الثلاثاء، 3 أكتوبر 2023

حقيقة الدابة التي تكلم الناس - علامات يوم القيامة


[...] هذه الدابة قد قيل في شأنها [الكثير]، وعملت فيها الروايات والآثار عملها المعروف في كل أمر غيبي أخبر به القرآن، ولم يتصل به بيان قاطع عن الرسول عليه الصلاة والسلام قيل ذلك في حقيقتها، وقيل في صفتها، ومن أغرب ما قيل في حقيقتها أنها إنسان، وأنه علي رضي الله عنه وقيل: إنها ولد ناقة صالح فر هاربًا حينما عقر القوم أمه [...].

ومن أغرب ما قيل في صفة الدابة أن طولها ستون ذراعًا [...]، وأن لها مع جميع دواب الأرض مشابهة تامة في عضو من أعضائها: فلها وجه إنسان ورأس ثور، وعين خنزير، وأذن فيل [...].

وقال الإمام الرازي بعد أن حكى هو أيضًا شيئًا من أخبارها: "واعلم أنه لا دلالة في الكتاب في شيء من هذه الأمور؛ فإن صح الخبر فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل، وإلا لم يلتفت إليه" وهو يعني أنه لا يصح من أخبارها شيء غير المذكور في القرآن الكريم.

إسرائيليات مضللة يجب تنقية التفسير منها:

هذا. وقد فات المفسرين أن يضعوا حدًا لصون التفسير عن هذه الإسرائيليات التي أظلمت الجو على طلاب الهداية القرآنية، وشغلتهم عن اللب والجوهر بما ألصقته بالقرآن، وقصروا جهودهم على النبش فيما ألصق!

وليس هذا خاصًا -كما قلنا- بالدابة، وإنما هو ريح السموم هبت على كتب التفسير من نواح كثيرة في كل أمر غيبي أخبر به القرآن، ولم يتصل به بيان قاطع عن الرسول عليه السلام. فقد قيل مثله في "يأجوج ومأجوج" وفي "الصور" وفي "اللوح المحفوظ" وفي غيرها.

وقد تتبع بعض المفسيرين غرائب الأخبار التي ليس لها سند صحيح، وأغدقوا من شرها على الناس وعلى القرآن، وكان جديرًا بهم أن يقيموا بينها وبين الناس سدًّا يقيهم البلبة الفكرية فيما يتصل بالغيب الذي استأثر الله بعلمه، ولم ير فائدة لعباده في أن يطلعهم على شيء منه. وإذا كان للناس بطبيعتهم ولع بسماع الغرائب وقراءتها، فما أشد أثرها في إلهائهم عن التفكير النافع فيما تضمنه القرآن من آيات العقائد والأخلاق وصالح الأعمال!

الوقوف في شئون الغيب عند النصوص:

والذي أحب أن أقرره هنا -بهذه المناسبة فيما أخبر الله به من شئون الغيب التي لم يتصل بها بيان قاطع عن الرسول من الدابة، والصور، ونحوهما- هو:

أنا نؤمن به على القدر الذي أخبر الله به دون صرف اللفظ عن معناه، ودون زيادة عما تضمنه الخبر الصادق: فنؤمن مثلا بأنه سيكون في آخر الدنيا صور ينفخ فيه، فتكون صعقة، ثم ينفخ فيه أخرى، فيكون البعث؛ أما الخوض في حقيقته ومقداره وكيفية النفخ فيه، أو حمله على أنه تمثيل لسرعة إفناء العالم وبعثه بسرعة النفخة المعروفة للناس، فإنه رجم بالغيب، وتقول على الله بغير حق.

ونؤمن أن القرآن -كما أخبر الله- في لوح محفوظ، أما الخوض في حقيقته أو تأويله بأنه تمثيل لصونه عن التغيير والتبديل؛ فإنه رجم بالغيب، وتقول على الله بغير حق.

فتاوى الإمام محمد رشيد رضا
كتاب "فتاوى الإمام محمد رشيد رضا"

م
اذا يجب أن نعلمه عن الدابة:

وعلى هذا، بالنسبة إلى الدابة -نؤمن بأنه حينما يقع أمر الله [...]، ستظهر للناس دابة، ولكن: هل تتولد من الأرض، أو هي من دوابها؟ ذلك يعلمه الله. وهل هي صغيرة أو كبيرة، وعرضها كذا وطولها كذا. وهل تحمل معها عصا موسى، وخاتم سليمان أولا تحمل شيئًا؟ ذلك يعلمه الله؛ نؤمن فقط أن دابة ستخرج وتكلم الناس، هل تكلمهم بلسان عربي ذَلْقٍ، أو بغيره؟ كذلك هذا يعلمه الله، نؤمن بها وبكلامها دون استبعاد أو إنكار. 

نعم. يجب الوقوف في الإيمان به عند الحد الذي جاء به الخبر الصادق، ولا ينبغي التصرف فيه بالحمل على التمثيل، أو الزيادة عليه، وضم شيء إليه، فضلا عن استبعاده أو إنكاره؛ وهذا هو شأن المؤمنين بالله، وبكتابه وغيبه.

المصدر: الفتاوى؛ محمد شلتوت: ص54 إلى ص58

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: