الثلاثاء، 17 أكتوبر 2023

ما صحة المرويات التي تنتشر في أوساط المسلمين بخصوص الكعبة والحجر الأسود؟

 


ما صحة المرويات التي تنتشر في أوساط المسلمين بخصوص الكعبة والحجر الأسود؟


جاء في تفسير المنار (البقرة 127-129): "قوله -تعالى-: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} ظاهر في أنهما هما اللذان بنيا هذا البيت لعبادة الله -تعالى- في تلك البلاد الوثنية، ولكن القصاصين ومن تبعهم من المفسرين جاءونا من ذلك بغير ما قصه الله -تعالى- علينا، وتفننوا في رواياتهم عن قدم البيت، وعن حج آدم ومن بعده من الأنبياء إليه، وعن ارتفاعه إلى السماء في وقت الطوفان، ثم نزوله مرة أخرى، وهذه الروايات يناقض أو يعارض بعضها بعضا، فهي فاسدة في تناقضها وتعارضها، وفاسدة في عدم صحة أسانيدها، وفاسدة في مخالفتها لظاهر القرآن، ولم يستح بعض الناس من إدخالها في تفسير القرآن وإلصاقها به وهو بريء منها. ومن ذلك زعمهم أن الكعبة نزلت من السماء في زمن آدم، ووصفهم حج آدم إليها وتعارفه بحواء في عرفة، بعد أن كانت قد ضلت عنه بعد هبوطهما من الجنة، وحاولوا تأكيد ذلك بتزوير قبر لها في جدة. وزعمهم أنها هبطت مرة أخرى إلى الأرض بعد ارتفاعها بسبب الطوفان وحليت بالحجر الأسود، وأن هذا الحجر كان ياقوتة بيضاء -وقيل: زمردة- من يواقيت الجنة أو زمردها، وأنها كانت مودعة في باطن جبل أبي قبيس فتمخض الجبل فولدها، وأن الحجر إنما اسود لملامسة النساء الحيض له، وقيل: لاستلام المذنبين إياه، وكل هذه الروايات خرافات إسرائيلية بثها زنادقة اليهود في المسلمين ليشوهوا عليهم دينهم وينفروا أهل الكتاب منه.

الأستاذ الإمام: لو كان أولئك القصاصون يعرفون الماس لقالوا: إن الحجر الأسود منه؛ لأنه أبهج الجواهر منظرا وأكثرها بهاء، وقد أراد هؤلاء أن يزينوا الدين ويرقشوه برواياتهم هذه، ولكنها إذا راقت للبله من العامة، فإنها لا تروق لأهل العقل والعلم الذين يعلمون أن الشريف - هذا الضرب من الشرف المعنوي- هو ما شرفه الله -تعالى-، فشرف هذا البيت إنما هو بتسمية الله -تعالى- إياه بيته، وجعله موضعا لضروب من عبادته لا تكون في غيره كما تقدم، لا بكون أحجاره تفضل سائر الأحجار، ولا بكون موقعه يفضل سائر المواقع، ولا بكونه من السماء، ولا بأنه من عالم الضياء، وكذلك شرف الأنبياء على غيرهم من البشر ليس لمزية في أجسامهم ولا في ملابسهم، وإنما هو لاصطفاء الله - تعالى - إياهم، وتخصيصهم بالنبوة التي هي أمر معنوي، وقد كان أهل الدنيا أحسن زينة وأكثر نعمة منهم.

[...] والحديث يرشدنا إلى أن الحجر لا مزية له في ذاته فهو كسائر الحجارة، وإنما استلامه أمر تعبدي في معنى استقبال الكعبة وجعل التوجه إليها توجها إلى الله الذي لا يحدده مكان، ولا تحصره جهة من الجهات، على أنه قد غرز في طبائع البشر تكريم البيوت والمعاهد، والآثار والمشاهد التي تنسب للأحياء، أو تضاف إلى العظماء [...]." انتهى كلامه.

طالع أيضا:







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: