هذا المقال الثالث من بضع مقالات حول الإعجاز العلمي ومشاكله المنهجية.
* نأتي الآن على آيات الإحكام والضّبـْـط والتِّبيان والتفصيل والحُجّية:
- {ألر، كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)} هود
هذا الكتاب الذي أحكمت آياته بمعنى تنزّهت عن كل خلل ونقص، ثم فُصّلت في أي شيء؟ في العلوم؟ طيّب؛ لو كان الأمر كذلك، فهل التفصيل يقتضي أن تكون آياته مبهمة غامضة ومشفّرة إلى أن يحين عصرنا؟! أهذا معنى التفصيل؟!
هذا الكتاب الذي أحكمت آياته بمعنى تنزّهت عن كل خلل ونقص، ثم فُصّلت في أي شيء؟ في العلوم؟ طيّب؛ لو كان الأمر كذلك، فهل التفصيل يقتضي أن تكون آياته مبهمة غامضة ومشفّرة إلى أن يحين عصرنا؟! أهذا معنى التفصيل؟!
- {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)} البقرة
بيِّنات بمعنى واضحات، فأي وضوح نجده في "الإعجاز العلميّ" وقد خفِي على العُلمَاء دهْرا؟ ونجد فيه ليّا لعُنق النّص واستعانة بأحدث المكتشفات التي لولاها لما كانت مفهومة أصلا!
ولْـنُسلّم فرضا أنّ ذلك الوضوح والتفصيل والإبلاغ يَطال العلوم والتقنيات أيضا، سيحقّ لنا بعد ذلك التساؤل كالتالي:
بيِّنات بمعنى واضحات، فأي وضوح نجده في "الإعجاز العلميّ" وقد خفِي على العُلمَاء دهْرا؟ ونجد فيه ليّا لعُنق النّص واستعانة بأحدث المكتشفات التي لولاها لما كانت مفهومة أصلا!
ولْـنُسلّم فرضا أنّ ذلك الوضوح والتفصيل والإبلاغ يَطال العلوم والتقنيات أيضا، سيحقّ لنا بعد ذلك التساؤل كالتالي:
- إمّا أن يكون الوحيْ مبيِّنا ومُوضِّحا لمباحث العلوم والتقنيات، فكان ذلك مُوجَّها لقوم لمْ يفقهوا فيها شيئا ولم يستنْبِطوا منها تِـقَنية ولا علما (طبيعيا) فيكون ذلك ضياعا للبيان وعبَثا تعالى الله عنه، ويكون الإنذار من الكفر بها شططا... إذ لا يمكن أن يتوعّد الله بالعذاب مَن كفر بشيء لم يفهمه أصلا!
- أو يكون الوحي ذا بيان وتفصيل في الإعجاز العلمي، ثم كفر به الأوائل في زمن نزوله ففسقوا بذلك، إذ أن صفة الفسق رهينة بمعرفتهم واستيعابهم تلك الآيات المرفوضة، فيكونون كمن أنكر شيئا عن بيّنة. ولكنّ المعضلة هنا أن الإعجاز العلمي لم يكن قائما آنذاك، لغياب المحتوى العلميّ من أساسه، وغياب المقارنات وعجز العقول عن فهم قضاياه...
طبعا يبقى احتمال أخير هو: أن يكون البشر منذ عهد الرسالة إلى حدّ بزوع فجر العلوم غير معنيّين وغير مكلّفين. وتكون الرسالة موجّهة للناس في القرون المتأخرة فقط!!
- أو يكون الوحي ذا بيان وتفصيل في الإعجاز العلمي، ثم كفر به الأوائل في زمن نزوله ففسقوا بذلك، إذ أن صفة الفسق رهينة بمعرفتهم واستيعابهم تلك الآيات المرفوضة، فيكونون كمن أنكر شيئا عن بيّنة. ولكنّ المعضلة هنا أن الإعجاز العلمي لم يكن قائما آنذاك، لغياب المحتوى العلميّ من أساسه، وغياب المقارنات وعجز العقول عن فهم قضاياه...
طبعا يبقى احتمال أخير هو: أن يكون البشر منذ عهد الرسالة إلى حدّ بزوع فجر العلوم غير معنيّين وغير مكلّفين. وتكون الرسالة موجّهة للناس في القرون المتأخرة فقط!!
- وآية أخرى قريبة من سابقتها {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)} الأنعام
فهل يؤاخذ الله الناس بتكذيبهم لشيء لا يمكنهم معرفة صدقه وعلوّه على سائر كلام البشر، وقد وصفه الله تعالى بـ "البيّن الواضح"؟
- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)} النساء
قد جاءنا برهان من ربّنا ونور مبين، أي دليلُ هداية نيّرة.
والسؤال: هذا البرهان الذي هو الحجة، في أي شيء أقام البرهان والحجّة؟ وهذا النور المبين الساطع في أي شيء سطع؟
أين هي إذن البراهين والحجج الخاصة بالعلوم والمكتشفات؟ فالبرهان يكون حجة ومرجعا، فهل نعود لمرجع طبي وفلكي أو فيزيائي أثناء البحث في العلوم أم نعود إلى "البرهان والحجة" من الوحي؟
- وتأمّلوا معي الجملة بعد "نورا مبينا"؛ قد ذكر الله تعالى الإيمان بالله والاعتصام به، ولم يذكر علما ولا طبيعة ولا مجرات ولا كروية ولا سطحيّة...! إنما ذكر الإيمان والاعتصام بطاعته وسبيله. وهذا يؤكّد أن الوَحيْ جاء ليَـفْصل ويجازي في القضايا التعبدية العقدية...
وبهذا يكون برهانا ونورا في قضايا الاعتقاد والأخلاق والسلوك والتشريعات...
- وهذه {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)} الحج
ولا يُمكن أن تتم الهداية إلا بتمام الفهم والوعي والتكليف.
* ربما يعترض علينا إخوتنا بقولهم:
- آيات الإعجاز العلمي تصبّ في التعبد والاعتقاد أيضا، ولا يتعارض هذا مع الوظيفة الأساسيّة للوحي. إضافة إلى أن تلك الآيات قليلة في القرآن، وممكنٌ وجودها فيه ولن تؤثّر على حجيّته في أزمنة التخلّف العلميّ...
نقول طيّب، نسلّم بهذا "تنزّلا" وننتقل إلى آيات أخرى:
فهل يؤاخذ الله الناس بتكذيبهم لشيء لا يمكنهم معرفة صدقه وعلوّه على سائر كلام البشر، وقد وصفه الله تعالى بـ "البيّن الواضح"؟
- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)} النساء
قد جاءنا برهان من ربّنا ونور مبين، أي دليلُ هداية نيّرة.
والسؤال: هذا البرهان الذي هو الحجة، في أي شيء أقام البرهان والحجّة؟ وهذا النور المبين الساطع في أي شيء سطع؟
أين هي إذن البراهين والحجج الخاصة بالعلوم والمكتشفات؟ فالبرهان يكون حجة ومرجعا، فهل نعود لمرجع طبي وفلكي أو فيزيائي أثناء البحث في العلوم أم نعود إلى "البرهان والحجة" من الوحي؟
- وتأمّلوا معي الجملة بعد "نورا مبينا"؛ قد ذكر الله تعالى الإيمان بالله والاعتصام به، ولم يذكر علما ولا طبيعة ولا مجرات ولا كروية ولا سطحيّة...! إنما ذكر الإيمان والاعتصام بطاعته وسبيله. وهذا يؤكّد أن الوَحيْ جاء ليَـفْصل ويجازي في القضايا التعبدية العقدية...
وبهذا يكون برهانا ونورا في قضايا الاعتقاد والأخلاق والسلوك والتشريعات...
- وهذه {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)} الحج
ولا يُمكن أن تتم الهداية إلا بتمام الفهم والوعي والتكليف.
* ربما يعترض علينا إخوتنا بقولهم:
- آيات الإعجاز العلمي تصبّ في التعبد والاعتقاد أيضا، ولا يتعارض هذا مع الوظيفة الأساسيّة للوحي. إضافة إلى أن تلك الآيات قليلة في القرآن، وممكنٌ وجودها فيه ولن تؤثّر على حجيّته في أزمنة التخلّف العلميّ...
نقول طيّب، نسلّم بهذا "تنزّلا" وننتقل إلى آيات أخرى:
{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين (67) }
والآن، هل الرسول صلى الله عليه وسلم بلّغ أو لم يبلّغ؟ حاشاه أن يخون الرسالة أليس كذلكم؟
اتّفاقنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلّغ أحسن التبليغ، كيف لا وهو الذي قال في حقّه ربُه تعالى {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)} التكوير. لم يرفع عنه تُهمة التغيير أو التحريف أو التكاسل فحسب، بل نفى عنه البُخل الذي هو ضدّ الكرم والتفضّل... وبهذا نتساءل عن حقيقة غياب الإعجاز العلمِي وقضاياه ومباحثه من الرسالة النبويّة... ذلك الغياب الذي يعني بالضرورة تضييع الأمانة من قِبل النبي الكريم! (إن كان الإعجاز من الوحي والتبليغ كما سلّمنا تنزّلا)
- ربما يُقال أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلّغ الوحي كما هو، ومنهما استنبطنا الإعجاز كما استنبط الفقهاء والأصوليون شتّى العلوم والقواعد.
أقول: هذا قياسٌ جيّد لولا وجود فارق يهدمه، وهو أنّ النبي عليه السلام بلّغ القرآن وبلّغ معه فهمه أيضا، وما لم يقله قد فعله (السنة الفعليّة) ولا نجد في الفهم المبلّغ إلينا شيئا من الإعجاز ولو حتّى جزءً صغيرا! بــيْد أننا نَجِد أسُسَ العُلُـوم الفقهية والأصولية وقواعدها مبعثرة وقد عُمل بها، ثم جَمَعها العلماء واستنبطوها وصنّفوا فيه الكتب. (مثل ما حصل في اللغة والنحو)
إضافة إلى أنّ حجة تبليغ الوحي خالصا دون فهم معه يُرافقه، قد تكون صائغة أيضا للفِرق الباطنيّة ésotérique التي حرّفت الإسلام وتأوّلته وجعلت من الدين "مُبهما" (للخواص) و"واضحا" (للعوام) و"عميقا" (للصفوة) و"سطحيا" (للسّذج والرعاع)!
- وحتّى إن قلنا أن العلماء والمفكرين بعد النبي صلى الله عليه وسلّم قد برعوا في "فكّ شيفرة الإعجاز العلميّ المخبّأ! " فإنّهم لم يستطيعوا ذلك إلا بعد أن علموا وتوصّلوا فعليا، وبشكل كامل، لماهية الظاهرة التي يبحثون فيها... فكان استدلالا بالعِلم على "الإعجاز" (إن صحّ التعبير) ولم يكن "استنباطا" له من الوحيْ. وما كان يحتاج دليلا على وجوده ولا يُقوم إلا بقيام شيء آخر غيرِه، لا يُسمّى "إعجازا" ولا يصلح للتّحدّي أبدا... إذ من طبيعة التحدّي "الاستباقيّة" والقهر والاستعلاء. فلا يُمكن ادّعاء هذا في "الإعجاز" إذ أنّ الخبراء في نهاية المطاف يفهمون بجهودهم وحدها، ويكون بين أيديهم علم أكثر دقّة وتفصيلا ممّا تحدّاهم به الوحي (فرَضا)... وهذا ما لا يُعقل ولا يليق البتّة!
- كلام غير مقنِع؟
والآن، هل الرسول صلى الله عليه وسلم بلّغ أو لم يبلّغ؟ حاشاه أن يخون الرسالة أليس كذلكم؟
اتّفاقنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلّغ أحسن التبليغ، كيف لا وهو الذي قال في حقّه ربُه تعالى {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)} التكوير. لم يرفع عنه تُهمة التغيير أو التحريف أو التكاسل فحسب، بل نفى عنه البُخل الذي هو ضدّ الكرم والتفضّل... وبهذا نتساءل عن حقيقة غياب الإعجاز العلمِي وقضاياه ومباحثه من الرسالة النبويّة... ذلك الغياب الذي يعني بالضرورة تضييع الأمانة من قِبل النبي الكريم! (إن كان الإعجاز من الوحي والتبليغ كما سلّمنا تنزّلا)
- ربما يُقال أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلّغ الوحي كما هو، ومنهما استنبطنا الإعجاز كما استنبط الفقهاء والأصوليون شتّى العلوم والقواعد.
أقول: هذا قياسٌ جيّد لولا وجود فارق يهدمه، وهو أنّ النبي عليه السلام بلّغ القرآن وبلّغ معه فهمه أيضا، وما لم يقله قد فعله (السنة الفعليّة) ولا نجد في الفهم المبلّغ إلينا شيئا من الإعجاز ولو حتّى جزءً صغيرا! بــيْد أننا نَجِد أسُسَ العُلُـوم الفقهية والأصولية وقواعدها مبعثرة وقد عُمل بها، ثم جَمَعها العلماء واستنبطوها وصنّفوا فيه الكتب. (مثل ما حصل في اللغة والنحو)
إضافة إلى أنّ حجة تبليغ الوحي خالصا دون فهم معه يُرافقه، قد تكون صائغة أيضا للفِرق الباطنيّة ésotérique التي حرّفت الإسلام وتأوّلته وجعلت من الدين "مُبهما" (للخواص) و"واضحا" (للعوام) و"عميقا" (للصفوة) و"سطحيا" (للسّذج والرعاع)!
- وحتّى إن قلنا أن العلماء والمفكرين بعد النبي صلى الله عليه وسلّم قد برعوا في "فكّ شيفرة الإعجاز العلميّ المخبّأ! " فإنّهم لم يستطيعوا ذلك إلا بعد أن علموا وتوصّلوا فعليا، وبشكل كامل، لماهية الظاهرة التي يبحثون فيها... فكان استدلالا بالعِلم على "الإعجاز" (إن صحّ التعبير) ولم يكن "استنباطا" له من الوحيْ. وما كان يحتاج دليلا على وجوده ولا يُقوم إلا بقيام شيء آخر غيرِه، لا يُسمّى "إعجازا" ولا يصلح للتّحدّي أبدا... إذ من طبيعة التحدّي "الاستباقيّة" والقهر والاستعلاء. فلا يُمكن ادّعاء هذا في "الإعجاز" إذ أنّ الخبراء في نهاية المطاف يفهمون بجهودهم وحدها، ويكون بين أيديهم علم أكثر دقّة وتفصيلا ممّا تحدّاهم به الوحي (فرَضا)... وهذا ما لا يُعقل ولا يليق البتّة!
- كلام غير مقنِع؟
لنتأمّل هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)} البقرة.
"من بعد ما بيّناه للنّاس في الكتاب" توضّح أنّ البيّنات والهدى مبيّنة في الكتاب لا في غيْره ولا تحتاج مصدرا خارجيّا لدعمها أو توضيحها (لأننا هنا نتكلّم عن الإعجاز في القرآن بالدرجة الأولى... ولا يصبّ هذا في جدال "الكتاب واستغنائه عن السنّة!)
وأيضا أنّ غياب ذلك في وقت النبي صلى الله عليه وسلّم والصحابة ومن بعدهم إلى وقتنا، يدلّ على أنّهم كتموه حتّى اكتشفناه، وبهذا تقع عليهم اللّعنة، لأنّهم كتموا شيئا موضّحا في الكتاب نفسه!؟ هل يقول بهذا عاقل؟!
علاوة على أنّ وُضُوحَه في الكتاب كما أسلفنا يُغْني عن التنقيب عنه ويَستبْعد كِتمانه، لأنّه واضح مبيَّن...
"من بعد ما بيّناه للنّاس في الكتاب" توضّح أنّ البيّنات والهدى مبيّنة في الكتاب لا في غيْره ولا تحتاج مصدرا خارجيّا لدعمها أو توضيحها (لأننا هنا نتكلّم عن الإعجاز في القرآن بالدرجة الأولى... ولا يصبّ هذا في جدال "الكتاب واستغنائه عن السنّة!)
وأيضا أنّ غياب ذلك في وقت النبي صلى الله عليه وسلّم والصحابة ومن بعدهم إلى وقتنا، يدلّ على أنّهم كتموه حتّى اكتشفناه، وبهذا تقع عليهم اللّعنة، لأنّهم كتموا شيئا موضّحا في الكتاب نفسه!؟ هل يقول بهذا عاقل؟!
علاوة على أنّ وُضُوحَه في الكتاب كما أسلفنا يُغْني عن التنقيب عنه ويَستبْعد كِتمانه، لأنّه واضح مبيَّن...
- مهلا .. ! مهلا.. ! كل هذه الادلّة التي أتيتَ بها لا تنفي وجود إعجاز في ديننا، لأنّه آخر الرسالات وكانت معجزتُه نوعا من الاستباق وإقامة الحجة على عصور العلم المستقبليّة...
* طيّب... كلامي السابق غير مُقنِع، وفيه تقعير وسفسطة؟! فما رأي القارئ الكريم أن ننتقل إلى آيات أخرى خاصة بأهل الكتاب قبلنا، إذا تأمّلناها وجدْناها ذات دلالة في هذا الباب؟
وأيّما أحد استثقل ما قلتُ آنفا، وأصرّ على وجود إعجاز في القرآن والسنّة، كان لزَاما عليْه قُبُـول ما سَيَأتي احترَامَا لمنطقِه وتنَاسُقا مع فكرته: (وهذه الآيات ليست نصرة لوحدة الأديانْ كما سيظنّ المتسرّعون)
قال الله تعالى في حقّ محمد صلى الله عليه وسلّم:
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)} آل عمران
وأيضا: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا...(92)} الأنعام
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ...(48)} المائدة
وقد قالها الله تعالى في شأن عيسى عليه السلام: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ...(50)} آل عمران
الشاهد في كل الآيات: "بالحقّ...مصدّقا لما بين يديه" أي موافقا لما قبله من الكتُب السابقة، وليس أي موافقة، بل هي موافقة في الحقّ. ممّا يعني أنّ الحق الذي عندنا هو مصدّقٌ لحق نزل قبلَه في التوراة والإنجيل.
وآية أخرى تصف لنا التوراة بالهدى والنور:
{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار...(44)} المائدة
{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)} الأحقاف
* طيّب... كلامي السابق غير مُقنِع، وفيه تقعير وسفسطة؟! فما رأي القارئ الكريم أن ننتقل إلى آيات أخرى خاصة بأهل الكتاب قبلنا، إذا تأمّلناها وجدْناها ذات دلالة في هذا الباب؟
وأيّما أحد استثقل ما قلتُ آنفا، وأصرّ على وجود إعجاز في القرآن والسنّة، كان لزَاما عليْه قُبُـول ما سَيَأتي احترَامَا لمنطقِه وتنَاسُقا مع فكرته: (وهذه الآيات ليست نصرة لوحدة الأديانْ كما سيظنّ المتسرّعون)
قال الله تعالى في حقّ محمد صلى الله عليه وسلّم:
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)} آل عمران
وأيضا: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا...(92)} الأنعام
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ...(48)} المائدة
وقد قالها الله تعالى في شأن عيسى عليه السلام: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ...(50)} آل عمران
الشاهد في كل الآيات: "بالحقّ...مصدّقا لما بين يديه" أي موافقا لما قبله من الكتُب السابقة، وليس أي موافقة، بل هي موافقة في الحقّ. ممّا يعني أنّ الحق الذي عندنا هو مصدّقٌ لحق نزل قبلَه في التوراة والإنجيل.
وآية أخرى تصف لنا التوراة بالهدى والنور:
{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار...(44)} المائدة
{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)} الأحقاف
ووصفها الله تعالى بالفرقان:
{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)} البقرة
{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)} البقرة
وكان فيه تفصيل كل شيء:
{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)} الأنعام
{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)} الأنعام
مثل ما وُصف به القرآن تماما:
{مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْء... (111)} يوسف
{مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْء... (111)} يوسف
فالتّوْراة هي أيضا هُدى ونور وقْتَ نزولها، وإمام ورحمة، وفرقان، وتفصيل. وكلّ هذه صفاتٌ للقرآن أيضا، وهذا مما توافقا فيه قبل التحريف.
الشيء نفسه مع الإنجيل:
{وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)} المائدة
فهو هدى ونورٌ، بل أيْضًا مُصدِّقٌ لما قبله من التوراة.
{وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)} المائدة
فهو هدى ونورٌ، بل أيْضًا مُصدِّقٌ لما قبله من التوراة.
وبهذا نُلاحظُ أنّ القرآن مصدق بالحق للإنجيل، والإنجيل بدوره مصدقٌ بالحق للتوراة، إضافة إلى اجتماعهم على صفات: الهدى؛ النور؛ الفرقان؛ الرحمة.
- والآن ألا يحق لنا التساؤل عن شيء مهمّ هنا:
لو كانت الكتب السماويّة (بغض النظر عن قضية التّحريف) تجتمع على الحق والهدى والنور وتشكّل فرقانا وتفصيلا، سيكون الإعجاز شيئا مشتركا بينها أيضا. فكيف يُعقل أن تتطابق صفات الكتب السماويّة في كل شيء، إلاّ في الإعجاز العلميّ، خصوصا أنّ القرآن "مصدّق" لها، فكيف لا يتوافق معها في هذه الحيثيّة؟!
ومن قال بالاستثناء فعليه الدليل...
وبما أنّ الكُتُب السماوية مُشتركة في ذلك، فإن أهل الكتاب بصفتهم أتباعا لها، لهم أيضا إعجازٌ في دينهم، خاص بهم وبزمانهم وكان تحدّيا لأقوامهم.
وهذا ما نشاهده عندهم اليوم أيضا، فهناك هيئات إعجازية لها نفس الرؤيا الإعجازية لوحيهم.
إذنْ... لمْ يتميّز المسلمون في شيء بخصوص هذا الباب، وليس حكرا عليهم، ومن الإنْصاف (ومَبَادئ البحث العلميّ) أنْ يكُون البَحْث في كل المصادر التي فيها معلومات علمية حتى إن كانت التوراة والإنجيل!
لو كانت الكتب السماويّة (بغض النظر عن قضية التّحريف) تجتمع على الحق والهدى والنور وتشكّل فرقانا وتفصيلا، سيكون الإعجاز شيئا مشتركا بينها أيضا. فكيف يُعقل أن تتطابق صفات الكتب السماويّة في كل شيء، إلاّ في الإعجاز العلميّ، خصوصا أنّ القرآن "مصدّق" لها، فكيف لا يتوافق معها في هذه الحيثيّة؟!
ومن قال بالاستثناء فعليه الدليل...
وبما أنّ الكُتُب السماوية مُشتركة في ذلك، فإن أهل الكتاب بصفتهم أتباعا لها، لهم أيضا إعجازٌ في دينهم، خاص بهم وبزمانهم وكان تحدّيا لأقوامهم.
وهذا ما نشاهده عندهم اليوم أيضا، فهناك هيئات إعجازية لها نفس الرؤيا الإعجازية لوحيهم.
إذنْ... لمْ يتميّز المسلمون في شيء بخصوص هذا الباب، وليس حكرا عليهم، ومن الإنْصاف (ومَبَادئ البحث العلميّ) أنْ يكُون البَحْث في كل المصادر التي فيها معلومات علمية حتى إن كانت التوراة والإنجيل!
لحظة... التوراة والإنجيل قد حُرّفت، وأنت بنفسك قُــلْتها، فلمَاذا سَتكون معتمَدة في قضَايا علمية يجب أن تكون صادقة من عند الله تعالى غيرَ محرّفة؟!
أقول هذا اعتراض مشروع للغاية، وعلمتُ أنّه سيكون اعتراضا بديهيّا...
أقول هذا اعتراض مشروع للغاية، وعلمتُ أنّه سيكون اعتراضا بديهيّا...
ولكنّ المعضلة ليست في هذه القضيّة، بل هيَ في كَون الهدى والنور والتفصيل والفرقان والبيَان منْ صِفات الكتب السماويّة وأنها يجب أيضا أن تشترك في الإعجاز العلميّ (في حالة كان في الإسلام أيضا). وبما أنّ الإسلام جاء مصدّقا ومُبيّنا للذي سبقه، وما سبقه كان شبيها به، فهذا يعني أنْ نجد في ديننا إشارة إلى ما تقدّم قبلنا من إعجازات علميّة في الوحي القديم (بما أنّ الوحي من عليم خبير كيفما كانت الأزمان)
كأنْ نَجِد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يهْدينا إلى ما اختَلفت فيه الأفهام أو حُرّف من التصوّرات الخاصة بالإعجاز العلميّ عند أهل الكتابِ، وأن يخبرنا ويبلّغنا فيما بلّغ لنا أنّ الله تعالى قدْ أنزَلَ إعجازا على أهل الكتاب من قبْل.
وربّما قد يبيّن لهم مباشرة تحقّق ذلك الإعجاز نَظَرا لمرور ستّ مائة عام تقريبا على نزول آخر كتاب، وهو زمن كافٍ لتقدّم العلوم ولو قليلا. خُصوصا أنّ إلزام النّاس بالإنجيل ودين أهل الكتاب قائم قبل البعثة، وستكون آيات الإعجاز دليلا وحجّة على الأمم من الجزيرة وغيْرها، حتى يعْلَموا أنّه من عند الله تعالى متى تقدّمت العلوم قليلا ليعلموا أنّه الحقّ. فهما يكُن فقد كانت دائما فترات يكرّس فيها العلماء حياتهم من أجل الاكتشافات والحقائق العِلميّة، فلماذا يُستثنى زمان معيّن؟!
حتّي أن التقارب والتصديق كان أحيانا حجّة على أهل الكتاب أنفسهم، فقد قال الله تعالى: { فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)} يونس
الوحي المنّزل ممكنٌ التعرّف عليه، بما لديه من خصائص رغم تحريفه. والشاهد هُنا أنّ الكتابيين الذين يقرءون الكتاب يعرفون الوحيْ، مما يعني أنّهم يعرفون الإعجاز أيضا (إذا افترضنا أن الإعجاز مما نُزّل)
وربّما يُقال أن القرآن أكثر تفصيلا من غيره... أقول أن التفصيل لكلّ شيء ذُكر في التوراة أيْضا، وهو تفصيل على الأقلّ يحترم روح عصره، ولكلّ عصرٍ سجالاته العلمية، فهو إذَنْ مفصّلٌ أيضا في القضايا الإعجازيّة. ولو قيل أنّ التفصيل لم يكن في القضايا العلميّة، سيعود بنا هذا إلى ما قُلتُ في الجزء الأول من هذا المنشور، وأتساءل عن معيار هذا الاستثناء، مع الإبقاء على القرآن وحده (الذي هو أيضا مفصّلٌ) حاكما في القضايا العلميّة؟!
وحتّى إن ضلّ أهل الكتاب عن الكشوفات الإعجازية، لكان لزاما على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيّن لهم ما اختلفوا فيه بدليل القرآن، فيردّهم إلى جادة الطريق موضحا بذلك للصحابة أيضا "مُراد الله تعالى" من بعض الآيات الإعجازية في التوراة والإنجيل، والقرآنِ أخِيرا ليُهَيْــمِنَ عليْهم ويأتي بزيادة تتفوّق عليهم كمّا وكيْفا مع مراعاة التشابُه والمقصِد كما وضّحنا سابقا في معرض الحديث عن "التصديق لما قبله".
بل إنّ العلم قد أوتيه أيضا طائفة من أهل الكتاب، إذا قُرئ عليهم عرفوه وآمنوا به:
{ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)}
فالسياق سياق إيمان وعلم، والإعجاز علمٌ غايتُــه وغَرَضُه أن يؤمن النّاس بكلام الله عز وجلّ ويتحقّقوا من صحّته فلِمَ ينعدم من علم أهل الكتاب؟...
و"من قبله" فيها دلالة على أنّ الرسالات والوحيْ، قد تكون متاحة لأقوام قبلنا، أكثر تخلّفا في العُلوم منّا، ومع ذلك يكون العلم بها وارِدا ومُمكنا، ولا يُمكنُ هذا في وحْي يحتوي إعجازا يحتاج تقدّما علميّا كي يشرَحَه. وحْيٌ إذا اطّلع عليه من لديه علم الكتابِيين (القديم) عرفه وميّزه.
مهلا يا حسَن... ألا تعلم أنّ لكل زمان كان هناك تحدّ، فالسحر لقوم موسى عليه السلام، والطب لقوم عيسي عليه السلام، والبيان لقوم محمد عليه السلام، وأيضا العلوم بما أنّه آخر الرسالات وحجة الله الباقية في خلقه إلى قيام السّاعة...
أقول: (حتى إن كان التساؤل دالا على عدم استيعاب مُعضِلة التشابُه والتوافق)... أنّ هذا صحيح، وكان الإعجاز بيانيّا... والإعجاز العلميّ استنباطيّا، مما يعْني أنّه يمكن استنباطه من التوراة والإنجيل أيضا (لأننا قلنا بالتشابه والتصديق). ولا يُعقل أن ينْعدم إعجاز علميّ متكرّر في الكتب السماوية رغم تشابُهها. أو يكون إعجازا ينقضي بنزول القرآن، مع أن ما قيل عن الكون مثلا في التوراة والإنجيل سيبقى ساريا إلى يوم القيامة ويتوافق مع القرآن لأنه من مصدرٌ واحد... (وإذا قيل التّحريف قيل أين الإنكار والحُكم فيه؟)
وبهذا يكون الإعجاز شيئا يُعيد القرآن تأكيدَه لا "ابتعاثه" من عدم، مثْـل تأكيد القرآن على أمور عقديّة: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} الأنبياء
وحتّى في أمور تعبّدية (لكي لا يُقال أن التشابه في العقائد فقط وليس في أمور أخرى فيُستثنى الإعجاز من العقائد) { يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} آل عمران
أو تشريعيّة: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)} المائدة
{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ...} النساء
ومنْ أبَى إلا تشبّثا بالإعجاز العلميّ والخوارق والتحدي في باب العلوم، أهديه هذه الآية:
{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)} العنكبوت.
فالآيات المبهرة للسابقين، والإعجازات المبهرة للاّحقين، والإحاطة بعلوم الدنيا كلها عند الله تعالى... أفلا يكفينا كتابٌ مُـنزّل يُتلى؟ نعلم أنّه من عند الله دون أن نطالب بكتاب مناظرات علميّة وتقنيات وعلوم؟!
ومع هذا قد يقول لي البعض؛ لماذا تُلزمنا بفهمك لوظيفة القرآن والسّنة، لماذا تحجُر علينا بخصوص وجود وظيفة أخرى قد تُفسّر لنا الوحيين من زاوية إعجازية؟!
أقول: طيّب، لماذا نعترض على نظرة "إعجازية" للوحيين؟ سؤال جيد ويدل على يقظة الفكر... كما يدلّ أيْضا على عدم استيعاب المزالق والمَطبّات المنطقيّة والعلمية والتجريبيّة في حالة الإقرار بـ"الإعجاز العلميّ".
لكن... قبْل الجواب عنه أفُضّل أن نتأمل (عبر مثال) أنواع التوجّهات مع فكرة الإعجاز العلميّ لدرجة اتّهام المُعارضِ لها في دينه وإيمانه من قِبَل البعض.
(يُتبع: الإعجاز العلمي... والمسارات الثلاث)
جميع أجزاء السلسلة:
الإعجاز العلمي تشريعات دقيقة أم علوم دقيقة...؟ (الجزء الأول)
وظيفة القرآن والوحيْ (الجزء الثاني)
وظيفة القرآن والوحيْ (الجزء الثالث)
الإعجاز العلمي... والمسارات الثلاث (الجزء الرابع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق