يقول محمد الغزالي:
أتحسب القاضي المنشغل بالفصل في الخصوات، حين يسهر على تحضير قضاياه أقل إرضاء لله من هذا العاكف على قراءة كتابه!؟
أتحسب المدرس المنشغل بحرب الجهل، حين يسهر على تحضير دروسه أدنى حالا من هذا الذاكر العاني؟؟ لا.
بل كلاهما أقرب إلى الحق، وأدنى إلى الرُشد.
بل إن النائم المستغرق في منامه لطول ما كدح ساحبة نهاره مجاهد، ينام ويصحو بعين الله، ما دام يحيا نظيف القلب حي الضمير..
إن الخطأ في فهم معنى العبادة، مال بحضارتنا وثقافتنا عن السداد، وجعلنا نفهم الجهل علما، والعلم جهلا، وكان لذلك أثره الحاسم فيما أصاب أمتنا من انهيار...
وفي الأيام الأخيرة، رأيتُ بعض الشباب المتدين، يكاد يسلك هذه الطريق الجائرة.
فهو يحسب مظهر إخلاصه لله –إذا انضم لجماعة من الجماعات الإسلامية- أن يحترف الوعظ والإرشاد، وأن يدأب على قراءات مطولة في كتب التفسير والفقه، وما إليها، وقد يكون بعد ذلك طبيبا فاشلا أو مهندسا هزيلا...!!
ليت شعري، ما الذي يصرف هذا الطبيب عن مهنته الجليلة!؟
وكيف لا يدري أن جراحة حسنة يقوم بها، أو دواء موفقا يصفه هو من صميم "الصالحات" التي اعتبر الإسلام عملها ركنا في الفلاح وشرطا للنجاح! وأنا هذا العلم لا يقل وزنه عن صلاة يقيمها أو زكاة يؤديها...!
ومن مواريثنا الباطلة، أننا نصف علوم الشريعة بالشرف، ونكاد نصم علوم الحياة الأخرى بالهوان، مع أن هذه المعارف كلها، سواء في الدلالة على الله وخدمة دينه.
ومن مواريثنا الباطلة، أننا مصروفون عن الدراسات العلمية المنتجة.
ولا تزال نسبة المسلمين في الجامعات الفنية الخطيرة –إلى وقت قريب- تشير إلى تخلفنا الشنيع وإلى تقدم غيرنا.
وقال أيضا:
يجب أن يعلم المسلمون أن حاجة الدين للدنيا كحاجة الروح للبدن، وأن أي تعليم يخل بقوى الأمة المادية، ويمكن غيرها من التفوق عليها، فهو خيانة لله ولرسوله.
وإذا لم يكن خيانة قلبية فهو خيانة فكرية.
إن القرآن الكريم ساوى بين الجهاد الاقتصادي، والجهاد العسكري، ورخص للمجاهدين في الميدانين معًا أن يقرأوا من آياته ما تسير لهم، ففي عناء العمل غِنية عن طول التلاوة.
[...]
(وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ) المزمل 20
إن أنواع العلم والعمل –ما دامت متحمضة للحق- فهي قُربة لا تقل عن الصلاة والقراءة.
ولستُ أدري كيف تنجح رسالة يتخلف حملتها عن سائر الأمم في شئون الحياة.
أو يشيع فيها أن حمل المسبحة عبادة لله، وحمل الفأس والمطرقة عمل شخصي بحت؟
إضافة بقلم حسن خالدي:
كثير من الناس يجتهدون في تأدية صلاة التراويح (النافلة) إما بعد العشاء أو قبل الفجر، وقد يسهرون الليل من أجلها، خصوصا في العشر الأواخر.
فإذا جاء موعد الصّبح (الفريضة) ناموا عنها! وما تقرّب عبد إلى الله بأحب مما افترضه عليه كما في الحديث القدسي...
- إن حديثي عن الفهم الحسن لا يرمي إلى تزهيد الناس في الطاعات والنوافل، بقدر ما يحاول التنبيه عن الخلل المنهجيّ في النظر للأمور ورفع بعضها لمقام "الأوليّ"، وتضييع الأساسي منها وإنزاله لمقام "الثانويّ". ومن ثمّ صناعة "نموذج اجتماعيّ مختلّ" للمسلم الصالح العابد... ولا بدّ أن يختلّ به المجتمع المسلم بعد ذلك...
وهذا لا يخصّ الصلاة وحدها، وهنا مكمن الخطر... فذلك يمتدّ إلى كل عمل مُناط بالمسلم عملُه من أجل دينه وفي سبيل خالقه تعالى...
فصاحب الشركة يحج عاما بعد عام ويترك المظالم وراءه يلعنُه أصحابها.
والأب يفرض على أبنائه حفظ القرآن، ويضيّع علاقته معهم، فلا ينفع حفظ ولا يبقى ودّ.
والمتدين يهجر المدرسة أو الكلية لأنه تدين ويطلب العلم في مجالس الذكر.
والمتحجّبة تختفي عن الأنظار فلا تكاد تُسمعُ لها كلمة وذاك غاية التديّن عندها.
الطالب يشغل نفسه بملحدي كليّته يريد أن "يبدّد ظلمات قلوبهم" عوض أن يبرع في دراسته.
والواعظ يرضى عن الشاب مادام ملتحيا مقصّرا ثيابه ولا يضرّه بعد ذلك شيء.
والعابد يستميت مع التروايح ويشدّ الرحال للمساجد والمقرئين، ولا يرى من الطاعة غسل الأواني المتراكمة كالجبال بعد أن ملأ بطنه.
والمتحمّس يتكلم عن ساحات الحروب والسياسة ولا يضرّه أن ينام حتى الظهيرة، ولا يرى في تخلّفه عن إعالة نفسه أو أسرته خنوعا أو ضعفا...
وهكذا
والأخطر أن كل الأصناف التي ذكرتُ يُنظر لها أنّها الأقرب للتدين والأكثر توفيقا في تجسيده، وبذلك تُغذّي التصورات المنهج، ويغذي المنهج بدوره تلك التصورات....
والخلل طبعا ليس في القيام بتلك النوافل أو بالتخلّق بتلك الأخلاق، إنما الخلل في اختلال التقديم والتأخير، وأيضا اختلال التعظيم. ومن قام بها كلّها فهنيئا له.
هذا كلّه مع تفهّمي جيدا لمسألة الأدوار وأن لكلّ فرد دوره، ولكن وجود الأدوار واحترامها لا يعني وجود تصوّرات "سليمة" عن ذلك الدور. بدليل أنّ صاحب الدور إن غاب ([الأخ الذي يغسل] الأواني مثلا) لا يقوم [مقامه] الأخ المتعبّد في ما [يقوم] به... وفي تبادل الأدوار يظهر الخلل.
إضافة بقلم Alaa Sassa:
إن كان ولدك مريضا و يحتاج إلى علاج هل تتركه يموت وتتصدق بالمال الذي لديك لتبني مسجد؟
السؤال قد يكون جوابه بديهياً، لكن الأغلبية منا تختار بناء المسجد!!
متى كان ذلك؟ عندما يكون هناك جياع وفقراء ومرضى في المجتمع ويصرف مال الصدقات لبناء المساجد.
أي عمل تطوعي نحتاج قبل القيام به معرفة مدى حاجة المجتمع إلى هذا العمل.
نحن في زماننا هذا لا يوجد مسلم لا يجد مسجداً يصلي فيه، بل أحيانا يتواجد في الحي الواحد أربع أو خمسة مساجد متقاربة وأحياناً تشيد المساجد الضخمة ويبالغ في الإنفاق عليها ولا تجد فيها إلا بضعة مصليين!! بينما تجد في نفس الحي فقرا وجوعا وحاجات كثيرة بحاجة إلى أن تسد.
كان يكفي الحي مسجد واحد، وباقي المال لو أنفق على حاجات الناس هل تعلمون
كم عائلة سيطعم؟ كم روحاً سينقذ؟ كم طرفاً صناعياً يركب؟ كم مدرسة سيرمم؟ كم مشرداً سيؤوي؟ كم طالباً منقطع عن الدراسة سيعلم؟
كم قهراً وهماً سيلغي؟
نحن نحتاج إلى أن نحدد أولوياتنا في الإنفاق الحاجة الأشد فالأقل شدة، لنسد جميع حاجات المجتمع و نوازن بينها.
يجب أن نكف عن التعامل مع أحاديث رسول الله بحسابات كحسابات المرابي، من بنى مسجد لله بنى الله له بيتاً في الجنة، أعطي لله هذا المسجد وآخذ مقابله بيتاً في الجنة.
إن كانت صدقتنا بمعزل عن حاجات المجتمع فلن تساهم في بناء المجتمع ولن تحقق الهدف الذي وجدت من أجله.
[...]
إن الحاجات في مجتمعنا كبيرة والعوز والجوع والفقر والجهل كبير وحاجتنا إلى المساجد قد سدت ولله الحمد وإن أي تشييد لأي مسجد من دون الحاجة له اليوم هناك مقابلة فقر يزداد وجوع يزداد ومشردون في الشوارع يزدادون ومرضى لا يجدون العلاج وطلاب لا يصلون إلى التعليم.
أخيراً هل كان رسول الله سيهتم ببناء مسجد آخر في المدينة وزخرفته وفيها جياع ومرضى؟
رسول الله صلى الله عليه و سلم بنى دولة قوية متوازنة من مسجد واحد بسيط، اهتم فيه ببناء الانسان أولا، ولم يهدم الانسان ليبني مسجداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق