الأحد، 6 نوفمبر 2016

من قتل أكثر من من؟


(عن مثل هذه الصور أتحدّث، سواء كانت تناصر قضيتنا أو قضيّة غيرنا... وهذه الفكرة قد تصدم العاطفيين، لذا أطالب بالهدوء النفسي والتحليل العقلي لفكرتي...)

** قد يسهل على المسيحي أو الملحد أن يقول هذا مجرد تصرف "بشري" ليس له علاقة بعقيدتنا وفلسفتنا، كما يسهل علينا قول أن الإسلام لا دخل له بجرائم المسلمين في بعضهم البعض منذ القدم...!!

مشكلة هذا الأسلوب، يعني ذكر الطائفة المعادية مع اسم القاتل، وذكر الطائفة المتعصَّب لها (أي المسلمون هنا) مع اسم المقتول، طريقة "إعلامية" تعتمد على تضليل منطقي (في نظري)

فالإعلام مثلا، عندما يحب أن يركز على مأساة المسيحيين في الشرق، يذكر أن انفجار قتل كذا وكذا من بينهم ثلاثة مسيحيين، طبعا هنا الدين ليس مهما فالكل له الحق في العيش، مع ذلك الإعلام يركّز (على غير عادته) في معتقد وديانة المقتول !
أما إن كان القتلى مسلمين أو من أهل السنة إن كان الصراع طائفيا، فيقولون : مات عدد معين من الناس... وفي حالة الشيعة يقولون : قُتل 50 من الشيعة في تفجير في سوق كذا... ليمرّروا بطريقة خفية فكرة أن الشيعة مظلومون ويقتلون وأن السنة همجيون... (مع أن الواقع عكس ذلك، فضحايا الشيعة أكبر من ضحايا السنة من الشيعة)
والعكس صحيح وممكن أيضا...

ولإلصاق اسم المذهب أو الديانة وظيفة أخرى، وهي تمرير فكرة أنّ مذهب القاتل هو السبب "المباشر" في إقدامه على القتل (وكل جهة تُلصِق التهمة بالأخرى من خلال ذكر المذهب)، وأن مذهب المقتول هو سبب مباشر أيضا لتعرّضه للقتل، والحلّ محاربة مذهب القاتل نفسه دون هوادة، وتقرير مذهب المقتول على إطلاقه ! ... ولا يخفى أن الأسباب قد تكون متعددة أو مختلفة وتوافقت مع كون هذا من ذاك المذهب والآخر من غيره.
وهذا المنهج في تعاطي الأخبار يُفقد الواقع مهمّته "التفسيرية" ويتركنا في مثالية ومظلومية بعيدا عن وعي ناضج ومتعدد الزوايا لهذه الحياة. فنحن مقتولون لأننا أفاضل وكفى، وهم قتلة لأنهم أراذلٌ وكفى.. ونطالب بحقنا وانتقامنا بمبدأ "الواجب الأخلاقي" بعيدا عن "الواجب الواقعي" وما ينبغي فهمه والعمل لتغييره في هذا الواقع.
ولا شكّ أن التفسير المذهبي للقتل والاعتداء قد يكون صحيحا في حالات كثيرة، ولا ننكر هذا أبدا، بل ندعو لمعرفته معرفة صحيحة بعيدا عن آفات العزو والإسناد الاجتماعيّ attribution.

وبهذا تكون مقاربة : إلصاق الجريمة بدين ومعتقد المجرم ولو تعسّفا غير صحيحة على إطلاقها، لأنها عندما تكون في حقّنا نتّهم الآخر بالجهل ونقول أن الإسلام بريء من جهله
وهو يقول نفس الشيء أيضا، فلا أحد يعترف (حتى إن كان صحيحا) أن معتقده ودينه ومذهبه هو مسبب تلك الفظائع.

إضافة إلى أن تبسيط "ظاهرة القتل والتسلط والحروب" في ثنائية المذاهب (معي/ضدي) أو إرث تاريخي لطائفتنا (تقاتل أجدادنا مع أجدادهم لذلك نتقاتل الآن) تبسيط مخل بظاهرة تظهر بين أفراد أو جماعات يجمعهم الدين والعرق واللغة بل أحيانا علاقة الأخوة... مما يعني أن الحروب والعداوة لها أسباب أخرى ما دامت قد نشأت حتى بغياب تعارض الدين أو المذهب !

والأفضل محاسبة المذهب نفسه فكريّا بغضّ النظر عن تطبيقات أفراده، كي نناقش محتوى الفكرة أو المعتقد "نظريّا" وذلك دون اجتزاء أو تحيّز في اختيار القوانين أو الفقرات، والابتعاد أيضا عن محاسبة الديانة أو المذهب على أساس ما يفهمه العامة والأتباع منه، ونقتصر على فهم المنظّرين المعتبَرين، فهذا أدعى للإنصاف وأبعد عن مغالطة "رجل القش" التي تسعى لاختيار أضعف الأقوال والمواقف (فهم العامة لمذهبهم) ثم التعرض لها بالنقد والسخريّة !

ثم بعد ذلك نخرج بمحصّلة توضّح مدى تحريض كل مذهب على جرائم معيّنة (على أن نتّفق على نوعية الجرائم، فإعدام قاتل الآلاف قد يكون جريمة في منظور البعض، وأكل اللحم جريمة عند النباتيين... وهكذا)
ثم يلي هذا مقارنة واقع المنتسبين لهذا الفكر مع مذهبهم أو ديانتهم ونرى درجة "تطبيق" تلك التعاليم، فإن كان التناقض واضحا (مقارنة بما درسناه من قبل) سيكون الخلل في فهم الأتباع أو في طبيعة البشر العدوانيّة... وإن كان متطابقا علمنا أن تصرفات الأتباع ليست إلا انعكاسا واقعيا لذلك المذهب أو المعتقد.

وطبعا، حين تكلمنا عن بحث موضوعي ومقاربة منصفة عقلانيّة، لا يمكن أن نُغفل تفاوت الأرقام المهول في قتلى الحروب باختلاف قادتها مذهبيا ودينيّا.. فتكون تلك الأرقام علامة على "دموية المعتقد" الذي ينتمي إليه قاتل الملايين في مقابل ذاك المعتقد الذي ينتمي له قاتل الآلاف... (مع عدم تناسي ظروف الحرب نفسها، فالذي شنّ حربا بالسّهام والرماح والسيوف، وقتل خمس مائة ألف، قد يكون أكثر دموية وحرصا على الإبادة ممن شنّ حربا بالطائرات والمدافع والقنابل وقتل ضعف العدد. لسهولة قتل أعداد كبيرة من الناس في الحالة الثانية، وصعوبتها في الحالة الأولى مما يوحي بشراسة ومثابرة القائد الأول وحرصه على القتل... ومدة الحرب أيضا...)

وأخيرا...الإنصاف لا يجب أن ينسينا تجارب الواقع وعلاماتها ومؤشراتها وكل ما تعنيه في مسيرة البحثِ عن الأكثر إجراما والمعتقد الأكثر عنفا وقسوة، وإلا لتحوّل الإنصاف إلى حيادية وسلبية هو بريء منهما...




حسن خالدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: