الأربعاء، 27 فبراير 2013

إشكاليات في تفسير الآيات ذات النسق التاريخي


جزم بعض المفسرين في تفسير الآيات ذات النسق التاريخي إما بتعيين أسماء بعض من أشار إليهم القرآن، أو بتحديد المناطق التي قد تكون الأحداث التاريخية ـوالتي أشار إليها القرآن جرت عليها.  لكن علينا في هذه الحالة أن ننظر إلى المسألة من عدة زوايا.

الأولى: أن معظم القضايا التاريخية غالباً تخضع ـكما هو معروفـ للترجيح لا الجزم، والتغليب لا القطع.

والثانية: ماهية المصادر التي استقى منها المفسر معلوماته عن هذه الشخصية أو هذا الحدث. فلا ريب أننا إذا لم نجد ذلك معيناً في القرآن أو الأحاديث النبوية الثابتة فإننا لا نعول عليه كثيراً، وسوف لا تتعدى المصادر حينئذ عن كتب العهد الكتب القديم والجديد (التوراة والإنجيل) أو كتب اليونان والرومان ، أو المصادر العربية، بالإضافة إلى المكتشفات الحديثة في مجال الآثار، فهل يا تُرى نستطيع الجزم بما تقول هذه المصادر؟

[طالع أيضا: ما هي الإسرائيليات؟ وهل يصح الاستدلال بها؟]

والثالثة: ينبغي أن نتبين الحكمة من إيراد الله تعالى للحوادث التاريخية في القرآن الكريم. فهل الهدف من ذلك تحديد أسماء المناطق أو الأشخاص الذين لهم ذكر في القصص القرآنية أم أن هناك أهدافاً أخرى. لا شك أنه ليس المقصود ذكر أشخاص أو مناطق بعينها بقدر ماهي رموز لأوضاع وحالات سادت في تلك العصور عالجها القرآن في كثير من آياته لتحقيق أغراض شرعية. ولعل من الأمثلة في هذا الباب تعيين شخصية ذي القرنين بالاسكندر المقدوني في بعض التفاسير. ومن الثابت تاريخياً أن هذا الرجل المعين كان رجلاً وثنياً. وتكفي هذه الصفة للرد على هذا الرأي. وقد تنبه ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" إلى هذا، ورجح أن يكون ذو القرنين هو أول القياصرة، وكان يدعى أيضاً الإسكندر، إلا أنه كان مؤمنا.

ومن الأمثلة على ذلك ـأيضاًـ تعيين بعض العلماء اسم الفرعون الذي غرق في زمن موسى. [طالع أيضا: هل هذا هو فرعون القرآن؟] وكذلك تحديد مكان أهل الكهف الوارد ذكرهم في القرآن ونحو ذلك. ولا يفهم من هذا الكلام أن ندعو إلى عدم الاستعانة بالقرآن الكريم لشرح القضايا التاريخية القديمة بل يجب الاستعانة به في هذا المجال لأنه أصدق الكتب وأوثقها. ولا حرج علينا من: إيراد أسماء أو مناطق ذكرتها المصادر بشرط التثبت منها إلى أقصى درجة من ناحية، والابتعاد عن الجزم القاطع من ناحية أخرى.

مقتبس من مقال التفسير العلمي للقرآن الكريم لـ
محمد بن إبراهيم أباالخيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: