الجمعة، 27 يوليو 2018

لن يؤمنوا بالله إلا أن يروه أو يستدلوا عليه بالعلم التجريبي!

"الله ليس موجودا لأن العلم التجريبي لا يستطيع إثبات وجوده"

تذكرت هذه الشبهة وأنا أقرأ هذه الآية:

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)[سورة القصص 38]
 
كلام هذا الفرعون يُذَكِّرر ببعض ملحدي هذا العصر الذين لن يؤمنوا بالله إلا أن يروه أو يستدلوا عليه بالعلم التجريبي!
وكلام فرعون -وكذلك الملحدين- مليء بالمغالطات وسنحاول نقاشها من خلال الآية والله الموفق.
*يقول فرعون: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي.

ما عَلِمْتُ... والمغالطة هنا هي أن من المبادئ لدى العقلاء أن عدم العلم بالشيء ليس علما بالعدم، وعدم الوجدان لا يعني عدم الوجود. وبالتالي فإذا كانوا لا يعلمون بوجود إله فغاية ما يمكنهم أن يصلوا إليه هو التوقف وأن لا يثبتوا ولا ينفوا حتى ينظروا في الأدلة، لا أن يكذبوا هكذا فقط لعدم علمهم فحسب!!

يكمل فرعون: فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ... مغالطة يقع بها الكثير من حيث أنهم يبحثون عن الله من خلال المادة فيريدون أن يروه أو أن يثبتوه بالعلم التجريبي المحسوس، وهذا عدم تمييز لمصادر المعرفة، فالمادة ندرسها بالعلم التجريبي بالمعامل بينما الرياضيات كمثال مادة عقلية لا ندرسها بمعامل التجربة، والله ليس بمادة، بل هو خالق المادة فكيف نريد أن نطبق عليه تجارب المادة ونكتشفه سبحانه من خلالها؟؟؟
الله نعرفه بالعلوم العــقــليــة لا التجريبية ولو أطلقت صورايخك وأقمارك الصناعية أو بنيت صرحا بحثا عن الله فلن تجده ملموسا صدقني.. أو بل ستجده.. ولكن هناك.. في عقلك.. ستجده سبحانه كلما رأيت آثاره الدالة عليه، ستراه بعقلك في مخلوقاته وتجده بينها، ستتلمس صفاته وجماله وإبداعه وعظمته في الكون ولكنه ليس مادة لتراه عيناك..
لذا أرجوك لا تقل: فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَى!


بل قل: فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أكتشف عظمة مخلوقات إِلَٰهِ مُوسَى من مجرات وكواكب ونجوم وأتعرف على عظمة خالقها من خلالها..

يا أخي.. أما عن الاقتصار على المنهج التجريبي العلمي ومحاولة إثبات أو نفي كل شيء من خلاله -ومن ضمنها إثبات أو نفي وجود الله- ففي الحقيقة يستحيل الاقتصار على المنهج التجريبي المحض في إقامة الحياة الإنسانية الراشدة. فهناك مناهج حياتية وعقلانية وفلسفية وأخلاقية وقانونية.. إلخ تحكم حياتنا وكلها لا تخضع للعلم التجريبي ولا علاقة لها بالعلم التجريبي.

والمنهج التجريبي ذاته لا يقوم على المنهج التجريبي فحسب بل هو أصلا يقوم على مكونات غير تجريبية مثل البديهيات العقلية الأولية -كإدراكنا أن الجزء أصغر من الكل وعدم اجتماع النقيضين- هذه البديهيات ليست تجريبية بل عقلية وفطرية والعلم لا ينفي المبادئ العقلية بل يعتمد عليها ولا يستطيع أن يقوم إلا بها. إذن العلم يعتمد على مبادئ عقلية مثله مثل الاعتقاد بوجود الله المعتمد على المبادئ العقلية أيضاً.

كما أن المنهج العلمي التجريبي يُثبت أن طرق إدراك العالم الخارجي لا تقتصر على الإدراك الحسي، بل تراهم يثبتون كثيرا من الأشياء من خلال آثارها وأفعالها، كالإلكترون والتطور. ولا أحد يستطيع الادعاء أنه رأى البروتين أو الالكترون، ولكن يلمسون آثار هذه الأشياء فيثبتونها وكذلك الحال فيما يتعلق بتركيب الأجرام السماوية البعيدة مما لا نستطيع أن نخضعه لتجاربنا.
ولا أحد أيضاً ينفي وجود البروتون والإلكترون لأنهم يحسون آثارها وكذلك نحن نرى المُحدثات (المخلوقات) حولنا فنستدل بها على الخالق "بناء على الضرورة العقلية القائلة أن لكل حادث محدث" إذن فهو استدلال عقلي ضروري.

*ملاحظات:
 
- العلم التجريبي جدير بزيادة الإيمان وأن يقودنا إلى الله، ولكن ليس من خلال البحث فيه عن دليل مادي ملموس نجد فيه الله سبحانه كمادة، بل من خلال العقل والنظر والمنطق والفكر، فكثير من العلماء التجريبين لما يرون دقة الكون يصرحون أنه لا بد له من خالق، ومستحيل رياضيا وعقليا أن يكون صدفة، ولكن هذا يعد استنتاجا علميا عقليا أكثر من أن يكون علميا تجريبيا.
يقول الطبيب مايكل أنثوني كوري: (الدرجة المذهلة من المعايير الدقيقة لهذه العوامل الأساسية والتي تلت لحظة الانفجار الكبير تكشف عن درجة معجزة من الهندسة الدقيقة، والتي لا تبدو متصورة في حال انعدام مصمم ذي قدرات حسابية خارقة)

- أدلة وجود الله مستفيض شرحها ولم نشأ في هذه المقالة أن نفصل بها وإنما أردنا طرح قضية دلالة العلم التجريبي. ومن طلب أدلة وجود الله فليراجع على سبيل المثال كتاب "ظاهرة نقد الدين" لسلطان العميري (وهذا الكتاب أيضاً من مراجع هاته المقالة)


اقتباس نضيفه لكم:

يقول لنا العلم [...] أنه ليس من العلم الإيمان بالغيب وأن مجال العلم هو المحسوس، يبدأ من المحسوس وينتهي إلى المحسوس.
فنقول للعلم . . كذبت.
إن نصف العلم الآن أصبح غيبا.
العلم يلاحظ ويدون الملاحظات . . يلاحظ أن صعود الجبل أشق من النزول منه . . وأن رفع حجر على الظهر أصعب من رفع عصا . . وأنا الطير إذا مات وقع على الأرض. وأن التفاحة تقع هي الأخرى من شجرتها على الأرض . . وأن القمر يدور معلقا في السماء.
وهي ملاحظات لا تبدو بينها علقة.
ولكن حينما يكتشف نيوتن الجاذبية ترتبط كل هذه الملاحظات لتصبح شواهد دالة على هذه الجاذبية . . [...].
إنها نظرية فسرت لنا الواقع.
ومع ذلك فهذه الجاذبية غيب لا أحد يعرف كنهها . . لم ير أحد الأعمدة التي ترفع السماوات بما فيها من نجوم وكواكب.
ونيوتن نفسه وهو صاحب النظرية يقول في خطاب إلى صديقه بنتلي: إنه لأمر غير مفهوم أن نجد مادة لا حياة فيها ولا إحساس تؤثر على مادة أخرى وتجذبها مع أنه لا توجد بينهم أي علاقة.
فها هي ذي نظرية علمية نتداولها ونؤمن بها ونعتبرها علما . . وهي غيب في غيب.
والإلكترون.
والموجة الكلاسيكية.

والذرة.
والنترون.
لم نر منها شيئا ومع ذلك نؤمن بوجودها اكتفاء بآثارها. ونقيم عليها علوما متخصصة ونبني لها المعامل والمختبرات . . وهي غيب في غيب . . بالنسبة لحواسنا.
[...]
نحن في عصر العلم الغيبي . . والضرب في متاهات الفروض.
وليس للعلم الآن أن يحتج على الغيبيات بعد أن غرق إلى أذنيه في الغيبيات.
وأولى بنا أن نؤمن بعالم الغيب. خالقنا البر الكريم. الذي نرى آثاره في كل لمحة عين وكل نبضة قلب وكل سبحة تأمل.
هذا أمر أولى بنا من الغرق في الفروض.
مصطفى_محمود : رحلتي من الشك إلى الإيمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: