الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

من الأصول العقلية لمعرفة الدين الحق

0

لم تزل مسألة العلاقة بين العقل والدين محل نظر علماء الكلام والفلاسفة؛ على اختلاف نحلهم ومذاهبهم منذ العهود الأولى للإسلام. ولم يزل البحث قائما عن أقوى الأدلة في الدلالة على وجود الخالق ووحدانيته، وعلى صدق النبوة والوحي.

وليس المقام هنا مقام بيان لهذه الأدلة وتفصيل لها. فذاك أمر يطول ذكره. ولا يستدعي السياق بسط القول فيها. إذ إننا بين يدي رسالة؛ تحمل أسئلة وشكوكا تعرض في فهم الدين عموما والإسلام خصوصا. ولا تكاد تمس بالبراهين الأساسية الدالة على فكرة الإله ووحدانيته وصدق النبوة عموما، ونبوة محمد خصوصا.

كما أن ما تحمله من تصورات عن العقل وطرق المعرفة واليقين؛ بحاجة لكثير من النظر والمراجعة. لما يلزم منها من محاكمة للدين من خلال مقدمات، يظن أنها عقلية وهي ليست كذلك.

ولا بد قبل الشروع في مناقشة ما جاء في هذه الرسالة من بيان أنها تحتوي على كثير من التفاصيل التي تستدعي النظر والمناقشة. ولكننا سنحاول التركيز على الحجج الأساسية التي تقوم عليها، والتي تدور في معظمها حول الشك (أو التشكيك) في صدق محمد، واعتبار الإسلام دين الحق، وإن كانت مقدمة الرسالة توحي بالتشكك في فكرة الدين عموما.


مشكلة اليقين
نحن بحاجة إلى أدلة ناصعة واضحة لا يختلف فيها اثنان ولا يمكن إنكارها. أن الأدلة الحسية "المعجزات المادية"؛ هي أقوى الأدلة على صدق نبوة النبي.

وبناء على هذا التصور فإن اختلاف الناس في صدق الدين (وهو هنا الإسلام)، وافتقاد رسول الله محمد إلى المعجزات الحسية، يعني أن دين الإسلام لا يقوم على أدلة يقينية كافية للإيمان به.

وفي مناقشة هذا التصور، لا بد من التمييز بين درجات العلم ومراتبه، كما شرحها علماء المنطق والمتكلمون والفلاسفة. إذ ميزوا بين نوعين من العلم:

- العلم الضروري الذي يلزم الإنسان باضطرار لا يمكنه دفعه أو إنكاره ولا يختلف فيه اثنان عاقلان. وينطبق هذا النوع من العلم على البديهيات والحدسيات والحسيات.

- والعلم الاستدلالي وهو الذي يستند إلى مقدمات بديهية أو حسية أو عقلية، ويركب منها نتائج تختلف عن هذه المقدمات، وتكون نتائجه محل نظر وفكر وقابلة للنقاش والرد. وقد تكون هذه النتائج يقينية، وقد لا ترقى لدرجة اليقين فتكون ظنية.

وعلى هذا، فهل يجب أن يكون العلم بصدق دين ما ضروريا؛ بحيث لا يمكن أن ينكره منكر أو يجحده عاقل؟ وهل يصح أن تكون أدلة صدق الدين بحيث يمكن أن يختلف فيها وينكرها منكر؟ ثم ما أثر وجود الإنكار والاختلاف على حقيقة هذه الأدلة وصدق الدين؟

لم يختلف أحد من علماء المسلمين وغيرهم في أن العلم بنفس محمد، وأنه كان بمكة وادعى النبوة، وأنه تحدى الناس بالقرآن دلالة على نبوته، من باب العلم الضروري الذي لا مجال لإنكاره أو جحده. كما لا يمكن إنكار وجود مدينة في الجزيرة العربية اسمها مكة، حتى ولو لم نر هذه المدينة أو نذهب إليها.

أما العلم بأن ما جاء به هذا النبي يعد دلالة كافية على صدق دعوته ورسالته. فهذا أمر نظري يدخل في باب العلم الاستدلالي القابل للأخذ والرد، حتى وإن كانت نتائجه قطعية يقينية.

وفي هذا السياق، لابد من التنبه لقاعدة مهمة: "لا يمتنع فيمن يعرف الشيء أن يلتبس عليه الطريق الذي به يعرفه"(1). إذ نجد كثيرا من الناس يظنون فيما يعلمونه بعقولهم أنه معلوم بالسمع. وفيما يعلمونه باضطرار أنه معلوم باكتساب واستدلال.

أما قضية وجود الإنكار والاختلاف في أدلة صدق الدين، وما يراه البعض في ذلك من خدش لنصاعة الدين ولأدلته المثبتة لصدقه وقطعيته. فإن ذلك مبني أيضا على تصور غير صحيح عن أصول المعرفة وقواعدها.

ذلك أن أحدا لا يمكنه خلق العلم في الغير. كما يمكن أن يخلق في لسانه الاعتراف. وإنما يمكنه التنبيه لكي يعرف. ثم إن الغرض الأصلي هو المعرفة. وليس الاعتراف أو الإنكار. فقد يصدق الدين ويؤمن به من لا يعرفه المعرفة الاستدلالية اليقينية من العوام والمقلدين. وقد ينكر المشاهدات والمعلومات بالضرورة منكر ما.

ولكن المعرفة في الحالتين قائمة. ولا يؤثر فيها إنكار منكر أو اعتراف معترف. وعلى هذا "لا تأثير للدعاوى الباطلة في الأمور الثابتة"(2). كما لا تأثير لدعاوى السوفسطائية في إثبات العقل والوجود وغيرها من الضروريات.


الأدلة الحسية "المعجزات المادية"
يظن كثير من الناس أن المعجزات المادية من الأدلة القاطعة، التي تلزم العلم الضروري لمشاهدها، بحيث يضطر إلى التصديق بها. وعليه فهي الطريق الأمثل لإثبات صدق النبوة ومعرفة النبي.

ولكن العلم الحاصل عن شهود المعجزات -في حقيقة الأمر- لا يخرج عن كونه علما استدلاليا غير ضروري. ذلك أن المعجزة تعترضها احتمالات عقلية مختلفة بالنسبة لشاهدها، وبالنسبة لمتلقي خبرها.

فهي بالنسبة لشاهدها قد تكون ضربا من السحر، أو التأثير النفسي، أو الخدع البصرية. ويزداد احتمال هذا النوع من التفكير عند من لا يعلم السحر وحدوده وإمكاناته. وهذا يفسر لنا وجه إصرار القرآن بشدة على رفض تقديم معجزات حسية للكفار؛ لأنهم ليسوا بأهل سحر يعرفون حدوده وإمكاناته، وما يميزه عن المعجزة الخارقة للعادة، الخارجة عن طاقة أي إنسان. يقول تعالى: {وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر}.

ولكي تثبت هذه المعجزات لدى من يحتاج لأدلة أخرى، فإن ذلك يتطلب العلم الضروري بحدوثها. وإن كان لبعض علماء التاريخ المحدثين والأنتربولوجين تأويل لهذه الأخبار. يضعونها في سياق الأساطير الدينية والخيال الشعبي.

لهذا يشير القرآن بعد ذكره مطالبة الكفار الرسول بالآيات الحسية، إلى الأدلة الأقوى والأبقى على صدق الدين. وكأنه بذلك يؤكد الطابع الاستدلالي للآيات الحسية القابلة للجدل، ويصرف الذهن عنها إلى الآيات الكونية الدالة على وجود الخالق.

ولكن ما سر كل هذا التأكيد على اليقينية والنصاعة المطلقة لأدلة صدق الدين، ونفي المخالف والمنكر؟ هل يراد من ذلك أن يجعل العلم بالدين علما ضروريا لا يمكن لأحد جحده أو إنكاره. إذن لكان كل جاحد أو منكر له معدودا في إطار المجانين. ولارتفع بذلك التكليف أساسا ولم يبق له من مبرر!. يقول تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس: 99)(3).

ثم هناك تصور لا أصل له يقوم في أذهان بعض الناس وهو أن الله قد ترصد من لم يصل إلى الحقيقة بعذاب شديد في الآخرة. وهذه فكرة لا أساس لها من الصحة: بل عكسها هو الصحيح. فكل من أخلص في نفسه البحث عن الحقيقة، وبذل في ذلك جهده فإنه لا بد مثاب من عند الله. بغض النظر عن وصوله إلى الحقيقة من عدمها حتى ولو كانت هذه الحقيقة هي الإسلام نفسه.

ولا يمثل واقع المؤمنين أي دليل على أحقية دين ما أو بطلانه. فليس تقدم مجتمع ما دليلا على أن الدين الذي يعتنقه صحيح وحق، والعكس بالعكس. فليس هناك أي رابط تفسيري أو عقدي بين الأمرين. بل إن القرآن يربط ذلك باتباع سنن الله في عمارة الكون: {كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً}. ولا يعد التقدم والتفوق المادي خصيصة أو مزية من مزايا الأمة المؤمنة على سواها.

 

الدين والعقل
إن معظم الشبهات التي تقوم في مواجهة الإسلام، والتي جاءت الرسالة على ذكر طرف منها، تقوم على قاعدة أو تصور جاء ذكره فيها وهو: "أن النظريات والحقائق العلمية دائما يكفي لإبطالها نقيض واحد، وكذلك الدين". ولكن هذا التصور غير صحيح لأمرين:

الأول: أن علماء الطبيعة لا يعترفون بهذه القاعدة ولا يتبعونها. بل إن الحقيقة العلمية تبقى كذلك حتى يطرد في نظرهم خلافها. أما أن توجد ظاهرة واحدة مخالفة فإن ذلك غير كاف لنقض الحقيقة. ولكنهم ينطلقون يبحثون عن العناصر المجهولة التي تفسر هذه الظاهرة دون أن تكون ناقضة لأصل الحقيقة.

ومن جهة أخرى، فإن الدين لا يقاس هنا على الحقائق العلمية. ذلك أن محل المخالفة المفترضة فيه؛ لا توجد إلا في إطار نصي. وهذا الإطار النصي قابل لتفسيرات وتأويلات مختلفة، توافق الأصول العامة للدين، ولا تستدعي الاعتقاد بنقض الدين من أساسه.

ثم إنه إذا ثبت فيما سبق أن الاستدلال العقلي هو طريق معرفة صدق النبي والدين الحق. وتوصل الإنسان من خلاله إلى التأكد من صدق نبي الإسلام وصحة دعوته. ثم تراءى له بعد ذلك أن أمورا موجودة في دين الإسلام تخالف العقل من حيث:

- التناقض في داخل الدين.

- اختلاف الدين مع الحقائق العلمية.

فما أثر ذلك على إيمانه بجملة الدين؟ هل يدفعه ذلك لإعادة النظر في صدق هذا الدين والتشكيك فيه؟ هنا لا بد لنا من العودة إلى أحد أصول التفكير المنطقي التي تقوم على: "أن أدلة العقول لا يمكن أن تتصادم".

بمعنى أنه إذا توصل العقل إلى إثبات حقيقة ما مثل الجاذبية الأرضية. فإن حصول ظواهر أخرى تخالف هذه الحقيقة لا ينكرها. ولكنه يدفعنا إلى النظر في تفسير هذه الظواهر المستجدة، ومحاولة فهمها.

وبناء على هذا إذا ثبت لدى المرء صدق الدين بالأدلة الكافية الوافية؛ فإنه سيجعل ذلك حكما فيما يأتيه عنه من أخبار وأحاديث. أي أن الأصل موافقة تفاصيل الدين لجملته وأصله، وأي تفصيل أو فرع يتصور خلافه له فلابد من النظر فيه:

- برده ونفي وجوده أساسا (تضعيف الخبر).

- بتأويله بما يتوافق مع أصول الدين.

لا بد من العلم بأن الأحاديث التي تخالف أصول الدين والثابت بالقرآن، مؤولة أو مردودة. فلا خلاف عند جميع العقلاء على أن القطعي مقدم على الظني، وأن المتواتر مقدم على الآحاد.

أما ما يقال عن التأويلات الجاهزة لمشكل الآيات أو الأحاديث؛ فهي لم تصبح جاهزة إلا بعد أن اشتغل بها العلماء منذ قرون بعيدة. وهو وصف ينطبق على الإشكالات المطروحة نفسها. إذ يصح وصفها بأنها إشكالات جاهزة. فقد كررها الطاعنون في الإسلام منذ زمن طويل ولا يزالون.


الإسلام وغيره من الأديان

يثور كثيرا هذا التساؤل: هل الإسلام دين راعٍ للبشر جميعا حريص عليهم؟. لقد تميز الإسلام بأنه رسالة عامة للبشر كافة على اختلاف أجناسهم وألوانهم وعروقهم وأصولهم. وذلك على خلاف أديان سابقة جاءت خاصة لقوم أو قبيلة أو عرق أو نحو ذلك من الأطر الخاصة.

ولا يمكن لعاقل يعرف الإسلام أن يقول إن الإسلام غير حريص على هداية البشر كافة إلى طريق الرشاد، وآيات القرآن في ذلك أكثر من أن تحصى. هذا من ناحية أصل الدعوة وأساسها.

أما من ناحية الأحكام التشريعية الخاصة بمعاملة غير المسلمين فهي لا تخرج عن المقاصد الكلية التي جاء بها الإسلام. من حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر وحرمة الدم والمال على المسالمين والمعاهدين. ولا يمكن التعامل مع النصوص التي تتصل بهذه المسائل بشكل انتقائي اجتزائي. بل لا بد من نظرة كلية تشمل جميع النصوص المتصلة بالموضوع.

أما من تجاوز ونقض عهده وذمته فلا يمكن القول إنه ينبغي غض الطرف عنه ومسامحته باعتبار أن الإسلام دين مسالم!. والقتال الذي يصور على أنه إرغام للناس على دخول الدين إنما شُرع أساسا لضمان حرية الناس في اتباع الأديان التي يختارونها طوعا: {ولولا دفع الله الناس}.

وليس التاريخ الإسلامي حجة على الإسلام في شيء. فقد وجدت فيه صفحات مضيئة شاهدة بالعدل والمساواة. كما وجدت فيه صفحات أخرى معتمة خرج فيها الحكام والأمراء عن أحكام الإسلام واتبعوا أهوائهم.

ثم إنه لا يمكن نسبة كل ما فعله اليهود أو المسيحيون في تاريخهم من فظائع إلى أديانهم. وإلا قلنا إن المسيحية دين الحرب والقتل؛ بالرغم من أن نصوصا في الإنجيل تطالب بتطبيق أقصى درجات التسامح والعفو عن الظالمين.


==
الهوامش:

(1) القاضي عبد الجبار، المغني، مجلد 16.

(2) كما أن وجود علماء مسلمين يحملون معتقدات تخالف الحقائق العلمية لا يبرر تحميل الدين تبعة آرائهم. وهم بأي حال قلة شاذة بل نادرة.

(3) ورد ذكر هذه الآية بعد الآيات التي ترفض مطالبة الرسول بالمعجزات الحسية.


بقلم سامر رشواني (اضغط هنا)
اقرأ المزيد »

الاثنين، 16 ديسمبر 2013

سورة يس وعلاج النسيان المذهل

0

الادعاء: سورة يس علاج مذهل للنسيان

حقيقة الادعاء: الكلام خاطئ

نص الادعاء الأصلي:
 


الرد المفصل على الادعاء:

* الحديث المذكور ضعيف.

* لم نجد أي ذكر للبحث العلمي الموجود في هذا الادعاء في المجلات والمواقع العلمية المعتبرة.

* وأخيرا لا يوجد ما يُسمى بـ "الإعجاز الحرفي الذبذبي" وهو استهزاء بالمسلمين بدراسات وهمية لا مصادر لها.


المصادر:

http://islamqa.info/ar/ref/654
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=180029
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=283454
http://www.saaid.net/bahoth/29.htm
http://www.saaid.net/bahoth/29.htm
http://www.khayma.com/da3wah/68.html
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=108602
http://www.khaledabdelalim.com/home/play-3826.html


اقرأ المزيد »

الجمعة، 13 ديسمبر 2013

هل توجد مواد من الخنزير في البيبسي والكوكاكولا؟

0

الادعاء: المشروبات الغازية تحتوي على الخنزير

حقيقة الادعاء: ادعاء لا دليل عليه

  نص الادعاء:

 

الرد المفصل على الادعاء:

هل البيبسي والكوكاكولا يحتويان على مادة البيبسين التي يتم استخلاصها من أمعاء الخنزير؟ 

لم أجد هذه المادة في قائمة محتويات هذه المشروبات. وبحثت ولم أجد مصدرًا موثوقا يذكر هذه المعلومة سوى منتديات أو مواقع إجتماعية، وبالتالي يبقى هذا الخبر إشاعة إلى أن يوجد الدليل. والأصل في الأشياء الإباحة لا التحريم. 

وعلى كل حال لا أنصح بالإكثار من شرب هذه المشروبات، إذ أنها مضرة جدا بالصحة، طالعوا عن أضرارها، ولا أظن أنكم ستحبون شربها بعد ذلك... 



المصادر:

http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&lang=A&Id=68986


http://www.worldvegfest.org/index.php/other-ingredients



 
اقرأ المزيد »

الخميس، 12 ديسمبر 2013

هل يحق للعقل الحكم على شعائر الدين؟

0

قلت له: إننا نكتب لغتنا العربية من اليمين إلى اليسار، والأوروبيون يكتبون لغاتهم من اليسار إلى اليمين فما صلة العقل بذلك؟

قال: هذه أشياء تواضع الناس عليها ولا صلة للعقل بها.

قلت: يكفيني ذلك في إجابتك.

هناك أشياء يرفضها العقل حتما، وهذه يستحيل أن تكون دينا، ولا حقائق ولا مراسم.

وهناك أشياء لا دخل للعقل فيها لا سلبا ولا إيجابا.

إن الإنجليز يلتزمون السير شمالا وغيرهم يلتزم السير يمينا وهؤلاء وأولئك لا يوصفون بحمق ولا ذكاء.

فإذا وضع الدين صور العبادات ركوعا وسجودا في الصلاة، وطوافا بالبيت العتيق في الحج، وامتناعا عن الشهوات من الفجر إلى الغروب في الصوم فلا توصف هذه العبادات بأنها مخالفة للعقل.

وقد وضع الدين ضوابط كثيرة لشرائعه ولم يترك هذه الأوضاع لكل ذوق حتى لا تشيع الفوضى.


محمد الغزالي: علل وأدوية
 



إن الإيمان نصفان: نصف عقل، ونصف نقل!! وقد يُعذَر من لم يبلغه النقل، أما من جحد عقله وسفه نفسه فلا عذر له!.

قال لي صديقي: ماذا تعني؟ قلت له: سبق أن شرحت أني أعرف ربي بعقلي، إن قلبي ينبض بانتظام بين جوانحي، من يحركه؟ أنا؟ أنت؟ ما يحركه إلا الله!.

إن الأولاد يتكونون في بطون أمهاتهم على نحو رائع، من يصنع المخ والحواس وسائر الأجهزة والأعضاء؟ المرأة؟ الرجل؟ من إلا الله؟ إن إنكار الألوهية لون من البهيمية، وما أرى الإلحاد إلا عمًى جديرًا بالاحتقار كله..

فإذا عرفت الله بعقلي فإني لا أعرف كيف أصلي له، وكيف أقوم بحقه، إلا عن طريق نقل من صادق معصوم.

والوحي الصحيح يؤكد المعقولات ويستحيل أن يصادمها، ثم ينشئ عبادات تستريح إليها الفطرة وتتعامل بها مع الله، ومع الناس، فلا تضل ولا تشقى..

عندما حضرت الوفاة الأديب الفرنسي "فكتور هيجو" [*انظر الهامش أسفله] جاءه القس ليشهد ساعته الأخيرة -أو ليغفر له حسب الشعائر الدينية عندهم- وأبى الأديب الكبير أن يستقبله، قائلا: لا حاجة لي بك، إنني أومن بالله وقد تصدقت بمالي..

لقد هزمتني هذه القصة، وشعرت أن هذا الأديب الكبير أقرب إلى الله من كثيرين لقد آمن بعقله، ولم يجئه نقل صحيح يستريح إليه وهو أولى بالله من رجل الدين الذي جاءه!.

وفي أرجاء الدنيا كثيرون من هذا الطراز، أقروا المعقول ورفضوا المنقول، ولهم عذرهم، وقد تحرك هؤلاء في ميادين العلوم الكونية والحيوية والإنسانية، وكانت أيديهم الطولى في صنع التقدم الحضاري الذي نشهده..


محمد الغزالي: الطريق من هنا


*ملاحظة: لا أعلم ما مصدر هذه القصة وصحتها وأين سمعها الشيخ، لكن يهمنا هنا الفكرة التي يريد إيصالها بعيدا عن مصداقية القصة من عدمها.

اقرأ المزيد »

مؤاخذات على الإعجاز العلمي والطب النبوي

0

شيوع مقولة ما وتداولها، ليس حجة أبدا على صحتها، هذا ما ينطبق تماما على مقولتي «الإعجاز العلمي في القرآن، والطب النبوي»، واللتان لا أجدهما تخلوان من خطورة وضرر على الدين كما على العلم على حد سواء..

فكما نعلم جميعا أن الدين مجاله اليقين والإيمان، نعلم أيضا أن العلم مجاله الشك والتجريب، ولذا يكون الإتيان بما يمكن اعتباره إشارات علمية في خطابات قرآنية وعظيه، أو قصصية، لأغراض ليست علمية، وإنما للحث على الإيمان أو التشريع، يكون الإتيان بها إلى حقل العلم وإخضاعها للشك والتجريب، لا يخلو من وقاحة مع الله، إن لم أقل إنه كفر.

فضلا عما يحدثه ذلك من ضرر على إيمان الناس وجعله عرضة للاهتزاز والتبدل وفق إثبات أو نفي العلم لتلك الإشارات، أو بالأصح ما يفهمه الناس منها..

كمؤمن ليس عليك إلا أن تؤمن بآيات الله كما وردت (يقولون آمنا به كل من عند ربنا)، دون الشك فيها، أو السؤال عن حقيقتها العلمية من عدمه، وإن حدث إن كان مؤمنا باحثا في إحدى المجالات العلمية وواجه ما يمكن اعتباره أنه يشابه ما في القرآن من إشارات (كالأطوار الجنينية مثلا) فليدرسها كما هي في مجالها العلمي وفق منهج العلم المتبع، دون الحاجة أو بالأصح الحرص بوعي على عدم استدعاء الإشارات، وهذه قاعدة أساسية ومتبعة لسلامة البحث والمنهج العلمي وتجنيبه تأثيرات القناعات المسبقة، وهذا ما لا يتوفر مع اقتحام العلم من باب (الإعجاز العلمي)..

الحجة الثانية، أنه على مدى التاريخ البشري لم يعلم أن نبيا أتى بأحد الاكتشافات العلمية المعروفة، ولا حتى في روايات الكتب السماوية، فالعلم ليس الغرض من إرسال الأنبياء، وإنما الإيمان، كما أن لغة العلم المجردة والجافة ليست لغة الدين البلاغية والبديعة، ولو أراد الله سبحانه أن يكون الدين محل العلم لأرسل ملحقا إضافيا مع القرآن، مليئا بالنظريات والمعادلات، ولكان أجدى، لكنه لم يفعل، سبحانه وتعالى عما يصفون.

الحجة الثالثة، هي أن إعجاز القرآن الحقيقي هي في قوة حججه، وقدرته على الإقناع الخطابي، مثلا، لإثبات وجود الله وأنه واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد.. وأنه الخالق القدير البديع.. إلخ، لدفع الناس إلى الإيمان به والإسلام له.. والقول أن القرآن في حاجة لإثبات اعجازات علمية، فيه تشكيك خطير في قدرة القرآن على الإقناع، بالحجة والمنطق فقط. وهي بضاعة كل الكتب السماوية و الرسل، (قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم)، أليست هذه الإجابة الخطابية كافية ومقنعة؟! (يحييها الذي أنشأها أول مرة)، هل يحتاج الله هنا لإعجاز علمي لإثبات بدءه للخلق، أو إعادته.. سبحانه وتعالى عما يصفون.

أما عن الطب النبوي، فلا يعلم أبدا أن الطب كان من أغراض الرسالات السماوية، حتى المسيح عيسى ابن مريم وقد حكى القرآن عن إحياءه للموتى وشفاءه للمرضى، مارس الطب كمعجزات ذهبت معه حين توفاه الله ورفعه إليه، ولم يخلف إرثا طبيا معتبرا أو أنه أضاف شيئا ولو يسيرا في خبرة البشرية وتراكمها المعرفي في الطب.

كذلك كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كان نبيا رسولا، ولم يكن الطب غرضا من رسالته قط، إنما كان بشرا من قومه يأكل مما يأكلون ويلبس مما يلبسون، ويستطب كذلك بما يستطبون، وإن كان من جدوى لتلك الأعشاب أو الممارسات العلاجية التي كانوا يستعملونها واستعملها معهم، فبما خبره أسلافهم من تجربتها لمئات السنين، وهم هنا (عرب الجزيرة) لا يختلفون عن أي قوم آخرين في تلك الفترة، بل ربما كان الصينيون أفضل منهم في هذا المجال، ولا علاقة لجدوى تلك الأعشاب أو الممارسات العلاجية [بنبوءة] الرسول، أو الوحي الذي كان يأتيه من ربه، على الإطلاق.

إن كان من استدعاء لتلك الأعشاب والممارسات العلاجية للتطبب في عصرنا الراهن، فلتستدعى مجردة من أي تطبب للنبي بها من عدمه، وإنما كأعشاب وممارسات قديمة كما عند كل الأمم الأخرى، ولتختبر معمليا وتجريبيا لإثبات جدواها من عدمه، أو أضرارها الجانبية، وفق الأسلوب العلمي والصيدلي المتبع في هذا المجال.

تسويق هذه الأعشاب والمتاجرة بها، تحت اسم (نبوي) لا يخلو من غش للناس، وإساءة للرسول الكريم، فهو صلى الله عليه وسلم، ليس لافتة للدعاية والإعلان. فضلا عن ضرر ذلك بالدين والإيمان عند عدم جدواه.. وهو في العادة لا يجدي لما يصرف له، فليس كل المرضى يتفهمون، فإن تتحمل علاجات بشرية نقمة سوء حالاتهم، خير من تحميلها لعلاج تحت اسم النبي أو الوحي أو الله من وراءهما.

لهذه الأسباب التي ذكرت أنا ضد اقتحام العلم والطب من باب الإعجاز العلمي والطب النبوي، فالدين في غنى عنهما، كما لا يضيفان شيئا إلى العلم، ما يفعلانه فقط هو إرباك إيمان المسلمين، وتأخير لحاق عقولهم بالمنهج العلمي، أو التفكير المنطقي السليم، وفي ذلك غش للناس وضرر كبير.

(قل إنما أنا بشر مثلكم، يوحى إلي، أنما إلهكم إله واحد، فمن كان يرجو لقاء ربه، فليعمل عملا صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا).. في هذه الآية حقيقة الرسول، وحقيقة الرسالة أيضا، لمن ألقى السمع وهو شهيد..



بقلم عبدالله دوبله (اضغط هنا)

اقرأ المزيد »

عن إزالة الجبال بالثقة بالله وابن القيم

0

"لو أن أحدهم -أو أحدكم-همّ بإزالة جبل وهو واثق بالله .. لأزاله"

قول منسوب لابن القيم.. نقله أحد الأفاضل، وبعد قليل من البحث وجدت انتشارا له على الشبكة، ولم أجده في أي من كتب القيم، بل وجدت ما يعارض ذلك تماما ويناقضه..

ليست مسألتي الدفاع عن ابن القيم أبدا.. وسأفترض جدلا أنه قال ذلك..

الفكرة هي في كيفية تقبلنا لهذا القول، ووضعنا له علامات الإعجاب والتعليقات من نوع "سبحان الله".. "ونعم بالله"... الخ.

[...] تقبلنا لهذه المقولات يعبر لا عن سوء الفهم للتوكل على الله والثقة به فحسب، ولا عن عدم فهم لسننه فقط أيضا، بل يعبر عن رغبة في إلقاء اللوم على كل فشلنا -الذي لا يحتاج إلى دليل- على جانب واحد فقط من المشكلة وهو "ثقتنا بالله"...

نعم، ثمة مشاكل كالجبال نرزح تحتها، ثمة مشاكل كالجبال يجب أن تزال، لكننا نريد الحل الأسهل من تبرير الفشل، نريد أن نتجنب الطريق الحقيقي إلى إزالة هذه الجبال:

مواجهتها، نسفها، تدميرها، رفعها صخرة صخرة، كل السنن التي تقود إلى ذلك، متوازية مع ثقتنا بمن نسير على سننه وقوانينه...

لكن المواجهة صعبة.. إزالة الجبال صعبة.. تتطلب جهدا.. تتطلب علما ومعرفة، لذا فمن الأفضل أن نعتبر عدم إزالتنا لهذه الجبال مرتبطا بعدم ثقتنا بالله عز وجل، وليس بعدم فعلنا لشيء يؤدي إلى ذلك..

الحل حسب هذه المقولة هو أن نعمل على المزيد من الثقة بالله.. ويتم ذلك غالبا بالمزيد من العبادات والشعائر (بالمعنى الآلي المفرغ من أي أبعاد اجتماعية..) وهكذا ندخل في دائرة مفرغة، وتصير الجبال مثل أورام سرطانية في داخلنا..

ليست المشكلة في أن ابن القيم قال هذه الجملة أو لم يقل..

المشكلة أن تقال دون أن تعد انتهاكا لكل ما علمنا إياه القرآن..


بقلم أحمد خيري العمري، مع تعديلات طفيفة


طالع أيضا:
اقرأ المزيد »

الاثنين، 25 نوفمبر 2013

هل صحيح أن من يتكلم أثناء الآذان لا يستطيع نطق الشهادة؟

0

الادعاء: الذي يتحدث أثناء الأذان لن يستطيع نطق الشهادة

حقيقة الادعاء: ادعاء كاذب


نص الادعاء كاملًا:

 


الرد المفصل على الادعاء:
هنا رد المفتي ننقله لكم كما هو:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذا خطأ محض، ولو افترضنا أن الكلام وقت الأذان محرم، فلا يلزم أن يحرم من يفعله من النطق بالشهادة عند موته، كسائر أنواع الذنوب، ومثل هذا الحكم الغيبي ليس لأحد أن يحكم به دون دليل شرعي، فما بالنا والكلام وقت الأذان ليس بمحرم، ولو لم يمنع صاحبه من متابعة المؤذن في أذانه فليس بمكروه أصلاً، وراجع في حكم الكلام حال الأذان الفتوى رقم: 132784.

والله أعلم.


المصادر: (1)، (2)
اقرأ المزيد »

قصة عن أحب أزواج الرسول (ص)

2

الادعاء: قصة منتشرة عن أحب زوجات الرسول (ص)

حقيقة الادعاء: كذب

النص الأصلي للادعاء:

الرد المفصل للادعاء:

بالبحث والرجوع لموقع الفتوى يتبين لنا بأن القصة موضوعة غير حقيقية، ونسبتها للرسول صلى الله عليه وسلم كذب وافتراء.

نتمنى لو تأكد الناس وتبينوا وتثبتوا قبل نشر كل ما هب ودب مما يصلهم على الإنترنت، لكن هل من حياة لمن تنادي؟


المصادر:
حكاية موضوعة في بيان أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه، إسلام ويب، الإثنين 11 رجب 1434 هـ - 20-5-2013 م
اقرأ المزيد »

حقيقة تسمية قوس قزح بهذا الاسم

1

الادعاء: قزح هو الشيطان ولا يصح تسمية قوس قزح بهذا الاسم

حقيقة الادعاء: كلام غير صحيح

نص الادعاء الأصلي:


الرد المفصل على الادعاء:

الحديث الذي يُنسب للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع ونصه: "لا تقولوا قوس قزح فإن قزح شيطان -أو هو الشيطان- ولكن قولوا قوس الله عز وجل فهو أمان لأهل الأرض من الغرق." حديث موضوع لا تصح نسبته للرسول (1).

لكن ما معنى كلمة قزح؟ بحسب الفتوى (1) فإن كلمة قزح تعني: "الخطوط والطرائق الملونة التي تبدو في السماء على شكل قوس أيام الربيع، قال ابن منظور في اللسان: هو من التقزيح وهو التحسين، وقيل من القزح، وهي الطرائق والألوان التي في القوس، الواحدة قزحة، أو هو من قزح الشيء إذا ارتفع... ويقال: إن قزحاً جمع قزحة وهي خطوط من صفرة وحمرة وخضرة... ويقال: قزح اسم ملك موكل به.
وقُزَح أيضا اسم جبل بالمزدلفة... وفي حديث أبي بكر أنه أتى على قزح وهو يَخْرش بعيره بمحجنه.. وهو القرن الذي يقف عنده الإمام بالمزدلفة.
هذا مختصر ما جاء عن قوس قزح من حيث اللغة والاشتقاق في لسان العرب لابن منظور وغيره." اهـ.

المراجع:



اقرأ المزيد »

الاثنين، 18 نوفمبر 2013

حقيقة الهيكل البشري العملاق

0

صورة منتشرة لهيكل عظمي بشري عملاق محاط بأفراد يبدو أنهم من الباحثين والمختصين في الحفريات والتنقيب عن الآثار، يُقال أن عظام هذا الرجل العملاق تم اكتشافها في المملكة العربية السعودية بواسطة شركة أرامكو خلال أعمال التنقيب عن النفط.

الحقيقة هي أن هذه صورة مفبركة بالفوتوشوب، وكان قد تقدم بها أحدهم في مسابقة التلاعب بالصور، وفاز بالمرتبة الثالثة.

المصيبة أنه يتم إلباسها لباس الدين، بإيراد بعض الأحاديث النبوية بشأنها. فرجاء عدم النشر وتحذير الآخرين من نشرها...

وتذكروا دوما أن ديننا ليس بحاجة لهذه التلفيقات ليقوى بل بحاجة لعقول نظيفة بعيدة عن الخرافة والأكاذيب.


المصدر:

http://news.nationalgeographic.com/news/2007/12/071214-giant-skeleton_2.html
اقرأ المزيد »

الأحد، 17 نوفمبر 2013

حقيقة سماع رواد الفضاء مثل آرمسترونغ للآذان على سطح القمر

0
الادعاء: نيل آرمسترونغ سمع الآذان وهو على القمر

حقيقة الادعاء: الكلام خاطئ

الرد المفصل على الادعاء:

نيل آرمسترونغ أول إنسان مشى فوق سطح القمر منذ بدء الخليقة.. وكان مجرد هبوطه (في يوليو 1969) تتويجاً للعلم والمعرفة ونهاية لتنافس تقني انتصرت فيه أمريكا على روسيا التي بدأت التحدي بإطلاق أول قمر اصطناعي عام 1957!

وبدل أن يكون هذا الانجاز عبرة للعرب والمسلمين - ويتبنون المنهج العلمي والتجريبي في نهضتهم - اختلقوا أكذوبة كبيرة دارت حوله لم يصدقها غيرهم.. اختلقوا تقارير صحفية تفيد بأن آرمسترونغ حين هبط على سطح القمر سمع صوت الأذان يصعد من الأرض الى السماء. وفي البداية - كما تقول الرواية - ظنه نوعا من الهلوسة الفضائية ولكنه أدرك وجود مؤامرة حين طلبت منه ناسا التكتم على الموضوع.

وفي العام التالي زار القاهرة فسمع أذان الأزهر لأول مرة فسأل مرافقه: ما هذا الصوت؟ فقال له: هذه دعوة الصلاة لدى المسلمين، فقال: أشهد أنني سمعته فوق سطح القمر فأعلن إسلامه الأمر الذي لم يرق لزوجته فطلبت منه الطلاق!!

وما ذكّرني اليوم بهذه القصة هو عثوري على مقال قديم للصحفي اللبناني المعروف "شوقي رافع" يقول فيه (بعد تكرار القصة السابقة):

".. وهذه القصة نشرتها لأول مرة صحيفة ماليزية ثم نقلتها عنها صحف عربية كثيرة.. وذات يوم اتصل بي رئيس إحدى الصحف - وكنت حينها في واشنطن - وطلب مني إجراء حوار موسع مع أرمسترونغ بخصوص هذه الحادثة. وهكذا اتصلت بمدير مكتبه لتحديد موعد معه غير أنه اعتذر بسبب كثرة مشاغله. وعوضا عن ذلك عرض علي بعث الأسئلة التي أريدها كي يجيب عنها مستر آرمسترونغ. وهكذا كتبت 32 سؤالا لم أوفر فيها سؤاله حتى عن إسلامه وعلاقته بزوجته بعد أن غير دينه، وإن كان يفكر في الاستقرار بمصر كما ذكرت الصحف.. وعوضا عن استلامي ملزمة ضخمة من الأجوبة الساخنة وصلتني رسالة قصيرة يقول فيها آرمسترونغ:

أشكرك على الأسئلة الواردة في رسالتك ولكنني لسوء الحظ أعجز عن الاجابة عنها لأنه ليس لها أساس من الصحة.. فالتقارير التي تشير الى إسلامي ظهرت كشائعات أثناء زيارتي لماليزيا. فأنا لم أعتنق الاسلام ولم أسمع صوت الأذان على القمر، ولم أزر مصر في حياتي كلها وأعتذر عن الازعاج الذي سببته لكم صحافة تفتقر الى المصداقية"..

- ويكمل شوقي رافع حديثه قائلا:

"وهكذا لم يكن مني سوى إرسال رد آرمسترونغ كما هو الى رئيس التحرير ولكنه لم يظهر في الصحيفة طوال اسبوعين.. وحين اتصلت لأسأل لماذا لم ينشر الرد وأن من حق آرمسترونغ نشره في الصحيفة، أجابني رئيس التحرير: يا أستاذ رافع لو نشرنا الرد لقامت علينا القيامة وسيعتبر الكثيرون أننا رددناه عن إسلامه".

- انتهى كلامه الذي نشره في مجلة العربي الكويتية (عدد أغسطس 1993) مرفقا معه صورة ضوئية واضحة لرسالة آرمسترونغ (صفحة 65)!!

وقد تكون الحكاية قديمة ولكنها بدون شك "مخضرمة" وتكررت لاحقا بأشكال وصيغ مشابهة - بدءاً من وجود مكة في مركز الكون، وانتهاء باكتشاف إشعاع ليزر ينطلق من الكعبة نحو السماء..

والمضحك المبكي أن من يفبرك هذه الادعاءات - تحت مسمى الإعجاز - يكون في الغالب جاهلا بأبسط قواعد العلوم والرياضيات.. فسماع الأذان على سطح القمر مستحيل فيزيائياً كون الصوت لا ينتقل في الفضاء (لعدم وجود هواء). أما التهرب من هذه الحقيقة العلمية بحجة أنها "معجزة" أو "كرامة" خاصة فهذا (جهل مركب) كون المعجزات لا تحدث إلا للأنبياء، ومستر آرمسترونغ ليس أهلاً للكرامات!!

الحقيقة هي أن ادعاءات الإعجاز أكاذيب يختلقها العاجزون عن الإنجاز وتضر بسمعة الدين وترتد على المسلمين حين يتم نقضها لاحقا!!

ولكن.. ماذا تقول فيمن يختلق الشائعات، ثم يصدقها هو نفسه حين تعود إليه لاحقا عبر آلاف المصادر والشهادات؟!


الرد على الادعاء بقلم فهد عامر الأحمدي

المصدر: 
حكاية آرمسترونغ مع الأذان، الرياض: الاحد 13 محرم 1435 هـ - 17 نوفمبر 2013م - العدد 16582





الادعاء: إسلام رائدة فضاء بسبب سماع الآذان على القمر

حقيقة الادعاء: خاطئ

الرد المفصل على الادعاء:

يبدو أن جميع علماء ناسا سيسلمون! سونيتا ويليامز رائدة فضاء فعلا، وهي هندية الأصل، ولكنها لم تذهب إلى القمر أصلا! بل ذهبت إلى محطة الفضاء الدولية. وهي هندوسية تعبد إلاها في ديانتها اسمه غانيشا، وعندما صعدت إلى محطة الفضاء الدولية اصطحبت معها كتابا من ديانتها إضافة لتمثال لآلهتها! وقالت أن الذي يحفظها في رحلتها هو غانيشا! أما من الناحية العلمية فذبذبات الآذان لا تنتشر في الفضاء أصلا، فهي ذبذبات صوتيه لا يمكن أن تنتقل في الفراغ، إلا بمعجزة لنبي والله أعلم!


نُقل الرد على هذا الادعاء من المصدر التالي، والذي فيه تفصيل واستزادة لمن يرغب ويشاء: http://blog.icoproject.org/?p=1020

اقرأ المزيد »

صحة قصة اليهودي الذي كان يضع القمامة

0

قصة اليهودي الذي كان يضع القمامة أمام باب النبي غير صحيحة إخوتي الكرام، الذي يريد بناء معلوماته الدينية على أساس متين ينبغي له أن يعمل "فرمتة" ليتخلص مما تلقنه في صغره على أنها من المسلمات مع أنه غير صحيح.

من أكثر القصص انتشارا قصة اليهودي الذي كان يضع القمامة على باب بيت النبي كل يوم فيخرج النبي ويزيح القمامة وينطلق، إلى أن جاء يوم لم يجد فيه النبي القمامة فسأل عن اليهودي فأخبره الناس بأنه مريض، فزاره النبي، فتفاجأ اليهودي وأسلم.

هذه القصة لا أصل لها، لا أقول (حديث ضعيف)، بل لا أصل لها، أي لم يروها أحد من المحدثين أبدا.

بالإضافة إلى ذلك فهي لا تصح من حيث المعنى، إذ: 

[...] كيف يُتصور أن يضع اليهودي القمامة على باب بيت النبي ويترك الصحابة القمامة إلى أن يضطر رسول الله لإزاحتها؟ ففي هذا انتقاص من توقير الصحابة للنبي.

[...] هذه القصة يوردها الناس لضرب المثل لتسامح النبي صلى الله عليه وسلم. والحق أن هذا ليس تسامحا، بل ضعف، وحاشا رسول الله.

[...] فيا إخواني المربين، ويا أخواتي المربيات! الله الله في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. والله ما لنا عذر ووسائل معرفة صحة الروايات من ضعفها منتشرة ميسورة. في الصحيح كفاية عن الباطل والموضوع والمكذوب. وأحاديث حلم النبي وعفوه وسمو نفسه كثيرة غزيرة يسهل استخراج دررها من كتب الحديث الصحيحة.

فلا تشيعوا في أبنائنا ثقافة إن ضرب لك خدا فأدر له الآخر! فهي ثقافة نجل عنها أنبياء الله جميعا.

أرجو ممن يقرأ هذا الكلام أن ينشره تنقيحا لسنة الحبيب مما علق بها.

بقلم: إياد قنيبي

 مصدر:

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=158591



اقرأ المزيد »

ما صحة المزاعم حول العقار الألماني؟

28

الادعاء: العقار الألماني علاج لكثير من الأمراض

حقيقة الادعاء: ادعاء كاذب

وصلنا الاستفسار التالي: "هناك صيحة ما يسمى بالعقار الألماني، سمعت عنه إحدى قريباتي من قناة اسمها: "الصحة والجمال"، وسألتني إن كان بإمكاني التأكد من حقيقة ما يشاع عنه."

بعض الادعاءات التي تشاع عن هذا العقار:



الرد المفصل على هذا الادعاء:

يسمى هذا العقار الألماني بـAFA Klamath، ويدّعي مروجوه أنه علاج لقائمة طويلة من الأمراض كالسرطان والأمراض الفايروسية والباكتيرية... إلخ. فما صحة هذا الكلام؟ وهل هناك أدلة عليه أم لا؟

بالبحث توصلنا للنتائج التالية:

* أولًا: العقار عبارة عن مكمل غذائي وليس دواء لعلاج أي مرض من الأمراض. يعني مثله مثل الفيتامينات التي نأخذها كمكملات، والمكملات الهدف منها تغذية الجسم أو تقويته لا شفاءه من مرض موجود.

* ثانيا: وجدنا بحوثًا علمية تحذّر من هذا العقار لاحتوائه على مواد سامة. مع التنويه أن القوانين وقواعد السلامة التي تخضع لها المكملات الغذائية عادة تكون مختلفة عن القوانين التي تخضع لها الأدوية.

وعلى هذا الأساس يحذر عالم الأكاذيب من استخدامه، ونشره، والترويج له... وننصح إخواننا من المرضى والمعلولين بمراجعة الأطباء الثقات وعدم تصديق دعاوى الشفاء التي يسمعونها من هنا وهناك... وليُعلم الحاضر الغائب. 

أخيرا وبصفة عامة أي دواء أو علاج يدعي مروجوه أنه يعالج قائمة طويلة من الأمراض بدون تحديد عليك أن تشك في صحته مباشرة، عادة الأدوية تفيدك في مرض بعينه أو بضعة أمراض واضحة ومحددة، لكن لا يوجد عقار أو علاج سحري يعالج ويفيد كل شيء فهذا في عالم الخيال والأحلام فقط.

المصادر:
(1)، (2)، (3)، (4)، (5)

اقرأ المزيد »

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

هل يفعل الدعاء شيئا دون أسباب؟

0

تصحيح مفاهيم مغلوطة عن الدعاء


"اللهم انصر الإسلام والمسلمين" هكذا كانوا ومازالوا يرددون على المنابر. وهكذا كان الآلاف يرددون خلفهم: "آميــن"، أما أنا فكنت أستثقل الترديد معهم! وكيف أفعل؟ وأنا أعلم جيدًا أن الأمر مستحيل! أولستُ مؤمنة بأن الله يستجيب لدعواتنا؟ نعم، ليس عندي شك في ذلك. أولستُ أدعوه بالليل وبالنهار وأنا متيقنة بالإجابة؟ نعم، أفعل ذلك. لكن هذه الدعوة بالذات كنت أدعوها باستحياء من الله... لكن،  لماذا؟ اسمحو لي أن أشرح لكم...
 

الدعاء ليس مصباح علاء الدين

مشكلتنا كمسلمين هي أننا نتعامل مع الدعاء وكأنه مصباح علاء الدين، يخرج منه المارد وهو يردد: "شبيك لبيك، أمرك بين يديك"... حوّلنا الله من إله إلى ملب لطلباتنا "تعالى الله سبحانه"... ثم حين لا يستجيب لنا نسخط عليه ونقول: "لماذا لا يجيبنا؟". في حين أننا لو رأينا شخصًا يلبي طلبات جميع من حوله، دون تفكير واعتراض وشروط، نضحك عليه ونقول هو "عديم الشخصية" وهو "ضعيف"، لكننا نريد من الله ذو الجلالة والعظمة نفس الشيء!!
الله والذي هو خالق هذا الكون وخالقنا، ليس مضطرا أن يجيب طلباتنا، وله الحرية في أن يلبي دعائنا، في الوقت الذي يريد، بالكيفية التي يريد.


قم بواجبك

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ...) (التوبة 106)

يجب على الإنسان أن يعمل وأن يسعى وأن يبذل وأن يُغير ما في نفسه، وحينها فقط تتغير أحواله وأموره! وهذا مبدأ إسلامي أصيل يُسمى الأخذ بالأسباب ومنع التواكل، ولا أعرف دينًا آخر يؤصل لهذا المبدأ غير الإسلام...! فالسماء لا تُمطر ذهبًا وإن بقيت تدعو الله ليلًا نهارًا! عليكَ أيها الإنسان أن تُجد وتعمل، وعليك أن تحترم قوانين الكون وسننه لأنك لن تجد لسنة الله تبديلًا! ونظرة الإسلام هذه للدعاء ولقدرة الله ومدى تدخله في حياة الأفراد نظرة مختلفة كثيرًا عن نظرة الأديان الأخرى، فالإسلام يحترم سنن الكون، ويحث الإنسان على السعي، ويؤكد على أن الدعاء دون سعي ليس عصا سحرية للكسالى تحل كل المشاكل، وأن الإنسان الذي لا يبدأ أولا بالعمل لا يحق له أن يتوقع من الله أن يأتي على مشاكله فيحلها كلها!

(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (الشورى 30)

(وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ) (النجم 39-40) 

(...إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ...) (الرعد 11)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد 7)  

بهذه النظرة يحترم الإسلام العقل والعلم والكون وقوانينه، فتندثر العقليات التي تبحث عن الخوارق والكرامات. 

تخيلوا شخصًا منبطحًا على الأرض وبجانبه طاولة يريد أن يحركها، فينادي على صديق له ويقول: "صديقي تعالَ هنا، حرّك هذه الطاولة من مكانها"... ماذا ستكون ردة فعل صديقه؟ سيقول له: "حرّكها بنفسك! أنا لستُ خادمًا لك". هذا الشخص كان عليه أن ينهض من مكانه، ويحاول تحريك الطاولة بأقصى قوته وجهده، وهو ينادي على صديقه ويطلب منه المساعدة، لا أن يكون اتكاليا وينتظر الحلول السحرية السهلة.

حين ترفع يدك بالدعاء، تذكر أنه من الأدب معه سبحانه أن تقوم بواجبكَ، من جد وسعي وعمل... لن تنجح في امتحان لم تدرس له، لن تُنصر على عدو لم تعّد له، لن يأتيك رزقٌ لم تسعَ بحثا عنه... وهكذا دواليك... قم، تحرّك، انهض من مكانك... وارفع يديك بالدعاء مستعينًا بالله، فالسماء لا تُمطر ذهبًا.


الدعاء وسنن الكون

الكثير من الناس يعتقد أن الله حين يستجيب لدعائنا فإن ذلك يحصل بخوارق ومعجزات، وهذه فكرة مغلوطة عن الدعاء. الله خلق هذا الكون، وجعله يسير بقوانين محكمة وسنن واضحة، ومن سوء الأدب معه أن ندعوه بما فيه خرق لهذه السنن والقوانين. لا يصح أبدًا أن ندعو الله بأن لا تشرق الشمس أو بأن ينزل من السماء ذهبًا أو بأن لا تسقط الأشياء إلى الأرض بفعل الجاذبية... إلخ...

(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) (الواقعة: 58-59)

(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (الواقعة: 63-64)

"الآيات تقول أن الله هو الخالق وهو الزارع وهو وراء كل سبب في هذا الكون، ولكن... لو أن شخصاً ما أراد أن ينجب طفلا فهل يستقيم أن يدعو الله عشر سنوات أن يهبه طفلا مع أنه لم يتزوج؟ ولو أن رجلاً اشترى أرضاً ليحيلها مزرعةً، هل يستقيم أن يدعو الله بذلك عشر سنوات دون أن يزرع الأرض ويسقيها ويرعاها حتى تنمو؟ لا يستقيم! وحقيقةً هي أسباب نأخذها بيدنا، ومع هذا، الله سبحانه ينسبها إلى نفسه ويقول أنه هو الخالق وأنه هو الزارع وليس نحن. الله قد أودع الكون نواميساً وسنناً وأسباباً، وجعل الكون يسير بهذه الأسباب، وعدم الأخذ بالأسباب هو مخالفة صريحة لنواميس الكون ومسبباته التي أودعها الله إياه." [1]

استقراء الواقع أيضا مهم، منذ أن ولدنا ونحن ندعو وجميع المسلمين يدعون لفلسطين والشيشان وأفغانستان وغيرها... عدد المسلمين في العالم أكثر من البليونين، يستغيثون وينزفون من سنين بل من قرون، يناشدون الله النصر والإغاثة والعون وإهلاك الظلمة، فهل تغير شيء من حالنا؟ الأمور لم تزدد إلا سوءًا! هل الله لم يستجب لهم أم أن الأسباب تلعب دورها؟ ولا يدّعي أحدهم أن دعاءهم غير صادق، فهذه مصادرة على المطلوب تدخلنا في حلقة مفرغة، ولا يُعقل أن لا يكون بين هذه الملايين ولو إنسان صادق واحد، وهم مظلومون ومنهم ضعفاء وأطفال، فكيف يتركهم الله ويمكن لعدوهم الذي لا يؤمن؟

لا أعرف مريضا بمرض نهائي شفي فجأة رغم دعاء الجميع له، المرض يبقى قاتلًا حتى يتطور العلم ويكتشف علاجه! أمراض كثيرة كانت تقتل من هم أكثر منا إيمانا ويقينا، كطاعون عمواس والذي مات فيه كثير من الصحابة والمسلمين، ولم تحصل خوارق تنقذهم، وفي يومنا الحاضر وعن طريق التقدم الطبي والعلمي تخلص غير المسلمين من الطاعون وأبادوه بسهولة!

إذن الأسباب مهمة ومحورية، ووجودها وإحكامها هو من عدل الله ورحمته بنا، وإلا أصبح عالمنا مزيجا من الفوضى والعشوائية... من جد وجد، ومن زرع حصد، مؤمنًا كان أم كافرًا، فالله لا يحابي الكسالى وإن كانوا مؤمنين.

ومن سنن الكون وقوانيه أن الله يحاسب المجرم على إجرامه، والمحسن على إحسانه، ولا يدخل الجنة إلا مستحق لها... لو دعوت الله طول عمري "يارب أدخلني الجنة" هل أدخلها وإن كنت بعيدة عن الدين؟ أم علي العمل والجد من أجلها؟  

إن الله عادل، تأملوا هذه الآيات:

(وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة 124)

إبراهيم عليه السلام طلب من الله أن تكون الإمامة في ذريته، لكن الله رفض استجابة هذا الدعاء إن كان هؤلاء الذرية من الظالمين، فلا يصح أن تنالهم الإمامة. 

(وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (هود 45-46)

حتى دعوة نوح عليه السلام لابنه لم تشفع له، لأنه اختار طريق الضلال. 

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة 80)

وفي هذه الآيات، الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم سواء دعيت لهم أم لم تدع فإنه لن يغفر لهم، لأنهم اختاروا طريق الكفر ولن تشفع لهم دعوات أشرف الخلق. فالدعاء له شروط، ويمكن استقراء ذلك من آيات كثيرة في القرآن.

 
س: إن قلنا أن الله يستيجب فقط للدعاء الذي ليس فيه خرق للسنن الكونية، فما فائدة الدعاء إذن؟ ولماذا ندعو؟ لو أني شمرت عن ساعدي وقمت بتحريك الطاولة دون دعاء لتحركت الطاولة؟ ولو أن ملحدا شمر ودفعها لتحركت أيضا؟ فما فائدة الدعاء؟

الأصل أننا ندعو الله تعبدًا وتضرعًا وخضوعًا له، ونحن نعلم أن الإجابة بيده هو، يجيبنا بالطريقة التي يريد، في الوقت الذي يريد، كيفما يريد، لكننا بدعائنا له نثبت ضعفنا البشري وحاجتنا له، وأننا حتى وإن قمنا ببذل كل وسعنا في السعي والعلم والعمل، فإننا بدعائنا له نعيد الأمور والأسباب لأصلها ومصدرها الذي هو الله.

في مثال الطاولة الذي ذكرناه الملحد سيحركها بيده وينتهي عند هذا الحد، أما المؤمن فيعلم أن القدرة على تحريكها أصلًا جاءت من الله، الذي خلقه وخلق الأسباب كلّها، وبحثه عن هذه الأسباب وقيامه بتفعيلها هو في أساسه اعتراف منه بعجزه وحاجته لله سبحانه.

أنا والملحد نتناول الدواء، وكلانا قد يُشفى، لكني بعدها أقول شفاني الله، وهو يقول شفاني الدواء، أنا أنسب الفضل لله سبحانه، وهو ينسبه للدواء... الفرق بيننا هو إيماني وثقتي بالله... نحن ندعوه لكي نثبت الفعل له سبحانه، ولسان حالنا يقول: "نحن نعلم أنك ستشفينا إن ألحدنا، لكننا نعلم أنكَ السبب في شفائنا وندعو لك لنثبت شهادتنا بذلك".

الله شفاك من مرضك بالأسباب (الدواء)، وليس بالضرورة أن تحدث خارقة (تنام وتنهض وقد شفيت تماما) لكي تقول أن الله استجاب لي وشفاني، البعض يفصل بين أفعال الله والأسباب الطبيعية، والبعض يجب أن يرى خارقة لكي يستشعر فِعل الله.

لكن في الحقيقة، السبب (الدواء) هو التجسيد الحقيقي لفِعل الله، لكن نحن المسلمون ولأننا نؤمن بالله نقول بأن الله هو الذي هدانا ودلنا لهذا الشيء وهو الذي استجاب لنا، فالقضية في الأخير قضية إيمان، ولأننا مؤمنون فنحن نعرف هذا ومقتنعون به.

حين ترجوه وتتضرع له، فإنه سيعينك ويوفقك، لن تحدث معجزات ولا خوارق، لكنك ستجد سنن الكون مسخرّة لك، فقد يدلك على طريق تسلكه، أو يرسل لك شخصًا يعينك، أو يفتح لك بابًا كان موصدًا، أو يُلهمك أمرًا لم تكن تعرفه... وقد يوجهك لمسار آخر مختلف تمامًا عن ما طلبته وأنت تظن أنه لم يستجب لك، وقد تخفى عليك الكثير من الحكم، وأنت لا تعلم أين الخير وتظن الأمر شرًا.

حين يحصل أمر جيّد أو سيئ لملحد فإنه ينسبه لحسن الحظ أو سوءه، أما نحن المؤمنون ننسب الأمور كلها لله ونحن نعلم أنه المدّبر لها... فالقضية في الأخير قضية إيمان وثقة وحسن ظن بالله، ولا يمكن لغير المؤمن أن يشعر بهذا الأمر.

لعل من الابتلاء أنها قضية ليست قابلة للتجربة معمليا، ومتعلقة بالغيب ولو قمنا بإجراء تجربة بهدف المقارنة بين "توفيق المؤمن" و"حظ الكافر" مثلا، لنرى أيهما الأكثر في المتوسط، فإنه من المرجح أن لا نجد فرقًا بينهما، وإلا لأصبح الأمر حجة على الكافر:

(إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء: 4)

لكن هذه الدنيا دنيا ابتلاء واختبار، ولو نزلت آية من السماء تخضع الأعناق لانتفت صفة الاختبار.

هذا غير أن الله لم يطلع على غيبه أحدا، فنحن لا نستطيع الجزم أهذا عدم توفيق أم ابتلاء (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) [سورة محمد 31] فلا نستطيع الجزم أن ما نراه توفيقا أو قلة توفيق هو في الحقيقة كذلك إذ أننا لا نرى المستقبل وما دُفع من شر أو جُلب من خير بهذا الذي نحسبه شرا: 

(وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة 216]

"لا ينجح المؤمن لمجرد أنه دعا، فهذا استخفاف بالله وبسنته، بل ينجح لأنه بذل الجهد المطلوب.. ولا يفشل الكافر لمجرد أنه كافر، بل يفشل لأنه لم يبذل من المجهود ما يستدعي نجاحه. فدعاؤك هو رسالة، تقول فيها بأنك لا تعبد الأسباب، أنت تعبد مسبب الأسباب. عكس غير المؤمن، هو يأخذ بالأسباب لأنه يعبد الأسباب، ولا يرى مَن وراءها. الإسلام يجعلك تربط جل حياتك بالله، الإسلام هو المعادلة بين المادية والروحانية، معادلة لا مجهول فيها.." [2]


س: هناك نظرة تقول بأن الله لا يتدخل في عالمنا، وأن الله خلق الكون ثم تركه يسير بنفسه دون تدخل، فإن قلنا أن الدعاء يجب أن يكون موافقًا لسنن الكون، ألسنا بطريقة أو بأخرى نُقّر هذه النظرة ونتبنّاها؟

برأيي المتواضع -والله أعلم- أن هذا السؤال والإجابة عليه ستكون مجرد فلسفة أو لنقل مجرد ترف عقلي لا يسمن ولا يغني من جوع، وأي إجابة ستكون مجرد تكهنات تختلف باختلاف الشخص ونظرته للأمور. ولا أعتقد أن الجواب على هذا السؤال يهم المسلم بقدر ما يهمنا أن نُفعّل مبدأ الأخذ بالأسباب في حياتنا، فالأخذ بالأسباب هو ما ينقص مسلمي اليوم، أما البحث في مدى وكيفية تدخل الله في الكون وغيرها من مباحث لا تفيدنا شيئًا غير الترف العقلي.


 س: ماذا عن هذه الآيات:  (ادعوني أستجب لكم)... (أجيب دعوة الداع إذا دعان)... (أمن يجيب المضطر إذا دعاه)؟

أنقل لكم قول الرازي إجابة على هذا السؤال: "أن هذه الآية وإن كانت مطلقة إلا أنه قد وردت آية أخرى مقيدة، وهو قوله تعالى: (بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) [الأنعام:41] ولا شك أن المطلق محمول على المقيد" [3].

وجاء أيضا في تفسير المنار [6]: "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى عطف استجابته لهم بفاء السببية فدل على أن ما ذكر من شأنهم هو الذي أهلهم لقبول دعائهم، قال الأستاذ الإمام [...]: استجاب دعاءهم لصدقهم في الإيمان، والذكر، والفكر، والتقديس، والتنزيه، والوصول إلى معرفة الحياة الآخرة، وصدق الرسل، وإيمانهم بهم، وشعورهم بعد ذلك كله بأنهم ضعفاء مقصرون في الشكر لله، محتاجون مغفرته لهم، وفضله عليهم وإحسانه بهم بإيتائهم ما وعدهم، ولكن هذه الاستجابة لم تكن بعين ما طلبوا كما طلبوا؛ ولذلك صورها وبين كيفيتها، وهذا التصوير لحكمة عالية، وهي أن الاستجابة ليست إلا توفية كل عامل جزاء عمله لينبههم بذكر العمل، والعامل إلى أن العبرة في النجاة من العذاب، والفوز بحسن الثواب إنما هي بإحسان العمل، والإخلاص فيه، فإن الإنسان قد تغشه نفسه، فيظن أنه محسن، وهو ليس بمحسن، وأنه مخلص، وما هو بمخلص، وأن حوله وقوته قد فنيا في حول الله وقوته، وأنه لا يريد إلا وجهه - تعالى - في كل حركة وسكون، ويكون في الواقع ونفس الأمر مغرورا مرائيا." اهـ.


ختامًا

شروط الدعاء: التأدب مع الله، عدم التواكل، اتخاذ الأسباب والسعي، احترام قوانين وسنن الكون، لا تدعوه لكي تحدث خارقة، بل ادعوه تضرعا بقلب يثبت الفِعل لله سبحانه، وأنت تعلم أنه خالق الأسباب ومسيّرها.

"لو كان الله سيؤيدك بنصره، فإن نصره سيتبع قواعد الحياة المادية وحساباتها المعروفة. سيلهمك لاكتشاف ثغرة في خطة العدو مثلاً. سيتخذ عدوك قرارًا لا يتصف بالحكمة. كلها أمور مادية عادية لن ترى فيها [خوارق] ولن يمكنك أن تتأكد [تجريبيا أو معمليا] أن هذا كان تدخلاً إلهيًّا لنصرك [...]. لأن كل ما يحدث أمامك هو من حسابات الحياة المادية البحتة. ولن ينزل قرآن جديد ليخبرك أنك كنت على الحق وأن الله أيدك بنصر من عنده." [4]

"﴿وَما لَكُم لا تُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ وَالمُستَضعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالوِلدانِ الَّذينَ يَقولونَ رَبَّنا أَخرِجنا مِن هذِهِ القَريَةِ الظّالِمِ أَهلُها وَاجعَل لَنا مِن لَدُنكَ وَلِيًّا وَاجعَل لَنا مِن لَدُنكَ نَصيرًا﴾ [النساء: ٧٥]

إن المستضعفين يتضرعون إلى ربهم كي يخلصهم من بطش الظالمين، لكن طبيعة هذا الدين وهذا الكون أن الأصل في الاستجابة أن تقع بوسائل عادية غير خارقة، بل إن الاستجابة لدعاء المستضعفين يجب أن تتم بواسطة المسلمين أنفسهم! لذا تجد المستضعفين في الآية قد دعوا بأن يجعل لهم من لدنه وليا ونصيرا، ولم يدعوا بإنقاذهم بما يخرق العادة! فالمسلم القوي هو وسيلة الله في استجابة دعاء المسلم المستضعف! فانتبه!" [5].

هذا والله أعلم.


هامش

هذا المقال مستلهم من حوار مع الأخ الفاضل أحمد كمال قاسم وأعضاء آخرين بعالم الأكاذيب، وتمت كتابته بتوجيه ومساعدة منهم، فإن أصبنا فمن الله وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان.

[1] مقتبس من مقال لفاطمة أم ثابت

[2] اقتباس من مقال "الدعاء وتناقضه مع العدل الإلاهي" لأحمد فاروق (مصدر)

[3] الرازي، التفسير الكبير، سورة البقرة، قوله تعالى وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان

[4] اقتباس من مقال "الله الذي لا ينصرنا" لعماد الدين السيد (مصدر)

[5] أحمد كمال قاسم

[6] محمد رشيد رضا، تفسير المنار، آل عمران، 190-195


طالع أيضًا:

اقرأ المزيد »

| مقطع مرئي |