الخميس، 23 أغسطس 2018

التطبيع وأثر الجماعة في فكرنا

وأنت متجه للمسجد تعلم أنّك متأخر عن الصلاة وقد أيقنْتَ بفواتها. فإذا بك ترى أناسا قاصدين المسجد، تعرف وجهَتَهم، فجأة ينتابُك شعورٌ بأن الوقت لم يمرّ ولم تتأخر وأن المصلين لتوِّهم يصلّون... فتصل للمسجد فتجدُ الإمام قد سلّم! فيعود بك إحساسك إلى أوّل عهدِه!
 
فما الذي حصَل؟ مع أنّك كُنتَ متأكّدا أنّك متأخّرٌ عن صلاة الجماعة، وكانت مجرّد محاولة يائسة لتُدْرِك منها شيئا يسيرا.

الذي حَصَل أنّ مشاركة الآخرين لك في الوضع، خفّف من حدّة الشكّ عندك، وأثّر على إدراكك لدرجة أن الوقت صار مفهوما "هلاميّا" في ذِهنِك، وكان التوافق الاجتماعي ولو مع عدّة أشخاص عاملا في إعادة تقييم الوضع حسب دينامية بينيّة Dynamique interpersonnelle وليس دينامية داخليّة Intrapersonnelle
 
وقدّم لك تشابهُ وضعِهم معك رسالة ضِمنيّة خفيّة أنّك "غير مخطئ" وأنّه مادام غيرك يقصد المسْجد فهذا دليل على أن صلاة الجماعة قائمة. والنتيجة الحتْمية في فوَاتِها أمْرٌ مَشْكوك فيه، إذْ فواتُها مستبْعد عن كثرةٍ عكس فرد واحد! (طبعا هذا منطِق نفسيّ لا يستقيم، فسواء كان فردا أو جماعة فالنتيجة واحدة)

وهذا ما يُسمّى في علم النفس الاجتماعي "التطبيع" Normalisation راجِعوا تجْربة النقطة المضيئة لمُظفّرْ شَريف (effet autocinétique).
 
ومفادُه أنّ الفرد يعتمِد (في وضعيات الشكّ خصوصا) حُكما خاصا به، فإذا عُرِض عليه موقف الآخرين، يميل لتعديل حُكمِه، حتى إن كانوا مخطئين، (وهذا مثالنا عن الصلاة). أما لو حضر من الأوّل لحُكم جماعة من النّاس فإنّ حُكمَه يكون تابعا لهم ابتداء! وتبقى نسبَة لا تنطلي عليهم الخدعة.

هل شَعَرت بالرّعب من عدم امتلاكك لأحكامك الخاص المجرّدة ؟
 
لا عليك.. فهو حقا أمر مُرعِبْ، خصوصا في قضايا مصيريّة قد نتّبع فيها "عقليّة القطيع" ونحن مطمئنّون.

ولن يُحسَم الأمر إلا بعد رؤية النتائج الكارثية بشكل قطعي لا تأويل فيه.

* مراجعٌ للتوسّع:

ـ http://bit.ly/2ouFI3f إنجليزي يتحدّث عن الظاهرة البصرية وتجربة مظفّر شريف
ـ http://bit.ly/2nrQg1p فرنسيّة، عن ظاهرة الحركة الذاتية للضوء autocinétique
ـ http://bit.ly/2oo1pVB عن التجربة بالفرنسية
 
حسن خالدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: