* بادئ ذي بدأ ينبغي معرفة أن آيات القرآن لا تخرج "دائما" مخرج الإقرار والتسليم، بقدر ما تكون حكاية على الألسن، قد يُقرّها الله تعالى أحيانا بقرينة قد تكون خارجة عن الآية نفسها مثل: (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) فأقر الله أن الأصنام عدوة لله وأنبيائه. أو يرفُضها أحيانا، (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) أو يسكت عنها أحيانا أخرى خصوصا في القضايا العلمية لعدم ترتّب أي شيء من الجزاء والمجازاة عليها، مثل آية مجيئ الشمس، أو (فرآها تغرب في عين حمئة) نسبة لرؤية ذي القرنين، أو (قلوب لا يعقلون بها) وليس تقريرا لحقيقة علمية من الحكيم العليم.
- فلا بدّ بداية من تقسيم الكلام في القرآن والسنة إلى أقسام، لأن بعض أقسامه لا تصلح أن تكون دليلا على الإعجاز والإخبار المُعجز. لأنّها ببساطة مجرّد وصْف يراعي فهم الناس، فلا يُخاطَبون إلاّ بما يفهمون في زمانهم. ومن اعترض علينا في هذا فهو يُقرّ (ولا بدّ) أن أهل الصحراء في الجزيرة كانوا يعلمون حقائقا علميّة قبل اكتشافها!! مؤدّيا بنا إلى أمرين لا ثالثَ لهما:
1- إمّا أنّ الله تعالى أنزل القرآن على شرْط استيعابه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) فراعى فهمهم ومعرفتهم وثقافتهم، إذْ الغرض ليس التعجيز بل البيان، ويكون بذلك الجانب العلميّ على نفس القدر السائد آنذاك (ويجب التنبّه أن هذا لا يعني أن علم الله تعالى شبيه بعلم البشر، ولا أنّ الله تعالى قال في كتابه ما ساد من أوهام وخرافات آنذاك، تعالى الله وكتابه عن ذلك علوّا كبيرا. ولكن قصدي هنا أنّه سكت عن بعضها، أو وصف بعضها وصفا لا يتعارض مع فهمهم آنذاك، وفي الوقت نفسه لن يتعارض مع علم مستقبليّ)
2- وإمّا أن نقول أنّ القرآن فيه من العلوم والحقائق التقنية الكثير، وبهذا يكون العرَبُ (حسب حكمة البيان) قد فهموا تلك الحقائق وعرفوا مرادها بما أنّ استيعابها شرط "مُتحقّق" فيهم بنصّ الآية. ونتيجةُ ذلك أنّ العرب والمسلمين قد عرفوا العلوم الحديثة قبل انبعاثها متعثّرة على مرّ القرون. والسؤال الذي يطرح نفسه: أين هي آثار تلك العلوم والفهم "الاستباقيّ" لها؟!
-أيضا يجب التنبّه إلى أن الإشارات العلمية، لا تكون حسب اللغة العلمية، لذلك فهي ليست قطعية الدلالة ولم يُــرَد لها أن تكون كذلك، ولا يُمكن فهمُها إلا في حدود معرفة معيّنة. فكل زَمَان يتميّز "بسقْف إبستمولوجيّ" يَحكُم العقول والتصورات. وحكمة الله تعالى في عدم القطع في المعاني هو عدم تعجيز الناس قبل توصُّل العلم إليها، حتى لا ينتُج عن ذلك قضيّة أخطر على الدّين من غياب الإعجاز العلمي فيه، وهي تلك "النخبوية الفكرية" التي أبى الله إلاّ اقتلاعها من جذورها وتسفيه أصحابها (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) فأرادوا قرآنا خاصا بالنخبة المترفة وأعيانِ القوم وأشرافِهم!
من هنا وجب علينا الاعتراف أنّ فهْم كلّ عصر للقرآن يكون حسب منتهى عقول أصحاب ذلك العصر (بدليل أنّ علماء القرون الوسطى كانوا يفسرون نفس الآية والحديث بما لا يُفسّره أحد الآن!)، ولا يضرّهم أن تغيب عنهم بعض الأمور العلميّة والتقنية أو جُلّها، لأن توضيح الشرائع والعقائد والمُعاملات هو القصد الأساسي للوحيْ، ولهذا كانت أوّل ما فُهم من القرآن والسنّة عكس القضايا العلمية الأخرى.
ولا عجب من هذا القول إذا تأمّلنا أنّ غاية ما يقدّمه الوحي في مجال العلوم، يبقى إشارات فقط، إشارات لا يُشترط فيها أن تكون كشْفا لعلوم لم تبلغها العقول البشرية. لأن دور الوحي ليس هو تعليم العلوم ولا إثباتها أو إنكارها، فمهمّته الأساسية هي توضيح أمور غيبية ليس لها مصدر إلا وحيْ الله سبحانه. [طالع أيضا: هل القرآن يحتوي على كل شيء]
أمّا العلوم فإن مصدرها بشريّ، وتوكيلها للبشر واجتهاداتهم (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وتتطوّر كلما تطاوَل عليها الزمان مصحّحة نفسها ومرتقية لحال أفضل وأكثر دقة في وصف حقائقها وموضوعاتها. في حين أنّ الوحي يزيد "فهمُ" الناس له اضطرابا كلّما تطاول عليه الزمان، وكان ذلك أدعى لتشوّه مفاهيمه واستشكالها على الناس بين جامد أوجاحد أو محرّف. فيكفينا نحن أهلَ الإسلام شرفا عدمُ احتوائه لتناقضات أو معيقات في العلم.
على أنّ الإشارات في الوحيين قد تكون غير مقصودة لذاتها، بل مجرّد خطاب في سياق الكلام على شيء أهمّ، مثل آية "إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب" هل هذا يدل على أن قول إبراهيم في مجيئ الشمس (بمعنى دوران الشمس حول الأرض) هو المقصود؟ أم أن المقصود هو عجز مدّعي الألوهية عن فعل المِثل سواء أتت هي من المشرق أو من المغرب أو الأعلى أو كانت حركتها ناتجة عن دوران الأرض حول مركزها؟ فضْلا على أنّ القول قول نبيّ يحاجّ ويناظر قومه بما كان سائدا ومعروفا و"مقبولا" أيضا حتى عند الأنبياء أنفسهم. ولم يكن الأنبياء ملزَمين بمعرفة الظاهرة العلمية للشروق والغروب بقدر معرفتهم أنّها من آيات الله تعالى وموجبات عبادته وحده. وإلاّ لكان الوحي سبيلا لجعل الأنبياء والرّسل منظّرين للعلوم! وهذا مما لا يقول به عاقل.
- وهناك نقطة أخرى أشير إليها، وهي عدم إغفال أن العلمَ ليس إلا نموذجا paradigme يطغى على مرحلة معيّنة يكون فيها العلم عبارة عن قواعدٍ متعارف عليها، لا تعكس بالضرورة "الحقيقة العلمية"، إلى أن يأتي حين ويحلّ البديل وتصير حقيقةُ الأمس خرافةَ اليوم، وخرافةُ الأمس، حقيقةَ اليوم !
- وسؤالي هنا: إذا كان المسلم الباحث المهووس بالإعجاز العلمي، في زمن "الخرافة العلميّة" أو "الخطأ العلمي" كيف سيعرف أن ما يريد أن يربطه بالشرع "تعسّفا" هو حقيقةٌ علمية ؟!
- ومن هذا المنطلق أيضا، سنتساءل بمنطقيّة لا نخشى فيها الخلل، حول من يطعن في الدين باسم العلم. نظرا لأنّه لم يجد "صيغة علمية واضحة" عِوض تلك الصيغة الوصفية التي لا تلتقي مع الحقائق العلمية أحيانا إلا في اللغة (مثل مصطلح القلب في القرآن والقلب في الطب، والعقل بين كلام العرب وبين العلوم العصبية، والذرّة في القرآن والفيزياء...إلخ) [طالع أيضا: هل للقلب حقا ذاكرة]
ليَقع في الخطأ نفسه الذي يُنكره على المؤمنين. فقد انطلق كما انطلقوا من مُسلّمة "ضرورة وجود" إعجاز علميّ ولغة علميّة في القرآن! إلاّ أن المؤمن تكلّف على أساس هذه القاعدةِ "السبقَ المعرفيّ" للوحي. في حين احتقر عدوّ الدين، وفق القاعدة ذاتها، المحتوى العلميّ الضعيف للوحيْ بعد أنْ سلّم بضرورة أن الدين "لا بدّ له" بأن يكون كتابَ علم ومعارف !
ولو تخلّى عن هذه المسلّمة لمَا طالب بشيء لا يكون الدين مقبولا إلاّ به (أقصد المعارف العلمية)، حتّى إذا لم يجده نبَذَ الدّين جملة وتفصيلا!
لذلك وجب التواضع لله العليّ، وتفويض الأمر له، وعدم التعجرف بفُتات العلوم عليه وهو العليم الخبير، حتى يتبيّن المراد من وحيه. كي لا نكون كمن قال الله تعالى فيهم: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم) ذلك العلم البدائي الهزيل مقارنة بالعلوم المعاصرة، ومع ذلك كان عندهم إحساس وَاهم بالتفوّق على وَحْي المرسلين حَمَلهم على إنكار غيبياتٍ بعلمهم الماديّ! كما فعل بشكل أو آخر ذلك المؤمن الفرح بعلمه فألصق "المادّي بالغيبيّ تعسّفا" لدرجة لا يرضى فيها بحرف أو كلمة من القرآن خاليان من شكل من أشكال الإعجاز العلميّ !!
حسن خالديّ بتصرف بسيط
مقالات ذات صلة:
ماذا نفعل لو تناقض القرآن والعلم؟
من نقدم على من العقل أم النقل؟
تعارض القطعيات كالعلوم والدين والعقل والدين
هناك فرق بين التفسير العلمي والاعجاز العلمي...فالتفسير العلمي لا يرى بأسا من الاستعانة بالنظريات العلمية في توضيح وتفسير الٱيات الكونية.. .واذا ما تطور العلم وكشف عن خطأ هذه النظريات فهذا يعتبر خطأ المفسر وحده ولا ينسحب الخطأ على النص الديني الي يبقى مقدسا ومتعاليا !!! اما الاعجاز العلمي فهو لا يستند الا على الحقاىق العلمية الثابتة والنهائية والقطعية والتي لا يمكن ان تتبدل مع مرور الزمن ..ومثل هذه الحقائق موجودة كثيرا في مختلف فروع المعرفة ..وهذا الاعجاز حقيقة لا يستطيع عاقل ان ينكرها لانها مسلمة وحقيقة ثابتة في بنية النص الديني..
ردحذف..الاعجاز العلمي معناه سبق القرٱن لذكر حقائق علمية لم يكن بمستطاع السقف العلمي لعصر نزول القرٱن أن يصل إليها!!! وبذلك يثبت علميا أن القرٱن كلام الله!!! وهذا ما لا يفقهه كثير من الباحثين ويغالطون لتجنبه وأنكاره....ثم ان الاعجاز العلمي له علماؤه الباحثون سواء علماء الكونيات أو علماء الشرع..وله مؤتمراته العلمية العالمية التي يحضرها باحثون اجنبيون من مختلف التخصصات لعرض بحوثهم....وغالبا ما تنتهي هذه المؤتمرات بإسلام عدد من العلماء نتيجة ما وقفوا عليه من إعجاز علمي في القرٱن والسنة ...ويمكن أن أذكر لك العشرات من هؤلاء الذين أسلموا في العقود الأخيرة... ولا ننس أن الاعجاز يشكل بعبع الملحدين وهو من أفضل الطرق للدعوة إلى الله في عصرنا الذي لا يؤمن الا بالعلم...
فمعجزة الانبياء تكون من جنس ما برع فيه القوم...حتى يكون عجزهم واضحا لا غبار عليه...لذلك برع قوم موسى بالسحر فجاءت معجزة موسى عصا تلقف ما يأفكون... وتبين للناس أن ما جاء به موسى أعظم من السحر وخارج عن طبيعته..وبرع قوم عيسى في الطب..فجاء عيسى بما لا يقدر عليه الطب...بإحياء الموتى وخلق الطير من الطين ...وبرع قوم النبي صلى الله عليه وسلم....بفن البلاغة والفصاحة..فكانت معجزة الرسول قرٱنا يتحدى بفصاحته وبلاغته ما ابدعوه من فنون القول حتى يتيقنوا من مصدره الغيبي ...لكن القرٱن الكريم معجزة لكل الناس والعصور إلى قيام الساعة...فاقتضت حكمة الله تعالى أن يتضمن القرٱن صورا من الاعجاز تتناسب مع ما برع وتفنن فيه كل الأجيال وحسب سقفهم العلمي والمعرفي...فكان الاعجاز العلمي والاعجاز العددي والرقمي و الاعجاز الإخباري ..الخ حتى يتيقن الناس في كل عصر أن هذا القرٱن لا يمكن أن يكون كلام بشر..وسيظل القرٱن يتحدى العصور المستقبلية بكل ما ستأتي به معارفها وإبداعاتها وستتجدد صور إعجازه بما يتلاءم مع معطياتهم العلمية...(سنريهم ٱياتنا في الٱفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم ( اي الكفار)أنه ( اي القرٱن) الحق..)..(وقل الحمد لله سيريكم ٱياته فتعرفونها) وها نحن نعرف بعض ٱياته!!( لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون)..
أعطيني مثالُا واحدًا فقط مثبتا بالدليل للتالي:
حذفمعجزة علمية مثبتة بالدليل القطعي
عالمًا غربيًا واحدًا أسلم بسبب معجزة علمية