"روى البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة، لم يضره في ذلك اليوم سم، ولا سحر. وأخرج مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح، لم يضره سم حتى يمسي." (1)
نقطتان نطرحهما في خصوص هذا الحديث وأي حديث آخر على شاكلته:
1) تطرقنا من قبل لموقف عالم الأكاذيب في ما يخص الأحاديث التي تحتوي على نصائح طبية أو دنيوية في مقالات عدة، ننصح للعودة لها للتفصيل والإيضاح:
التَّمْيِيزُ بَيْنَ الوَسِيلَةِ المُتَغَيِّرَةِ وَالهَدَفِ الثَّابِتِ في الْحَدِيثِ الشريف
وملخص الأمر أن الأحاديث الطبية النبوية تعتبر من نصائح ذلك العصر بما كان متعارفًا عليه في وقتهم، ولا تعتبر تشريعا ولا وحيا ولا يبنى عليها ديننا.
2) وتطرقنا من قبل لموضوع أحاديث الآحاد وقضية تعارضها مع الواقع والعلم والعقل، وموقف المسلم منها:
تعارض القطعيات كالعلوم والدين والعقل والدين
من علامات معرفة الحديث الموضوع
هل حديث غمس الذبابة في الإناء صحيح؟
وملخص الأمر أن حديث الآحاد من الظني لا القطعي، وأنه يترك إذا ثبت تناقضه مع الواقع والعلم والعقل لأنه ليس من أسس الدين ولا تُبنى عليه عقيدة المسلم.
بهاتين النقطتين نلخص الموقف الذي يجب تبنيه عند المرور على حديث السبع تمرات هذا، أو أي حديث يظهر منه التناقض مع العلم والعقل مثل حديث غمس الذبابة وحديث التداوي ببول الإبل وغيره. النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا ولا نقدح في تعاليمه، لكن ربما هذه ليست تعاليم رسولنا، فلو أصرينا على نسبة ما يخالف الطب والواقع له أسأنا لنبينا وديننا، وفتحنا الباب للمشككين والمغرضين.
طبعًا بعد هذا الكلام سيأتيك من يصدق أشد التصديق بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث وبأنه تشريع ملزم لنا، فيُدافع عنه كما يدافع عن ثوابت الدين وقطعياته، ويحاول أن يسوق لك الأدلة العلمية في فوائد التمر، أو يحاول تأويل الحديث بطريقة أو بأخرى، الحجة لديه دوما جاهزة كأن يقول لك أن العلاج لا يصلح إلا في حق من يؤمن به، أو أن الطب لم يكتشف بعد فوائد تمر العجوة... وبهذا المنطق لا يمكن إثبات شيء ولا نفي شيء (راجع المغالطات المنطقية ومغالطة الاحتكام إلى الجهل).
أما في أوساط العلماء فستجد أن منهم من أول الحديث وأخرجه عن ظاهره، كمن قال أن المقصود به نخل خاص لا يعرف الآن (2)، ومنهم من قال بأن الحديث لا يعني أن هذا من خواص التمر بل أن المقصود تمر معين فيه بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (2)، ومنهم من قال بأن ليس المقصود به كل أنواع السموم بل أنواعا بعينها (2)، وهكذا دواليك. وهذه التأويلات ليست موجودة في نص الحديث بل هي تخمينات بشرية بحتة، ففي الأخير تأويل الحديث بحصره في تمر أو نخل أو سم معين غير معروف أو شائع لا يختلف كثيرا عن تعطيل الحديث وعدم العمل به أو عدم قبوله من الناحية العملية الواقعية.
أختم الكلام بهذا الاقتباس لعمار الحريري (3): "أرى والله أعلم وحسما للخلاف، وقد جاء الحق وزهق الباطل، والحجة والدليل القطعي لمن يرى قطعية نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن يقول إن أحاديث الصحيحين قطعية أيضا، ويريد أن يثبت للمخالف صحة مذهبه، وخصوصا في هذا الحديث المتفق على صحته، وذا وضوح لا إشكال فيه، فألفاظه صريحة واضحة، لا تحتاج إلى تأويلات تعسفية كما فعل البعض، ولا يصح تخصيص التمر بنوع ما أو تأويل السم بالديدان كما فعل ابن القيم، علما ما ذكر من تأويلات تعسفية يرجع إليها في كتب الشروح، ولا دليل عليها إلا الخروج من مأزق الحديث، والأصل في الحديث العموم لأنه نكرة في سياق النفي كما يقول ابن حجر، وقال النووي يجب حمل الحديث على ظاهره.
أقول بناء على هذه المقدمات: أدعو كل من ادعى قطعية أحاديث الصحيحين يعمل لنا تجربة حية على الهواء مباشرة، يأكل تمرا كما يشاء، ومن أي نوع شاء، ثم يشرب كمية من السم القاتل بعدها، ليثبت للمشككين وأصحاب الظن صحة دعواه وصحة الحديث؟ ويحسم الخلاف في ذلك. ونرى النتيجة أمام أعيننا، وأنا أول من سأقر بصحة مذهبه إن بقي حيا، وسأعتذر عن ضلالي وبدعتي كما يزعمون.
أخيرا: من غشنا فليس منا" اهـ. نذكر هذا هنا على سبيل الجدل وإلا فلا نريد من أحد أن يقامر بحياته ويشرب سما ويؤذي نفسه أو يوديها للهلاك والعياذ بالله!!
هذا والله أعلم.
المراجع:
(1) هل أكل سبع تمرات يوميا يقي الإنسان من جميع الأمراض؟ موقع إسلام ويب
(2) هل في التصبح بسبع تمرات وقاية من جميع أنواع السموم؟ موقع الإسلام سؤال وجواب
(3) نقلا عن تعليق له في الفايسبوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قل خيرًا أو اصمت: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)