الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

هل يفعل الدعاء شيئا دون أسباب؟


تصحيح مفاهيم مغلوطة عن الدعاء

"اللهم انصر الإسلام والمسلمين" هكذا كانوا ومازالوا يرددون على المنابر.

وهكذا كان الآلاف يرددون خلفهم: "آميــن"

أما أنا فكنت أستثقل الترديد معهم! وكيف أفعل؟ وأنا أعلم جيدًا أن زمن النصر لم يأتِ بعد!

أولستُ مؤمنة بأن الله يستجيب لدعواتنا؟ نعم، ليس عندي شك في ذلك.

أولستُ أدعوه بالليل وبالنهار وأنا متيقنة بالإجابة؟ نعم، أفعل ذلك.

لكن هذه الدعوة بالذات كنت أدعوها باستحياء من الله... لكن،  لماذا؟ اسمحولي أن أشرح لكم...

 
الدعاء ليس مصباح علاء الدين

مشكلتنا كمسلمين هي أننا نتعامل مع الدعاء وكأنه مصباح علاء الدين، يخرج منه المارد وهو يردد: "شبيك لبيك، أمرك بين يديك"... حوّلنا الله من إله إلى ملب لطلباتنا "تعالى الله سبحانه"... ثم حين لا يستجيب لنا نسخط عليه ونقول: "لماذا لا يجيبنا؟". في حين أننا لو رأينا شخصًا يلبي طلبات جميع من حوله، دون تفكير واعتراض وشروط، نضحك عليه ونقول هو "عديم الشخصية" وهو "ضعيف"، لكننا نريد من الله ذو الجلالة والعظمة نفس الشيء!!

الله والذي هو خالق هذا الكون وخالقنا، ليس مضطرا أن يجيب طلباتنا، وله الحرية في أن يلبي دعائنا، في الوقت الذي يريد، بالكيفية التي يريد.



قم بواجبك


(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ...) (التوبة 106)

 
يجب على الإنسان أن يعمل وأن يسعى وأن يبذل وأن يُغير ما في نفسه، وحينها فقط تتغير أحواله وأموره! وهذا مبدأ إسلامي أصيل يُسمى الأخذ بالأسباب ومنع التواكل، ولا أعرف دينًا آخر يؤصل لهذا المبدأ غير الإسلام...! فالسماء لا تُمطر ذهبًا وإن بقيت تدعو الله ليلًا نهارًا! عليكَ أيها الإنسان أن تُجد وتعمل، وعليك أن تحترم قوانين الكون وسننه لأنك لن تجد لسنة الله تبديلًا! ونظرة الإسلام هذه للدعاء ولقدرة الله ومدى تدخله في حياة الأفراد نظرة مختلفة كثيرًا عن نظرة الأديان الأخرى، فالإسلام يحترم سنن الكون، ويحث الإنسان على السعي، ويؤكد على أن الدعاء دون سعي ليس عصا سحرية للكسالى تحل كل المشاكل، وأن الإنسان الذي لا يبدأ أولا بالعمل لا يحق له أن يتوقع من الله أن يأتي على مشاكله فيحلها كلها!

(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (الشورى 30)

(وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ) (النجم 39-40) 


(...إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ...) (الرعد 11)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد 7)  

بهذه النظرة يحترم الإسلام العقل والعلم والكون وقوانينه، فتندثر العقليات التي تبحث عن الخوارق والكرامات. 


تخيلوا شخصًا منبطحًا على الأرض وبجانبه طاولة يريد أن يحركها، فينادي على صديق له ويقول: "صديقي تعالَ هنا، حرّك هذه الطاولة من مكانها"... ماذا ستكون ردة فعل صديقه؟ سيقول له: "حرّكها بنفسك! أنا لستُ خادمًا لك". هذا الشخص كان عليه أن ينهض من مكانه، ويحاول تحريك الطاولة بأقصى قوته وجهده، وهو ينادي على صديقه ويطلب منه المساعدة، لا أن يكون اتكاليا وينتظر الحلول السحرية السهلة.

حين ترفع يدك بالدعاء، تذكر أنه من الأدب معه سبحانه أن تقوم بواجبكَ، من جد وسعي وعمل... لن تنجح في امتحان لم تدرس له، لن تُنصر على عدو لم تعّد له، لن يأتيك رزقٌ لم تسعَ بحثا عنه... وهكذا دواليك... قم، تحرّك، انهض من مكانك... وارفع يديك بالدعاء مستعينًا بالله، فالسماء لا تُمطر ذهبًا.




الدعاء وسنن الكون

الكثير من الناس يعتقد أن الله حين يستجيب لدعائنا فإن ذلك يحصل بخوارق ومعجزات، وهذه فكرة مغلوطة عن الدعاء. الله خلق هذا الكون، وجعله يسير بقوانين محكمة وسنن واضحة، ومن سوء الأدب معه أن ندعوه بما فيه خرق لهذه السنن والقوانين. لا يصح أبدًا أن ندعو الله بأن لا تشرق الشمس أو بأن ينزل من السماء ذهبًا أو بأن لا تسقط الأشياء إلى الأرض بفعل الجاذبية... إلخ...

(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) (الواقعة: 58-59)
 
(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (الواقعة: 63-64)

"الآيات تقول أن الله هو الخالق وهو الزارع وهو وراء كل سبب في هذا الكون، ولكن... لو أن شخصاً ما أراد أن ينجب طفلا فهل يستقيم أن يدعو الله عشر سنوات أن يهبه طفلا مع أنه لم يتزوج؟ ولو أن رجلاً اشترى أرضاً ليحيلها مزرعةً، هل يستقيم أن يدعو الله بذلك عشر سنوات دون أن يزرع الأرض ويسقيها ويرعاها حتى تنمو؟ لا يستقيم! وحقيقةً هي أسباب نأخذها بيدنا، ومع هذا، الله سبحانه ينسبها إلى نفسه ويقول أنه هو الخالق وأنه هو الزارع وليس نحن. الله قد أودع الكون نواميساً وسنناً وأسباباً، وجعل الكون يسير بهذه الأسباب، وعدم الأخذ بالأسباب هو مخالفة صريحة لنواميس الكون ومسبباته التي أودعها الله إياه." [1]




استقراء الواقع أيضا مهم، منذ أن ولدنا ونحن ندعو وجميع المسلمين يدعون لفلسطين والشيشان وأفغانستان وغيرها... عدد المسلمين في العالم أكثر من البليونين، يستغيثون وينزفون من سنين بل من قرون، يناشدون الله النصر والإغاثة والعون وإهلاك الظلمة، فهل تغير شيء من حالنا؟ الأمور لم تزدد إلا سوءًا! هل الله لم يستجب لهم أم أن الأسباب تلعب دورها؟ ولا يدّعي أحدهم أن دعاءهم غير صادق، فهذه مصادرة على المطلوب تدخلنا في حلقة مفرغة، ولا يُعقل أن لا يكون بين هذه الملايين ولو إنسان صادق واحد، وهم مظلومون ومنهم ضعفاء وأطفال، فكيف يتركهم الله ويمكن عدوهم الذي لا يؤمن؟

لا أعرف مريضا بمرض نهائي شفي فجأة رغم دعاء الجميع له، المرض يبقى قاتلًا حتى يتطور العلم ويكتشف علاجه! أمراض كثيرة كانت تقتل من هم أكثر منا إيمانا ويقينا، كطاعون عمواس والذي مات فيه كثير من الصحابة والمسلمين، ولم تحصل خوارق تنقذهم، وفي يومنا الحاضر وعن طريق التقدم الطبي والعلمي تخلص الكفار من الطاعون وأبادوه بسهولة!


إذن الأسباب مهمة ومحورية، ووجودها وإحكامها هو من عدل الله ورحمته بنا، وإلا أصبح عالمنا مزيجا من الفوضى والعشوائية... من جد وجد، ومن زرع حصد، مؤمنًا كان أم كافرًا، فالله لا يحابي الكسالى وإن كانوا مؤمنين.

ومن سنن الكون وقوانيه أن الله يحاسب المجرم على إجرامه، والمحسن على إحسانه، ولا يدخل الجنة إلا مستحق لها... لو دعوت الله طول عمري "يارب أدخلني الجنة" هل أدخلها وإن كنت بعيدة عن الدين؟ أم علي العمل والجد من أجلها؟  

إن الله عادل، تأملوا هذه الآيات:


(وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة 124)

إبراهيم عليه السلام طلب من الله أن تكون الإمامة في ذريته، لكن الله رفض استجابة هذا الدعاء إن كان هؤلاء الذرية من الظالمين، فلا يصح أن تنالهم الإمامة. 

(وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (هود 45-46)

حتى دعوة نوح عليه السلام لابنه لم تشفع له، لأنه اختار طريق الضلال. 

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة 80)

وفي هذه الآيات، الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم سواء دعيت لهم أم لم تدع فإنه لن يغفر لهم، لأنهم اختاروا طريق الكفر ولن تشفع لهم دعوات أشرف الخلق.

فالدعاء له شروط، ويمكن استقراء ذلك من آيات كثيرة في القرآن.

 
س: إن قلنا أن الله يستيجب فقط للدعاء الذي ليس فيه خرق للسنن الكونية، فما فائدة الدعاء إذن؟ ولماذا ندعو؟ لو أني شمرت عن ساعدي وقمت بتحريك الطاولة دون دعاء لتحركت الطاولة؟ ولو أن ملحدا شمر ودفعها لتحركت أيضا؟ فما فائدة الدعاء؟

الأصل أننا ندعو الله تعبدًا وتضرعًا وخضوعًا له، ونحن نعلم أن الإجابة بيده هو، يجيبنا بالطريقة التي يريد، في الوقت الذي يريد، كيفما يريد، لكننا بدعائنا له نثبت ضعفنا البشري وحاجتنا له، وأننا حتى وإن قمنا ببذل كل وسعنا في السعي والعلم والعمل، فإننا بدعائنا له نعيد الأمور والأسباب لأصلها ومصدرها الذي هو الله.


في مثال الطاولة الذي ذكرناه الملحد سيحركها بيده وينتهي عند هذا الحد، أما المؤمن فيعلم أن القدرة على تحريكها أصلًا جاءت من الله، الذي خلقه وخلق الأسباب كلّها، وبحثه عن هذه الأسباب وقيامه بتفعيلها هو في أساسه اعتراف منه بعجزه وحاجته لله سبحانه.

أنا والملحد نتناول الدواء، وكلانا قد يُشفى، لكني بعدها أقول شفاني الله، وهو يقول شفاني الدواء، أنا أنسب الفضل لله سبحانه، وهو ينسبه للدواء... الفرق بيننا هو إيماني وثقتي بالله... نحن ندعوه لكي نثبت الفعل له سبحانه، ولسان حالنا يقول: "نحن نعلم أنك ستشفينا إن ألحدنا، لكننا نعلم أنكَ السبب في شفائنا وندعو لك لنثبت شهادتنا بذلك".


الله شفاك من مرضك بالأسباب (الدواء)، وليس بالضرورة أن تحدث خارقة (تنام وتنهض وقد شفيت تماما) لكي تقول أن الله استجاب لي وشفاني، البعض يفصل بين أفعال الله والأسباب الطبيعية، والبعض يجب أن يرى خارقة لكي يستشعر فِعل الله.

لكن في الحقيقة، السبب (الدواء) هو التجسيد الحقيقي لفِعل الله، لأن إجابة الله لدعائنا تكون بما ليس فيه خرق لنواميس هذا العالم، وقد تكون عن طريقٍ ربما لا يُلاحظها شخصٌ غير مؤمن، لأنه سيرى الأمر من منظار عالـَم ماديّ يسير بقوانين محكمة، لكن نحن المسلمون ولأننا نؤمن بالله نقول بأن الله هو الذي هدانا ودلنا لهذا الشيء وهو الذي استجاب لنا، فالقضية في الأخير قضية إيمان، ولأننا مؤمنون فنحن نعرف هذا ومقتنعون به.

حين ترجوه وتتضرع له، فإنه سيعينك ويوفقك، لن تحدث معجزات ولا خوارق، لكنك ستجد سنن الكون مسخرّة لك، فقد يدلك على طريق تسلكه، أو يرسل لك شخصًا يعينك، أو يفتح لك بابًا كان موصدًا، أو يُلهمك أمرًا لم تكن تعرفه... سيعينك ويوفقك بطريقة متلائمة مع أسس وقواعد وحسابات عالمنا الماديّ.


وقد يوجهك لمسار آخر مختلف تمامًا عن ما طلبته وأنت تظن أنه لم يستجب لك، وقد تخفى عليك الكثير من الحكم، وأنت لا تعلم أين الخير وتظن الأمر شرًا.


"لا ينجح المؤمن لمجرد أنه دعا، فهذا استخفاف بالله وبسنته، بل ينجح لأنه بذل الجهد المطلوب.. ولا يفشل الكافر لمجرد أنه كافر، بل يفشل لأنه لم يبذل من المجهود ما يستدعي نجاحه. فدعاؤك هو رسالة، تقول فيها بأنك لا تعبد الأسباب، أنت تعبد مسبب الأسباب. عكس غير المؤمن، هو يأخذ بالأسباب لأنه يعبد الأسباب، ولا يرى مَن وراءها. الإسلام يجعلك تربط جل حياتك بالله، الإسلام هو المعادلة بين المادية والروحانية، معادلة لا مجهول فيها.." [2]


س: هناك نظرة تقول بأن الله لا يتدخل في عالمنا، وأن الله خلق الكون ثم تركه يسير بنفسه دون تدخل، فإن قلنا أن الدعاء يجب أن يكون موافقًا لسنن الكون، ألسنا بطريقة أو بأخرى نُقّر هذه النظرة ونتبنّاها؟

قد نرى الطير يطير، فنشرح طريقة طيرانه بقوانين الفيزياء، لكننا نعلم أن: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) (الملك: 19) 


الله هو موجد وواضع هذه الأسباب وهذه القوانين، ولولاه لما طار طير... القوانين التي نعرف تشرح لنا "الكيفية" (كيف يطير الطير)، لكنها لا تُخبرنا "من فعل هذا" ولا تُخبرنا "لماذا" (لماذا يطير الطير). (طالع أيضا: هل نسبة القدرة لله ينفي فعل البشر؟)

فالشخص الذي لا يؤمن بإله يعتقد أن الكون يسير بنفسه منذ البداية، لكن المؤمن يعلم أن الأمر كله مدبر من الله. وفي كلا الحالتين نحن البشر نستطيع كتابة القوانين وفهمها، وتوقع نتائجها (مثلا: أن الحجر سيسقط لأسفل ولن يطير). ونعلم أن الكون قائم بالله سبحانه وتعالى، وهو يتدخل فيه لكن لا يمكننا قياس تدخله، لأن هذا التدخل ليس فيه خرق للقوانين، لكن المؤمن حين يلاحظ التوفيق في حياته فسيشعر أنه من عند الله الذي يسر له وهداه (مع التنويه إلى أنه لا يمكن لأحد أن يجزم أن ما يحصل له هو استجابة لدعائه، لأن ذلك في علم الغيب).
 
حين يحصل أمر جيّد أو سيئ لملحد فإنه ينسبه لحسن الحظ أو سوءه، أما نحن المؤمنون ننسب الأمور كلها لله ونحن نعلم أنه المدّبر لها... فالقضية في الأخير قضية إيمان وثقة وحسن ظن بالله، ولا يمكن لغير المؤمن أن يشعر بهذا الأمر.

لعل من الابتلاء أنها قضية ليست قابلة للتجربة معمليا، ومتعلقة بالغيب ولو قمنا بإجراء تجربة بهدف المقارنة بين "توفيق المؤمن" و"حظ الكافر" مثلا، لنرى أيهما الأكثر في المتوسط، فإنه من المرجح أن لا نجد فرقًا بينهما، وإلا لأصبح الأمر حجة على الكافر:

(إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء: 4)

لكن هذه الدنيا دنيا ابتلاء واختبار، ولو نزلت آية من السماء تخضع الأعناق لانتفت صفة الاختبار.

هذا غير أن الله لم يطلع على غيبه أحدا، فنحن لا نستطيع الجزم أهذا عدم توفيق أم ابتلاء (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) [سورة محمد 31] فلا نستطيع الجزم أن ما نراه توفيقا أو قلة توفيق هو في الحقيقة كذلك إذ أننا لا نرى المستقبل وما دُفع من شر أو جُلب من خير بهذا الذي نحسبه شرا: 


(وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة 216]

 س: ماذا عن هذه الآيات:  (ادعوني أستجب لكم)... (أجيب دعوة الداع إذا دعان)... (أمن يجيب المضطر إذا دعاه)؟


أنقل لكم قول الرازي إجابة على هذا السؤال: "أن هذه الآية وإن كانت مطلقة إلا أنه قد وردت آية أخرى مقيدة، وهو قوله تعالى: (بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) [الأنعام:41] ولا شك أن المطلق محمول على المقيد" [3]


ختامًا

شروط الدعاء: التأدب مع الله، عدم التواكل، اتخاذ الأسباب والسعي، احترام قوانين وسنن الكون، لا تدعوه لكي تحدث خارقة، بل ادعوه تضرعا بقلب يثبت الفِعل لله سبحانه، وأنت تعلم أنه خالق الأسباب ومسيّرها.

"لو كان الله سيؤيدك بنصره، فإن نصره سيتبع قواعد الحياة المادية وحساباتها المعروفة. سيلهمك لاكتشاف ثغرة في خطة العدو مثلاً. سيتخذ عدوك قرارًا لا يتصف بالحكمة. كلها أمور مادية عادية لن ترى فيها [خوارق] ولن يمكنك أن تتأكد [تجريبيا أو معمليا] أن هذا كان تدخلاً إلهيًّا لنصرك [لكن يمكنك كمؤمن أن تستشعر ذلك داخليًا بحسك الإيماني، ومع ذلك تبقى استجابة الدعاء في علم الغيب]. لأن كل ما يحدث أمامك هو من حسابات الحياة المادية البحتة. ولن ينزل قرآن جديد ليخبرك أنك كنت على الحق وأن الله أيدك بنصر من عنده." [4]





"﴿وَما لَكُم لا تُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ وَالمُستَضعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالوِلدانِ الَّذينَ يَقولونَ رَبَّنا أَخرِجنا مِن هذِهِ القَريَةِ الظّالِمِ أَهلُها وَاجعَل لَنا مِن لَدُنكَ وَلِيًّا وَاجعَل لَنا مِن لَدُنكَ نَصيرًا﴾ [النساء: ٧٥]


إن المستضعفين يتضرعون إلى ربهم كي يخلصهم من بطش الظالمين، لكن طبيعة هذا الدين وهذا الكون أن الأصل في الاستجابة أن تقع بوسائل عادية غير خارقة، بل إن الاستجابة لدعاء المستضعفين يجب أن تتم بواسطة المسلمين أنفسهم! لذا تجد المستضعفين في الآية قد دعوا بأن يجعل لهم من لدنه وليا ونصيرا، ولم يدعوا بإنقاذهم بما يخرق العادة! فالمسلم القوي هو وسيلة الله في استجابة دعاء المسلم المستضعف! فانتبه!" [5]

هامش

هذا المقال مستلهم من حوار مع الأخ الفاضل أحمد كمال قاسم وأعضاء آخرين بعالم الأكاذيب، وتمت كتابته بتوجيه ومساعدة منهم، والله أعلم. فإن أصبنا فمن الله وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان.

[1] مقتبس من مقال لفاطمة أم ثابت


[2] اقتباس من مقال "الدعاء وتناقضه مع العدل الإلاهي" لأحمد فاروق (مصدر)

[3] الرازي، التفسير الكبير، سورة البقرة، قوله تعالى وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان


[4] اقتباس من مقال "الله الذي لا ينصرنا" لعماد الدين السيد (مصدر)

[5] أحمد كمال قاسم


طالع أيضًا:

الله يجري إرادته بالأسباب والمسببات
أثر الدعاء في الواقع
كيف أعرف نتيجة صلاة الاستخارة؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: