من الأفكار الشائعة لدينا أن الأرض تم تعميرها عن طريق زواج أولاد آدم بأخواتهم، حيث تزوج كل أخ بأخت له من بطن أخرى، لأنه لم يكن هناك بشر آخرون غير آدم وزوجته وأولادهما (واللذان يشيع تسميتها بقابيل وهابيل رغم أن هذا الاسم من الإسرائيليات ولا أصل له في ديننا)، وأن حواء كانت تحمل بتوأم مكون من ولد وبنت، فكان كل ولد يتزوج من الأخت غير التوأم له. ولتبرير هذا الزواج يقولون بأن زواج الإخوة ببعضهم البعض كان حلالا وقتها ولم يحرم إلا بعدها، وأنه كان لآدم وأولاده شريعة أخرى مختلفة عن شريعتنا لا تحرم زواج المحارم. فما مدى صحة هذا الكلام؟
بصراحة أنا مستغربة من مدى انتشار هذا الكلام الذي بالأعلى، وأغلبنا إن لم يكن كلنا كمسلمين سمعناه وتشربناه وكبرنا به، يقصوه ويحكوه علينا كمسلمة من المسلمات... وقد كنت أعتقد أن هناك حديثًا أو أحاديث واردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بخصوصه وإلا كيف يكون هذا الكلام منتشرا وشائعا بهذه الطريقة إن كان دون دليل يدلل عليه؟
لكن للأسف وبالبحث تبين لي أنه لا يوجد حقا دليل يقول بهذا الكلام! تخيلوا!
جاء في موقع الإسلام سؤال وجواب: "أما كيف حصل تزاوج أولاد آدم عليه السلام، وكيف حصل نسلهم؟ فلم يثبت في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة بيان ذلك، وإنما نسب إلى بعض الصحابة – ويحتمل أنه مأخوذ من كتب أهل الكتاب – أن آدم عليه السلام كان يولد لزوجه في كل حمل ذكر وأنثى، فيزوج ذكر حمل بأنثى حمل آخر، وهكذا تكاثر أولاده ." (1)
طيب ما مصدر هذه القصة إن لم تكن جاءت لا من القرآن ولا من السنة الصحيحة؟ هل هي من الإسرائيليات؟
عندما تبحث تجد أن أهل الكتاب أيضا يقولون بأن أولاد آدم تزوجوا بأخواتهم، فهل جاء هذا الكلام في الكتاب المقدس؟ بحثت فوجدت أن الكلام غير موجود في الكتاب المقدس (2)! طيب ما مصدره ولماذا يقولون به؟ يقولون به لأنهم يؤمنون أن آدم أول البشر وأنه لم يكن هناك بشر آخرون غيره وزوجته وأولاده، فما الحل إذن لكي يتكاثر الجنس البشري؟ الحل عندهم هو زواج الأخوات بالإخوة... فالأمر تخمين بشري بحت سواء عندهم سواء عندنا، ولا دليل عليه لا في كتبهم ولا في كتبنا! فالأمر لا أصل له حتى لمن يحبون الأخذ من الإسرائيليات ويرون جواز الاستناد عليها في القصص.
معنى هذا الكلام أن إشكالية زواج المحارم بين أبناء آدم عبارة عن إشكالية مصطنعة من قصة مصطنعة لا أصل لها! يعني لا توجد شبهة في الموضوع لأن القصة غير موجودة أصلا، وهي مجرد اختراعات وتخمينات بشرية كتب لها القبول والانتشار في أوساط المسلمين لسبب أو لآخر!
لم نكن لنعترض عليهم لو قالوا بوضوح وصراحة هذه تخمينات بشرية لم ينزلها الله، وهي افتراضاتنا نحن البشر التي لا تلزم أحدا... لكن الاعتراض أن يتم عرض هذه القصة كأنها مسلمة من المسلمات التي لا شك فيها، حتى بتنا نعتقد لها أصلا في حديث صحيح! والمضحك المبكي عرضها كمسلمة من المسلمات ثم محاولة تبرير الشبهة وتلفيقها بقولهم أن زواج المحارم كان حلالا وقتها! وطبعا لا دليل على قولهم أنه كان حلالا!!
لكن، كيف انتشر النوع البشري؟ بمن تزوج أولاد آدم لكي يتكاثروا؟
هذا الأمر من المسكوت عنه، لم يذكره لنا القرآن، ولم تصلنا سنة صحيحة في خصوصه... والأمر المسكوت عنه ليس مهما ولا يهمنا من الناحية العقدية الدينية، يعني هو أمر هامشي جدا.
لكن كونه متروكا ومسكوتا يعني أنه يمكن للبشر البحث فيه بما يملكون من معارف وأدوات وعلوم... لكن ما هي المعارف التي نملكها اليوم ويمكن أن تفيدنا بهذا المجال؟
في وقتنا الحالي ما توصل له علمنا بخصوص خلق الإنسان هو نظرية التطور، ولو قبلنا بمعطيات هذه النظرية فيمكننا وضع افتراض هو أن آدم عليه السلام خُلق من سلالة بشرية عريقة تطورت عبر السنين، أي كان لآدم عليه السلام أم وأب، وكان هناك بشر آخرون وشعوب وأجناس أخرى معه، يصلح أن يتزوج بهم أولاده. وهذا افتراض بشري بحت، ويبقى العلم عند الله سبحانه وتعالى.
راجع أيضا:
آدم بين نظرية التطور وقصة الخلق
هل من نقطة التقاء ممكنة بين الدين ونظرية التطور؟
هل نظرية التطور متوافقة مع القرآن
مصادر:
(1)
(2)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق