الخميس، 12 ديسمبر 2013

مؤاخذات على الإعجاز العلمي والطب النبوي


شيوع مقولة ما وتداولها، ليس حجة أبدا على صحتها، هذا ما ينطبق تماما على مقولتي «الإعجاز العلمي في القرآن، والطب النبوي»، واللتان لا أجدهما تخلوان من خطورة وضرر على الدين كما على العلم على حد سواء..


فكما نعلم جميعا أن الدين مجاله اليقين والإيمان، نعلم أيضا أن العلم مجاله الشك والتجريب، ولذا يكون الإتيان بما يمكن اعتباره إشارات علمية في خطابات قرآنية وعظيه، أو قصصية، لأغراض ليست علمية، وإنما للحث على الإيمان أو التشريع، يكون الإتيان بها إلى حقل العلم وإخضاعها للشك والتجريب، لا يخلو من وقاحة مع الله، إن لم أقل إنه كفر.

فضلا عما يحدثه ذلك من ضرر على إيمان الناس وجعله عرضة للاهتزاز والتبدل وفق إثبات أو نفي العلم لتلك الإشارات، أو بالأصح ما يفهمه الناس منها..

كمؤمن ليس عليك إلا أن تؤمن بآيات الله كما وردت (يقولون آمنا به كل من عند ربنا)، دون الشك فيها، أو السؤال عن حقيقتها العلمية من عدمه، وإن حدث إن كان مؤمنا باحثا في إحدى المجالات العلمية وواجه ما يمكن اعتباره أنه يشابه ما في القرآن من إشارات (كالأطوار الجنينية مثلا) فليدرسها كما هي في مجالها العلمي وفق منهج العلم المتبع، دون الحاجة أو بالأصح الحرص بوعي على عدم استدعاء الإشارات، وهذه قاعدة أساسية ومتبعة لسلامة البحث والمنهج العلمي وتجنيبه تأثيرات القناعات المسبقة، وهذا ما لا يتوفر مع اقتحام العلم من باب (الإعجاز العلمي)..

الحجة الثانية، أنه على مدى التاريخ البشري لم يعلم أن نبيا أتى بأحد الاكتشافات العلمية المعروفة، ولا حتى في روايات الكتب السماوية، فالعلم ليس الغرض من إرسال الأنبياء، وإنما الإيمان، كما أن لغة العلم المجردة والجافة ليست لغة الدين البلاغية والبديعة، ولو أراد الله سبحانه أن يكون الدين محل العلم لأرسل ملحقا إضافيا مع القرآن، مليئا بالنظريات والمعادلات، ولكان أجدى، لكنه لم يفعل، سبحانه وتعالى عما يصفون.

الحجة الثالثة، هي أن إعجاز القرآن الحقيقي هي في قوة حججه، وقدرته على الإقناع الخطابي، مثلا، لإثبات وجود الله وأنه واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد.. وأنه الخالق القدير البديع.. الخ، لدفع الناس إلى الإيمان به والإسلام له.. والقول أن القرآن في حاجة لإثبات اعجازات علمية، فيه تشكيك خطير في قدرة القرآن على الإقناع، بالحجة والمنطق فقط. وهي بضاعة كل الكتب السماوية و الرسل، (قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم)، أليست هذه الإجابة الخطابية كافية ومقنعة؟! (يحييها الذي أنشأها أول مرة)، هل يحتاج الله هنا لإعجاز علمي لإثبات بدءه للخلق، أو إعادته.. سبحانه وتعالى عما يصفون.

أما عن الطب النبوي، فلا يعلم أبدا أن الطب كان من أغراض الرسالات السماوية، حتى المسيح عيسى ابن مريم وقد حكى القرآن عن إحياءه للموتى وشفاءه للمرضى، مارس الطب كمعجزات ذهبت معه حين توفاه الله ورفعه إليه، ولم يخلف إرثا طبيا معتبرا أو أنه أضاف شيئا ولو يسيرا في خبرة البشرية وتراكمها المعرفي في الطب.

كذلك كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كان نبيا رسولا، ولم يكن الطب غرضا من رسالته قط، إنما كان بشرا من قومه يأكل مما يأكلون ويلبس مما يلبسون، ويستطب كذلك بما يستطبون، وإن كان من جدوى لتلك الأعشاب أو الممارسات العلاجية التي كانوا يستعملونها واستعملها معهم، فبما خبره أسلافهم من تجربتها لمئات السنين، وهم هنا (عرب الجزيرة) لا يختلفون عن أي قوم آخرين في تلك الفترة، بل ربما كان الصينيون أفضل منهم في هذا المجال، ولا علاقة لجدوى تلك الأعشاب أو الممارسات العلاجية بنبؤة الرسول، أو الوحي الذي كان يأتيه من ربه، على الإطلاق.

إن كان من استدعاء لتلك الأعشاب والممارسات العلاجية للتطبب في عصرنا الراهن، فلتستدعى مجردة من أي تطبب للنبي بها من عدمه، وإنما كأعشاب وممارسات قديمة كما عند كل الأمم الأخرى، ولتختبر معمليا وتجريبيا لإثبات جدواها من عدمه، أو أضرارها الجانبية، وفق الأسلوب العلمي والصيدلي المتبع في هذا المجال.

تسويق هذه الأعشاب والمتاجرة بها، تحت اسم (نبوي) لا يخلو من غش للناس، وإساءة للرسول الكريم، فهو صلى الله عليه وسلم، ليس لافتة للدعاية والإعلان. فضلا عن ضرر ذلك بالدين والإيمان عند عدم جدواه.. وهو في العادة لا يجدي لما يصرف له، فليس كل المرضى يتفهمون، فإن تتحمل علاجات بشرية نقمة سوء حالاتهم، خير من تحميلها لعلاج تحت اسم النبي أو الوحي أو الله من وراءهما.

لهذه الأسباب التي ذكرت أنا ضد اقتحام العلم والطب من باب الإعجاز العلمي والطب النبوي، فالدين في غنى عنهما، كما لا يضيفان شيئا إلى العلم، ما يفعلانه فقط هو إرباك إيمان المسلمين، وتأخير لحاق عقولهم بالمنهج العلمي، أو التفكير المنطقي السليم، وفي ذلك غش للناس وضرر كبير.

(قل إنما أنا بشر مثلكم، يوحى إلي، أنما إلهكم إله واحد، فمن كان يرجو لقاء ربه، فليعمل عملا صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا).. في هذه الآية حقيقة الرسول، وحقيقة الرسالة أيضا، لمن ألقى السمع وهو شهيد..



بقلم
عبدالله دوبله (اضغط هنا)
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: