الجمعة، 6 يناير 2023

مغالطات اللادينيين 5: مغالطة القفز الحكمي

 

كشف مغالطات اللادينين في طريقة نقدهم للإسلام (5)

المغالطة الخامسة: مغالطة القفز الحكمي


كثير من الشبهات تفتقد التلازم بين الدليل والمدلول، أي أنه لا علاقة بين المقدمة والنتيجة... ومن أمثلة ذلك شبهة وجود الشر: فبحسب الشبهة أنه ما دام الشر موجودا، إذن فالله غير موجود. ولو أن عاقلا دخل مستشفى فيه كل الخدمات الطبية وبأحدث ما يكون فلن ينكر وجود الطب لوجود المرضى فيه، أو لن ينكر أن هناك من بنى المشفى لكون أحد جدرانه مهدما. ولا يمكن إنكار وجود دولة وحكومة لوجود ظلم في البلاد. فكيف يصح أن نجعل وجود الشر دليلاً على عدم وجود الله؟ طبعا مع الفارق أن وجود الشر من البشر قد يدل على عجزهم وهذا منتفٍ بحق الله.


ووجود الشر إن أردنا الاستدلال فأقصى ما يمكننا الاستدلال به أن نقدح بصفات الله ورحمته مثلا أو عدم اكتراثه بنا مثلا، لا أن نثبت من خلالها أو ننفي وجوده سبحانه.


هذا غير أن الملحد يتناقض مع نفسه حين يسأل عن وجود الشر، فالإلحاد ينظر للكون على أنه نشأ بتفاعلات مادية بطريقة عمياء لا غاية لها ودون مُحدث، ولا معنى لخير أو شر فهي مجرد تفاعلات بلا غاية أو هدف! وما دام لا إله ولا غاية فلم يطالب الملحد بقيمتي الخير والشر؟ لا وجود لخير أو شر إلا بوجود معيار موضوعي غير مادي، ولا يمكن وجود هذا المعيار دون وجود مشرع أخلاقي غير مادي وهو الله سبحانه. أوجز بهذه الشبهة وأحيل كون غيري استرسل بها، وليس المراد تفصيلها وإنما المراد ما تحوي من قفز حكمي، ومن يرد الاستزادة فليراجع كتاب ظاهرة نقد الدين لسلطان العميري فقد أجاد في الرد. وانظر أيضا (1 و2).


ويقع بمغالطة القفز الحكمي أيضاً من يستدل على بطلان الأديان لأنه درس إحدى الديانات الباطلة، أو وجد تناقضات في المسيحية مثلا فيستنتج أن الأديان باطلة! (وهذه الشبهة هي قفز حكمي ولا تلازم فيها بين الدليل والمدلول وهي أيضا تحوي مغالطة التعميم المتسرع).


كذلك أيضاً من يستدل بالتطور على أن الله غير موجود! وهذا الاستدلال عجيب -بغض النظر عن ما إذا كان التطور ثابتا علميا أم غير ثابت- فالاستدلال به مغلوط ولا تلازم بين المقدمة والنتيجة، فلو تخيلنا -مثلا- أن شركات الهواتف النقالة استطاعت أن تنتج لنا هواتفا عندها قابلية للتطور الذاتي ومواكبة العصر، ويُحدِّث الهاتف ذاته تلقائيا وتزداد خدماته! والهواتف التي كانت طفراتها أفضل وواكبت العصر بشكل أفضل بقيت ذاتيا، وانقرضت تلك الأخرى ذاتيا، أو لو تخيلنا سفينة تحولت عبر الزمن إلى سيارة، لو تخيلنا اختراعا كهذا لديه القدرة على التحول لكان بتطوره لا يدل على انتفاء الصانع، بل لدل على صانع عظيم وكان ذلك مذهلا جدا وطفرة اختراعية في عالم الوجود، فنحن البشر كلما أردنا تحديث خدمة ما وإضافتها إلى المصنوع نضطر لصناعته مجددا بنسخة أخرى! ونعجز أن نجعل المصنوع القديم يتطور ذاتيا! بل لا بد من نسخة جديدة محدثة! وبغض النظر عن صحة التطور من ضعفه فبنظري أن كل تفاسير نشوء الخلق تدل على الله، سواء كانت خلقا مباشرا أم خلقا تطوريا. وحتى باقي الاحتجاجات مثل قضية تعدد الأكوان -العارية من الأدلة- مثلا والتفسير من خلالها كيف نشأ الكون. كلها نظريات إن صحت أو لم تصح فسواء، ولا تدل على انتفاء وجود الصانع! إنها تجيب عن سؤال الكيفية فحسب وتتجاهل إجابة السؤال عن المُحدث الأول!


الخلاصة: إن كنت ملحدا وكنت أجدع (مقطوع الأنف) فلا يلزم منه أنك غير موجود ولا يلزم أن الإلحاد يسبب قطع الأنوف. بل يلزم أن تعمل عقلك! ولا يلزم منه أن كل الملحدين جدع أيضاً، لا تقفز للحكم على الكل بسبب البعض فتجمع مغالطتي القفز الحكمي والتعميم المتسرع! بل عليك التأكد أن استقراءك حاصرا (شاملا)، وثبوت جزئية موجبة ينقض الكلي السالب، أعني أننا يمكننا إبطال التعميم بمثال يخالف هذا التعميم.


المراجع


(1) حثالات كيميائية:

 http://www.onlinevideoder.net/watch?v=cO4G-DeWoIM


(2) لماذا يسمح الله بالشر والألم؟ مقال لحسن خالدي: 

lies-world.blogspot.com/2017/08/blog-post_94.html


فاطمة الداعور -رحمها الله-


لقراءة البحث كاملًا: اضغط هنا


ملاحظة: هذا البحث الذي بين أيديكم هو آخر نسخة له وصلتني من فاطمة رحمها الله، وأذكر أني أجريت بعض التعديلات الطفيفة عليه وأرسلته لها، وأعتقد أنها قرأت تعديلاتي ووافقت عليها، لكني لا أذكر جيّدًا فقد مرّ وقتٌ طويل وقد تخونني الذاكرة فسجلت هذه الملاحظة هنا للأمانة، فقد وافتها المنية ولا أستطيع أن أعود لها فأسألها، مع العلم أننا كنا ننوي نشر هذا البحث بصفحة عالم الأكاذيب في حياتها وباسمها وهي على علم بذلك، لكن النشر تأجل وها أنا أنشره الآن بعد رحيلها ليستفيد منه الآخرون ويبقى لها صدقة جارية بإذن الله.


جميع المغالطات:


مغالطات اللادينين 1: الحكم المتهافت بادعاء وجود الأخطاء أو التناقضات

مغالطات اللادينين 2: الاحتجاج بتفاسير خاطئة أو ظنية ومحاكمة الإسلام لها بدلًا من نص الآيات

مغالطات اللادينين 3: التخبط في كثير من اعتراضات المعترضين

مغالطات اللادينيين 4: الجهل بالمنهجية والمصدر المعرفي الـمُتحاكم إليه

مغالطات اللادينيين 5: مغالطة القفز الحكمي

مغالطات اللادينيين 6: نفي القضايا الكلية الكبرى بقضايا جزئية صغرى

مغالطات اللادينيين 7: مغالطة التعارض بين السبب الطبيعي والغيبي

مغالطات اللادينيين 8: النظرة السوداوية والكئيبة أو النظرة المادية الصرفة الخالية من أي معنى!

مغالطات اللادينيين 9: كثير من الضحك وقليل من المنطق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: