بعض الملحدين ومثيري الشبهات يدعون وجود أخطاء لغوية نحوية في القرآن الكريم.
عزيزي الملحد:
اعذرني إن قلت إن هذه الشبهة مضحكة لأنه حتى على افتراض أن القرآن من عند محمد وليس من عند الله، فلن تجد أخطاء لغوية، لأن العرب في ذلك الوقت هم منبع اللغة العربية التي نعرفها اليوم.
يعني "اعذرني" ولكن اسحب شبهتك لأنها مضحكة!
لا تنسَ عزيزي الملحد أن قواعد اللغة من نحو وصرف وضعت بعد القرآن وليس قبله، حتى تحاكِم أنت القرآن لها! وعندما وضعها النحويون رجعوا للقرآن ولكلام العرب من شعر ونحوه واستخدموها كمرجع لوضع قواعد اللغة، فالنحويون يستشهدون بالقرآن على القاعدة النحوية لا العكس!
بالتالي حتى لو كان القرآن من عند أبي جهل أو أبي لهب وليس من عند الله فأيضًا لن يكون فيه أخطاء لغوية.
اللغة بالأصل سماعية لا قاعدية، فالعربي آنذاك ينطق بالفاعل مرفوعا دون أن يتعلم قاعدة لذلك، ووضعت القواعد في عصور لاحقة لمن عربيته ليست سليقة، والذين يتشدقون بمخالفة القواعد للقرآن هم من تعلموها تعلما لا كسليقة العرب، وقريش والمشركون آنذاك كانوا عربا أقحاحا ويتلمسون أخطاء القرآن وما استشكلوا عربية القرآن كما يستشكلها أعاجم العرب.
ثم أن الأخطاء المدعاة لا يجهلها صبي صغير درس اللغة العربية، فكيف بالقرآن وهو قد جاء من عصر الفصاحة والعروبة؟
والصحيح أن لقبائل العرب لهجات تختلف قليلا عن بعضها في القواعد النحوية، فمن السذاجة أن نعتبر هذه اللهجات أخطاء لغوية! ولذلك نجد أن في النحو مدارس، وهناك اختلافات بين النحويين في بعض القواعد وسببه اختلاف لغات القبائل. ورغم اختلافه فكله صحيح إلا أن مقعدي اللغة كان أغلب تقعيدهم لما هو شائع في لغات العرب وأهملوا الأقل شيوعا، والقرآن قد يجيء فيه جمل عربية فصيحة صحيحة ولكنها على غير لغة الشائع فيتوهم الأعاجم مخالفتها للعربية.
فلا يصح استخدام قواعد اللغة لمحاكمة أي كلام وصلنا من تلك العصور سواء كان شعرًا أو قرآنًا أو غيره.
من كتاب تنزيه القرآن عن دعاوى المبطلين (اضغط لتكبير الصورة) |
مراجع:
هذه المقالة مستفادة من كتابَيْ (سابغات / أحمد السيد). وكتاب ( تنزيه القرآن عن دعاوى المبطلين / منقذ السقار) ونقلنا المضمون ولكن بصياغة أخرى ومع اختصار شديد ومن أراد التوسع فليراجع الكتابين
طالع أيضًا:
===
"وبنزول القرآن عرف العرب أول مرةٍ الصورة ذات الأبعاد المتعدّدة، ولم يعد أمام البلاغيّين من خيار، عندما بدأوا يضعون للبلاغة العربية قوانينها ويحلّلون أجزاء الصور البيانيّة فيها، إلّا غضُّ النظر عن تلك الصور القرآنيّة الجديدة، وتجاهُلُها في دراستهم لأنّها لا تستجيب لقواعدهم، أو بالأحرى لأنّ قواعدهم البشريّة المحدودة لم تستطع الإحاطة بأبعادها واستيعابَها.
والأخطر من هذا أنّ من أراد أن ينال من الإسلام ومن القرآن وجد في غرابة الصور القرآنيّة وخروجها عن المقاييس التقليديّة ما ظنّ أنّه ثغرةٌ ينفُذ منها إلى عقيدة المسلمين، كما فعل ابن الراوندي، المتزندق المشهور، وهو الذي يتغنّى أصحابه اليوم بعقليّته التجديديّة وتجاوزِه بأفكاره للعصر الذي عاش فيه، وذلك حين علّق على قوله تعالى: (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112]
فقال لابن الأعرابيّ، إمامِ اللغة والأدب: "هل يُذاق اللباس؟ فقال له ابن الأعرابيّ: لا بأس أيّها النَسنانس، هَبْ أنّ محمّدًا ما كان نبيًّا، أما كان عربيًّا؟ كأنّه طَعنَ في الآية بأنّ المناسب أن يُقال: فكساها اللهُ لباسَ الجوع، أو: فأذاقها اللهُ طعمَ الجوع".
أرأيت كيف أنّ خيال العرب، حتّى عند أولئك الذين تأخّروا قرونًا بعد عصر الوحي، ومن نُسب منهم إلى الحداثة والثورة والتجديد خاصّة، لم يكن حتّى ذلك الحين مهيّأً للصدمة البلاغيّة الكبيرة التي أحدثها القرآن في الصورة البيانيّة؟ فأدبهم عامّةً وشعرهم خاصّةً، لم يعرف للصورة أكثَر من بُعدٍ واحدٍ، أو جسرٍ واحدٍ، يصل بين طرفين اثنين لا ثالث لهما: المشبّه والمشبّه به؟
إنّهم لم يعرفوا من قبلُ كيف يتعاملون مع صورةٍ ثلاثيّة الأطراف، كآية سورة (النحل) فيَعبُرون بين الأطراف الثلاثة على جسرين متواليين، أو يقفزون قفزتين واحدةً بعد أخرى:
1- الجوع والخوف هما كاللباس المحيط بالجسم من كلّ الجهات،
2-والإحساس بهذا اللباس الصعب يشبه الإحساس بمَذاق الطعام المرّ.
وهكذا يصبح الجوع والخوف لباسًا، واللباسُ طعامًا يُذاق أو يؤكَل."
أحمد بسام ساعي
المعجزة : إعادة قراءة الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم - الجزء الأول
ص250-251
===
"ويعجبني قول بعض الأئمة، وأظن أنه أبو بكر بن العربي: من العجيب أن النحويين إذا ظفر أحدهم ببيت شعر لأحد أجلاف الأعراب يطير فرحا به ويجعله قاعدة، ثم يشكل عليه إعراب آية من القرآن فلا يتخذها قاعدة، بل يتكلف في إرجاعها إلى كلام أولئك الأجلاف وتصحيحها به كأن كلامهم هو الأصل الثابت [...]." تفسير المنار، البقرة 200-203.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق