"لو أن أحدهم -أو أحدكم-همّ بإزالة جبل وهو واثق بالله .. لأزاله"
قول منسوب لابن القيم.. نقله أحد الأفاضل، وبعد قليل من البحث وجدت انتشارا له على الشبكة، ولم أجده في أي من كتب القيم، بل وجدت ما يعارض ذلك تماما ويناقضه..
ليست مسألتي الدفاع عن ابن القيم أبدا.. وسأفترض جدلا أنه قال ذلك..
الفكرة هي في كيفية تقبلنا لهذا القول، ووضعنا له علامات الإعجاب والتعليقات من نوع "سبحان الله".. "ونعم بالله"... الخ.
أقرب ما يمكن أن يكون إلى ذلك من الآثار الصحيحة هو الحديث المتفق عليه عن الثلاثة الرهط الذين آووا إلى مغارة وانحدرت صخرة فسدت مدخل الغار.. الخ، وعلى الرمزية الواضحة للرواية إلا أن "العمل الصالح" هنا ساهم في زحزحة الصخرة فقط، فكيف يمكن أن يُمط الأمر إلى إزالة جبل كامل؟!
تقبلنا لهذه المقولات يعبر لا عن سوء الفهم للتوكل على الله والثقة به فحسب، ولا عن عدم فهم لسننه فقط أيضا، بل يعبر عن رغبة في إلقاء اللوم على كل فشلنا -الذي لا يحتاج إلى دليل- على جانب واحد فقط من المشكلة وهو "ثقتنا بالله"...
نعم، ثمة مشاكل كالجبال نرزح تحتها، ثمة مشاكل كالجبال يجب أن تزال، لكننا نريد الحل الأسهل من تبرير الفشل، نريد أن نتجنب الطريق الحقيقي إلى إزالة هذه الجبال:
مواجهتها، نسفها، تدميرها، رفعها صخرة صخرة، كل السنن التي تقود إلى ذلك، متوازية مع ثقتنا بمن نسير على سننه وقوانينه...
لكن المواجهة صعبة.. إزالة الجبال صعبة.. تتطلب جهدا.. تتطلب علما ومعرفة، لذا فمن الأفضل أن نعتبر عدم إزالتنا لهذه الجبال مرتبطا بعدم ثقتنا بالله عز وجل، وليس بعدم فعلنا لشيء يؤدي إلى ذلك..
الحل حسب هذه المقولة هو أن نعمل على المزيد من الثقة بالله.. ويتم ذلك غالبا بالمزيد من العبادات والشعائر (بالمعنى الآلي المفرغ من أي أبعاد اجتماعية..) وهكذا ندخل في دائرة مفرغة، وتصير الجبال مثل أورام سرطانية في داخلنا..
ليست المشكلة في أن ابن القيم قال هذه الجملة أو لم يقل..
المشكلة أن تقال دون أن تعد انتهاكا لكل ما علمنا إياه القرآن..
بقلم أحمد خيري العمري
مع تعديلات طفيفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق