{قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون (75) قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون (76)} .الأعراف.
* لَدائما نقرأ هذه الآية ولا نرى فيها إلا حوارا وسجالا "قديمين غابرين" حول من آمن بالرسل وكفر بهم، ولكن هل تأمّلنا في الطريقة والآلية التي وقع بها ذلك التكذيب والاستعلاء عن الحق والمعجزات؟!
فلنتأمّل قوله سبحان {قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون) وخصوصا "إنا بالذي آمنتم به"
* لَدائما نقرأ هذه الآية ولا نرى فيها إلا حوارا وسجالا "قديمين غابرين" حول من آمن بالرسل وكفر بهم، ولكن هل تأمّلنا في الطريقة والآلية التي وقع بها ذلك التكذيب والاستعلاء عن الحق والمعجزات؟!
فلنتأمّل قوله سبحان {قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون) وخصوصا "إنا بالذي آمنتم به"
قد جعل الكفار بِصالح كُفرَهم مُناطا بتبرير، قد كان كافيا في نظرهم، لردّ الحق والاستهتار بالمعجزة ألا وهو أنّ المستضعفين الفقراء من غير النخبة ومن كانوا دونهم دائما، قد آمنوا بصالح عليه السلام ورسالته، وهذا كان دليلا كافيا على أنّ تعاليم الرسالة ليس لها "شرف" الحق لكي يُتّبع، وإن آمنوا سيكونون سواءً مع الفقراء والبسطاء، وهذا ما حملهم على التكذيب بقولهم إنا بالذي آمنتم به كافرون، فذلك الذي آمنتم به لن نرضى به لأنّ ذلك الحق قد أدرجكم معنا إن نحن آمنّا به أيضا. وهذا ممّا لا يليق بمقامنا !
وهذا مثل قول الله تعالى في آية أخرى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه} الأحقاف.
بمعنى أنّه لو كان خيرا ما كان فقراء ومستضعفون أن يعرفوه قبلنا ويملكوه قبلنا مع أننا أهل السَّبق لكلّ ترف ولكلّ جديد ولكلّ سديد ! أي أنه إن لم يأتِ منّا فإنه بالضرورة شرّ ولا خير فيه، لأنّنا نحن أهل الخير وأصحابه دائما، وهذا الاستدلال العكسي، هو الذي حملهم على معاداة الحق لا لأنه باطل وشرّ بل لأنه ضرَب في صميم كبريائهم، ولم يحملوا عناء التدقيق فيه أو تأمّل محتواه.
وآية أخرى قالها قوم نوح لنوح عليه السلام: { قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ( 111)} .الشعراء.
إذ كيف نؤمن لك يا نوح فنتساوى مع الأراذل والفقراء والمتهتّكة أحوالهم ؟!
- فكيف لقوم يشعرون أنهم يصنعون ويبرمجون ويطيرون في الفضاء وينزلون تحت الأرض، ويبحثون في مخابئ الدماغ، ويستبدلون الأعضاء ويزرعون القلوب الاصطناعية، ويتصدّقون على فقراء العالم بفائض ملابسهم ويشفعون للمظلومين في بلدهم، ولهم الوصاية على العالم كلّه، ويعلّمون الناس كيف يزرعون ويأكلون ويدّخرون وكيف يجمعون أزبالهم ويعيدون تكريرها وكيف يعاملون أزواجهم وكيف يربّون أولادهم و...إلخ، كيف لهم أن يقبلوا الحق والصواب وأحسن الخيارات في المجالات الانسانية والثقافية والدينية ممّن هم دونهم ... كيف ؟! كيف ! وهل سيقبل غني متصدق نصيحة وحكمة من متشرد يسأله درهما ؟!
هذه العقلية المريضة المتخمة بالتّرف التي لا يبهرها إلا من جاءها بأغلى ممّا عندها وأكثر إغراء ممّا تملك تربط دائما الحق والصواب بالبريق والتّرف وبالنادر العجيب، "ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون" فمن تكلّم عن الله تعالى رسولا لا ينبغي له في منطقهم المشبع بمعامِلات التّرف ومعادلات "الأكبر والأغنى والأروع" أن يشرب ماء ولا أن يأكل طعاما ! سيؤمنون له ربما إن عاملهم بتعال وظهر لهم مستهلكا لشي لم يرو مثله قط.
إن الاستعلاء الثقافي والاستكبار النفسي لا ينتج بالضرورة إنسانا يأسره الدليل ويخضعه المنطق القويم كما علّمونا دائما، بل لا تخلو تلك البهرجة والترف من ضريبة غــــالية الثمن، يدفعها الانسان التابع لها إن لم يتحرّر من قيودها الخفيّة. ولنا في أحوال البسطاء والفقراء عبرة، فلا أحد يلتفت إليهم، ولا أحد يسمع لهم، وقضية خاسرة ابتداء مع قوم لا يفتحون عقولَهم إلا لمن حدّثهم بمنطق آخر سيّارة فاخرة أوأغلى فندق أو أرقى طعام! تخيّلوا...
وقليل من المترفين والأغنياء وأصحاب السلطة مستثنون.
أبى الله إلاّ أن يجعل الحق والانصاف من نصيب النفوس الزكيّة الكريمة حتى إن كانت في ثقافات جاهلة متخلّفة، وجعل للحقّ نكهة كريهة في أفواه المستكبرين والمترفين لكي لا يمثّلوه فيفسدوا صفاءه.
حَـسَـــن خَالـــدِيْ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق