الخميس، 20 سبتمبر 2018

هل القرآن جاء ليكون كتاب علم؟ (سيد قطب)

"القرآن قد جاء لما هو أكبر من تلك المعلومات الجزئية. ولم يجيء ليكون كتاب علم فلكي أو كيماوي أو طبي.. كما يحاول بعض المتحمسين له أن يلتمسوا فيه هذه العلوم، أو كما يحاول بعض الطاعنين فيه أن يتلمسوا مخالفاته لهذه العلوم! إن كلتا المحاولتين دليل على سوء الإدراك لطبيعة هذا الكتاب ووظيفته ومجال عمله. إن مجاله هو النفس الإنسانية والحياة الإنسانية. وإن وظيفته أن ينشئ تصوراً عاماً للوجود وارتباطه بخالقه، ولوضع الإنسان في هذا الوجود وارتباطه بربه وأن يقيم على أساس هذا التصور نظاما للحياة يسمح للإنسان أن يستخدم كل طاقاته.. ومن بينها طاقته العقلية، التي تقوم هي بعد تنشئتها على استقامة، وإطلاق المجال لها لتعمل- بالبحث العلمي- في الحدود المتاحة للإنسان- وبالتجريب والتطبيق، وتصل إلى ما تصل إليه من نتائج، ليست نهائية ولا مطلقة بطبيعة الحال.

إن مادة القرآن التي يعمل فيها هي الإنسان ذاته: تصوره واعتقاده، ومشاعره ومفهوماته، وسلوكه وأعماله، وروابطه وعلاقاته.. أما العلوم المادية، والإبداع في عالم المادة بشتى وسائله وصنوفه، فهي موكولة إلى عقل الإنسان وتجاربه وكشوفه وفروضه ونظرياته. بما أنها أساس خلافته في الأرض، وبما أنه مهيأ لها بطبيعة تكوينه..

والقرآن يصحح له فطرته كي لا تنحرف ولا تفسد، ويصحح له النظام الذي يعيش فيه كي يسمح له باستخدام طاقاته الموهوبة له ويزوده بالتصور العام لطبيعة الكون وارتباطه بخالقه، وتناسق تكوينه، وطبيعة العلاقة القائمة بين أجزائه- وهو أي الإنسان أحد أجزائه- ثم يدع له أن يعمل في إدراك الجزئيات والانتفاع بها في خلافته.. ولا يعطيه تفصيلات لأن معرفة هذه التفصيلات جزء من عمله الذاتي.

وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن، الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه، وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها.. كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه! إن القرآن كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها.. لأنه هو الإنسان ذاته الذي يكشف هذه المعلومات وينتفع بها.. والبحث والتجريب والتطبيق من خواص العقل في الإنسان. والقرآن يعالج بناء هذا الإنسان نفسه. بناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره".

سيد قطب



طالع أيضا: (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) هل تفيد الشمول؟ هل القرآن يحتوي على كل شيء؟

هناك تعليق واحد:

  1. هناك فرق بين التفسير العلمي والاعجاز العلمي...فالتفسير العلمي لا يرى بأسا من الاستعانة بالنظريات العلمية في توضيح وتفسير الٱيات الكونية.... .واذا ما تطور العلم وكشف عن خطأ هذه النظريات فهذا يعتبر خطأ المفسر وحده ولا ينسحب الخطأ على النص الديني الي يبقى مقدسا ومتعاليا !!! اما الاعجاز العلمي فهو لا يستند الا على الحقاىق العلمية الثابتة والنهائية والقطعية والتي لا يمكن ان تتبدل مع مرور الزمن ..ومثل هذه الحقائق موجودة كثيرا في مختلف فروع المعرفة ..وهذا الاعجاز حقيقة لا يستطيع عاقل ان ينكرها لانها مسلمة وحقيقة ثابتة في بنية النص الديني..
    ..الاعجاز العلمي معناه سبق القرٱن لذكر حقائق علمية لم يكن بمستطاع السقف العلمي لعصر نزول القرٱن أن يصل إليها!!! وبذلك يثبت علميا أن القرٱن كلام الله!!! وهذا ما لا يفقهه كثير من الباحثين ويغالطون لتجنبه وأنكاره....ثم ان الاعجاز العلمي له علماؤه الباحثون سواء علماء الكونيات أو علماء الشرع..وله مؤتمراته العلمية العالمية التي يحضرها باحثون اجنبيون من مختلف التخصصات لعرض بحوثهم....وغالبا ما تنتهي هذه المؤتمرات بإسلام عدد من العلماء نتيجة ما وقفوا عليه من إعجاز علمي في القرٱن والسنة ...ويمكن أن أذكر لك العشرات من هؤلاء الذين أسلموا في العقود الأخيرة... ولا ننس أن الاعجاز يشكل بعبع الملحدين وهو من أفضل الطرق للدعوة إلى الله في عصرنا الذي لا يؤمن الا بالعلم...
    فمعجزة الانبياء تكون من جنس ما برع فيه القوم...حتى يكون عجزهم واضحا لا غبار عليه...لذلك برع قوم موسى بالسحر فجاءت معجزة موسى عصا تلقف ما يأفكون... وتبين للناس أن ما جاء به موسى أعظم من السحر وخارج عن طبيعته..وبرع قوم عيسى في الطب..فجاء عيسى بما لا يقدر عليه الطب...بإحياء الموتى وخلق الطير من الطين ...وبرع قوم النبي صلى الله عليه وسلم....بفن البلاغة والفصاحة..فكانت معجزة الرسول قرٱنا يتحدى بفصاحته وبلاغته ما ابدعوه من فنون القول حتى يتيقنوا من مصدره الغيبي ...لكن القرٱن الكريم معجزة لكل الناس والعصور إلى قيام الساعة...فاقتضت حكمة الله تعالى أن يتضمن القرٱن صورا من الاعجاز تتناسب مع ما برع وتفنن فيه كل الأجيال وحسب سقفهم العلمي والمعرفي...فكان الاعجاز العلمي والاعجاز العددي والرقمي و الاعجاز الإخباري ..الخ حتى يتيقن الناس في كل عصر أن هذا القرٱن لا يمكن أن يكون كلام بشر..وسيظل القرٱن يتحدى العصور المستقبلية بكل ما ستأتي به معارفها وإبداعاتها وستتجدد صور إعجازه بما يتلاءم مع معطياتهم العلمية...(سنريهم ٱياتنا في الٱفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم ( اي الكفار)أنه ( اي القرٱن) الحق..)..(وقل الحمد لله سيريكم ٱياته فتعرفونها) وها نحن نعرف بعض ٱياته!!( لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون)..

    ردحذف

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: