في الآونة الأخيرة طفا على السطوح "الإنترنتية" فاعلو خير من فصيل جديد, إما معلوم مَنْ هم بحكم المعلومات الشخصية الحقيقية, أو بأسماء وهمية, وتعْلم يسارهم ما تفعله يمينهم مِن "خير".
عشرات, إنْ لم تكن مئات, الدعوات تصل إلى الساكن في مساكن الفيسبوك, تطلب منه الانضمام إلى مجموعة خاصة بالله, مبدع العالَم الحقيقي لا الافتراضي, حيث يقول نص الدعوة: فلنجعلْ عدد المنضمين إلى صفحة ذي الجلالة مئة مليون, ولنثبت للعالم حبَّنا لله. ودعوة أخرى تقول: على صفحة مايكل جاكسون عشرة ملايين منضم, ألا نستطيع جعل عدد المنضمين إلى صفحة الرسول محمد (ص) أكثر؟. ودعوة أخرى باسم "حملة المليار صلاة على الحبيب المصطفى". كأنها تبرعات للمنكوبين بسبب كارثة.
لا ريْب في أن من يتداولون مثل هذه الدعوات الفيسبوكية يقصدون الخير من فعلهم, لكنّ بعض فاعلي الخير قد يسيئون إلى المقصود من فعلهم من حيث لا يدرون على قاعدة المثل الشعبي "أجا يكحلها عماها". والتأني في هكذا حالات سيفضي إلى إحجام المرء عن هذا السلوك لعدة أسباب موضوعية.
فالخالق, عز شأنه, لا يمكن أن يكون في منافسة مع خلقه, حتى لو من باب حشد المنضمين إلى صفحة فيسبوكية أنشأها عبد غيور على الغفور, والقصد حسن النية. لأن الله ببساطة يعلو ويسمو فوق كل شيء, وأن الدنيا بأكملها لا تساوي عنده جناح بعوضة, فهل يُعقل أن نطيح بصفحات مايكل جاكسون أو الرئيس الأمريكي باراك أوباما بصفحة نذرناها لرب العزة!. إن الشيء يقارن بمثله, وكذا الأشخاص. ثم إن حُب الله لا يمر عبر صفحات الفيسبوك, بقدر ما هو عمل وعبادة دعاء.
أما النبي محمد (ص) فإن كل من يتبعون رسالته يدركون ما يعني لهم الرسول الأكرم, فليس لنا بدٌ, إذنْ, في وضع اسمه في خانة المنافسة مع جاكسون وحشد الأصوات لجعل صفحته الفيسبوكية تفوق العشرة ملايين شخص, ففي ذلك إساءة بالغة لشخص النبي محمد عليه السلام ولو كان القصد حسن النية, لأن صفحة الليدي غاغا هي المنافِسة لجاكسون وأوباما.
لو بحث المرء في الفيسبوك عن الصفحات المخصصة للنبي (ص) لوجد أن على كل صفحة بضعة آلاف وأكثرها على الإطلاق لا يربو على مئتي ألف, وأن مجموع من على الصفحات جميعها لا يزيد على المليون, بينما على صفحة جاكسون عشرة ملايين, وهذا, بالتأكيد لا يعبر عن حجم حب المسلمين الحقيقي لرسولهم الكريم, وفي هذه الحالة سنوقع أنفسنا في شرك المتربصين الذين قد يقولون إن حب الناس لجاكسون يفوق حب المسلمين لرسولهم ويأتون بالدليل الفيسبوكي.
العقلانية تتطلب أن ننأى بالله ورسوله عن المنافسات بأنواعها، وخصوصاً الفيسبوكية منها, فحُب الله ليس "بالتمظهر", والصلاة على الحبيب ليست بالأرقام أو بالحملات الإلكترونية ولا بالضغط على "لايك".
محمد أبو عبيد
مصدر المقال (اضغط هنا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق