من الأفكار المنتشرة بكثرة عند بعض المسلمين هي فكرة شمولية النص القرآني أو الديني، وبأنه لا يوجد أمر إلا وتم تفصيله في كتاب الله... ويتم الاستدلال بقوله تعالى:
محمد عمارة: الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية ص59 |
اقتباس لمحمد عبده من كتاب الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية لمحمد عمارة |
(...وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل 89).
فاستدل بها البعض على أن في القرآن كل علم سابق أو لاحق من علوم بشرية أو غيرها!
هذا التفسير الحرفي للآية يوقعنا في مأزق مماثل لتفسير حرفي لآية أخرى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات 49). حيث فسَّرها البعض بأن كل الكائنات الحيَّة تحتوي على جنسين، وذهبوا لحد اعتبار هذه الآية "معجزة علمية"... للأسف الشديد يكذب العلم قولهم، حيث نعرف على وجه اليقين بوجود كائنات حية لا تحتوي على جنسين، وقد فصَّلنا الرد بخصوص هذه المسألة بالذات (هنا).
والحقيقة التي يجهلها البعض، هي بأن هذه الآيات لها تفاسير متعددة، وبأن صيغة "كل شيء" يُمكن أن نفهم منها الشمولية، ويُمكن أيضا أن لا تكون تفيد الشمولية والعموم، وأن تكون من بين العام الذي يراد به الخاص.
"ويكون المراد بقوله تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ من كل شيء يقبل ذلك، كقوله تعالى في الريح التي سلطها على عاد: ُتدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا أي كل شيء يقبل التدمير، فقد خرج من دلالة الآية السماء والأرض وأمور كثيرة، كما هو معلوم بالحس" (موقع إسلام ويب – الرابط أسفل المقال)
كما نرى من الاقتباس، بأن كلمة "كل شيء" تعميمية لكنها لا تقصد "كل شيء" بالمعنى الحرفي للكلمة. فالآية قالت بأن الريح تدمر كل شيء، لكن نعرف يقينا بأن هناك أشياء لا تستطيع الريح تدميرها، فلا توجد ريح تدمر الجبال مثلًا... وتؤيد هذا الآية:
(تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)
دمرت كل شيء، لكن مساكنهم بقيت بنص الآية.
وهناك آية أخرى ربما هي أقرب من الناحية الدلالية لآية (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ)، وهي:
(وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين)
"أما قوله: (من كل شيء) فلا شبهة فيه أنه ليس على العموم، بل المراد من كل ما يحتاج إليه موسى وقومه في دينهم من الحلال والحرام والمحاسن والمقابح)." (موقع إسلام ويب – الرابط أسفل المقال)
"وقد كان بعض المفسرين القدامى يتأول هذه الصيغة: "كل شيء" بأن المراد بها "الأغلبية" وليست على ظاهرها" (القرضاوي في كتاب العقل والعلم في القرآن الكريم)
يمكننا بناء على ذلك بأن نفهم بأن الآية قد تكون تتحدث عن "كل شيء" يخص مجال العقيدة الإسلامية مما يحتاجه المسلم، فليس من المنطقي أن نحمل القرآن ما لا يحتمله من معاني ونعتبر بأن الآية تشمل كل معارف البشر المادية أو الاجتماعية أو غيرها... بل لماذا يحثنا الإسلام على البحث والمعرفة، إن كان كل شيء موجودًا في القرآن والحمد لله؟!
أمثلة أخرى من القرآن تستخدم "كل شيء" لكن لا تعنيها بمعنى شمولي:
(ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ)
طبعا لا يوجد كتاب يحتوي تفاصيل كل شيء
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا)
(إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ)
فاستدل بها البعض على أن في القرآن كل علم سابق أو لاحق من علوم بشرية أو غيرها!
هذا التفسير الحرفي للآية يوقعنا في مأزق مماثل لتفسير حرفي لآية أخرى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات 49). حيث فسَّرها البعض بأن كل الكائنات الحيَّة تحتوي على جنسين، وذهبوا لحد اعتبار هذه الآية "معجزة علمية"... للأسف الشديد يكذب العلم قولهم، حيث نعرف على وجه اليقين بوجود كائنات حية لا تحتوي على جنسين، وقد فصَّلنا الرد بخصوص هذه المسألة بالذات (هنا).
والحقيقة التي يجهلها البعض، هي بأن هذه الآيات لها تفاسير متعددة، وبأن صيغة "كل شيء" يُمكن أن نفهم منها الشمولية، ويُمكن أيضا أن لا تكون تفيد الشمولية والعموم، وأن تكون من بين العام الذي يراد به الخاص.
"ويكون المراد بقوله تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ من كل شيء يقبل ذلك، كقوله تعالى في الريح التي سلطها على عاد: ُتدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا أي كل شيء يقبل التدمير، فقد خرج من دلالة الآية السماء والأرض وأمور كثيرة، كما هو معلوم بالحس" (موقع إسلام ويب – الرابط أسفل المقال)
كما نرى من الاقتباس، بأن كلمة "كل شيء" تعميمية لكنها لا تقصد "كل شيء" بالمعنى الحرفي للكلمة. فالآية قالت بأن الريح تدمر كل شيء، لكن نعرف يقينا بأن هناك أشياء لا تستطيع الريح تدميرها، فلا توجد ريح تدمر الجبال مثلًا... وتؤيد هذا الآية:
(تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)
دمرت كل شيء، لكن مساكنهم بقيت بنص الآية.
وهناك آية أخرى ربما هي أقرب من الناحية الدلالية لآية (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ)، وهي:
(وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين)
"أما قوله: (من كل شيء) فلا شبهة فيه أنه ليس على العموم، بل المراد من كل ما يحتاج إليه موسى وقومه في دينهم من الحلال والحرام والمحاسن والمقابح)." (موقع إسلام ويب – الرابط أسفل المقال)
"وقد كان بعض المفسرين القدامى يتأول هذه الصيغة: "كل شيء" بأن المراد بها "الأغلبية" وليست على ظاهرها" (القرضاوي في كتاب العقل والعلم في القرآن الكريم)
يمكننا بناء على ذلك بأن نفهم بأن الآية قد تكون تتحدث عن "كل شيء" يخص مجال العقيدة الإسلامية مما يحتاجه المسلم، فليس من المنطقي أن نحمل القرآن ما لا يحتمله من معاني ونعتبر بأن الآية تشمل كل معارف البشر المادية أو الاجتماعية أو غيرها... بل لماذا يحثنا الإسلام على البحث والمعرفة، إن كان كل شيء موجودًا في القرآن والحمد لله؟!
أمثلة أخرى من القرآن تستخدم "كل شيء" لكن لا تعنيها بمعنى شمولي:
(ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ)
طبعا لا يوجد كتاب يحتوي تفاصيل كل شيء
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا)
(إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ)
"وإني
لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن، الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس
منه، وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم
الطب والكيمياء والفلك وما إليها.. كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه! إن القرآن
كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها.. لأنه هو الإنسان
ذاته الذي يكشف هذه المعلومات وينتفع بها.. والبحث والتجريب والتطبيق من
خواص العقل في الإنسان. والقرآن يعالج بناء هذا الإنسان نفسه. بناء شخصيته
وضميره وعقله وتفكيره". (3)
هذا والله أعلم.
طالع أيضا: هل كل الكائنات الحية فيها جنسين؟
هوامش:
(1) http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=34953
(2) http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=2586&idto=2586&bk_no=132&ID=923
(3) سيد قطب (المقال كاملًا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق