الأحد، 2 سبتمبر 2018

تراثنا لا يتجدد بالتكرار والتقليد

إن الفارق بين الفكر الديني الحالي والفكر الديني الكلاسيكي في عصور الازدهار -وقبل الدخول في عصور التقليد- هو الفارق بين (التقليد) و(الإبداع) بين (التعصب) و(التسامح)، بين (الانغلاق) وضيق الأفق من جهة، وبين (الانفتاح) الحر الخلاق من جهة أخرى. أما الفريق الثاني من الباحثين (الوارثين) فإنهم يتعاملون مع التراث تعامل الذي يريد أن ينمّي هذا التراث ويضيف إليه، ولا يكتفي بمجرد استهلاكه والاعتماد عليه. إن هذا التراث لا يتجدد بالتكرار والتقليد، بل يتجدد بمداومة بحثه ودراسته وتحليله كلما استجدت مناهج، واتسعت قدرة العقل الإنساني معرفيًا على إدراك ما لم يكن مدركًا، وعلى القدرة على قياس ما كان من قبل لا يخضع للقياس. إن وحدة المعرفة الإنسانية، واتساعها بوتائر متزايدة ومتسارعة هي التي تفرض الفحص المجدد وإعادة القراءة الدائمة، لاكتشاف ما لم يكن ممكنًا كشفه من قبل في هذا التراث. وليس صحيحًا أنه لم يترك الأول للآخر شيئًا، وقول عنترة العبسي في معلقته المشورة:

هل غادر الشعراء من متردم . . أم هل عرفت الدار بعد توهّم

إنما يتعلق بإشكالية (التعبير) الشعري، ولا علاقة له بإشكالية (التقدم) الفكري

إن المتأخّر يقف على أكتاف المتقدّم، أي يقف على وعي الأسلاف مضافًا إليه وعي عصره. وهو ما يمنحه اتساعًا في الرؤية لم تكن متاحة للأسلاف. استعارة الوقوف على (الأكتاف) تضيئ هذه الفكرة، فالأعلى يتسع مجال إدراكه -ولو كان طفلًا- أكثر من مجال إدراك من يقف على كتفيه، ولو كان رجلًا ناضجًا.

نصر حامد أبو زيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: