السبت، 15 سبتمبر 2018

إشارات في قضيّة ما يُسمّى "الإعجاز العلميّ"


محاولة تصوير جميع الرّافضين لما يسمّى "الإعجاز العلميّ للقرآن" بأنّهم ‏مجموعة من "غير المؤمنين بالقرآن"، أو "العلمانيين" أو "الملاحدة" الذين يهدفون إلى ‏رفض "القرآن" نفسه برفضهم ادّعاء "الإعجاز العلميّ" تنبئ عن قدر كبير من الجهالة ‏والمغالطات والتهويم، وذلك لعدّة أمور، منها:‏

‏1. يتجاوز هؤلاء الخلاف القديم الحديث بين علماء المسلمين ومفسّري القرآن في ‏مفهوم "الإعجاز" نفسه؛ فعلى الرّغم من الشّيوع المدرسيّ لمفهوم "الإعجاز" ودلالته، ‏فإنّ أيّ باحث في العلوم الدّينيّة والقرآنيّة يعلم الاختلاف والخلاف في هذا المفهوم ‏أصالة، فمصطلح "الإعجاز" ليس قرآنيّاً ابتداء، وما أنتج هذا المصطلح إلا الخبرة ‏المسلمة المتراكمة والمتعدّدة في تصوّر القرآن ودلائل صدقه وصدق النّبوّة.‏

أي إنّ الخلاف والاختلاف في مفهوم "الإعجاز" نفسه خلاف داخليّ بين المؤمنين ‏بالقرآن، قبل أن يكون خلافاً واختلافاً مع غير المؤمنين به.‏

‏2. يتجاوز هؤلاء أنّ مفهوم "الإعجاز العلميّ" هو فرع عن مفهوم "التفسير العلميّ"، أو ‏تفسير القرآن بالاعتماد على علوم الطبيعة. وهذا الاتّجاه في التّفسير موضع جدل ‏واختلاف بين المفسّرين من علماء الإسلام قديماً وحديثاً، وعلى رأس الرافضين لهذا ‏الاتّجاه "الإمام الشّاطبيّ" في كتابه الموافقات.‏

‏3. يتجاوز هؤلاء الخلط في استعمال كلمة "العلميّ"؛ فهم يستخدمونه بالمعنى الذي ‏يحصر العلم بـ"العلوم الطبيعيّة" من فيزياء وكيمياء وأحياء وجيولوجيا مثلاً، وهذا ‏المفهوم الحصريّ لـ"العلم" يخالف الخبرة المسلمة التي لا تحصر العلم بهذه المجالات، ‏لذلك قد يترافق انتشار مفهوم "الإعجاز العلميّ" مع تصوّر أنّ كلّ التفسيرات الأخرى ‏من لغويّة وأدبيّة بيانيّة ليست "علميّة"، وهي ليست كذلك إن أخذنا المفهوم الحصري ‏لـ"العلم" الناشئ في الخبرة الغربيّة الذي لا يخلو من الجدل والاختلاف بين الأوساط ‏العلميّة والمعرفيّة في الغرب أيضاً، ولكن هل يقرّ من يروّج لـ"الإعجاز العلميّ" أو ‏‏"التّفسير العلميّ" أنّ التّفسيرات اللغويّة والبيانيّة ليست تفسيرات "علميّة"؟!‏

‏4. يتجاوز هؤلاء أو أكثرهم بجرأة كبيرة مجموعة من القضايا الخلافيّة والجدليّة في ‏مفهوم "العلم الحديث" والأجهزة المفهوميّة المرافقة له مثل "التجربة، والنّظريّة، ‏والفرضيّة، والحقيقة، وقابليّة الدّحض، والنماذج العليا (البرادايمات)" وغير ذلك ‏من موضوعات فلسفة العلم. لذلك تغلب على كثير من المشتغلين بما يسمّى "الإعجاز ‏العلميّ" الطّروحات "المدرسيّة السّطحيّة".‏

‏5. يتجاوز هؤلاء الخلاف والاختلاف بين علماء المسلمين ومذاهبهم الكلاميّة المختلفة في ‏تصوّرهم لـ"القرآن" نفسه وما يجوز عليه من تفسيرات وما لا يجوز وفق سنن كلام ‏العرب الذي نزل القرآن به. وهذه قضايا مبثوثة في كتب الأصول من أصول التّفسير ‏والفقه والكلام – أي العقائد –وعلوم القرآن.‏

‏6. يغلب على كثير من الدّاعين إلى"الإعجاز العلميّ" الجهل بالمعارف والآداب المنتشرة ‏والمعلومة عند العرب قبل الإسلام؛ فكثير من التّراكيب اللغويّة التي يستدلّ بها على ‏الإعجاز بوصفها تتحدّث عمّا لا يعرفه العرب زمن تنزيل القرآن كانت معروفة ‏ومستعملة في شعرهم ونثرهم، وهذا وحده يكفي لإسقاط مقولة "الإعجاز" في مثل هذه ‏المسائل.‏

‏ ليس مقصدي المناقشة التفصيليّة لما يسمّى "الإعجاز العلميّ"، بل توضيح أنّ جزءاً ‏من الرافضين له ينطلقون من الدّائرة الإسلاميّة وعلومها وتأصيلاتها القديمة ‏والحديثة، ومحاولة تصوير كلّ الرافضين بأنّهم ينطلقون من منطلقات "غير إسلاميّة" ‏أو "علمانيّة" أو "إلحاديّة" لا يتجاوز التّوظيف "الحركيّ" و"السّياسيّ" الذي يحاول أن ‏يوهم أنّ أيّ خلاف مع "شيخٍ ما" أو "حزبٍ ما" هو خلاف مع ‏‏"الإسلام" بل مع "الله"! وهذا أحد أعراض أوهام "احتكاريّة الدّين والله" التي يصاب بها ‏عدد من "المشايخ" و"الأحزاب" و"الحركات" و"المذاهب"، كما يدلّ على ضعف علميّ ‏وتأصيليّ كبير يتجلّى بالهروب من المواجهة والمناقشة العلميّة إلى التخوين والتخويف ‏والاتّهام واستثارة مشاعر النّاس الدينيّة بتصوير من ينقد أو ينقض شيئاً من مقولات ‏المشايخ أو هذه الحركات بأنّه محارب لله ولرسوله ودينه!‏

بقلم نارت قاخون

هناك تعليق واحد:

  1. هناك فرق بين التفسير العلمي والاعجاز العلمي...فالتفسير العلمي لا يرى بأسا من الاستعانة بالنظريات العلمية في توضيح وتفسير الٱيات الكونية...واذا ما تطور العلم وكشف عن خطأ هذه النظريات فهذا يعتبر خطأ المفسر وحده ولا ينسحب الخطأ على النص الديني الي يبقى مقدسا ومتعاليا !!! اما الاعجاز العلمي فهو لا يستند الا على الحقاىق العلمية الثابتة والنهائية والقطعية والتي لا يمكن ان تتبدل مع مرور الزمن ..ومثل هذه الحقائق موجودة كثيرا في مختلف فروع المعرفة ..وهذا الاعجاز حقيقة لا يستطيع عاقل ان ينكرها لانها مسلمة وحقيقة ثابتة في بنية النص الديني..
    ..الاعجاز العلمي معناه سبق القرٱن لذكر حقائق علمية لم يكن بمستطاع السقف العلمي لعصر نزول القرٱن أن يصل إليها!!! وبذلك يثبت علميا أن القرٱن كلام الله!!! وهذا ما لا يفقهه كثير من الباحثين ويغالطون لتجنبه وأنكاره....ثم ان الاعجاز العلمي له علماؤه الباحثون سواء علماء الكونيات أو علماء الشرع..وله مؤتمراته العلمية العالمية التي يحضرها باحثون اجنبيون من مختلف التخصصات لعرض بحوثهم....وغالبا ما تنتهي هذه المؤتمرات بإسلام عدد من العلماء نتيجة ما وقفوا عليه من إعجاز علمي في القرٱن والسنة ...ويمكن أن أذكر لك العشرات من هؤلاء الذين أسلموا في العقود الأخيرة... ولا ننس أن الاعجاز يشكل بعبع الملحدين وهو من أفضل الطرق للدعوة إلى الله في عصرنا الذي لا يؤمن الا بالعلم...
    فمعجزة الانبياء تكون من جنس ما برع فيه القوم...حتى يكون عجزهم واضحا لا غبار عليه...لذلك برع قوم موسى بالسحر فجاءت معجزة موسى عصا تلقف ما يأفكون... وتبين للناس أن ما جاء به موسى أعظم من السحر وخارج عن طبيعته..وبرع قوم عيسى في الطب..فجاء عيسى بما لا يقدر عليه الطب...بإحياء الموتى وخلق الطير من الطين ...وبرع قوم النبي صلى الله عليه وسلم....بفن البلاغة والفصاحة..فكانت معجزة الرسول قرٱنا يتحدى بفصاحته وبلاغته ما ابدعوه من فنون القول حتى يتيقنوا من مصدره الغيبي ...لكن القرٱن الكريم معجزة لكل الناس والعصور إلى قيام الساعة...فاقتضت حكمة الله تعالى أن يتضمن القرٱن صورا من الاعجاز تتناسب مع ما برع وتفنن فيه كل الأجيال وحسب سقفهم العلمي والمعرفي...فكان الاعجاز العلمي والاعجاز العددي والرقمي و الاعجاز الإخباري ..الخ حتى يتيقن الناس في كل عصر أن هذا القرٱن لا يمكن أن يكون كلام بشر..وسيظل القرٱن يتحدى العصور المستقبلية بكل ما ستأتي به معارفها وإبداعاتها وستتجدد صور إعجازه بما يتلاءم مع معطياتهم العلمية...(سنريهم ٱياتنا في الٱفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم ( اي الكفار)أنه ( اي القرٱن) الحق..)..(وقل الحمد لله سيريكم ٱياته فتعرفونها) وها نحن نعرف بعض ٱياته!!( لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون)..

    ردحذف

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: