وليضربن بخمرهن على جيوبهن... شبهات وردود...
قال تعالى في سورة النور:
(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور- 31)
1- فريق قائل بأن الخمار في اللغة هو الغطاء عموما، وبالتالي فالمطلوب تغطية الجيب (فتحة الصدر) وليس المطلوب تغطية الشعر بالضرورة.
وأسئلتي لهذا الفريق هي:
أ- لو كان المقصود مجرد ستر فتحة الصدر، ألم يكن من الأبلغ قول "فليسترن جيوبهن"؟! أو "فليخمرن جيوبهن" (بمعنى فليغطين جيوبهن)؟! فلماذا قال بخمُرهن؟ بإضافة الخُمُر إليهن؟! إلا أن يكون وجود الخمار هو أمر أساسي يجب توفره أولا؟! ثم الضرب به على الجيب.
ب- حتى لو كان الخمار على عمومه معناه الغطاء فيجب الرجوع لزمن نزول القرآن والنظر ماذا تعني كلمة خمار عندما تنسب للمرأة؟ مثل خمارها، أو خمرهن، ولا شك أنها كانت تعني الحالة الخاصة من المعنى العام للخمار وهو غطاء رأسها.
2- فريق اعترف أن الخمار خمار الرأس لكنه قال بأن الله أمر المؤمنات حين تنزيل الوحي بضرب الخمار على فتحة الصدر لتغطيته لكنه كان أمرا للعرب في هذا الزمان لأنهن يلبسن الخمار بالفعل، فنزلت الآية للاقتراح عليهن أن يضربن بهذه الخُمُر على الجيوب لتغطيتها، ولو أن القرآن ذهب لأناس مسلمين ليس الخمار من عاداتهم فإن المطلوب منهن يكون تغطية الصدر بأي وسيلة وليس بالخمر لأنهن ليس لديهن خُمُر.
وأسئلتي لهذا الفريق هي:
أليس القرآن عاما لكل مكان وزمان أم أنه للعرب فقط؟ فإن كان عامًا لكل زمان ومكان كما يعتقد المسلم، وإن فرضنا جدلا أن المقصود هو تغطية الجيب تحديدا، أليس الله بعالم أن نساءً غير نساء العرب وفي غير زمان النبوة سيكون خمار الرأس ليس من عادتهن؟ بالطبع يعتقد كل مسلم بعلم الله للشهادة والغيب. فلماذا بعد أن علم أن نساءً ليس من عادتهن الخمار قال "وليضربن بخمرهن" رغم أنه ليس لديهن خُمُر؟ أليس هذا - للعقلاء- أمرًا ضمنيا بلبس الخمار أولا ثم الضرب به على الصدر؟ وإلا فلو كان المقصود تغطية فتحة الصدر -مع علم الله أن الإسلام سيدخل بلادا ليس من عادة نسائها الخمار- لقال "فليسترن جيوبهن" أو "فليخمرن جيوبهن"
مثال: لو أمر بشر بشرًا آخر أن يحسب حسابا ما بآلته الحاسبة الكاسيو، وكان المأمور لا يمتلك آلة حاسبة كاسيو، لاشك أنه حينها سيقول لابد أن الآمر يتوهم أن لدي آلة حاسبة كاسيو وبالتالي طلب أن أحسب هذا الحساب له بها، لكن حيث أنه ليس لدي هذا النوع فسأحسبها بأي وسيلة كانت.
لكن لو فرضنا جدلا أن الله هو الذي أمره بأن يحسب هذه الحسبة بآلته الحاسبة الكاسيو!! ولم يكن يمتلك آلة حاسبة، هل سيتوهم حينها أن الله يجهل أنه لا يمتلك آلة حاسبة؟! (مثل حالة أمر البشر له) أم أنه سيفهم ضمنيا أن هذا هو أمر ضمني بأن يمتلك أولا آلة حاسبة كاسيو ويحسب عليها الحساب المطلوب؟! لا شك أن المسلم العاقل سيسلك هذا المسلك، ولن يفترض في الله الجهل بعدم وجود آلة حاسبة كاسيو معه، وإلا لقال الله له: "احسب هذا الحساب بدقة" وحسب!
وهذا يذكرني بموقف بني اسرائيل عندما أمرهم الله على لسان نبيهم أن "اذبحوا بقرة" وسكت، فسألوا هم عن تفاصيل البقرة! هم بذلك افترضوا ضمنيا أن الله لا يقصد أن يأمرهم بذبح بقرة مطلقًا وأنه لابد وأنه أغفل صفات هذه البقرة فذهبوا هم يسألون عن تفاصيلها! ولو أنهم تأدبوا مع الله وأيقنوا بأن الله لا يغفل وأنه عندما يأمر بأمر فإنه يعني ما يأمر به تماما، لو أنهم تأدبوا مع الله لما سألوا عن لون البقرة ولذبحوا أي بقرة!
فالثقة إذًا بعلم الله المطلق وحكمته المطلقة في اختيار الألفاظ المناسبة تماما لهذا العلم المطلق يقتضيان من المسلمة التي لا ترتدي الخمارأن تأخذ الأمر "فليضربن بخمرهن على جيوبهن" أنه من بلاغة القرآن في جمع أمرين في أمر واحد! فالأمر الأول هو امتلاك الخمار وارتدائه، والأمر الثاني هو الضرب بهذا الخمار على جيبها.
والله أعلم
أحمد كمال قاسم
أحسنت. بورك فيك.
ردحذف