي أمور جيدة لصحة الدماغ وتنشيطه ولكنها أمور تشمل كل أنواع القراءة لكل أنواع الكتب ولا يختص القرآن بذلك وحده.
 
أخيرا كمسلمين نحن نقرأ القرآن ونتدبره من أجل الله والآخرة دون الحاجة لأن يكون لذلك فائدة دنيوية تعود علينا.


طالع أيضا:
اقرأ المزيد »

| مقطع مرئي |