في الحقيقة نحن لا نخسر فقط بتشويه الدراما لصورة كل متدين بشكل عام أو طعنهم في بعض أحكام الدين واستبدالها في لا شعور المشاهد بالعادات والتقاليد المخالفة للإسلام .. بل إننا قد خسرنا أيضا بتشويههم لصورة الكافر القرشي.. تخيل؟!
تظهر الأفلام والمسلسلات دوما الكافر القرشي في صورة (الحيوان) قبيح الوجه عبوس أسود الثياب لا يستحم لا يفعل شيئا سوى معاقرة الخمر ومضاجعة الزواني ، يأكل بشكل مقرف ، لا يفهم في أي شيء، وليس له أدنى معرفة أو ثقافة أو مهارة أو إبداع، عديم المروءة والرجولة.
وهذا بعضه حقيقي وأكثره مخالف للحقيقة، والإسراف في هذا التشويه لا يخدم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما قد يتبادر إلى الذهن بل أدى في ظني إلى أضرار في واقعنا الحالي بجانب أن الإنصاف هو أحد أعمدة دعوة الحبيب صلى الله عليه وسلم ولو مع ألد الأعداء.
لقد عرف المجتمع الجاهلي الكافر نهضة ثقافية وأدبية يتبارى فيها الشعراء في تأليف القصائد الطويلة المحكمة المنضبطة بقواعد الشعر واللغة وعرفوا إقامة المسابقات وتشكيل لجان التحكيم التي تعمل قواعد النقد الأدبي لتحدد مواطن تميز كل شاعر عن منافسيه، أقام المجتمع الجاهلي لنفسه اقتصادا قويا قادرا على إقامة علاقات تجارية واسعة مع دول العالم العظمى وحضاراته المختلفة في العراق والشام واليمن وامتدت علاقاتهم السياسية عبر البحر الأحمر إلى الحبشة وهو الأمر الذي حاولوا استغلاله لاحقا لاستعادة المسلمين المهاجرين من هناك، والمتأمل في نقاشات عتبة بن ربيعة ومنطقه ومفاوضات الحديبية يدرك ثقل هؤلاء سياسيا وقدر ذكائهم ، عرفوا علوم اقتفاء الأثر إلى حد معرفة تفاصيل عن شخصية صاحب الأثر وحتى استطاعوا الوصول إلى غار ثور وراء النبي صلى الله عليه وسلم رغم خطته المحكمة، ووجود الغار في عكس إتجاه المدينة، أتقنوا طبوغرافيا جزيرتهم واستخدام النجوم للسير في ظلامها دون فقدان الطريق ،عرفوا علوم الأنساب وبرعوا فيها، لم تكن عسكريتهم عشوائية بل عرفوا كيف تشكل الجيوش مقدمة وميمنة وميسرة وساقة ، عرفوا الخطط العسكرية وتميز فيها بعضهم كخباب بن الأرت الذي انتفع المسلمون باستراتيجياته لاحقا ، وكذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما ، عرف المجتمع الجاهلي شيئا من التكافل الاجتماعي وانشأوا حلف الفضول للوقوف مع المظلوم واستعادة حقه، أقام مشركو المدينة قبل الإسلام نهضة زراعية انتشرت فيها البساتين وكان ذلك من امتحان المسلمين في غزوة تبوك لاحقا إذا كان موعد الغزوة في وقت الحصاد، كما عرفت اليمامة بزراعة القمح، كما يلحظ أن بيوتهم لم تكن خياما عشوائية كما يظن البعض ، بل في استقبال أبي أيوب الأنصاري النبي صلى الله عليه وسلم في بيته في المدينة وطلبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم في الدور الثاني يعكس أنها لم تكن بسيطة.
أما عن الجانب الأخلاقي فعرف الكفار المروءة والشجاعة والكرم حتى ذاع صيت بعضهم كحاتم الطائي وأصبح مثلا يضرب، فشى فيهم الزنا ولكن على النهج الذي يوصف في عصرنا بالمتحضر إذ كان أغلبه يقع مع نساء يمتهن الدعارة مختارات وأمكانهن معروفة، وبدا ذلك التمايز من سؤال هند بنت عتبة للنبي صلى الله عليه وسلم بتعجب وصدمة عند البيعة (أو تزني الحرة؟!)، كما لم يثبت لي – والله أعلم- في تاريخ المشركين القذر في محاربتهم للمسلمين وتعذيبهم لهم بأشنع الوسائل أنهم اغتصبوا مسلمة، بل وقفوا على باب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون خروجه لقتله حتى لا يقتحموا على بناته البيت، عندما أعادوا بناء الكعبة بعد أن تصدعت بسبب السيل تعاهدوا ألا يدخلوا في بنائها مهر بغي أو ربا أو مظلمة حتى عندما نفذت النفقة قبل إتمام البناء جعلوا الحجر علامة على حدودها ، عرف المشركون الوفاء بالكلمة والعهد واحترام إجارة أحدهم لأي أحد حتى لو كان مسلما كما حدث بعد البعثة مع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ومع بعض أصحابه، وعرفوا ستر جسد المرأة ورأسها إذ أن تبرج الجاهلية تركز في كشف الرقبة وأعلى الصدر فقط مع الضرب بالقدم في الأرض ليسمع الناس صوت الخلاخيل الخفية وهو ما نهى عنه الإسلام لاحقا.
وقد ذكرت هذه الأمور لأنها الغائبة والمتعلقة بموضوع المقال أما بلاياهم فظاهر معلوم ولا أحتاج لذكره، فإني أخشى أن أتهم بالدفاع عن الكفار!
فأكتفي بهذا القدر وألج إلى السبب الذي دفعني لكتابة هذا المقال وهي الأضرار التي أرى أنها أصابتنا بهذا الإسراف في التشويه:
1- لقد كانت معجزة القرآن الكريم الكبرى مركزة في تحدي هؤلاء القوم في لغتهم وإمكانياتهم البلاغية ، فإذا كان الخصم بهذا الجهل والضعف والعشوائية فما معنى تحديه وما دلالة الانتصار عليه؟! كذلك في شتى الجوانب الأخرى ، فالمبالغة في إظهار صفرية الخصم الذي واجه بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أغرى البعض الآن بالاستخفاف من الدعوة نفسها ، وحصر دورها في زمان هؤلاء العشوائيين، وأن ما نزل لهؤلاء الهمج عديمي كل شيء لا يمكن أن يناسب المجتمعات المتحضرة ذات الإمكانيات المتعددة ، معرفة واقع أهل الجاهلية وإمكاناتهم وخصائصهم يحد من هذا الزعم الباطل ، وإن كان بطلانه يغني عن إبطاله أصلا إذ أن الإسلام لم يأت لهؤلاء العرب وحدهم ، بل جاء للفرس والروم واليهود الذي كانوا إجماعا مختلفين عن تلك الصورة التي تعرض في الأفلام لمشركي العرب، وكانت لهم حضارات آثارها باقية إلى الآن.
2- يعتمد المروجون لمسألة حصر الإسلام حاليا في الجانب الأخلاقي فقط وتهميش أهمية العقيدة والعبادات على هذه الصورة لإثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم ما بعث إلا لفساد أخلاق هؤلاء القوم مطلقا ، ولولا فساد أخلاقهم المزري وحيوانيتهم ما بعث النبي ، من أجل ذلك يقول البعض عن أهل الغرب حاليا أنهم يمثلون إسلاما بلا مسلمين لوجود شيء من الأخلاقيات الأساسية الإنسانية عندهم ، وهذا مضلل ، فإن المشركين كان لديهم من الأخلاقيات الأساسية ربما تفوق ما يوجد عند الغرب الآن ، ومع ذلك فقد جاءت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أينعم لتكمل ما نقص من تلك الأخلاق ولكن لتؤكد أيضا أن كل ذلك غير مقبول دون صلاح العقيدة ، بل إن وصف المشركين بالأنعام في القرآن الكريم جاء مقترنا بفساد عقيدتهم وضلالهم عن معرفة الإله الحق ، جاء ذلك في وصف مشركي مكة وكل من لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم على سواء أيا كانت حضارته وأخلاقياته الظاهرة، فإن تلك الأقوام لو قابلهم هؤلاء وتعاملوا معهم وجلسوا في حلف الفضول وذاقوا كرم الطائي وشاهدوا عفة المشركات وترفع المشركين عن ترويع النساء لقالوا إنهم يمثلون إسلاما بلا مسلمين! وقالوا يالها من حقوق إنسان! فإن حتى التعذيب والقتل الذي مارسوه ضد المسلمين الجدد يمارس الغرب والشرق الآن أضعافه بشكل مباشر وبالوكالة في البلاد المحتلة والخاضعة للهيمنة ، وبغي قويهم على ضعيفهم يقع أيضا عند الغرب والشرق سواء ضد المسلمين أو ضد بعضهم البعض وهذا بين قبل الحروب العالمية وخلالها وبعدها.
3- تصوير الكافر والمنافق دوما على أنه ذاك الرجل القذر العفن وتلك المرأة المستهترة أدى لعدم تصور بعض المسلمين أن يكون هناك رجل لطيف ذوق أنيق وامرأة محتشمة مهذبة وفي نفس الوقت كافر أو كافرة ، فطفقوا ينفون عنهم الكفر ويثورون إذا ما قال أحد أن هذا الكافر إن لم يتب مصيره إلى النار! ويقولون أن هذه الأخلاق وحدها هي غاية الإسلام فلما يدخل النار ويدخل المسلم سيء الخلق الجنة بعد أن يقضي ما عليه أو يعفو الله عنه ، وهم لا يدركون أنهم لو جلسوا مع عموم مشركي الجزيرة العربية ويهودها ونصارى الروم ومجوس الفرس لوجدوهم على حال لا يختلف كثيرا عن كفار العصر ، ولكن بلا شك تلك الصورة المنطبعة هي التي تأتي في بالهم كلما قرأوا عن الإيمان والكفر والجنة والنار وأصبح صعبا على كثير منهم استيعاب نفس الأمر عن كفار العصر فوقعوا بلا وعي أخطاء وبلايا.
4- بنفس النقطة السابقة أصبح الانخداع في الكفار والمنافقين أسهل طالما أنهم ذوق عليمي اللسان يستحمون يوميا ويستعملون البارفان ورائحتهم ليست كرائحة حنظلة قبل الإسلام، وكأن الحق يعرف باختبار ودراسة الكاريزما لا بمحتوى الكلام الذي يقال.
من ذلك كله فإن فقدان الإنصاف والدقة في ذكر ما على المرء والفئة وما لهما على سواء سيظل بابا للسوء وإن كان بحق كفار قريش ، بجانب أنه مخالفة شرعية، وإن الدقة وشمولية الطرح ليست اختيارا، وقد تعلمنا من علماء الجرح والتعديل والسير دروسا عملية في ذلك قلما نستفيد منها على أرض الواقع.
معتز عبد الرحمن: ماذا خسرنا بتشويه الدراما لكفار قريش؟! (اضغط هنا)
إضافة مقتبسة:
من صغرنا يزرعون بنا بلاهة وضوحية فجة ، فالشرير مظهره وصوته يدلان عليه ، تجد (شرشبيل) بمظهره وصوته ، وعادة الحبة فوق الأنف إذا كانت كبيرة فهي علامة يتطير بها المرء كذلك منظر العجوز الساحرة شمطاء ينكر لونها ، كذلك المسلسلات والأفلام التي صورت مشركي قريش ، ترى حواجب أبا جهل مثلاً يمكن تمشيطها مع باقي شعره لكثافتها ويخيل إليك لبرهة لو أنه أصلح لغطى حاجبه ما انكشف من جلدة رأسه ! ، إلخ من هراء الوضوحية التي تفترض دوما أن الشرير يعرف أنه شرير ، ويتصرف على هذا الأساس ، وأنه لا قضية يؤمن بها ، وأنه يتعمد الأذية !
تظهر الأفلام والمسلسلات دوما الكافر القرشي في صورة (الحيوان) قبيح الوجه عبوس أسود الثياب لا يستحم لا يفعل شيئا سوى معاقرة الخمر ومضاجعة الزواني ، يأكل بشكل مقرف ، لا يفهم في أي شيء، وليس له أدنى معرفة أو ثقافة أو مهارة أو إبداع، عديم المروءة والرجولة.
وهذا بعضه حقيقي وأكثره مخالف للحقيقة، والإسراف في هذا التشويه لا يخدم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما قد يتبادر إلى الذهن بل أدى في ظني إلى أضرار في واقعنا الحالي بجانب أن الإنصاف هو أحد أعمدة دعوة الحبيب صلى الله عليه وسلم ولو مع ألد الأعداء.
لقد عرف المجتمع الجاهلي الكافر نهضة ثقافية وأدبية يتبارى فيها الشعراء في تأليف القصائد الطويلة المحكمة المنضبطة بقواعد الشعر واللغة وعرفوا إقامة المسابقات وتشكيل لجان التحكيم التي تعمل قواعد النقد الأدبي لتحدد مواطن تميز كل شاعر عن منافسيه، أقام المجتمع الجاهلي لنفسه اقتصادا قويا قادرا على إقامة علاقات تجارية واسعة مع دول العالم العظمى وحضاراته المختلفة في العراق والشام واليمن وامتدت علاقاتهم السياسية عبر البحر الأحمر إلى الحبشة وهو الأمر الذي حاولوا استغلاله لاحقا لاستعادة المسلمين المهاجرين من هناك، والمتأمل في نقاشات عتبة بن ربيعة ومنطقه ومفاوضات الحديبية يدرك ثقل هؤلاء سياسيا وقدر ذكائهم ، عرفوا علوم اقتفاء الأثر إلى حد معرفة تفاصيل عن شخصية صاحب الأثر وحتى استطاعوا الوصول إلى غار ثور وراء النبي صلى الله عليه وسلم رغم خطته المحكمة، ووجود الغار في عكس إتجاه المدينة، أتقنوا طبوغرافيا جزيرتهم واستخدام النجوم للسير في ظلامها دون فقدان الطريق ،عرفوا علوم الأنساب وبرعوا فيها، لم تكن عسكريتهم عشوائية بل عرفوا كيف تشكل الجيوش مقدمة وميمنة وميسرة وساقة ، عرفوا الخطط العسكرية وتميز فيها بعضهم كخباب بن الأرت الذي انتفع المسلمون باستراتيجياته لاحقا ، وكذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما ، عرف المجتمع الجاهلي شيئا من التكافل الاجتماعي وانشأوا حلف الفضول للوقوف مع المظلوم واستعادة حقه، أقام مشركو المدينة قبل الإسلام نهضة زراعية انتشرت فيها البساتين وكان ذلك من امتحان المسلمين في غزوة تبوك لاحقا إذا كان موعد الغزوة في وقت الحصاد، كما عرفت اليمامة بزراعة القمح، كما يلحظ أن بيوتهم لم تكن خياما عشوائية كما يظن البعض ، بل في استقبال أبي أيوب الأنصاري النبي صلى الله عليه وسلم في بيته في المدينة وطلبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم في الدور الثاني يعكس أنها لم تكن بسيطة.
أما عن الجانب الأخلاقي فعرف الكفار المروءة والشجاعة والكرم حتى ذاع صيت بعضهم كحاتم الطائي وأصبح مثلا يضرب، فشى فيهم الزنا ولكن على النهج الذي يوصف في عصرنا بالمتحضر إذ كان أغلبه يقع مع نساء يمتهن الدعارة مختارات وأمكانهن معروفة، وبدا ذلك التمايز من سؤال هند بنت عتبة للنبي صلى الله عليه وسلم بتعجب وصدمة عند البيعة (أو تزني الحرة؟!)، كما لم يثبت لي – والله أعلم- في تاريخ المشركين القذر في محاربتهم للمسلمين وتعذيبهم لهم بأشنع الوسائل أنهم اغتصبوا مسلمة، بل وقفوا على باب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون خروجه لقتله حتى لا يقتحموا على بناته البيت، عندما أعادوا بناء الكعبة بعد أن تصدعت بسبب السيل تعاهدوا ألا يدخلوا في بنائها مهر بغي أو ربا أو مظلمة حتى عندما نفذت النفقة قبل إتمام البناء جعلوا الحجر علامة على حدودها ، عرف المشركون الوفاء بالكلمة والعهد واحترام إجارة أحدهم لأي أحد حتى لو كان مسلما كما حدث بعد البعثة مع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ومع بعض أصحابه، وعرفوا ستر جسد المرأة ورأسها إذ أن تبرج الجاهلية تركز في كشف الرقبة وأعلى الصدر فقط مع الضرب بالقدم في الأرض ليسمع الناس صوت الخلاخيل الخفية وهو ما نهى عنه الإسلام لاحقا.
وقد ذكرت هذه الأمور لأنها الغائبة والمتعلقة بموضوع المقال أما بلاياهم فظاهر معلوم ولا أحتاج لذكره، فإني أخشى أن أتهم بالدفاع عن الكفار!
فأكتفي بهذا القدر وألج إلى السبب الذي دفعني لكتابة هذا المقال وهي الأضرار التي أرى أنها أصابتنا بهذا الإسراف في التشويه:
1- لقد كانت معجزة القرآن الكريم الكبرى مركزة في تحدي هؤلاء القوم في لغتهم وإمكانياتهم البلاغية ، فإذا كان الخصم بهذا الجهل والضعف والعشوائية فما معنى تحديه وما دلالة الانتصار عليه؟! كذلك في شتى الجوانب الأخرى ، فالمبالغة في إظهار صفرية الخصم الذي واجه بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أغرى البعض الآن بالاستخفاف من الدعوة نفسها ، وحصر دورها في زمان هؤلاء العشوائيين، وأن ما نزل لهؤلاء الهمج عديمي كل شيء لا يمكن أن يناسب المجتمعات المتحضرة ذات الإمكانيات المتعددة ، معرفة واقع أهل الجاهلية وإمكاناتهم وخصائصهم يحد من هذا الزعم الباطل ، وإن كان بطلانه يغني عن إبطاله أصلا إذ أن الإسلام لم يأت لهؤلاء العرب وحدهم ، بل جاء للفرس والروم واليهود الذي كانوا إجماعا مختلفين عن تلك الصورة التي تعرض في الأفلام لمشركي العرب، وكانت لهم حضارات آثارها باقية إلى الآن.
2- يعتمد المروجون لمسألة حصر الإسلام حاليا في الجانب الأخلاقي فقط وتهميش أهمية العقيدة والعبادات على هذه الصورة لإثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم ما بعث إلا لفساد أخلاق هؤلاء القوم مطلقا ، ولولا فساد أخلاقهم المزري وحيوانيتهم ما بعث النبي ، من أجل ذلك يقول البعض عن أهل الغرب حاليا أنهم يمثلون إسلاما بلا مسلمين لوجود شيء من الأخلاقيات الأساسية الإنسانية عندهم ، وهذا مضلل ، فإن المشركين كان لديهم من الأخلاقيات الأساسية ربما تفوق ما يوجد عند الغرب الآن ، ومع ذلك فقد جاءت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أينعم لتكمل ما نقص من تلك الأخلاق ولكن لتؤكد أيضا أن كل ذلك غير مقبول دون صلاح العقيدة ، بل إن وصف المشركين بالأنعام في القرآن الكريم جاء مقترنا بفساد عقيدتهم وضلالهم عن معرفة الإله الحق ، جاء ذلك في وصف مشركي مكة وكل من لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم على سواء أيا كانت حضارته وأخلاقياته الظاهرة، فإن تلك الأقوام لو قابلهم هؤلاء وتعاملوا معهم وجلسوا في حلف الفضول وذاقوا كرم الطائي وشاهدوا عفة المشركات وترفع المشركين عن ترويع النساء لقالوا إنهم يمثلون إسلاما بلا مسلمين! وقالوا يالها من حقوق إنسان! فإن حتى التعذيب والقتل الذي مارسوه ضد المسلمين الجدد يمارس الغرب والشرق الآن أضعافه بشكل مباشر وبالوكالة في البلاد المحتلة والخاضعة للهيمنة ، وبغي قويهم على ضعيفهم يقع أيضا عند الغرب والشرق سواء ضد المسلمين أو ضد بعضهم البعض وهذا بين قبل الحروب العالمية وخلالها وبعدها.
3- تصوير الكافر والمنافق دوما على أنه ذاك الرجل القذر العفن وتلك المرأة المستهترة أدى لعدم تصور بعض المسلمين أن يكون هناك رجل لطيف ذوق أنيق وامرأة محتشمة مهذبة وفي نفس الوقت كافر أو كافرة ، فطفقوا ينفون عنهم الكفر ويثورون إذا ما قال أحد أن هذا الكافر إن لم يتب مصيره إلى النار! ويقولون أن هذه الأخلاق وحدها هي غاية الإسلام فلما يدخل النار ويدخل المسلم سيء الخلق الجنة بعد أن يقضي ما عليه أو يعفو الله عنه ، وهم لا يدركون أنهم لو جلسوا مع عموم مشركي الجزيرة العربية ويهودها ونصارى الروم ومجوس الفرس لوجدوهم على حال لا يختلف كثيرا عن كفار العصر ، ولكن بلا شك تلك الصورة المنطبعة هي التي تأتي في بالهم كلما قرأوا عن الإيمان والكفر والجنة والنار وأصبح صعبا على كثير منهم استيعاب نفس الأمر عن كفار العصر فوقعوا بلا وعي أخطاء وبلايا.
4- بنفس النقطة السابقة أصبح الانخداع في الكفار والمنافقين أسهل طالما أنهم ذوق عليمي اللسان يستحمون يوميا ويستعملون البارفان ورائحتهم ليست كرائحة حنظلة قبل الإسلام، وكأن الحق يعرف باختبار ودراسة الكاريزما لا بمحتوى الكلام الذي يقال.
من ذلك كله فإن فقدان الإنصاف والدقة في ذكر ما على المرء والفئة وما لهما على سواء سيظل بابا للسوء وإن كان بحق كفار قريش ، بجانب أنه مخالفة شرعية، وإن الدقة وشمولية الطرح ليست اختيارا، وقد تعلمنا من علماء الجرح والتعديل والسير دروسا عملية في ذلك قلما نستفيد منها على أرض الواقع.
معتز عبد الرحمن: ماذا خسرنا بتشويه الدراما لكفار قريش؟! (اضغط هنا)
إضافة مقتبسة:
من صغرنا يزرعون بنا بلاهة وضوحية فجة ، فالشرير مظهره وصوته يدلان عليه ، تجد (شرشبيل) بمظهره وصوته ، وعادة الحبة فوق الأنف إذا كانت كبيرة فهي علامة يتطير بها المرء كذلك منظر العجوز الساحرة شمطاء ينكر لونها ، كذلك المسلسلات والأفلام التي صورت مشركي قريش ، ترى حواجب أبا جهل مثلاً يمكن تمشيطها مع باقي شعره لكثافتها ويخيل إليك لبرهة لو أنه أصلح لغطى حاجبه ما انكشف من جلدة رأسه ! ، إلخ من هراء الوضوحية التي تفترض دوما أن الشرير يعرف أنه شرير ، ويتصرف على هذا الأساس ، وأنه لا قضية يؤمن بها ، وأنه يتعمد الأذية !
هذا كله يتجاوز أن الإنسان كائن تبريري بطبيعته فكل شيء يحاول تبريره ، ما اخترع الأساطير إلا لتبرير جهله وترقيعه في مراحل معينة ، ولذا هو دوما يبحث عن أي تشريع لفعله ، وبالتالي في الواقع فإن شرشبيل لن يكون بالصورة الغبية التي يتم تصويرها ، لربما سيكون جنتل مان ، ورجل أعمال ، ومع ذلك هو مسؤول عن شركة سلاح تبيع منتجاتها لبلد فيها حرب أهلية وتحرق فيها الأخضر واليابس .. المشركون .. انظروا حولكم ، نفس أشكال الناس اليوم ستجد فيهم مشركين ، وملحدين ، دون العته في تصويرهم ، وهل ترى المشرك صوته أخشن منك مثلا ، وهل ضحكته ضحكة السكارى ورواد الغرز ! ، ليس الأمر بهذه الصورة .. يفترض تجاوز هذه النمطية التي وإن اعتبرناها غير مهمة ، لكنها ساهمت في صقل كثير من أفكارنا وما التف بها من بعد نفسي .
حتى إن قلت لشخص أترى هذا الرجل ؟ هذا مسؤول عن إبادة كذا ألف ..
يقول على عجل ! يا إلهي كيف هذا يبدو محترما !!
سحقاً ما علاقة أناقته بكونه بريئاً ! أو حتى محترما ! ...
بقلم: يوسف سمرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق