أدلجة العلم (Science Ideologization)
على الرغم من موضوعية منهج البحث العلمي من خلال استناده على الوقائع، واعتماده على قابلية التجربة، وإمكانية تكرارها ضمن الشروط المحددة وإعطائها لنفس النتائج، وإمكانية الدحض والتفنيد... إلا أن كل ذلك لم يجعله في منأى عن الاستخدام الأيديولوجي لمناصرة أفكار وفلسفات وعقائد، تعتمد على انتقائية التفسيرات والظواهر بطريقة تخدم استدلالاتها، وتهاجم خصومها، وتتجاهل في الوقت عينه التفسيرات المضعفة لها، في استخدام جلي لمغالطة التحيز التوكيدي (Confirmation Bias)؛ حيث تتجلى هذه الأدلجة في الصراع الأزلي بين الدينيين والملحدين، فترى كلا الطرفين يميل لتوظيف العلم لمصلحته بالطريقة المنحازة المذكورة أعلاه:
فترى الدينيين مثلاً يستندون للاكتشافات العلمية التي تدعم نظرية التصميم الذكي (Intelligent Design) في وظائف الخلية والقوانين الكونية و الضبط الدقيق (Fine Tuning) كأدلة على وجود الخالق ووحدانيته، و لكنهم يتجاهلون الإجابة عن أسئلة جوهرية في دلائل التطور كوجود أطراف خلفية غير نامية في الحوتيات، و بقايا فقرات عجزية ذيلية حتى عند الإنسان، ولا سببية (Non-determinism) عالم الكوانتم.
وعلى المقلب الآخر، يجهد الملحدون في الاستناد على نظرية الفوضى (Chaos Theory) والسجل الأحفوري (Fossil Record)، بالإضافة للتشوهات الخلقية لبرهان أنه لا حاجة لافتراض وجود الخالق، متناسين أن افتراضات الصدف التي تدعم نظرتهم تتطلب أحداثاً خارج القدرة الزمكانية منذ الانفجار الكبير، مما دفعهم لافتراض وجود أكوان موازية وحالات أزلية ولا نهائية من حالات الانفجار الكبير يمكن لأحدها أن يكون دقيق الضبط ككوننا هذا، مع عدم قدرتهم على إثبات أن الأكوان غير نهائية وبالتالي لو كانت تريليونات محددة من الأكوان وكان أحدها محكم التصميم هكذا لكشف عن إرادة عليا تجعله مميزاً عن غيره.
الطريف أن كل الطرفين يأخذ و يترك من العلم لإثبات ما يريد ويصفق كل جمهور لما يتبع... و لكن يبقى أفضل ما قيل في هذا الموضوع ما قاله العالم (Neil deGrasse Tyson): "إن أجمل شيء في العلم أنه صحيح؛ سواء أعجبك ذلك أم لا!"
أحمد راشد حافظ
إضافة:
الكون بعلومه وعجائبه كتاب مفتوح.
تقرأه ثم تقرر إما أن تكون مؤمناً، أو أن تكون ملحدا.
قرأت مرة تأملا لأحد المؤمنين حول تشابه الكون من الذرة إلى المجرة وتشابه الأنظمة في الكون واستدل الكاتب بهذا على وحدانية الخالق، فالكون لمخلوقاته طابع متشابه يدل على صانع واحد.
ثم قرأت مرة كلاما لطبيب ملحد عبّر عن نفس الفكرة (التشابه في الكون) ثم علق عليها أنه اكتشف أن خلق الكون عملية سخيفة وسهلة لأن الأنظمة من الذرة إلى المجرة مكررة ومتشابهة.
قلت سبحان الله! هي ذات المعلومة والناس تتجاذبها وكل منهما يريد أن يوظف المعلومة لتؤيد موقفه هو، وكل يدعي أن العلم يدل على صحة فهمه.
الشيء نفسه يحصل مع التطور مثلا -بغض النظر هل هو صحيح علميا أم سقيم فأنا لا أناقش صحة التطور بل أناقش قضية فكرية- التطور من كانت لديه قناعة ((مسبقة)) أن الله غير موجود فسيدعي أن التطور دليل على صحة رأيه وأن اكتشاف التطور نسف قضية الإيمان بالله!! (وربما يأتي مؤمن يستدل بالتطور على إثبات وجود الله)
في الحقيقة استنتاجهم ليس علما تجريبيا مثبتا بل استغلال للعلم. فالعلم التجريبي هو الذي نعرفه بالمعامل، أما هذا فهو خلط بين العلم وما قد يُستنتج من العلم.
ليس صلب المشكلة أن يأتيني عالم ملحد ليثبت وجود التطور علميا، ثم يقول باسم استنتاجه الشخصي -لا باسم العلم- أن التطور يدل على عدم وجود الله. صلب المشكلة أن ينسب استنتاجه -عدم وجود الله- للعلم ذاته فيصير كلامه وكأنه قضية علمية محسومة وهو ليس علما البتة! ولا علاقة له بالعلم بل استنتاجه هو فحسب! وقد يكون استنتاجا سليما وقد يكون استنتاجا أحمقَ! عادي جدا!
أنت كمؤمن أو كملحد ربما لك الحق أن تستنتج من العلم ما تريد، لكن عليك أن لا تدعي أن هذه نتائج علمية، بل اعزها إلى الفكر أو العقل وقل هذه نتائج فكرية عقلانية.
توضيحات ضرورية:
*إني -الكاتبة- مؤمنة بالله طبعا ولما قلت أن استدلال المؤمن بتشابه الكون على وحدة الصانع "الله" ليس استنتاج علميا. فهذا لا يعني أني غير مقتنعة بصحة هذا الاستنتاج مثلا، كلا، بل يعجبني ولكنه يعتبر تحليلا فكريا ومنطقيا لا علما تجريبيا، ولا أحب الخلط بين العلم وما يستنتج منه حتى لا يصدق العوام أكذوبة أن العلم يشير إلى عدم وجود إله مثلا أو ما شابه، بل ببساطة العالم الملحد هو الذي استنتج وسأحترم علومه التجريبية وأرد عليه استنتاجه فليبقيه له.
*عندما لا يكون التحليل علميا فهذا لا يعني أنه تحليل سخيف، كلا بالطبع، ولكننا لا نحتكم بصحته إلى العلم بل إلى العقل الراشد والمنطق السليم والفكر القويم.
* عندما أقول (هذا فكر وليس علما) فأعني بالعلم "العلم التجريبي" فحسب وإلا فالفكر السليم باللغة يُعتبر علما إن كان سليما مبرهنا بأدلة صحيحة. وبهذا فالاستدلال العقلي المبرهن على وجود الله يعتبر "علما" بحسب اللغة رغم أنه ليس علما تجريبيا بل عقليا. إلا أنه شاع في عصرنا أن نطلق مصطلح "العلم" على العلم التجريبي -وهو تضييق لا أحبه لمصطلح العلم-! إلا أني أستخدمته لشيوعه.
على الرغم من موضوعية منهج البحث العلمي من خلال استناده على الوقائع، واعتماده على قابلية التجربة، وإمكانية تكرارها ضمن الشروط المحددة وإعطائها لنفس النتائج، وإمكانية الدحض والتفنيد... إلا أن كل ذلك لم يجعله في منأى عن الاستخدام الأيديولوجي لمناصرة أفكار وفلسفات وعقائد، تعتمد على انتقائية التفسيرات والظواهر بطريقة تخدم استدلالاتها، وتهاجم خصومها، وتتجاهل في الوقت عينه التفسيرات المضعفة لها، في استخدام جلي لمغالطة التحيز التوكيدي (Confirmation Bias)؛ حيث تتجلى هذه الأدلجة في الصراع الأزلي بين الدينيين والملحدين، فترى كلا الطرفين يميل لتوظيف العلم لمصلحته بالطريقة المنحازة المذكورة أعلاه:
فترى الدينيين مثلاً يستندون للاكتشافات العلمية التي تدعم نظرية التصميم الذكي (Intelligent Design) في وظائف الخلية والقوانين الكونية و الضبط الدقيق (Fine Tuning) كأدلة على وجود الخالق ووحدانيته، و لكنهم يتجاهلون الإجابة عن أسئلة جوهرية في دلائل التطور كوجود أطراف خلفية غير نامية في الحوتيات، و بقايا فقرات عجزية ذيلية حتى عند الإنسان، ولا سببية (Non-determinism) عالم الكوانتم.
وعلى المقلب الآخر، يجهد الملحدون في الاستناد على نظرية الفوضى (Chaos Theory) والسجل الأحفوري (Fossil Record)، بالإضافة للتشوهات الخلقية لبرهان أنه لا حاجة لافتراض وجود الخالق، متناسين أن افتراضات الصدف التي تدعم نظرتهم تتطلب أحداثاً خارج القدرة الزمكانية منذ الانفجار الكبير، مما دفعهم لافتراض وجود أكوان موازية وحالات أزلية ولا نهائية من حالات الانفجار الكبير يمكن لأحدها أن يكون دقيق الضبط ككوننا هذا، مع عدم قدرتهم على إثبات أن الأكوان غير نهائية وبالتالي لو كانت تريليونات محددة من الأكوان وكان أحدها محكم التصميم هكذا لكشف عن إرادة عليا تجعله مميزاً عن غيره.
الطريف أن كل الطرفين يأخذ و يترك من العلم لإثبات ما يريد ويصفق كل جمهور لما يتبع... و لكن يبقى أفضل ما قيل في هذا الموضوع ما قاله العالم (Neil deGrasse Tyson): "إن أجمل شيء في العلم أنه صحيح؛ سواء أعجبك ذلك أم لا!"
أحمد راشد حافظ
إضافة:
الكون بعلومه وعجائبه كتاب مفتوح.
تقرأه ثم تقرر إما أن تكون مؤمناً، أو أن تكون ملحدا.
قرأت مرة تأملا لأحد المؤمنين حول تشابه الكون من الذرة إلى المجرة وتشابه الأنظمة في الكون واستدل الكاتب بهذا على وحدانية الخالق، فالكون لمخلوقاته طابع متشابه يدل على صانع واحد.
ثم قرأت مرة كلاما لطبيب ملحد عبّر عن نفس الفكرة (التشابه في الكون) ثم علق عليها أنه اكتشف أن خلق الكون عملية سخيفة وسهلة لأن الأنظمة من الذرة إلى المجرة مكررة ومتشابهة.
قلت سبحان الله! هي ذات المعلومة والناس تتجاذبها وكل منهما يريد أن يوظف المعلومة لتؤيد موقفه هو، وكل يدعي أن العلم يدل على صحة فهمه.
الشيء نفسه يحصل مع التطور مثلا -بغض النظر هل هو صحيح علميا أم سقيم فأنا لا أناقش صحة التطور بل أناقش قضية فكرية- التطور من كانت لديه قناعة ((مسبقة)) أن الله غير موجود فسيدعي أن التطور دليل على صحة رأيه وأن اكتشاف التطور نسف قضية الإيمان بالله!! (وربما يأتي مؤمن يستدل بالتطور على إثبات وجود الله)
في الحقيقة استنتاجهم ليس علما تجريبيا مثبتا بل استغلال للعلم. فالعلم التجريبي هو الذي نعرفه بالمعامل، أما هذا فهو خلط بين العلم وما قد يُستنتج من العلم.
ليس صلب المشكلة أن يأتيني عالم ملحد ليثبت وجود التطور علميا، ثم يقول باسم استنتاجه الشخصي -لا باسم العلم- أن التطور يدل على عدم وجود الله. صلب المشكلة أن ينسب استنتاجه -عدم وجود الله- للعلم ذاته فيصير كلامه وكأنه قضية علمية محسومة وهو ليس علما البتة! ولا علاقة له بالعلم بل استنتاجه هو فحسب! وقد يكون استنتاجا سليما وقد يكون استنتاجا أحمقَ! عادي جدا!
أنت كمؤمن أو كملحد ربما لك الحق أن تستنتج من العلم ما تريد، لكن عليك أن لا تدعي أن هذه نتائج علمية، بل اعزها إلى الفكر أو العقل وقل هذه نتائج فكرية عقلانية.
توضيحات ضرورية:
*إني -الكاتبة- مؤمنة بالله طبعا ولما قلت أن استدلال المؤمن بتشابه الكون على وحدة الصانع "الله" ليس استنتاج علميا. فهذا لا يعني أني غير مقتنعة بصحة هذا الاستنتاج مثلا، كلا، بل يعجبني ولكنه يعتبر تحليلا فكريا ومنطقيا لا علما تجريبيا، ولا أحب الخلط بين العلم وما يستنتج منه حتى لا يصدق العوام أكذوبة أن العلم يشير إلى عدم وجود إله مثلا أو ما شابه، بل ببساطة العالم الملحد هو الذي استنتج وسأحترم علومه التجريبية وأرد عليه استنتاجه فليبقيه له.
*عندما لا يكون التحليل علميا فهذا لا يعني أنه تحليل سخيف، كلا بالطبع، ولكننا لا نحتكم بصحته إلى العلم بل إلى العقل الراشد والمنطق السليم والفكر القويم.
* عندما أقول (هذا فكر وليس علما) فأعني بالعلم "العلم التجريبي" فحسب وإلا فالفكر السليم باللغة يُعتبر علما إن كان سليما مبرهنا بأدلة صحيحة. وبهذا فالاستدلال العقلي المبرهن على وجود الله يعتبر "علما" بحسب اللغة رغم أنه ليس علما تجريبيا بل عقليا. إلا أنه شاع في عصرنا أن نطلق مصطلح "العلم" على العلم التجريبي -وهو تضييق لا أحبه لمصطلح العلم-! إلا أني أستخدمته لشيوعه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق