كيف استطاع الحوت أن يأكل يونس؟ |
(فَالْتَقَمَهُ
الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ *
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * ۞ فَنَبَذْنَاهُ
بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن
يَقْطِينٍ) (الصافات 142-146)
هذه الآية محل انتقاد
الكثير من الملحدين، حيث يعتبرونها شبهة... ويستغربون منها ويدعون منافاتها
للعلم والواقع... فكيف يلتقم الحوت إنسانًا كاملًا؟ وفرضًا أنه فعل، فكيف
نجى الإنسان من تحطيم الأسنان له؟ ثم كيف نجى من العصارات الهضمية التي
تلسع جسده؟ وأخيرًا كيف يتنفس ويعيش بداخله دون هواء يتنفسه؟ وكيف لا
يختنق؟ إلخ...
أتعجب من شخص يستغرب بلع الحوت ليونس،
لكن لا يستغرب تكملة القصة (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ *
وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ)، فكيف تنبت شجرة اليقطين
من تلقاء نفسها؟
ولا يستغرب كيف يلبث يونس في بطن الحوت
إلى يوم يبعثون (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ)؟ مع
أننا جميعًا نعرف بأن كل شيء يموت، حتى بنص القرآن (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا
فَانٍ) (الرحمن 26)، فالحوت سيندثر وما بداخله سيندثر...
الأمر
ببساطة هو أن ما يحصل للأنبياء ليس بالضرورة مما يمكن فهمه أو تفسيره
بقوانين عالمنا الذي نعرفه، فالله الذي أنبت شجرة اليقطين قادر على جعل
الحوت يلتقم يونس، ثم ينبذه في العراء، وهو أيضا قادر على جعل يونس يبقى في
بطن الحوت إلى أبد الآبدين...
قد يعترض الملحد هنا
على كلامي ويصر بأن الآية فيها خطأ علمي، ويقول بأن ردي مجرد تلفيقي وفيه
تهرب... فأقول حسنًا سأجاري هذا الاعتراض وأفترض بأن القصة ليس فيها أي خرق
للعادة، وأتماشى مع الملحد وأعرض القصة على قوانين عالمنا الماديّ:
من الناحية الفيزيائية يمكن لبعض الحيتان بلع
كائنات ضخمة بحجم الإنسان أو حتى أكبر، فنحن نعرف أن حوت العنبر مثلا
يستطيع بلع فقمة كبيرة أو حبّار ضخم بأكمله (3)، ففيزيائيا الأمر غير
متسحيل، فإن كان الحوت يستطيع بلع ما هو أكبر من الإنسان فلا شيء يمنعه من
بلع إنسان! بل حصلت حوادث بلع فيها حوت إنسان على ما يبدو عن طريق الخطأ ليقذفه مرّة أخرى، ونجد هذه الحوادث تذكر في الأخبار (4). يعني لا يوجد مانع من الناحية الفيزيائية.
وأضيف بأن العرب كانوا يعرفون الحوت،
وتصلنا قصة من وقت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه أكل من حوت العنبر
(sperm whale) والذي وجدوه ميتا على ساحل البحر (1، 2)، فبطبيعة الحال يعرف
الناس في ذلك الوقت التشريح الأساسي، وما هو بداخل الحيوانات بل حتى
الإنسان، ويعرفون البطن والعصارة المعدية، ولا أشك شخصيا في أنهم يعرفون
بأنها حارقة... وتذكروا أيضا بأن عصرهم كان عصر الحروب، والتمثيل بالموتى،
فهم يعرفون التشريح البشري والحيواني... وحتما يعرفون بأننا حين نأكل الشيء
فإنه لا يبقى في بطوننا، وإلا لبقيت بطوننا تنتفخ إلى الأبد، وبأن الطعام
يدخل المعدة وبطريقة أو بأخرى يحوله الجسم لفضلات تخرج، حتى حين يتقيأ
الإنسان -أكرمكم الله- فإنه يعرف ويلاحظ بأنه أخرج الطعام الذي كان ببطنه،
ويعرف ويلاحظ بأن الطعام الذي ببطنه خرج بهيئة مختلفة عن الهيئة التي دخل
بها... هذه بديهيات يعرفها الجميع، طبعا قد لا يعرف الناس قديما التفصايل
العلمية وشروحاتها، لكنهم يعرفون هذه الأساسيات والبديهيات وهي لا تخفى
عنهم... لذلك الادعاء بأن القرآن أخطأ من هذه الناحية مردود، فالأمر بديهي.
وأخيرًا:
أسأل من يستغرب من قصة يونس، لماذا لا تستغرب من قصة الحوت الذي فجأة صار حيًا، وفجأة استطاع إيجاد طريقه إلى البحر؟
(قَالَ
أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ
وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ
سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا) (الكهف 63)
الشاهد:
القرآن يذكر هذه القصص كخوارق حصلت للأنبياء، ولم يقل أحد لا يوجد حوت يتخذ
سبيله في البحر عجبًا! كلنا نعرف بأنه لا يوجد مثل هذا الحوت!
المصادر:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق