[حق المرأة في التصرف في نفسها ومالها]
الاستدلال بحديث موضوع عند الحديث عن «الطاعة بالمعروف لتعظيم طاعة الزوج، بسلب المرأة حقها في التصرف في نفسها ومالها إلّا بإذنه كأنّها أمَة مُستعبدة للزوج «فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي النساء خير؟ قال:»التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره» [سنن النسائي(3231) وصححه الألباني]
هذا الحديث غير صحيح لأنّه لا يتفق مع منح الإسلام للمرأة متزوجة كانت أو غير متزوجة ذمة مالية مستقلة [...].
بينما الإسلام قد ساوى بين المرأة والرجل في الأهلية الحقوقية وفي التصرفات المالية، ويقصد بها ممارسة الشؤون المالية والمدنية من بيع وشراء ورهن وقرض وإقراض ووقف، وإبرام للعقود وفسخها، وعقد الشركات والقيام بالتجارة والوكالة والتوكيل، ورفع الدعاوى، محتفظة بحقها في التملك تملكًا مستقلًا عن غيرها، فللمرأة المتزوجة وغير المتزوجة في الإسلام شخصيتها المدنية الكاملة، وثروتها الخاصة المستقلتان عن شخصية زوجها وثروته، ولها حرية التصرّف فيما تملك ولا يجوز للزوج أن يأخذ من مالها قل ذلك أو كثر ، قال تعالى: (ولا تتمنوا ما فضَّل اللهُ به بَعْضكُمْ على بعْضٍ. للرِّجال نصيبٌ ممَّا اكتَسبوا وللنِّساءِ نصيبٌ ممَّا اكتَسَبْن واسألوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إنَّ الله كَان بِكُلِّ شيءٍ عَلِيماً) [النساء:30] وقال جل شأنه: (وَلاَ يَحِلُّ لكم أنْ تأخذوا مِمَّا آتيُتموهُنَّ شيئاً)[البقرة:229]، وإذا كان لا يجوز للزوج أن يأخذ مما سبق أن آتاه لزوجته، فإنَّه لا يحل له من باب أولى أن يأخذ شيئًا من مالها الأصيل إلاَّ أن يكون برضاها، وعن طيب نفس منها، يقول تعالى: (وَآتُوا النساء صَدُقَاتِهِنّ نِحلة فَإِنْ طِبَنَ لكم عن شئٍ منه نفسًا فكلوه هَنِيئًا مريئاً)[النساء:4] ، وقال جلّ شأنه: (وَإِنْ أَرَدُتم استبدال زَوْجٍ مكان زَوْجٍ وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوُا مِنْهُ شيئًا أَتَأْخُذونه بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وكيفَ تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعضٍ وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا)[النساء:20-21]
ولا يحل لزوج أو أخ أو ابن أو أي كائن كان أن يتصرف في أموالها إلاَّ إذا أذنت له بذلك، أو وكَّلته في إجراء عقد بالنيابة عنها، وفي هذه الحالة يجوز أن تلغي وكالته، وتوكل غيره إن شاءت، أو تُباشر أمورها المالية بنفسها.
[حديث إذا صلت المرأة خمسها]
الاستدلال بحديث «إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصّنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت الجنة من أي أبواب شاءت» [مسند أحمد 1661وصححه الألباني]. هل هذا يعني أنّها لو عاقت والديها، أو سرقت، أو أساءت إلى أولادها، أو بلدها تدخل الجنة»، طالما صلّت خمسها وصامت شهرها وحصّنت فرجها وأطاعت زوجها؟! ، وهذا أكبر دليل على ضعفه، كما يُضعِّفه الآتي:
أ. حديث «أيما امرأة باتتْ وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة) ضعيف ابن ماجة 1854 [برقم 407، وضعيف الجامع الصغير 2227] ضعيف سنن الترمذي للألباني.
ب. (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، ولا يُرفع لهم إلى السماء حسنة: العبد الآبقُ حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى، والسكران حتى يصحو).
ضعيف رواه ابن عدي في «الكامل «(149/19)، وابن خزيمة (940)، وابن حبّان في «صحيحه» (1297)، وابن عساكر 12/ 5/ 1) عن هشام بن عمَّار: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا زهير بن محمد عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعًا به. ذكره المناوي في شرحيه عن الذهبي، أنَّه قال في»المهذَّب»: «هذا من مناكير زهير»، وقال الهيثمي في»المجمع» (4/31): رواه الطبراني في» الأوسط»، وفيه محمد بن عقيل، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. «كذا وقال:علة الحديث لين زهير واضطرابه في سنده، ولولا ذلك لكان الحديث ثابتًا. [المرجع السابق: 3م 189،190،حديث رقم (1075).]
ج. (أيما امرأة باتتْ وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة) ضعيف ـ ابن ماجه 1854 [ برقم 407، وضعيف الجامع الصغير 2227] الألباني: ضعيف سنن الترمذي.
الاستدلال بحديث «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن «أعظم الناس حقًا على المرأة، فقال زوجها، وعن أعظم الناس حقًا على الرجل، فقال أمه» [المستدرك على الصحيحين للحاكم 7338]. وقد ضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع، كما ضعّفه في ضعيف سنن الترمذي.
هذا الحديث مخالف للقرآن الكريم، فقد قرن الله جل شأنه طاعته بالبر بالوالدين في قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا.) [الإسراء : 23-24] وجعل الأم أحق الناس بالصحبة، وقال: « إلزم رجلها فثَمَّ الجنّة»، ولا توجد آية في القرآن الكريم تُقرن عبادة الله بالبر بالزوج، ولم يجعل الله الجنة تحت أقدامه!
[دخول بيت الزوجية بإذن الزوج]
3. حفظ الزوج في بيته: بأن لا تأذن الزوجة بدخول أحد في بيت الزوجية إلا بإذنه سواء كانوا من محارمها أو غيرهم، ويستثنى من ذلك الوالدان، قال صلى الله عليه وسلم «لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلّا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلّا بإذنه»[صحيح البخاري5195.]
هذا الحديث مخالف لما جاء في القرآن الكريم عن بيت الزوجية، أنّه بيت الزوجة وليس بيت الزوج، حتى لو كان ملكًا للزوج، والأدلة واضحة من القرآن الكريم، كقوله جل شأنه (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ)، (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِه) [يوسف:23]، فامرأة العزيز تراود يوسف وتَهُمُّ بالمعصية ورغم ذلك لم يقل الله عز وجل راودت امرأة العزيز يوسف في بيته، (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب:33] (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ) [الأحزاب:34]، فهذه البيوت ملك للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكنها نُسبت لنسائه، بل نجد حتى في أوقات الخلاف وحين يشتد النزاع وتصل الأمور إلى الطلاق الرجعي هو بيتها (... وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنّ)[الطلاق:1]، حالة واحدة لم ينسب فيها البيت للمرأة وهي عند ارتكابها الفاحشة: (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ... فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ..)[النساء:15]، ومع هذا لم ينسب البيوت للأزواج، وإنّما قال: (في البُيُوت)، أمّا الحديث الذي استدل به معدو المنهج «ولا تأذن في بيته إلّا بإذنه» فلا يؤخذ به لمخالفته للقرآن الكريم، فالقرآن يقول (بيوتهن) والحديث يقول «بيته» والسنة الصحيحة لا تخالف القرآن الكريم، وقد اتفق علماء الحديث أنّ الأحاديث التي تُخالف القرآن الكريم لا يؤخذ بها، ولستُ أدري كيف فات هذا على الإمام البخاري؟.
ثمّ كيف يكون بيت الزوج وكثير من النساء، وخاصة في عصرنا هذا، يملكن البيوت التي يسكنَّها مع أزواجهنّ وأولادهنّ ويُشاركن في تأثيث البيت، وفي دفع ما يتطلبه من مصاريف الأكل والشرب، ودفع فواتير الماء والكهرباء، وقد تنفرد الزوجة بذلك إن كان الزوج عاطلاً عن العمل، أو مريضًا، أو متزوجًا بأخرى ويمتنع عن دفع نفقة للزوجة الأولى وأولادها؟
فتكريمًا للمرأة وحفظًا لحقوقها جعل الله الخالق جل شأنه بيت الزوجية للزوجة حتى لو كان ملكاً للزوج.
[صوم التطوع بإذن الزوج]
في فتح الباري جاء في شرح هذا الحديث: رواية الحسن بن علي عن عبد الرزاق فيها «لا تصوم المرأة غير رمضان» وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعًا «ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعًا إلا بإذنه، فإن فعلت لم يقبل منها»، والسؤال هنا: كيف يقرر عن الخالق جلّ شأنه عدم قبول صيام الزوجة تطوعًا إلّا برضا زوجها؟.
قال النووي في»شرح المهذب»: وقال بعض أصحابنا يُكره، والصحيح الأول، قال: فلو صامت بغير إذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة، وأمر قبوله إلى الله، قاله العمراني، قال النووي: ومقتضى المذهب عدم الثواب، ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي، ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك، بل هو أبلغ، لأنّه يدل على تأكد الأمر فيه فيكون تأكده بحمله على التحريم .
قال النووي في»شرح مسلم»: وسبب هذا التحريم أنّ للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت، وحقه واجب على الفور فلا يفوته بالتطوع ولا بواجب على التراخي، وإنّما لم يجز لها الصوم بغير إذنه، وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ويفسد صومها، وإذا كان زوجها مسافرًا، فلو صامت وقدم في أثناء الصيام فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة.
هنا نلاحظ الإمام النووي بنى حكمه بكراهية صيام المرأة التطوعي بلا إذن زوجها، بل يعطي الزوج حق إفساد صومها، وقرر عدم تأثيمه، بقوله: «وقال بعض أصحابنا يُكره!» بدون أن يكون لديه دليل من القرآن الكريم، أو من السنة الصحيحة، ثم كيف يعطي للزوج حق الاستمتاع بزوجته أي وقت شاء حتى وإن كانت صائمة تطوعًا أو قضاء ولا إثم عليه، فالزوجة لا حقوق لها، بل ليس هناك أي اعتبار لإنسانيتها وأحساسيها ومشاعرها، وهذا لا يمثل قيم الإسلام وأخلاقياته وإنسانيته!.
• يُضعِّفه حديث العباس -رضي الله عنه- أن امرأة من خثعم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! أخبرني ما حق الزوج على الزوجة فإنّي امرأة أيَّم، فإن استطعت وإلا جلست أيمِّا؟، قال:» فإنّ حق الزوج على زوجته إن سألها نفسها وهي على ظهر قتب أن لا تمنعه نفسها، ومن حق الزوج على الزوجة أن لا تصوم تطوعًا إلا بإذنه، فإن فعلت، جاعت وعطشت، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت؛ لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حتى ترجع» قالت: لا جرم لا أتزوج أبدًا».
قال الهيثمي في» المجمع» 4/ 307): رواه البزار، وفيه حسين بن قيس المعروف بحنش، وهو ضعيف، وقد وثقه حصين بن نمير، وبقية رجاله ثقات، قال الألباني: بل هو متروك.
فهنا نجد هنا بعض الفقهاء قد بنوا أحكامهم على حديث أحد رواته ضعيف، بل متروك!
كما نلاحظ أنّ بعض الفقهاء قد أعطوا رغبات الزوج الجنسية قدسية لدرجة أنّهم يُحرّمون على الزوجة صيام التطوع وفضله وثوابه لتظل جاهزة لرغباته، وكأنّها ليست بإنسانة، إنّها مجرد وعاء يُفرّغ فيه الزوج رغباته وشهواته متى شاء، وقد تكون غير مهيأة نفسيًا، أو صحيًا، ولا يطالبون الزوج بضبط رغباته الجنسية إلى أن تُتم نهار صومها، كما نجدهم لم يُراعوا رغبات الزوجة، فللزوج أن يصوم تطوعًا ما شاء!.
مقتبس من سلسلة مكونة من ثلاث مقالات نشرت لسهيلة زين العابدين حماد بعنوان "الاستدلال بأحاديث ضعيفة وموضوعة لتعظيم الزوج في مادة الثقافة الإسلامية في جامعاتنا" والتي نشرت في صحيفة المدينة في سبتمبر 2020.
تم دمج المقالات في مقال واحد والتصرف فيها تصرفا طفيفا وأيضا حذف بعض المقاطع المسهبة ولم تتم الإشارة لكل التعديلات التي تمت تخففا. يمكن الرجوع للمقالات والتي روابطها: (1) و(2) و(3).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق