السبت، 18 أغسطس 2018

شعور مزيف بالرضا


حين يحصل لك أمر مزعج فإنك أمام تصرفين:

- التصرف الأول - العمل:
تعمل على تغيير ذلك الشيء الذي أزعجك.

هذا التصرف هو الأكثر منطقية، والأكثر طبيعية: إن أزعجك شيء، فأزله، غيّره، عدّله... إلخ

المشكلة هي أنك في أغلب الأحوال تجد نفسك في موقف ضعف، قد لا تملك السلطة الكافية والقوة لتغييره، فهو أكبر منك وأعقد وأصعب وأعمق، وربما ما تستطيع فعله صغير جدا، قد لا تجني ثماره أبدًا ولو بقيت تعمل عليه طيلة حياتك... ماذا تفعل حينها؟ ستلجأ للتصرف الثاني.

-التصرف الثاني - التعبير:

تعبّر عن انزعاجك بالحديث، بالشكوى، بالاعتراض، تخبر من حولك، وربما قد تكتب عن شعورك في وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى تغير صورتك الشخصية، وإن كان هناك منشور يعبر عن ذلك أعدت مشاركته... وقد يتكاثر شعور الانزعاج ويكون مشتركًا مع أناس آخرين، فيتفاقم الغضب فتخرجون للشوارع متظاهرين، قد تكون سلمية، وقد تتطاول لتصل لأعمال الشغب والتكسير والتخريب...

بعد التعبير عن مشاعرك بأحد أو حتى كل الأمثلة المذكورة أعلاه، ستشعر بأن الحنق الذي بداخلك قد خف، الحمد لله، شيء في قلبك وأخرجته، ستشعر بالراحة، بشيء من الرضا، بشيء من التفريغ... ستعتقد أنك فعلت شيئًا، أنك غيّرت شيئا...

لكنك في الحقيقة لم تقدم أي شيء، ما يزعجك مازال كما هو دون أي تغيير...

ما الذي تغير إذن؟ إنها نفسك... تغيرت... وتغيرت الدوافع التي كانت بداخلها... نوبة الغضب التي انتابتها قد ذابت، وزال معها أي دافع لعمل شيء فعليّ لتغيير ذلك الشيء الذي أزعجك من البداية!

________

المسلمون منبوذون، ضعفاء... الكثير من الأشياء المزعجة حولهم، حقوق ضائعة، ظلم، تسلط، قتل، تعذيب... إلخ

ردة فعلهم لا تختلف عن ما ذكرته بالأعلى، يحاولون أن يفعلوا شيئا، لكنهم ضعفاء لا يستطيعون، فينتقلون للتصرف الثاني (التعبير): تغيير صورة الفايسبوك الشخصية، منشور على التويتر، محاضرة رنانة، تنديد، صراخ، مظاهرة، اعتصام... إلخ

ثم ماذا؟ شعور مزيف بالرضا... الحمد لله قدمنا ما علينا.

لكنهم في الحقيقة لم يقدموا الكثير، والأهم من ذلك أن الواقع لم يتيغر، وكل ما حصل هو أن الدوافع التي كانت بداخلهم ذابت وتم استبدالها بشعور مزيف من الرضا...


________
 
"طيب، ماذا أفعل؟ ليس بيدي فعل شيء، التعبير وإخراج ما بالصدر أحسن من السلبية وعدم فعل شيء"

هذه هي الجملة التي أسمعها دومًا حين أتحدث في هذا الموضوع...

مشكلتنا كمسلمين، هي أننا نبحث عن الحلول الفورية، نتوقع أن يتغير الحال بين عشية وضحاها، ولذلك نعتقد أنه ليس بإمكاننا (فعل) شيء، وكل ما بيدنا هو (التعبير)...

نعم ليس بإمكاننا (فعل) شيء يغير الحال الآن وحالًا، لكن بإمكاننا فعل الكثيــــــــــــــر من الأشياء التي ستفعل فعلها على المدى البعيــــــــد جدًا، وربما (بل أكاد أقول حتمًا) لن نرى نتائجها وثمارها في حياتنا...

غيّر نفسك، نمها، رقها، افهم دينك، كن مسلمًا قدوة، في علمه وثقافته وفهمه، أتقن عملك... ابدأ بنفسك أولا ثم انظر لمحيطك الصغير من حولك، لعائلتك، لحيك، لمجتمعك... وسترى بأنه يمكنك تقديم الكثير والكثير وبأن ما يمكنك فعله وتغييره لا يعد ولا يحصى، فقط ارفع عينيك وسترى أفضل...

استغل شعور الغضب الذي بداخلك واجعله دافعا للعمل الفعلي النافع، ولا تتركه يندثر بـ (التعبير)... والندب والشجب والتظاهر والصراخ بلا جدوى.

________
 
الصين تلك القوّة الصاعدة، لديهم خطة تُسمى خطة المئة سنة، هدفها أنهم بحلول سنة ٢٠٤٩ سيصبحون أول وأعظم قوة عالمية...

من وضعوا هذه الخطة حتمَا يعلمون بأنهم لن يعيشوا ليروها تتحقق... عادة الناس حين يفكرون في التغيير يفكرون بطريقة لحظية جدًا، وفي أقصى الحالات قد يفكرون على مدى بضع سنين... لكن ما هي خطتنا للتغيير على مدار قرن كامل من الزمان أو أكثر؟ هل لدينا نظرة بعيدة مستقبلية تتخطى حدود حياتنا البشرية المحدودة لتنظر لمستقبل أمتنا على مدى أبعد من مدانا...

هل نحن مستعدون لنعمل من أجل أمتنا أعمالا قد لا نرى ثمارها في حياتنا، وقد تستغرق سنينا أو حتى قرونا لتزهر... لكننا حتما سنجدها في آخرتنا؟


أم أننا سنبقى في (التعبير) لا نتزحزح؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: