ليس من شك في أن القرآن أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لغرض هو أسمى الأغراض وأنبلها، وهو هداية الناس إلى الحق عن طريقه، وإخراجهم مما هم فيه من الظلمات إلى النور.
أنزله الله ليطهر القلوب من رجس الخضوع لغيره، ويرشد الناس إلى العقائد الصحيحة، وإلى العلوم النافعة؛ وإلى الأخلاق الفاضلة التي تحفظهم وتحفظ المجتمع من مزالق الهوى والشهوة، وأنزله أيضًا ليرشد الناس إلى الأعمال الصالحة التي تسمو بالفرد والمجتمع إلى مكانة العزة والكرامة.
وقد أرشد القرآن نفسه إلى هذه الغاية أو الغايات في كثير من الآيات فقال تعالى: [(... قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)] ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن
رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ
لِّلْمُؤْمِنِينَ).
وبذلك كان القرآن شافيًا لأمراض القلب، التي تفسد على الإنسان حياته. وأمراض الصدور: جهل بالحق، وشبهة تضعف الإيمان، وشهوة تغري بالفساد.
وقد تضمن القرآن الكريم بنصوصه وإرشاداته ما يعالج البشرية من جهلها وشبهها وشهواتها.
ولم يختلف المسلمون الأولون في هذه الحقيقة، بل آمنوا بها وحددوا الغاية التي لأجلها نزل القرآن، فأقبلوا على حفظه ودرسه، يستخرجون نفائسه، ويتعرفون أحكامه، ثم أخذوا يعالجون به القلوب من رجس العقائد الباطلة، والأخلاق الفاسدة، ويدفعون به المجتمع إلى سبل الخير والفلاح.
ومن هذا نعلم ما كان للقرآن الكريم من أثر وتوجيه في حياة المسلمين الأولين، بيد أن المسلمين بعد ذلك ما لبثوا أن انحرفوا بالقرآن عما أنزل لأجله، واستخدم لأغراض لا تمت بأوهى الأسباب إليه، ولا هي مما ينبغي أن تستخدم أو تتخذ طريقًا إليه.
انحراف بالقرآن عن وجهته:
انحرف المسلمون المتأخرون بالقرآن الكريم إلى جهة أخرى لم يتجه بها أحد من المسلمين الأولين [...]. حتى إننا نرى المسلمين اليوم إلا من عصمه الله -وقليل ما هم- هجروا القرآن الكريم ككتاب هداية وإرشاد، وشاعت بينه مفكرة تقديسه من جهات أخرى هي:
جهة التداوي به من أمراض الأبدان.
وجهة استمطار الرحمة بقراءته على أرواح الموتى.
وجهة تسول الفقراء به واستغلال عاطفة الإيمان عن طريقه
هذه البدع الثلاث، أو المنكرات الثلاثة، كانت أثرًا لهجر المسلمين كتاب الله من الجهة التي أنزل لأجلها، وكانت في الوقت نفسه عنوانًا سيئًا على إيمان المسلمين من حيث لا يشعرون بمكانة تلك المعجزة الخالدة، التي جعلها الله سبيلًا لإنقاذ البشرية من الأوهام والخرافات.
وكانت مع هذا وذاك عنوانا على الجهل بنظام الأسباب والمسببات، الذي نظم الله عليه العالم، وهدى الناس إلى السير في سبيله (أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ).
يجعل الله القرآن سبيلا لإنقاذ البشرية من الأوهام والخرافات، وعكس نفر من المسلمين القضية فيجعلونه سبيلا من سبل الأوهام، وعنوانا على الجهل بأسرار الله ونظام الله.
الدين والعقل لا يقرّان هذا الانحراف:
وإن تعجب فعجب أن تكتب الآية القرآنية الحكيمة في إناء ثم تمحى بالماء. ثم يؤمر المريص بشربه، أو تكتب قطع صغيرة من الورق، ثم تلف كالبرشام، ويؤمر المريض بابتلاعها، أو تحرق تلك القطع ويبخر المريض بها على مرات، أو توضع في خرقة وتعلق حجابا "في مكان معين من جسم المريض"!!
وبهذا ونحوه اتخذ الدجالون القرآن الكريم وسيلة لكسب العيش عن طريق يأباه الإيمان، ويصدقه كثير من المسلمين.
وذلك فضلا عن أنه انحراف بالقرآن عما أنزل لأجله فإن فيه إفسادًا للعقول الضعيفة، وصرفا لأربابها عن طريق العلاج الصحيح، وتغييرًا لسنة الله في الأسباب والمسببات، واحتيالا على أكل أموال الناس بالباطل، وهذا تصرف لا يقره دين ولا يرضى به عقل سليم.
[...]
القرآن ودواء الأمراض البدنية:
إن الأمراض البدنية قد خلق الله لها عقاقير طبية فيها خاصة الشفاء، وأرشد إلى البحث عنها والتداوي بها.
[...]
أما القرآن فلم ينزله الله دواء لأمراض الأبدان، وإنما أنزله كما قال دواء لأمراض القلوب وشفاء لما في الصدور.
وإذا كانت أمراض الأبدان أمراضًا مادية وشفاؤها بأدوية مادية، فأمراض القلوب أمراض معنوية، وشفاؤها بأدوية معنوية. والقرآن قد عالج مرض الجهل بالعلم. ومرض الشبهة بالبرهان. ومرض الشهوة بالحكمة.
وما التداوي في الأمراض البدينة بالقرآن إلا كقراءة البخاري والختمات للنصر على الأعداء في ميدان القتال. وإلا كقراءة ما يسميه العامة "عدية يس" تحصيلا للرغبات. كلاهما وضع للعلاج المعنوي مكان العلاج المادي. وكلاهما قلب لنظام الله في خلقه. وعروج بالقرآن عما أنزل لأجله.
[...]
الرُّقية دعاء لا دواء:
أما الرقى بالأدعية فإنها تفسر على نوع من الدعاء، ولكنها لا تقبل على أنها دواء للمريض من الداء، فللأدواء علاجها مما خلق الله من العقاقير.
بعد هذا البيان لا يسعني إلا أن أدعو المسلمين إلى أن ينظروا للقرآن النظرة اللائقة بمكانته، وأن يضعوه في المرتبة السامية التي وضعه فيها المسلمون الأولون، وأن يمحوا من أذهانهم أن آياته نزلت لدواء الأبداء، أو لشفاء العلل، وإنما هو هدى ورحمة وتشريع، وتنوير للبصائر وسمو بالإنسانية، وتقويض للشرك وهدم للباطل ونصرة للحق، والله يهدينا سواء السبيل.
المصدر: كتاب الفتاوى: دراسة لمشكلات المسلم المعاصر في حياته اليومية العامة لمحمد شلتوت
ص105 إلى 214
إضافة مقتبسة بقلم حسن خالدي:
هناك آية يُستدلّ بها كثيرا للبرهنة على أنّ القرآن شفاء للأمراض النفسيّة وهي:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)
فيُفهم من "شِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ" أنّ ضيق الصدر والأزمات النفسية هي المقصودة
مع أن الآيات المشابهة لها تفسّر المعنى الصائب لها:
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)
فتأمّلوا "وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا" فما علاقة الصحة والمرض بالظلم والخسران؟
المعنى أنّه شفاء لما يعتلج الصدور من شك وأسئلة وجودية، ومن رفض شفاء الشبهات ذاك كان خاسرا...
وأخرى:
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ)
هنا أيضا يظهر السياق بعيدا كل البعد عن الصحة والمرض، بل هي قضية عمىً عن الهدى والأجوبة التي يقدّمها القرآن.. فما علاقة أن تُصمّ آذان الرافضين له بصحتهم النفسية!
ثم لماذا لا يُستدل بالآية للشفاء من داء السّل وسرطان الرئة.. فهي في الصدر تماما! أم قول ذلك مجازفة في حق المرض العضوي عكس المرض النفسي (هذا إن سمحنا لأنفسنا بهذا التقسيم أصلا)
إضافة مقتبسة بقلم حسن خالدي:
هناك آية يُستدلّ بها كثيرا للبرهنة على أنّ القرآن شفاء للأمراض النفسيّة وهي:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)
فيُفهم من "شِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ" أنّ ضيق الصدر والأزمات النفسية هي المقصودة
مع أن الآيات المشابهة لها تفسّر المعنى الصائب لها:
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)
فتأمّلوا "وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا" فما علاقة الصحة والمرض بالظلم والخسران؟
المعنى أنّه شفاء لما يعتلج الصدور من شك وأسئلة وجودية، ومن رفض شفاء الشبهات ذاك كان خاسرا...
وأخرى:
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ)
هنا أيضا يظهر السياق بعيدا كل البعد عن الصحة والمرض، بل هي قضية عمىً عن الهدى والأجوبة التي يقدّمها القرآن.. فما علاقة أن تُصمّ آذان الرافضين له بصحتهم النفسية!
ثم لماذا لا يُستدل بالآية للشفاء من داء السّل وسرطان الرئة.. فهي في الصدر تماما! أم قول ذلك مجازفة في حق المرض العضوي عكس المرض النفسي (هذا إن سمحنا لأنفسنا بهذا التقسيم أصلا)
كلام معتبر وأنا على ذلك من الشاهدين، ولكن ما ردكم بارك الله فيكم على حديث الصحابي الذي رقى لديغ العقرب بسورة الفاتحة سبع مرات فشُفي؟
ردحذفكلام معتبر وأنا على ذلك من الشاهدين، ولكن ما ردكم بارك الله فيكم على حديث الصحابي الذي رقى لديغ العقرب بسورة الفاتحة سبع مرات فشُفي؟
ردحذف