الجمعة، 27 يوليو 2018

احتكار الجنة... هل كل غير المسلمين في النار؟


(وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة 111).


ومثلها هذه الآية: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (البقرة 113).

 

هذه الآيات توضح تهافت أحد أبرز الأفكار التي نسمعها تتكرر بشدة من أصحاب الديانات المختلفة والتي هي فكرة احتكار الجنة، حين يقولون: "لن يدخل الجنة إلا نحن"! وكأن لديهم ضمانا بدخولها، ويوضح لنا القرآن كيف أن كل طائفة تستخدم نفس الحجة وهي تدعي بأن الجنة خالصة لها ويبين لنا بأن الجنة ليست حكرًا على أحد وأنها لمن أسلم وجهه لله وأخلص له قلبه.


الأمر ليس بالأماني، لا أماني المسلمين ولا أماني غيرهم: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) (النساء 123).


إن فكرة احتكار الجنة، فكرة متهافتة رغم شيوعها، وتجد حتى في أبناء الملة الواحدة تقسيمات وفئات وطوائف ومذاهب، وتجد من يضع كل من خالفه في كفة النار، وكأن لديه صكًا ووعدًا من الله له وحده بالجنة والغفران (طالع أيضًا: ما مدى صحة حديث "ﺗﻔﺘﺮﻕ ﺃﻣﺘﻲ"). لكن في الحقيقة الجنة والنار بيد الله سبحانه وتعالى لا بيد البشر، والله هو العدل الذي لا يُظلم عنده أحد: (إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّيَ) (الشعراء 113)


ونجد في القرآن ذمًا لفئة من الناس كلما رأوا الذين آمنوا سخروا منهم ونعتوهم بالضلال، فيقول لهم القرآن بأنكم لم ترسلوا لمراقبتهم: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) (المطففين 29-33).


إن المؤمن عليه نفسه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (المائدة 105). انشغل بنفسك ودعك من خلق الله.


وتأملوا معي هذه الآية: (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون 117). القرآن لا يخطئهم لأنهم خاطئون، بل لأنهم لا يملكون البرهان والدليل الذي يدعم معتقدهم، وهذا هو ما يجعلهم مخطئين، إنه المنهج!  

 

وآية أخرى تصب في نفس المنحى: (مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) (الإسراء 15). الله لا يحاسب البشر حتى يصلهم الرسول ويوصل لك رسالة الله! لا تحاسب حتى ترى البرهان والحجة تقام عليك!  


فكرة احتكار الجنة أيضًا تجعل أي إنسان محايد يسأل السؤال البديهي الشائع وهو ما ذنب الآخرين من أصحاب الديانات الأخرى؟ هل ذنبهم فقط أنهم ولدوا في الدين الخطأ والمكان الخطأ؟ 


الكثير من الناس يظن أننا نحن كمسلمين ناجون من العذاب وغيرنا كلهم سيعذبون بسبب عدم إيمانهم، لكن هنا يجب أن نفرق بين حالتين: 

 

الحالة الأولى: هي كفر عناد وجحود وشهوات: شخص يعرف الحقيقة ويدركها، وصلته رسالة الإسلام بشكل سليم وواضح، وعرف أنه هو دين الحق لكن لسبب أو لآخر لم يسلم، عنادًا، أم غرورا، أم مماطلة... المهم أن هذا الصنف هو ما يصح فيه القول بأنه كافر يستحق النار لأنه لا عذر له. وقد دلت الآيات على ذلك وانظروا لهذه الآيات كيف تتحدث عنهم وتقول (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ) أي أنهم كفروا بعد أن عرفوا الهدى فحقت عليهم النار: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء 115). أي: "يخالفه ويعاديه من بعد ما اتضح له الحق، وقام لديه الدليل على صحة دين الإِسلام". (ابن عاشور)


تأملوا معي الآيات التالية:

 

(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ) (محمد 25) 

 

(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) (النحل 83) 

 

بقرارة أنفسهم يعرفون الحقيقة: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (النمل 14) 

 

إنهم لا يكذبونك فلا تحزن، هم فقط جاحدون: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام 33) 


الحالة الثانية: عدم إيمان بسبب جهل وعدم علم كأن لم تبلغه رسالة الإسلام، أو وصلته منقوصة أو مشوهة... إلخ. مثلًا: هناك شعوب معزولة لم تسمع بالإسلام قط، وهناك شعوب سمعت به، لكنها لا تعرفه على حقيقته كأن تعتقد أنه ليس سوى دين إرهاب وقتل! وصلها الإسلام منقوصًا أو مشوهًا... هل هؤلاء يمكن أن نقول عنهم بأنه قد وصلتهم رسالة الإسلام الحقيقية؟


إن الصنف الذي لم يؤمن بالإسلام عن جهل أو عدم علم يظنه الكثيرون كافرًا وبأنه سيدخل النار، ولكن في الحقيقة لا يمكننا أبدًا الجزم بأنه سيدخل النار لأن آيات القرآن تدل على عكس ذلك: (مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) (الإسراء 15) لن نعذب حتى يأتي الرسول... (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص 59)"من اهتدى فاتبع طريق الحق فإنما يعود ثواب ذلك عليه وحده، ومن حاد واتبع طريق الباطل فإنما يعود عقاب ذلك عليه وحده، ولا تحمل نفس مذنبة إثم نفس مذنبة أخرى. ولا يعذب الله أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب." (التفسير الميسر).


يقول محمود شلتوت (الإسلام عقيدة وشريعة، ص19-20): "أما الحكم بكفره عند الله يتوقف على أن يكون إنكاره لتلك العقائد [...] بعد أن بلغته على وجهها الصحيح، واقتنع بها فيما بينه وبين نفسه، ولكنه أبى أن يعتنقها ويشهد بها عنادًا واستكبارًا، أو طمعًا في مال زائل أو جاه زائف، أو خوفًا من لوم فاسد، فإذا لم تبلغه تلك العقائد، أو بلغته بصورة منفرة أو صورة صحيحة ولم يكن من أهل النظر [أي أنه شخص لا يستطيع التفكير والفهم أو ساذج بليد العقل لا يستوعب الرسالة]، أو كان من أهل النظر ولكن لم يوفق إليها، وظل ينظر ويفكر طلبًا للحق، حتى أدركه الموت أثناء نظره -فإنه لا يكون كافرًا يستحق الخلود في النار عند الله.


ومن هنا كانت الشعوب النائية التي لم تصل إليها عقيدة الإسلام أو وصلت إليها بصورة سيئة منفرة، أو لم يفقهوا حجته مع اجتهادهم في بحثها -بمنجاة من العقاب الأخروي للكافرين، ولا يطلق عليهم اسم الكفر.


والشرك الذي جاء في القرآن أن الله لا يغفره، هو الشرك الناشئ عن العناد والاستكبار.. الذي قال الله في أصحابه (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)." انتهى كلامه.

  

ويوم القيامة: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ۖ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك 8-11). من يدخل النار يُسأل: ألم يصلكم إنذار ونذير؟ مرّة سمعت أحدهم يقول معلقًا على جملة (فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ) أنه لا أحد يدخل النار وهو غير مستحقٍ لها، حتى أهل النّار يعترفون بذنبهم ويعرفون خطأهم!


إن المبدأ الذي نؤمن به كمسلمين واضح في كتابنا وضوح الشمس، وهو أن الله لا يظلم أحدًا، بل بالعكس هو أرحم الراحمين. تأملوا هذه الآية: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء 165). أي: "أرسَلْتُ رسلا إلى خَلْقي مُبشِّرين بثوابي، ومنذرين بعقابي؛ لئلا يكون للبشر حجة يعتذرون بها بعد إرسال الرسل. وكان الله عزيزًا في ملكه، حكيمًا في تدبيره." (التفسير الميسر).


فالأمر بيد الله هو يحكم بين عباده، ونحن كمسلمين نؤمن أن الله أعدل العادلين وأنه لن يظلم أحدًا: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (يونس 44)، وهذه الثقة التي نملكها تجاه عدل الله تكفينا لنرتاح ونطمئن... وربما تقتضي عدالة الله أنه لا يوجد حكم واحد يعمم على الجميع، فالله أعلم بكل نفس وما أوتيت من دوافع داخلية تساعدها على البحث أو ظروف بيئية خارجية تؤثر على تصرفاتها. 


خلاصة الأمر أنه كمسلمين تكفينا المبادئ العامة التي تريح عقولنا وقلوبنا والتي أخبرنا الله بها في القرآن، لنرتاح ونطمئن لعدل الله ورحمته، فنعلم أنه عادل لن يجازي الإنسان إلا إذا قامت عليه البينة ووصله البرهان والحجة، ولن يكافئه إلا بما يستحقه، ولن يكلفه إلا وسعه: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة 286). "دين الله يسر لا مشقة فيه، فلا يطلب الله مِن عباده ما لا يطيقونه، فمن فعل خيرًا نال خيرًا، ومن فعل شرّاً نال شرّاً. ربنا لا تعاقبنا إن نسينا شيئًا مما افترضته علينا، أو أخطأنا في فِعْل شيء نهيتنا عن فعله، ربَّنا ولا تكلفنا من الأعمال الشاقة ما كلفته مَن قبلنا من العصاة عقوبة لهم، ربنا ولا تُحَمِّلْنَا ما لا نستطيعه من التكاليف والمصائب، وامح ذنوبنا، واستر عيوبنا، وأحسن إلينا، أنت مالك أمرنا ومدبره، فانصرنا على مَن جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك، وكذَّبوا نبيك محمدًا صلى الله عليه وسلم، واجعل العاقبة لنا عليهم في الدنيا والآخرة." (التفسير الميسر).


ومن تمام عدل الله سبحانه وتعالى أن كل محسن سيجد ما عمله من خير صغر أو كبر، وأن كل مسيء سيجد ما عمله من شر صغر أو كبر: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة 7-8). أي عمل تعمله في حياتك أيها الإنسان ستجده أمامك سواء كان خيرًا أو شرًا، وهذا قمة العدل، ويغفر لك كل شيء إن شاء إلا أن تشرك به وهذا قمة الرحمة: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا) (النساء 48)... إذن نحن كمسلمين يكفينا أن نثق بعدل الله ورحمته، لكن الحمد لله أن في قرآننا لا نجد ما نجده في الديانات الأخرى من أن كل من لم يؤمن فإن مصيره حتمًا في النار رغم أنه لم تصله الرسالة كما وضحت بالأعلى.

 

إذن نستفيد من آيات القرآن أن الحجة لا تقام على الإنسان إلا إذا بلغته الرسالة ولا نستطيع القول بأن كل إنسان ليس بمسلم فهو كافر كفر جحود وسيعذب! كلا، بل علمهم عند ربنا الذي لا ولم ولن يظلم أحدًا، ونرجو وفقًا للآيات عدم تكفير كل من لم يكن مسلمًا تحريًا لدقة عدل الله ورحمته، وهذا حسب فهمنا البشري المتواضع، والله أعلم. 





هل كفار اليوم في النار؟!

سؤال يطرح كثيرا، ويثور الجدل حوله، وللأسف معظم النقاشات تدور بعيدا عن هدايات القرآن وآياته الواضحة، التي تبين الأمر بإنصاف، وميزان عدل لا ظلم فيه، وأصبح حال المسلمين فيه بدل أن ينشغلوا بهداية الناس من غير المسلمين، ينشغلون بمصيرهم في الآخرة، والانشغال بالحكم عليهم، بدل الانشغال بالأخذ بيدهم إلى الخير والحق.

إن آيات القرآن الكريم تبين أن الذي يؤاخذه الله سبحانه وتعالى ويحاسبه على عدم إيمانه بالإسلام، هو فقط من بلغته دعوة الإسلام واضحة بلا لبس أو غموض، وبلا تشويش أو غبش، وليس مجرد أن يسمع غير المسلم بالإسلام، فلا يتبعه فنحكم عليه بأنه كافر وفي جهنم وبئس المصير، يقول تعالى: 

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) الأنعام: 19. 

فالآية هنا تقول: (لأنذركم به ومن بلغ)، أي من بلغته دعوة الإسلام، بينة واضحة، لأن الله بين في آية أخرى كيف يكون البيان، فقال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) إبراهيم: 4، أي أن يخاطب كل إنسان بلغته التي يفهمها، بل في اللغة الواحدة باللهجة التي يتقنها، وبأسلوب الإقناع الذي يصلح له، فالعاطفي بالعاطفة، والعقلاني بالعقل، ومن يجمع بينهما بالجمع، فهل أوصلنا دعوة الإسلام وبلغناها للناس في مشارق الأرض ومغاربها بهذا الوصف والشرط الذي ذكره الله عز وجل في إنذار من لم يؤمن برسالة الإسلام؟!

أما الآية التي تحسم الموقف والأمر بوضوح كبير، فهي قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) النساء: 115، فالآية تصرح بأن من يشاقق الرسول بالمعاداة والكفر، له جهنم وساء مصيرا، لكن بعد ماذا؟ لقد نصت الآية على شرط مهم، وهو ما يغفل عنه الكثير في تناول هذه القضية، وهو قوله تعالى: (من بعد ما تبين له الهدى)، فهنا شرط البيان، أن يوضح هذا الدين للناس ببيان واضح لا لبس فيه ولا غموض، ولا تشويش، في الوقت الذي نشاهد فيه دعاة نخاف على المسلمين من خطابهم المنفر، فكيف بغيرهم؟! فشرط أن يتم بيان الإسلام، وكلمة (الهدى)، أن يتبين لمن يتلقى هذا الخطاب، ويقتنع به قناعة تامة، أنه (الهدى)، يتضح بلا جدال أنه (الهدى)، فإذا كان العالم يزيد عن الستة مليارات، فيهم أكثر من الثلثين غير مسلمين، فهل قام المسلمون بترجمة معاني القرآن للغات ولهجات العالم؟ وهي درجة أولى من درجات البيان، فضلا عن هذا الشرح لمعاني القرآن هل هو شرح مقنع يقدم الإسلام في صورة صحيحة؟

فضلا عن ممارسات المسلمين التي لا يرى منها غير المسلم سوى صورة سيئة تسيء للإسلام، والآفة ليست في سوء تصرف المسلم، بل الآفة أنه عندما يخطئ ويفعل أمرا سيئا، كي يهرب من نظرات الناس وحسابهم، يلبس هذا التصرف ثوب الإسلام، ويقدم تصرفه على أنه الإسلام، فتزداد حجب على الإسلام كثافة، كل هذه صوارف تصرف الناس عن الهداية، وعوامل تجعل بين الناس والإسلام مسافة كبيرة، وتجعلنا نقول مطمئنين: إن القليل في هذه الحياة هو من ينطبق عليه الآية، أنه اتضح له حقيقة الإسلام فخالفها وخالف هداها، وفق قوله تعالى: (من بعد ما تبين له الهدى)، وهو ما أكده علماء كبار من أمثال ابن حزم الظاهري، وابن تيمية، ومن المعاصرين: محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، والطاهر بن عاشور، وغيرهم، الذين انسجمت أفكارهم مع هدايات القرآن، منطلقين من نصوصه الواضحة، وفهم صحيح للواقع، بأن ما يطلقه الكثيرون أن كفار اليوم في النار هو كلام مجاف تماما للحقيقة، لأنه ببساطة لم تقم عليهم الحجة الكافية للحكم عليهم بأن الإسلام وصلت دعوته إليهم، ورفضوها وكفروا بها، وهو ما يلقي بتبعة كبرى علينا في بذل جهد كبير لتوضيح الإسلام، وإقناع الناس به، وتحسين صورته التي شوهها أبناؤه.

عصام تليمة، مقال: هل كفار اليوم في النار؟! موقع عربي 21، 09-Jun-16 07:53 PM

طالع أيضًا: 

هناك تعليق واحد:

  1. البعرة تدل على البعير واثر القدم يدل على المسير فسماء ذات ابراج وارض ذات فجاج افلا تدل على العليم الخبير

    ردحذف

قل خيرًا أو اصمت: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)

| مقطع مرئي |