الجمعة، 27 يوليو 2018

الفرق بين مفهوم الإثبات (Confirmation) مع مفهوم التحقق (Verification)

لو قال شخص من الكويت إن العراق دولة سيئة! 

قد نسأله ماهو إثبات ذلك؟ 
 
قد يحدثنا عن الجرائم التي حدثت خلال الغزو العراقي للكويت سنة 1990م، فدولة العراق غزت بلاده وجيشها مارس جرائم مختلفة من قتل واغتصاب وتشريد وحرق للآبار النفطية. 

أليست كلها حقائق؟ بلى بكل تأكيد. 

لكن ماذا لو طرحنا السؤال بطريقة مختلفة كأن نسأله: كيف تحققت من أن العراق سيئ؟ 

حينها سيقف ليتفكر في كلمة "تحقق" وليس مجرد سرد إثباتات. 

ماذا لو ذكرنا له أن العراق مهد العلم والعلماء، الإمام جعفر الصادق والفقيه أبي حنيفة والمحدث أحمد بن حنبل والكيميائي جابر بن حيان، [...] 

هل تتوقع لو أنه أعاد قراءة تجربة الغزو (التي نتفق على قساوتها ومرارتها والظلم الذي حل به) من خلال استقراء تاريخ العراق، ليبحث بشكل عقلاني أسباب الغزو العراقي وعما إذا كان مطلبا شعبيا من عدمه، ألن يصل لنتيجة أكثر إنصافا عن العراق وشعبه؟ 

بكل تأكيد ستنضج قناعاته وتصبح أكثر إتزاناً! هذا هو الفرق بين طلب الإثبات على الادعاء وبين طلب التحقق من الادعاء نفسه بشكل شمولي.

إن الأزمة الحقيقية تقع حينما يخلط طالب العلم مفهوم الإثبات (Confirmation) مع مفهوم التحقق (Verification). 

البعض لديه اعتقادات مسبقة ويبحث لاحقاً في دهاليز العلم والتاريخ عما يعززها ويثبتها، مع الأسف سيجد ما يدعمه أياً كانت فكرته عوجاء وهذا ما نعنيه بـ"الإثبات". لكن الصحيح هو العمل بمفهوم "التحقق" أن نتحقق من الأفكار المسبقة بحيث يكون هناك منهج استقرائي للتاريخ أو منهج تجريبي أو إحصائي موسع لكافة دلائل الإثبات والنفي المتنوعة، فيتم فهم كل حالة فردية في ضوء الحالات الأخرى ليخرج بتصور أكثر نضجاً وأكثر تكاملا. 

المختصر: الصحيح هو أن نجمع الأدلة لتكوين قناعة وليس الإقتناع أولاً بفكرة ثم البحث لاحقاً عن ما يعززها!

من أخطاء التفكير التي يقع فيها البعض الأخذ بالحالات الاستثنائية أو الفردية الشاذة وتعميمها على النظام ككل، إن حدوث حالات استثنائية في قضية ما يمكن أن يستعان بها كدلائل للتطوير من الفهم العام، وإن الغاية بعد إدراك الحالات الفردية هي أن يكون هناك فهم لنظام تكاملي يحتوي الجميع. من هنا يتضح عدم منطقية الاستدلال بالحالة الفردية وكأنها هي النظام العام وليست حالة خاصة منه. [...]

أوليس من السطحية الاقتناع أولا بالفكرة ثم البحث في دهاليز العلم عما يثبتها فقط مع تجاهل ما يعارضها، إني أسمي من يسلك هذا السلوك بـ"أسير الانطباع الأولي".

بقلم طلال عيد العتيبي
مقتبس من مقاله التالي (اضغط هنا)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: