الاثنين، 20 مايو 2019

أنتِ ناقصة عقل ودين

ضاق ذرعاً بامرأة كانت تدير حواراً، كان هو أحد المشاركين فيه اضطراراً؛ حيث تدخلت في التفصيلات، وتحكمت في الوقت، وفي مواقع الجلوس، وأعلنت مبكراً عن أدلجة مكثفة، ناءت بها لغتها التي تحاول أن تكون فصيحة.

وحين جاء دوره في الحديث؛ كان أول ما قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأةً!) ليس الحديث عن الحديث وإنما عن المناسبة، وهل نحن هنا ننتقم لأنفسنا بتعريض سنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للهجوم والانتقام أو الانتقاص؟!

غاضب زوجته واحتدم الجدال، وكلمة من هنا وكلمة من هناك؛ ليجتر النصوص الشرعية إلى صفه؛ قائلاً: نعم! لا غرابة، أنت ناقصة عقل ودين، كما قال محمد صلى الله عليه وسلم!!

وما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه يوماً مثل هذا القول، ولا عير به أو سب، ولا ساقه في مقام الانتقاص، بل جعله كالمقدمة لمعنى جميل لطيف جذاب.. (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن) كما في الصحيحين.
ولو حذفت هذه الجملة؛ لكان المعنى صحيحاً (ما رأيت أغلب لذي لب منكن)، فهي أشبه بجملة معترضة؛ كما يقول النحاة ، ولكن مناسبتها أن الرجال الألباء العقلاء يغلبهم ذات العاطفة الجياشة والحنان الفياض والأنوثة القاهرة، ويقع هذا للملوك والعباقرة، وقادة الجيوش ورجال الأعمال والمال، ولأكثر الناس شدة وبأساً!
وهذا معنى واضح، إذا لم نسمح لأنفسنا باستخدام الأقواس، واجتزاء الكلمات والعبارات، وعزلها عن سياقها اللغوي، وعن مناسبتها الواقعية.

اختلف معه صديقه وابن عمه وجاره، حول قضية مالية وشراكة دنيوية؛ آلت إلى كساد وبوار، وضاع المال، وتبخرت الأحلام الوردية، واحتدم الألم، وحين جمعتهم مناسبة عائلية، وحان وقت الصلاة؛ تقدم، وكيف لا يتقدم وهو خريج الشريعة، ليصلي بهم ويقرأ في الركعة الأولى: (( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ))[إبراهيم:42].

محمدالغزالي في موكب الدعوة.
محمدالغزالي في موكب الدعوة.

ويقرأ في الركعة الثانية: (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ))[الفيل:1] ولسان حاله يهدد ذلك المأموم، الذي داهمه الحزن والهم والغم في قضية منظورة عند المحكمة؛ تحولت إلى خصام ديني، يستقوي فيه أحد الخصوم على صاحبه القديم، بآيات تتلى لم تنزل بخصوص هذه المسألة، ولا أحل الله لنا أن نوظفها في خصومة شخصية، أو وجهة نظر خاصة، ولا نزلت لتكون مدعاة للتنافر والتنائي؛ بل لتهدئة النفوس الثائرة، تخفف لوعة الحزن على ما فات، أو الخوف على ما هو آت.
وحين انفتل من صلاته كانت فرصة لوعيد أولئك الذين يصلون ولا تزيدهم صلاتهم إلا بعداً، وهذا المعنى لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الذين يأخذون أموال الناس تحت ذرائع باطلة، وعن.. وعن..

إنه ليس من أمانة العلم أو الديانة أن أجعل ما رزقني الله من القرآن أو الحديث وسيلة لكسب معركة مع آخرين، وأن أتعزز به ضدهم، وأن أشيح النظر عما يحدثه هذا في نفوس كثير من الضعفاء وقليلي المعرفة بالنصوص أن ينكروا النص، وهو صحيح، أو يسبوا، أو يبغضوا..

وقد قال لنا الحكيم العليم جل وتعالى في شأن المشركين وآلهتهم: (( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ))[الأنعام:108].

إن القلب المشفق لا يغفل أبداً عن المهمة الرسالية، والأمانة التبليغية، وضرورة تحبيب الناس بالدين وبالرسول صلى الله عليه وسلم ورب العالمين جل وتعالى، ومن لوازم ذلك ومقتضياته ألا توظف المعاني المشتركة في خصومات شخصية أو خاصة، وألا يتم تقديم الحقائق الإيمانية في جو الصخب والمجادلة واللجاج، وصدق الله القائل: (( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ))[طه:114].

سلمان العودة

طالع أيضا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: