الجمعة، 11 أكتوبر 2019

كيف يدخل عباقرة الجحيم لمجرد أنهم لم يؤمنوا؟

نقل لي كثير من الشباب مقولة يردّدها غير ما واحد من الأساتذة الجامعيين، وأساتذة الفلسفة وعلم الاجتماع كدليل منطقي على عدم استقامة عقيدة الآخرة ودخول المؤمنين بدين الإسلام الجنة دون غيرهم، وهي كالآتي:

(كيف يدخل عباقرة الجحيم لمجرد أنهم لم يؤمنوا، وأن غبيا في البادية يؤمن بغيبيات لم يقدّم للبشرية شيئا سيدخل الجنة؟ وهذا يعطي انطباعا بأن الإنسان محروم العقل أفضل من منظور الدّين من إنسان عبقريّ!)

تحترم الأستاذ الجامعي إلى أن تسمع منه مثل هذا، لا لأنه طعن في الدين أو ضرب المقدسات، فلكل مقدساته، بل لأنه لم يحترم عقله ولا عقولنا ولم ينتبه لمغالطة صغيرة مثل هذه!

وفي الحقيقة "متنوّروا" بلادنا ليسوا أوّل من قالها، إنما هي نقل من مفكرين وفلاسفة (كما سَرَد وحيد الدين خان في كتابه "الإسلام يتحدّى") مثل William Winwood Reade المتوفّى سنة 1875 (1).

وقد ضرب المفكر الإسلامي "وحيد الدين خان" مثالا على هذا "العجز المنطقي" باللورد Kelvin الذي استهجن قوانين Clerk Maxwel عن الكهرومغناطيسية لأنه لم يستطع أن يُبرهن عن تلك القوانين بنموذجه الميكانيكيّ! (2) (انتهى كلام وحيد الدين)

- هذا الأستاذ الناقد، والعقلاني المثابر، يستخدم القانون نفسه في حياته العملية بكل أريحيّة ويسفّهه هنا، كيف؟!

في الامتحانات عندما يقيّم اختبارا في مادّته (الفلسفة مثلا) ويَسأل الطلبة عن مبحث الوجود وقول فلان فيه؛ فمن الطلبة من لا يتجاوز المقدمة وينقّط له ب 1/20 ! ولم يسأل نفسه هل هذا الطالب شاعر أو مهندس أو يتكلم 7 لغات أو حتى طبيب ينقذ الأرواح؟!
وحتى إن عرف ذلك لن يتغيّر تقييمه لورقته، والسر ببساطة أن القضية قضية فلسفة لا غيرها من "البطولات"، وهو كأستاذ فلسفة يقيّم الورقة على خلفية السؤال الفلسفي فقط.

لذا فالله تعالى عندما سيحاسب البشر فأوّل ما يُحاسبهم عليه هو هل آمنت بي أم كنت منكرا لوجودي؟ فإن أنكر وجود خالقه فكيف يرجوا ثوابا منه لمجرّد أنّه عبقريّ!؟
بمعنى آخر كيف يجتاز امتحان الرياضيات بأشعار الجاهلية؟! كيف يجتاز اختبار توحيد وإيمان وطاعة لخالقه، بعربدة مادية وغرور صناعيّ؟!!

والمشكل كما نوّه "وحيد الدين خان" أن مثل هذا المنطق، يطالب الحقائق أن تتبدل وتتماهى مع ذلك الإنسان، ليصير الإنسان "بمركزيّته المتعالية"، معيارا الحقيقة ! ولا يُطالب الإنسان بقبول الحقيقة والانقياد لها متى عُلِمت. (انتهى كلامه بمعناه)

وبهذا تكون الحقائق عبارة عن أمانيّ وإسقاطات تُختزل في عبارة مثل: ("أنا" أرى العالمَ هكذا، وأرى الإله هكذا، و"أنا" أرى نفسي أهلا للتكريم، فينبغي أن يكون الأمر كما تصورت "أنا" وإلا أنكرت أي حقيقة مغايرة!)

قد يُقال تقييم الأستاذ ينتهي بانتهاء حصّته وليست مسألة مصيرية كالآخرة.

وهذا صحيح، ولكن المدة التي أتيحت للإنسان أكبر من 6 أشهر والمواد والعلامات التي كانت مادّة مراجعته ومناط محاسبته أكبر من كتيّب أو ورقات: "خلقٌ وصحة وعقل وتجارب ومواقف وحياة طويلة ومُهلة وتسامح" أكثر من أيّ أستاذ دمِث !
وإذا كان الأستاذ يحاسبك على قدر ما أعطاك، فالله تعالى ذكره يحاسبك بقدر ما أعطاك أيضا، ويتعاظم الحساب بقدر ما تعاظم العطاء، فلا عجب!
إضافة إلى شيء مهمّ آخر، وهو أن الإيمان بالله متاح سهل لكل البشر، ساذجهم أهبلهم ذكيّهم وعبقريّهم من باب أولى، وليس كالمواد التي قد تُعجز عقل من أراد أن يدرسها بسبب تخصصها الدقيق واختلاف ملكات الذهن بين الناس.

ثم إن نسيانه لربّه في الدنيا وادّعاءه أنه غير موجود كادّعاء أحد أن امتحانات آخر السَّنة "إشاعة"، وإذا ما أقيـمت تلك الامتحانات فلا يحقّ له الاعتراض والمطالبة بنقطة لمجرّد أنه كان مبدعا في مجال آخر خارج الجامعة! كيف يُطالب وقد كان منكرا لوجود تلك النقطة أصلا؟!

حسن خالدي

المصادر:
(1) . Martyrdom of Man. William Winwood Reade صفحة 341 (نسخة Epub التي تأكدت منها)

(2) Energy and Empire: A Biographical Study of Lord Kelvin. صفحة 173. (لم يذكر وحيد الدين خان مصدرا لكلام lord kelvin في كتابه)

هناك تعليقان (2):

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: