يقول محمد الغزالي في حوار دار معه (1):
لقد بليت الثقافة الإسلامية من قديم بأقوام لم يرتفعوا إلى مستواها. ولم يحققوا أدب الإسلام في تلقيها، بل كان لهم غرام في تلقي الأوهام واتباع الظنون والخرافات مع نهي الدين عن ذلك. قال تعالى: ((ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)).
[...]
وفي هذه الأيام شاع لغط كثير في علاقة الجن بالبشر لا صلة له بكتاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتركه على هذا النحو يلحق بسمعة الإسلام وثقالته أذى كثيرا. ونريد تنبيه المسلمين إلى أمور: أولها أن الجن الأشرار لا يملكون إلا الوسوسة، ولا سلطة لهم فوق ذلك بنص القرآن الكريم. قال تعالى مصوّرا كبير الشياطين: ((ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي))، وفي موضع آخر قال: ((فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون))، وفي موضع آخر يقول: ((ما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك)).
فهل يجوز مع هذه النصوص تصوير الجن ببلطجية تضرب من تشاء وتنكح من تشاء وتفرض سلطانها الخرافي لينتفع به الخرافيون من البشر؟ ثم يتم تطويع الإسلام لخدمة الإفك؟
[...]
[السائل(ة)] *بين آن وأخر تبدو على السطح ظاهرة الجن وتلبسهم بالناس ومحاولة البعض علاج تلبس الجن بالإنس ومع هذا ترتفع نداءات الأطباء النفسيين بأن ذلك كله من الأمراض النفسية التي تتخذ مظاهر جسمية، [...] فيما يقول المعالجون الشعبيون أن الجن مذكور في القرآن والسنة، فلم ننكره؟ بين هؤلاء وهؤلاء تميع الحقائق. فهل لفضيلتكم أن توضحوا لنا رأي الدين في تلبيس الجن بالإنسان وزواج الجني بإنسية أو العكس... وهل يملك الناس القدرة على التحكم في الجن؟
لم يرد في الكتاب ولا سنة أن إنسيا تزوج بجنية أو جنيا تزوج بإنسية، بل الذي ورد في القرآن الكريم هو قوله تعالى: ((إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم))
فإذا كان الجنسان لا يتراءيان فكيف يتزوجان؟ ولماذا نتصور زواج فيلة بجرو؟ أو ثور بسمكة؟ هذه أجناس مختلفة فما يجمع بينهما؟!
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يجتمعان؟
لقد مر عصر الصحابة والتابعين وأتباع التابعين دون أن يغلط أحد بهذا اللغو، فلما سقطت راية الثقافة الإسلامية وقال من شاء ما شاء جاء في أيامنا من يستنطق العفاريت في مجالس خاصة. ويأخذ عنهم ما يسميه علما، وليس هناك ما يسمى بتحضير الأرواح، وليس هناك ما يسما تحضير العفاريت. العلم العقلي معروف المصادر، والعلم النقلي محفوظ في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتراث الأئمة المعتمدين.
[...]
[السائل(ة)] *بعض المعالجين من تلبس الجن يقومون بضرب المريض ضربا مبرحا لطرده فهل يجوز ذلك؟ [...]
الذين يضربون مريضا حتى يقتلوه بزعم تلبس الجن به يقتلون فيه قصاصا عدلا، وجهلهم لا يشفع لهم في إسقاط الحد، ويجب قطع دابر هذه الخرافات.
[...]
[السائل(ة)] *ولكن هل هناك علاقة بين الجن والتداوي بالقرآن والتنجيم؟!
التنجيم كذب، ((قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله)) والقرآن كتاب لهداية الخلق وليس "فيتامينات"
[...]
فالقرآن جاء لنتعلم به الإسلام والأخلاق والمبادىء. وعلى افتراض أن القرآن به بعض الأدعية مثل: ((رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون))، ((سورة الناس))، فما دخل هذا بأن يحوله البعض إلى كتاب للعلاج؟
فهي أدعية تمنع وسوسة الشياطين لأنه لا يملك إلا الوسوسة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((تداووا عباد الله فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له دواء)). وقد وصف صلى الله عليه وسلم بعض الأدوية منها العسل وحبة البركة، وحتى أن بعض الناس قالوا إن أدوية الرسول صلى الله عليه وسلم من العاديات وليست من العبادات. حيث أنها من الأمور العادية التي تناسب البيئات وهي غير ملزمة.
[...]
[السائل(ة)] *وما هو تفسير قول تعالى: ((لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس))؟
جمهور المفسرين أجمعوا على أن ذلك يوم الجزاء لأننا لم نر أكلة الربا مصروعين في الشوارع توشك أن تدوسهم الأقدام. وإنما يتم ذلك عندما يلقون الله فيحاسبهم
(1) مصدر الحوار: الجن والعفاريت: لمذا الجن والعفاريت؟ لماذا هذه القضية بالذات؟ (مجلة سيدتي، العدد 72) 11- 17 /05/1996. وقد تم نقل المقال من كتاب: (الشيخ محمد الغزالي: حياة وآثار، شهادات ومواقف) لنصر الدّين لعرابة.
طرفة (2):
جاء شاب يعاني من مرض نفسي إلى الغزالي فقال: جئتك يا فضيلة الشيخ طالبا مساعدتي، فأنا مريض.
الشيخ: وما مرضك يا بني؟
الشاب: أنا مسكون.
الشيخ: مسكون وإيه يعني مسكون؟
الشاب: سكنني جن وهو جن يهودي.
الشيخ: الله؟ ألم يكف اليهود أنهم احتلوا فلسطين وسكنوها، حتى تضيق بهم، فيبعثوا بمن يسكن جسمك النحيل هذا؟
(2) مصدر الطرفة: دمعة جزائرية على الشيخ محمد الغزالي بقلم عبد الرزاق قسوم (عن كتاب "نزيف قلم جزائري"). وقد تم النقل من كتاب (الشيخ محمد الغزالي: حياة وآثار، شهادات ومواقف) لنصر الدّين لعرابة.
آية آكل الربا (3):
إن آية تشبيه قيام آكلي الربا بقيام الذي يتخبطه الشيطان من المس، لا تفيد دلالة قطعية على تسلط الجن والشياطين على الناس بما شاؤوا من نفع وضر، فإن كان التشبيه مبنيا على ما كان معهودا عن العرب وغيرهم، ولا سيما النصارى من اعتقادهم أن بعض الجنون يكون بملابسة الشيطان للمجنون من غير أن يكون إقراراً لهم عليه كما قال البيضاوي وغيره من المفسرين فالأمر ظاهر، وإن كان يتضمن إقرارهم عليه كما يقول آخرون، فهذه الملابسة غيبية لا تعرف حقيقتها ولا سببها، ولا تدل الآية دلالة قطيعة على أنها تكون بسلطة للشيطان عامة أو خاصة هو مختار فيها [...].
(3) فتاوى الإمام محمد رشيد رضا ص2560-2561
و مادا عن الآية الكريمة
ردحذفالَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ
جزاك الله هير الجزاء
ردحذفوأنا معكم في ذلك