يمكننا القول بأن الحديث عن "عبقرية اليهود" فيه شطط، وأن الحديث عن "الجريمة اليهودية" لا يقل عنه شططا، فكلا المفهومين يكتفي بالنظر لليهود من الداخل، ويراهم بحسبانهم كلا منعزلا عن محيطه الحضاري، ويرى أن "يهودية" عضو الجماعة اليهودية هي المسؤولة عن سلوكه، عبقريا كان أم إجراميا.
وهنا يحق لنا أن نسأل إن كانت اليهودية هي المسؤولة عن "عبقريته"، فلم لم يظهر كافكا أو أينشتاين بين يهود الفلاشاه؟
وإذا كانت اليهودية مسؤولة عن "إجرامه" فلم لم يظهر تنظيم مافيا يهودي في اليمن (كما حدث بين يهود الولايات المتحدة في الثلاثينيات؟)
إن دراسة المؤسسات والظواهر اليهودية تبدأ بدراسة المجتمع الذي يعيش فيه أعضاء الجماعات اليهودية بين ظهرانيه (بدلا من النظر لهم من الداخل وكأنهم كيان سايسي وحضاري مستقل).
إن فعل الباحث ذلك فإنه سيكتشف في أغلب الأحيان أن كثيرا من الظواهر والمؤسسات "اليهودية" (والتي كان يظن أنها "يهودية خالصة") إن هي إلا صدى للظواهر السائدة في مجتمع الأغلبية وإعادة إنتاج لمؤسساته.
فعبقرية أينشتاين ليست نتاج يهوديته، وإنما هي نتاج التراكم المعرفي والتقدم العملي في العالم الغربي الذي ينتمي إليه هذا العالم الرياضي، تماما كما أن تنظيم المافيا اليهودي ليس نتاج الانتماء اليهودي، وإنما هو صدى لظاهرة الجريمة المنظمة التي يعرفها المجتمع الأمريكي.
المسيري (في كتاب رحلتي الفكرية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق